بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
اطلعت على ما نشرته صحيفة اليمامة في عددها الصادر في 18 / 3 / 1385هـ تحت عنوان حول مشكلة الأسبوع، وقرأت ما كتبه الأستاذ ناصر بن عبدالله في حل مشكلة الأخت في الله-م.ع.ل-المنوه عنها في العدد الصادر في 11 / 3 / 1385هـ تحت عنوان: خذيني إلى النور
اطلعت على ما نشرته صحيفة اليمامة في عددها الصادر في 18 / 3 / 1385هـ تحت عنوان حول مشكلة الأسبوع، وقرأت ما كتبه الأستاذ ناصر بن عبدالله في حل مشكلة الأخت في الله-م.ع.ل-المنوه عنها في العدد الصادر في 11 / 3 / 1385هـ تحت عنوان: خذيني إلى النور
وقرأت أيضًا ما كتبه ابن السراة في حل المشكلة ذاتها، فألفيت ما كتبه الأستاذ ناصر حلًا جيدًا مطابقًا للحق ينبغي للأخت صاحبة المشكلة أن تأخذ به، وأن تلزم الأخلاق الفاضلة والأدب الصالح والصبر الجميل، وبذلك تتغلب على جميع الصعوبات، وتحمد العاقبة إن شاء الله.
وإذا كان الضرر الذي تشكو منه من جهة الزوج وعدم عدله، فلتطلب منه إصلاح السيرة بلطف وإحسان وصبر جميل، وبذلك نرجو أن تدرك مطلوبها، وبقاؤها في البيت عنده أقرب إلى العدل إن شاء الله.
أما إن كان الضرر من الضرة، فالواجب على الزوج أن يمنع ضرر الضرة، أو يسكن صاحبة المشكلة في بيت وحدها، ويقوم بما يلزم لها من النفقة وإيجاد مؤنسة إذا كانت لا تستطيع البقاء في البيت وحدها، والواجب عليه أن ينصف من نفسه وأن يتحرى العدل ويبتعد عن جميع أنواع الضرر، فإن لم يقم بذلك ولم تجد في أقاربه وأصدقائه من يحل المشكلة فليس أمامها سوى رفع أمره إلى المحكمة.
وينبغي لها قبل ذلك أن تضرع إلى الله سبحانه، وتسأله بصدق أن يفرج كربتها ويسهل أمرها ويهدي زوجها وضرتها للحق والإنصاف.
وعليها أيضًا أن تحاسب نفسها، وأن تستقيم على طاعة ربها، وأن تتوب إليه سبحانه من تقصيرها في حقه وحق زوجها، فإن العبد لا يصيبه مصيبة إلا بما كسب من سيئات، كما قال الله سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] وقال تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].
وأما حل ابن السراة للمشكلة فهو حل صادر من جاهل بالشريعة وأحكامها، وهو في أشد الحاجة إلى أن يؤخذ إلى النور ويوجه إلى الحق؛ لأنه قد وقع فيما هو أشد خطورة وأكثر ظلمة مما وقعت فيه صاحبة المشكلة، وما ذاك إلا لأنه عاب تعدد الزوجات وزعم أنه داء خطير يجب أن نحاربه بكل وسيلة من شأنها الحد من تفشي هذا الداء العضال الذي يهدد استقرار مجتمعنا وأهاب بالحكومة إلى منعه، وزعم أيضًا أن الذي يسعى في تعدد الزوجات جاهل يجب علينا أن نتعاون على الحيلولة دون تحقيق رغباته الحيوانية واستئصال هذا الداء من شأفته، وزعم أيضًا أنه ما دخل التعدد في أسرة إلا وشتت شملها وأقض مضجعها... إلخ.
وأقول أن هذا الكلام لا يصدر من شخص يؤمن بالله واليوم الآخر ويعلم أن الكتاب العزيز والسنة المطهرة جاءا بالتعداد، وأجمع المسلمون على حله، فكيف يجوز لمسلم أن يعيب ما نص الكتاب العزيز على حله بقوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا [النساء:3] الآية.
فقد شرع الله لعباده في هذه الآية أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع بشرط العدل، وهذا الجاهل يزعم أنه داء خطير ومرض عضال مشتت للأسرة ومقض للمضاجع يجب أن يحارب، ويزعم أن الراغب فيه مشبه للحيوان، وهذا كلام شنيع يقتضي التنقص لكل من جمع بين زوجتين فأكثر، وعلى رأسهم سيد الثقلين محمدﷺ.
