الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلا ريب أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، كما قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بهذه العبادة، وبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل الكتب، لبيان هذا الحق، وتفصيله، والدعوة إليه، كما قال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ومعنى قضى في هذه الآية: أمر ووصى، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِير [هود:1-2] وقال تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52].
ففي هذه الآيات الكريمات الأمر بعبادته سبحانه، والتصريح بأنه خلق الثقلين لهذه العبادة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها، والدعوة إليها، وحقيقة هذه العبادة: هي طاعة الله ورسوله ﷺ، بالإخلاص لله في جميع الأعمال، والامتثال لأوامره، والحذر من نواهيه، والتعاون في ذلك كله، وتوجيه القلوب إليه سبحانه، وسؤاله عز وجل جميع الحاجات عن ذل وخضوع، وإيمان وإخلاص، وصدق وتوكل عليه سبحانه، ورغبة ورهبة، مع القيام بالأسباب التي شرعها لعباده، وأمرهم بها، وأباح لهم مباشرتها.
وبهذا كله يستقيم أمر الدنيا والدين وتنتظم مصالح العباد في أمر المعاش والمعاد، ولا صلاح للعباد، ولا راحة لقلوبهم، ولا طمأنينة لضمائرهم، إلا بالإقبال على الله عز وجل، والعبادة له وحده، والتعظيم لحرماته، والخضوع لأوامره، والكف عن مناهيه، والتواصي بهم بذلك، والتعاون عليه، والوقوف عند الحدود التي حد لعباده، كما قال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13، 14]
ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوهم، إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى، والتكافل والتعاطف والتناصح، والتواصي بالحق، والصبر عليه، ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية، والفرائض اللازمة، وقد نصت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين -أفرادا وجماعات، حكومات وشعوبا- من أهم المهمات، ومن الواجبات التي لابد منها لصلاح الجميع، وإقامة دينهم وحل مشاكلهم، وتوحيد صفوفهم، وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك.
والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جدا، وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن فقد وردت بمعناه وما يدل عليه عند أهل العلم، والأشياء بحقائقها ومعانيها لا بألفاظها المجردة، فالتضامن معناه: التعاون والتكاتف، والتكافل والتناصر والتواصي، وما أدى هذا المعنى من الألفاظ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله سبحانه، وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة، وما فيه إصلاح أمر الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك تعليم الجاهل، وإغاثة الملهوف، ونصر المظلوم، ورد الظالم عن ظلمه، وإقامة الحدود، وحفظ الأمن، والأخذ على أيدي المفسدين المخربين، وحماية الطرق بين المسلمين داخلا وخارجا، وتوفير المواصلات البرية والبحرية والجوية، والاتصالات السلكية واللا سلكية بينهم، لتحقيق المصالح المشتركة الدينية والدنيوية، وتسهيل التعاون بين المسلمين في كل ما يحفظ الحق، ويقيم العدل، وينشر الأمن والسلام في كل مكان.
ويدخل في التضامن أيضا الإصلاح بن المسلمين، وحل النزاع المسلح بينهم، وقتال الطائفة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، عملا بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] وقوله سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9، 10]
ففي هذه الآيات الكريمات، أمر الله المسلمين جميعا بتقواه سبحانه، والقيام بالإصلاح بينهم عموما، وبالإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين منهم خصوصا، وقتال الطائفة الباغية، حتى ترجع عن بغيها، وأن يكون الصلح على أسس سليمة قائمة على العدل والإنصاف، لا على الميل والجور، وفيها التصريح بأن المؤمنين جميعا إخوة وإن اختلفت ألوانهم ولغاتهم، وتناءت ديارهم، فالإسلام يجمعهم ويوحد بينهم، ويوجب عليهم العدل فيما بينهم، والتضافر والكف عن عدوان بعضهم على بعض، ويوجب على إخوانهم الإصلاح بينهم إذا تنازعوا. وتدل أيضا على أن هذا النزاع والقتال بين المؤمنين لا يخرجهم من الإيمان وهو قول أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة، ولهذا قال سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] فسماهم مؤمنين مع الاقتتال وهكذا جميع المعاصي لا تخرج المؤمن من دائرة الإيمان ما لم يستحلها، ولكنها تنقص الإيمان وتضعفه. ثم ختم سبحانه هذه الآيات بالأمر بالتقوى، وعلق الرحمة على ذلك فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] فدل ذلك على أن تقوى الله في كل الأمور، هي سبب الرحمة والعصمة والنجاة، وصلاح الأحوال الظاهرة والباطنة.
