حكم الشريعة في غلام أحمد برويز

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:
 فقد اطلعت على ما نشرته (مجلة الحج) في عددها الثاني الصادر في 16 شعبان عام 1382هـ من الاستفتاء المقدم إليها من أخينا العلامة الشيخ محمد يوسف البنوري، مدير المدرسة العربية الإسلامية بكراتشي، عن حكم الشريعة الإسلامية في غلام أحمد برويز، الذي ظهر أخيرًا في بلاد الهند، وعن حكم معتقداته التي قدم فضيلة المستفتي نماذج منها لاستفتائه، وعن حكم من اعتنق تلك العقائد واعتقدها ودعا إليها... إلخ؟
والجواب: كل من تأمل تلك النماذج التي ذكرها المستفتي في استفتائه من عقائد غلام أحمد برويز، وهي عشرون أنموذجًا موضحة في الاستفتاء المنشور في المجلة المذكورة، كل من تأمل هذه النماذج المشار إليها من ذوي العلم والبصيرة، يعلم علما قطعيًا لا يحتمل الشك بوجه ما، أن معتنقها ومعتقدها والداعي إليها كافر كفرًا أكبر، مرتد عن الإسلام، يجب أن يستتاب، فإن تاب توبة ظاهرة وكذب نفسه تكذيبًا ظاهرًا ينشر في الصحف المحلية كما نشر فيها الباطل من تلك العقائد الزائفة، وإلا وجب على ولي الأمر للمسلمين قتله، وهذا شيء معلوم من دين الإسلام بالضرورة، والأدلة عليه من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم كثيرة جدًا لا يمكن استقصاؤها في هذا الجواب، وكل أنموذج من تلك النماذج التي قدمها المستفتي من عقائد [غلام أحمد برويز] يوجب كفره وردته عن الإسلام عند علماء الشريعة الإسلامية.
وإلى القارئ الكريم نبذة من تلك النماذج التي أشرنا إليها؛ ليعلم مدى بشاعتها وشناعتها وبعدها عن الإسلام، وأن معتقدها لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يؤمن بالرسولﷺ، ولا بما أخبر الله به عز وجل ورسوله ﷺ عن الآخرة والجنة والنار، وليعلم أيضًا أن معتقدها بعيد كل البعد عما جاءت به الرسل، شديد العداوة والحقد والكيد للإسلام والمسلمين، بارع في المكر والتلبيس، متجرد من الحياء والأدب، نسأل الله تعالى العافية والسلامة لنا وللمسلمين من شر ما ابتلي به هذا الزنديق الملحد.
النموذج الأول: من عقائد الملحد [غلام أحمد برويز] على ما نشرته المجلة المذكورة في الاستفتاء المنوه عنه آنفًا يقول: (إن جميع ما ورد في القرآن الكريم من الصدقات والتوريث وما إلى ذلك من الأحكام المالية، كل ذلك مؤقت تدريجي، إنما يتدرج به إلى دور مستقل يسميه هو نظام الربوبية، فإذا جاء ذلك الوقت تنتهي هذه الأحكام؛ لأنها كانت مؤقتة غير مستقلة).
النموذج الثاني: (أن الرسول والذين معه قد استنبطوا من القرآن أحكامًا فكانت شريعة، وهكذا كل من جاء بعده من أعضاء شورائية لحكومة مركزية، لهم أن يستنبطوا أحكامًا من القرآن، فتكون تلك الأحكام شريعة ذلك العصر، وليسوا مكلفين بتلك الشريعة السابقة، ثم لا تختص تلك بباب واحد، بل العبادات والمعاملات والأخلاق كلها يجري فيه ذلك، ومن أجل ذلك القرآن لم يعين تفصيلات العبادة).
النموذج الثالث: (قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] أن المراد من إطاعة الله ورسوله: هو إطاعة مركز الأمة، أي الحكومة المركزية، والمراد بأولي الأمر: الجمعيات التي تنعقد تحتها، فالحكومة المركزية تستقل بالتشريع، وليس المراد بإطاعة الله إطاعة كتابه القرآن، ولا بإطاعة الرسول إطاعة أحاديثه، فكل حكومة مركزية قامت بعد عهد الرسالة منصبها منصب الرسول، فإطاعة الله والرسول إنما هي إطاعة تلك الحكومة، والرسول كان مطاعًا من جهة أنه كان أميرًا وإمامًا للحكومة المركزية، والحكومة المركزية هي المطاعة).
النموذج الرابع: (قد صرح القرآن الكريم بأنه لا يستحق الرسول أن يكون مطاعًا، وليس له أن يأمرهم بطاعته، وليس المراد من إطاعة الله وإطاعة الرسول إلا إطاعة مركز نظام الدين الذي ينفذ أحكام القرآن فقط).
النموذج السادس: (ليس المراد بالجنة والنار أمكنة خاصة، بل هي كيفيات للإنسان).
النموذج التاسع عشر: (الإيمان بالقدر خيره وشره مكيدة مجوسية جعلتها عقيدة للمسلمين).