فقد جمع ﷺ بين تسع من النساء، ونفع الله بهن الأمة، وحملن إليها علومًا نافعة وأخلاقًا كريمة وآدابًا صالحة.
وكذلك النبيان الكريمان داود وسليمان-عليهما السلام-فقد جمعا بين عدد كثير من النساء بإذن الله وتشريعه، وجمع كثير من أصحاب الرسول ﷺ وأتباعهم بإحسان، وفي تعدد النساء مع تحري العدل مصالح كثيرة وفوائد جمة، منها: عفة الرجل وإعفافه عددا من النساء، ومنها كفايته لهن وقيامه بمصالحهن، ومنها كثرة النسل الذي يترتب عليه كثرة الأمة وقوتها وكثرة من يعبد الله، ومنها مباهاة النبي ﷺ بهم الأمم يوم القيامة. إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة التي يعرفها من يعظم الشريعة وينظر في محاسنها وحكمها وأسرارها وشدة حاجة العباد إليها بعين الرضا والمحبة والتعظيم والبصيرة.
أما الجاهل الذي ينظر إلى الشريعة بمنظار أسود، وينظر إلى الغرب والشرق بكل عينيه معظمًا مستحسنًا كل ما جاء منهما، فمثل هذا بعيد عن معرفة محاسن الشريعة وحكمها وفوائدها ورعايتها لمصالح العباد رجالًا ونساءً.
وقد كان التعدد معروفًا في الأمم الماضية ذوات الحضارة، وفي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحدد من ذلك وقصر المسلمين على أربع، وأباح للرسول ﷺ أكثر من ذلك لحكم وأسرار ومصالح اقتضت تخصيصه ﷺ بالزيادة على أربع، وقد قصره الله على تسع كما في سورة الأحزاب.
وقد ذكر علماء الإسلام أن تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشاكله، ولولا ضيق المجال وخوف الإطالة لنقلت لك أيها القارئ شيئا من كلامهم لتزداد علما وبصيرة.
وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة رغم عداوتهم لها إقرارًا بالحق واضطرارًا للاعتراف به، وأنا أنقل لك بعض ما اطلعت عليه من ذلك وإن كان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام علماء الإسلام ما يشفي ويغني عن كلام كتاب أعداء الإسلام ولكن بعض الناس قد ينتفع من كلامهم أكثر مما ينتفع من كلام علماء الإسلام بل أكثر مما ينتفع من الآيات والأحاديث وما ذاك إلا لما قد وقع في قلبه من تعظيم الغرب وما جاء عنه فلذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما اطلعت عليه من كلام كتاب وكاتبات الغرب.
قال في المنار جزء 4 صفحة 485 منه نقلًا عن جريدة (لندن ثروت) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصًا: (لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحبًا، وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني ووجعي وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعًا إذ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة.
ولله در العالم (توس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الوساطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبى على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة.
أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلًا وعالةً وعارًا في المجتمع الإنساني، فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل؟ وعليه ما ليس عليها؟ وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين).
ونقل في صفحة 362 عن كاتبة أخرى أنها قالت: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة، حيث الخادمة والرقيق تنعمان بأرغد عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) اهـ.
وقال غيره: قال غوستاف لوبون: إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطًا، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تجدهما في أوروبا).
ويقول برنارد شو الكاتب: (إن أوربا ستضطر إلى الرجوع إلى الإسلام قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم أبت)
هذا بعض ما اطلعت عليه من كلام أعداء الإسلام في محاسن الإسلام وتعدد الزوجات، وفيه عظة لكل ذي لب، والله المستعان.
أما حكم ابن السراة فلا شك أن الذي قاله في تعدد النساء تنقص للإسلام وعيب للشريعة الكاملة واستهزاء بها وبالرسولﷺ، وذلك من نواقض الإسلام، فالواجب على ولاة الأمور استتابته عما قال، فإن تاب وأعلن توبته في الصحيفة التي أعلن فيها ما أوجب كفره، فالحمد لله.
ويجب مع ذلك أن يؤدب بما يردعه وأمثاله، وإن لم يتب وجب أن يقتل مرتدًا، ويكون ماله فيئًا لبيت المال، لا يرثه أقاربه، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] وقال تعالى في حق الكفرة: ذَلِكََ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9] فنبه سبحانه عباده إلى أن من استهزأ بدينه أو كره ما أنزل كفر وحبط عمله، وقال سبحانه في آية أخرى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28].