ويدخل في التضامن أيضا تبادل التمثيل السياسي، أو ما يقوم مقامه بين الحكومات الإسلامية، لقصد التعاون على الخير، وحل المشاكل التي قد تعرض بينهم بالطرق الشرعية، واختيار الرجال الأكفاء في عملهم ودينهم وأمانتهم لهذه المهمة العظيمة.
ويدخل في التضامن أيضا توجيه وسائل الإعلام إلى ما فيه مصلحة الجميع، وسعادة الجميع، في أمر الدين والدنيا، وتطهيرها مما يضاد ذلك.
ومما ورد في هذا الأصل الأصيل -وهو التضامن الإسلامي، والتعاون على البر والتقوى- قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. أمر الله سبحانه في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين بأن يتقوه حق تقاته، ويستمروا على ذلك، ويستقيموا عليه حتى يأتيهم الموت وهم على ذلك، وما ذلك إلا لما في تقوى الله عز وجل من صلاح الظاهر والباطن، وجمع الكلمة، وتوحيد الصف، وإعداد العبد؛ لأن يكون صالحا مصلحا، وهاديا مهديا، باذلا النفع لإخوانه، كافا للأذى عنهم، معينا لهم على كل خير، ولهذا أمر الله المؤمنين بعد ذلك بالاعتصام بحبله، فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] وحبل الله سبحانه هو: دينه الذي أنزل به كتابه الكريم، وبعث به رسوله الأمين، محمدا ﷺ، والاعتصام به: هو التمسك به، والعمل بما فيه، والدعوة إلى ذلك، والاجتماع عليه، حتى يكون هدف المسلمين جميعا، ومحورهم الذي عليه المدار، ومركز قوتهم هو اعتصامهم بحبله، وتحاكمهم إليه، وحل مشاكلهم على نوره وهداه، وبذلك تجتمع كلمتهم، ويتحد هدفهم، ويكونون ملجأ لكل مسلم في أطراف الدنيا، وغوثا لكل ملهوف، وقلعة منيعة، وحصنا ضد أعدائهم. وبهذا الاجتماع، وهذا الاتحاد، وهذا التضامن، تعظم هيبتهم في قلوب أعدائهم، ويستحقون النصر والتأييد من الله عز وجل، ويحفظهم سبحانه من مكائد العدو -مهما كانت كثرته- كما وقع ذلك -بالفعل- لنبينا محمد ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وأتباعهم في صدر الأمة، ففتحوا البلاد، وسادوا العباد، وحكموا بالحق، وحقق الله لهم وعده الذي لا يخلف، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وقال سبحانه: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41] وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] وقال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
ففي هذه الآيات الكريمات حث المسلمين وتشجيعهم على التمسك بدينهم، والقيام بنصره، وذلك هو نصر الله، فإنه سبحانه وتعالى في غاية الغنى عن عباده، وإنما المراد بنصره هو نصر دينه وشريعته وأوليائه، والله ناصر من نصره، وخاذل من خذله، وهو القوي العزيز.
وفي هذه الآيات أيضا البشارة العظيمة بأن الله عز وجل ينصر من نصره، ويستخلفه في الأرض، ويمكن له، ويحفظه من مكايد الأعداء. فالواجب على المسلمين جميعا أينما كانوا هو الاعتصام بدين الله، والتمسك به، والتضامن فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، ومناصحة من ولاه الله أمرهم، والحذر من أسباب الشقاق والخلاف، والرجوع في حل المشاكل إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ، والتواصي في ذلك بالحق والصبر عليه، مع الحذر من طاعة النفس والشيطان، وبذلك يفلحون وينجحون، ويسلمون من كيد أعدائهم، ويكتب الله لهم العز والنصر، والتمكين في الأرض، والعاقبة الحميدة، ويؤلف بين قلوبهم، وينزغ منها الغل والشحناء، وينجيهم من عذابه يوم القيامة، وفي هذا المعنى يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم.
ومما ورد في التضامن الإسلامي قوله جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] وهذه الآية الكريمة من أصرح الآيات في وجوب التضامن الإسلامي، الذي حقيقته ومعناه التعاون على البر والتقوى كما سلف بيان ذلك، وفيها تحذير المسلمين من التعاون على الإثم والعدوان لما في ذلك من الفساد الكبير، والعواقب الوخيمة، والتعرض لغضب الله سبحانه، وتسليط الأعداء وتفريق الكلمة، واختلاف الصفوف، وحصول التنازع المفضي إلى الفشل والخذلان. نسأل الله العافية من ذلك.