فهذه أيها القارئ الكريم نماذج نقلتها لك من الاستفتاء المنشور في المجلة حسب ترتيبها فيها؛ لتعلم صحة ما ذكرته لك آنفًا، وإذا قرأت بقية النماذج التي في المجلة علمت من كفره وشناعة آرائه ما يؤيد ذلك، ويرشدك إلى كثير من آيات الله الساطعة وبراهينه القاطعة على حكمته في عباده وقدرته العظيمة على تقليب القلوب والقضاء عليها بالزيغ حتى تصل إلى حد لا يكاد يتصوره العقل البشري، فسبحان الله ما أعظم شأنه! وما أكمل قدرته! كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الروم:59].
وهذه النماذج التي نقلنا يدل على بطلانها وعلى بطلان بقية النماذج الأخرى آيات كثيرات وأحاديث صحيحة وإجماع أهل العلم، فمن الآيات قوله سبحانه وتعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۝ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:36، 37].
وهذا الملحد لم يؤمن بما أنزل الله على محمد ﷺ وما أنزل على الرسل قبله، بل أنكر ذلك غاية الإنكار، كما يدل على ذلك إنكاره طاعة الله ورسوله وتأييد شريعته، وإنكاره الجنة والنار، وإنكار القدر، فيكون بذلك غير مهتد، بل هو من أهل الشقاق والكفر والإلحاد، وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19].
وهذا الملحد لا يدين بذلك، ويرى أن طاعة الرسول ﷺ مقيدة بحياته، وأنه لم يطع لكونه رسول الله، وإنما أطيع لكونه أمير الحكومة المركزية.
وهذا الملحد أيضًا لا يرى طاعة الله ولا يلتزم بها، وإنما الطاعة عنده للحكومة المركزية كيفما كانت، وهذا صريح في تكذيب الله وتكذيب كتابه، وصريح في إنكار الإسلام وإنكار أن يكون هو الدين الذي يجب التزامه، وإنما الدين عنده ما شرعته الحكومة المركزية وأمرت به، وإن خالف القرآن والسنة، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
وهذا الملحد كما سبق لا يدين بهذه الآية فيكون مكذبًا لله ومعترضًا على الله فيكون في الآخرة من الخاسرين، والخاسر في الآخرة الخسارة المطلقة هو الكافر المستوجب للخلود في النار، نعوذ بالله من ذلك، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف:40] وقال عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].
وهذا الزائغ الملحد لا يدين بهذه الآيات، ولا يوجب طاعة الله ورسوله ولا التحاكم إليهما كما سبق، بل يرى كل ذلك للحكومة المركزية، وهذا كله كاف في تكفيره وشناعة عقيدته وتكذيبه لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين، ومن كان بهذه المثابة فكفره وزيغه وبعده عن الهدى لا يحتاج إلى إقامة الأدلة؛ لكونه أظهر وأبين من الشمس في رابعة النهار في اليوم الصحو، والآيات في معنى ما ذكرته كثيرة.
وأما الأحاديث فقد صح عن رسول الله ﷺ في الصحيحين وغيرهما أنه قال: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وصح عنه ﷺ أنه قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري.
وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] ويقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وهذا الملحد لا يؤمن ببعثته ولا بوجوب طاعته ولا يراه رسولًا إلى الناس عامة وإنما يطاع عند هذا الزنديق في حياته فقط لكونه أمير الحكومة المركزية لا لكونه رسول الله فسبحان الله ما أشنع هذا القول وما أبعده عن الهدى.
وقد أجمع المسلمون إجماعًا قطعيًا معلومًا من الدين بالضرورة، ومنقولًا في كتب أهل العلم التي تحكي الإجماع والخلاف على أن من كذب الله سبحانه، أو كذب رسوله ﷺ ولو في شيء يسير، أو أجاز الخروج عن دينه، أو قال إن محمدًا ﷺ رسول إلى العرب خاصة، أو إلى أهل زمانه خاصة، فهو كافر مرتد عن الإسلام، يباح دمه وماله، ليس في ذلك بين أهل العلم بحمد الله خلاف، فلا حاجة إلى التطويل بنقل إجماعهم من مصادره.
وأرجو أن يكون فيما ذكرته كفاية للقارئ والمستفتي؛ لأن كفر هذا الملحد [غلام أحمد برويز] على حسب ما ذكر من آرائه ومعتقداته، يعلم بالبداهة لعامة المسلمين فضلًا عن علمائهم، فلا ضرورة إلى بسط الأدلة عليه، ونسأل الله أن يعافي المسلمين من شره وأمثاله، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، ويبطل كيدهم ويميتهم بغيظهم لم يدركوا ما أرادوا، إنه على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا وإمامنا محمد بن عبدالله المبعوث إلى الناس عامة بالشريعة الكاملة إلى يوم القيامة، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين[1].

  1. تعقيب من سماحة الشيخ على ما نشر في مجلة الحج " التضامن الإسلامي "-حول عقيدة غلام أحمد برويز نشر في الصحف عام 1382هـ عندما كان سماحته نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 268)