ولا ريب أن ابن السراة قد كره ما أنزل الله من إباحة تعدد النساء وعاب ذلك؛ وزعم أنه داء عضال فيدخل في حكم هذه الآيات والأدلة على هذا المعنى كثيرة.
ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لمحبة ما شرعه لعباده، والتمسك به، والحذر مما خالفه، وأن ينصر دينه وحزبه، ويخذل الباطل وأهله، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه[1].
وإذا كان الضرر الذي تشكو منه من جهة الزوج وعدم عدله، فلتطلب منه إصلاح السيرة بلطف وإحسان وصبر جميل، وبذلك نرجو أن تدرك مطلوبها، وبقاؤها في البيت عنده أقرب إلى العدل إن شاء الله.
أما إن كان الضرر من الضرة، فالواجب على الزوج أن يمنع ضرر الضرة، أو يسكن صاحبة المشكلة في بيت وحدها، ويقوم بما يلزم لها من النفقة وإيجاد مؤنسة إذا كانت لا تستطيع البقاء في البيت وحدها، والواجب عليه أن ينصف من نفسه وأن يتحرى العدل ويبتعد عن جميع أنواع الضرر، فإن لم يقم بذلك ولم تجد في أقاربه وأصدقائه من يحل المشكلة فليس أمامها سوى رفع أمره إلى المحكمة.
وينبغي لها قبل ذلك أن تضرع إلى الله سبحانه، وتسأله بصدق أن يفرج كربتها ويسهل أمرها ويهدي زوجها وضرتها للحق والإنصاف.
وعليها أيضًا أن تحاسب نفسها، وأن تستقيم على طاعة ربها، وأن تتوب إليه سبحانه من تقصيرها في حقه وحق زوجها، فإن العبد لا يصيبه مصيبة إلا بما كسب من سيئات، كما قال الله سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] وقال تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].
وأما حل ابن السراة للمشكلة فهو حل صادر من جاهل بالشريعة وأحكامها، وهو في أشد الحاجة إلى أن يؤخذ إلى النور ويوجه إلى الحق؛ لأنه قد وقع فيما هو أشد خطورة وأكثر ظلمة مما وقعت فيه صاحبة المشكلة، وما ذاك إلا لأنه عاب تعدد الزوجات وزعم أنه داء خطير يجب أن نحاربه بكل وسيلة من شأنها الحد من تفشي هذا الداء العضال الذي يهدد استقرار مجتمعنا وأهاب بالحكومة إلى منعه، وزعم أيضًا أن الذي يسعى في تعدد الزوجات جاهل يجب علينا أن نتعاون على الحيلولة دون تحقيق رغباته الحيوانية واستئصال هذا الداء من شأفته، وزعم أيضًا أنه ما دخل التعدد في أسرة إلا وشتت شملها وأقض مضجعها... إلخ.
وأقول أن هذا الكلام لا يصدر من شخص يؤمن بالله واليوم الآخر ويعلم أن الكتاب العزيز والسنة المطهرة جاءا بالتعداد، وأجمع المسلمون على حله، فكيف يجوز لمسلم أن يعيب ما نص الكتاب العزيز على حله بقوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا [النساء:3] الآية.
فقد شرع الله لعباده في هذه الآية أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع بشرط العدل، وهذا الجاهل يزعم أنه داء خطير ومرض عضال مشتت للأسرة ومقض للمضاجع يجب أن يحارب، ويزعم أن الراغب فيه مشبه للحيوان، وهذا كلام شنيع يقتضي التنقص لكل من جمع بين زوجتين فأكثر، وعلى رأسهم سيد الثقلين محمدﷺ.
فقد جمع ﷺ بين تسع من النساء، ونفع الله بهن الأمة، وحملن إليها علومًا نافعة وأخلاقًا كريمة وآدابًا صالحة.
وكذلك النبيان الكريمان داود وسليمان-عليهما السلام-فقد جمعا بين عدد كثير من النساء بإذن الله وتشريعه، وجمع كثير من أصحاب الرسول ﷺ وأتباعهم بإحسان، وفي تعدد النساء مع تحري العدل مصالح كثيرة وفوائد جمة، منها: عفة الرجل وإعفافه عددا من النساء، ومنها كفايته لهن وقيامه بمصالحهن، ومنها كثرة النسل الذي يترتب عليه كثرة الأمة وقوتها وكثرة من يعبد الله، ومنها مباهاة النبي ﷺ بهم الأمم يوم القيامة. إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة التي يعرفها من يعظم الشريعة وينظر في محاسنها وحكمها وأسرارها وشدة حاجة العباد إليها بعين الرضا والمحبة والتعظيم والبصيرة.
أما الجاهل الذي ينظر إلى الشريعة بمنظار أسود، وينظر إلى الغرب والشرق بكل عينيه معظمًا مستحسنًا كل ما جاء منهما، فمثل هذا بعيد عن معرفة محاسن الشريعة وحكمها وفوائدها ورعايتها لمصالح العباد رجالًا ونساءً.
وقد كان التعدد معروفًا في الأمم الماضية ذوات الحضارة، وفي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحدد من ذلك وقصر المسلمين على أربع، وأباح للرسول ﷺ أكثر من ذلك لحكم وأسرار ومصالح اقتضت تخصيصه ﷺ بالزيادة على أربع، وقد قصره الله على تسع كما في سورة الأحزاب.
وقد ذكر علماء الإسلام أن تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشاكله، ولولا ضيق المجال وخوف الإطالة لنقلت لك أيها القارئ شيئا من كلامهم لتزداد علما وبصيرة.
وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة رغم عداوتهم لها إقرارًا بالحق واضطرارًا للاعتراف به، وأنا أنقل لك بعض ما اطلعت عليه من ذلك وإن كان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام علماء الإسلام ما يشفي ويغني عن كلام كتاب أعداء الإسلام ولكن بعض الناس قد ينتفع من كلامهم أكثر مما ينتفع من كلام علماء الإسلام بل أكثر مما ينتفع من الآيات والأحاديث وما ذاك إلا لما قد وقع في قلبه من تعظيم الغرب وما جاء عنه فلذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما اطلعت عليه من كلام كتاب وكاتبات الغرب.
قال في المنار جزء 4 صفحة 485 منه نقلًا عن جريدة (لندن ثروت) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصًا: (لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحبًا، وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني ووجعي وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعًا إذ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة.
ولله در العالم (توس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الوساطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبى على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة.
أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلًا وعالةً وعارًا في المجتمع الإنساني، فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل؟ وعليه ما ليس عليها؟ وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين).
ونقل في صفحة 362 عن كاتبة أخرى أنها قالت: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة، حيث الخادمة والرقيق تنعمان بأرغد عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) اهـ.
وقال غيره: قال غوستاف لوبون: إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطًا، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تجدهما في أوروبا).
ويقول برنارد شو الكاتب: (إن أوربا ستضطر إلى الرجوع إلى الإسلام قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم أبت)
هذا بعض ما اطلعت عليه من كلام أعداء الإسلام في محاسن الإسلام وتعدد الزوجات، وفيه عظة لكل ذي لب، والله المستعان.
أما حكم ابن السراة فلا شك أن الذي قاله في تعدد النساء تنقص للإسلام وعيب للشريعة الكاملة واستهزاء بها وبالرسولﷺ، وذلك من نواقض الإسلام، فالواجب على ولاة الأمور استتابته عما قال، فإن تاب وأعلن توبته في الصحيفة التي أعلن فيها ما أوجب كفره، فالحمد لله.
ويجب مع ذلك أن يؤدب بما يردعه وأمثاله، وإن لم يتب وجب أن يقتل مرتدًا، ويكون ماله فيئًا لبيت المال، لا يرثه أقاربه، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] وقال تعالى في حق الكفرة: ذَلِكََ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9] فنبه سبحانه عباده إلى أن من استهزأ بدينه أو كره ما أنزل كفر وحبط عمله، وقال سبحانه في آية أخرى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:28].
ولا ريب أن ابن السراة قد كره ما أنزل الله من إباحة تعدد النساء وعاب ذلك؛ وزعم أنه داء عضال فيدخل في حكم هذه الآيات والأدلة على هذا المعنى كثيرة.
ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لمحبة ما شرعه لعباده، والتمسك به، والحذر مما خالفه، وأن ينصر دينه وحزبه، ويخذل الباطل وأهله، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه[1].
- (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 229)