وفي قوله سبحانه في ختام الآية: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] تحذير للمسلمين من مخالفة أمره وارتكاب نهيه، فينزل بهم عقابه، الذي لا طاقة لهم به.
ومن الآيات الواردة في التضامن أيضا قوله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] وهذه الصفات العظيمة هي جماع الخير، وعنوان السعادة، وسبب صلاح أمر الدنيا والآخرة، ولهذا علق سبحانه وتعالى رحمتهم على هذه الصفات الجليلة فقال: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] فتبين بذلك أن الرحمة والنصر على العدو، وسلامة العاقبة، كل ذلك مرتب على القيام بحق الله وحق عباده، ولا يتم ذلك إلا بالتناصح والتعاون والتضامن، والصدق في طلب الآخرة والرغبة فيما عند الله، والإنصاف من النفس، وتحري سبيل العدل، وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135] ويقول عز وجل في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] وفي هاتين الآيتين أمر المؤمنين أن يقوموا لله بالقسط، وأن يشهدوا له بذلك في حق العدو والصديق، والقريب والبعيد، وتحذيرهم من أن يحملهم الهوى أو البغضاء على خلاف العدل، وأوضح سبحانه أن العدل هو أقرب للتقوى، فدل ذلك على أنه لا صلاح للمسلمين فيما بينهم، ولا استقامة، ولا وحدة لكلمتهم، إلا بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه.
ومما ورد في وجوب التضامن الإسلامي قول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فأوضح سبحانه في هذه السورة القصيرة العظيمة، أنه لا سبيل إلى النجاح والربح والعاقبة الحميدة والسلامة من أنواع الخسران إلا بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والصبر عليه.
والواقع من حين بعث الله نبيه محمدا ﷺ إلى يومنا هذا، شاهد ودليل على ما دلت عليه هذه السورة الكريمة.
ولما أخل المسلمون بهذا الأمر العظيم بعد الصدر الأول حصل بينهم من الشحناء والفرقة والاختلاف ما لا يخفى على أحد، ولا علاج لذلك ولا دواء له إلا بالرجوع إلى دين الله، والاعتصام به، والعمل به، وتحكيمه، والتحاكم إليه في كل ما شجر بينهم، كما قال الله عز وجل: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]
ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي الذي هو التعاون على البر والتقوى قول النبي ﷺ: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وقوله ﷺ: مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين، والتراحم والتعاطف، والتعاون على كل خير، وفي تشبيههم بالبناء الواحد، والجسد الواحد، ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم، وينتظم صفهم، ويسلمون من شر عدوهم، وقد قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]
وإمام الجميع في هذه الدعوة الخيرة وقدوتهم في هذا السبيل القيم، هو نبيهم وسيدهم وقائدهم الأعظم، نبينا محمد رسول الله ﷺ، فهو أول من دعا هذه الأمة إلى توحيد ربها، والاعتصام بحبله، وجمع كلمتها على الحق، والوقوف صفا واحدا في وجه عدوها المشترك، وفي تحقيق مصالحها وقضاياها العادلة، عملا بقوله تعالى خطابا له: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقوله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] وقد سار على نهجه القويم، صحابته الكرام، وإتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم فنجحوا في ذلك غاية النجاح، وحقق الله لهم ما وعدهم به من عزة وكرامة ونصر، كما سبق التنبيه على ذلك والإشارة إليه في أول الكلمة.
ولا ريب أن الله عز وجل إنما حقق لهم ما تقدمت الإشارة إليه بإيمانهم الصادق، وجهادهم العظيم، وأعمالهم الصالحة، وصبرهم ومصابرتهم، وصدقهم في القول والعمل، وتضامنهم وتكاتفهم في ذلك، لا بأنسابهم ولا بأموالهم، كما قال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37] وكما قال النبي ﷺ إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم أخرجه مسلم في صحيحه.
فمن سار على سبيلهم ونهج نهجهم، أعطاه الله كما أعطاهم، وأيده كما أيدهم، فهو القائل عز وجل في كتابه المبين: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] وهو القائل سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173] وهو القائل عز وجل: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]
والله عز وجل المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين على الهدى، وأن يفقههم في دينه، وأن يصلح ولاة أمرهم، ويهديهم جميعا صراطه المستقيم، وأن يمنحهم الصدق في التضامن بينهم، والتناصح والتعاون على الخير، وأن يعيذهم من التفرق والاختلاف، ومضلات الفتن، وأن يحفظهم من مكايد الأعداء، أنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين[1].
فلا ريب أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، كما قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بهذه العبادة، وبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل الكتب، لبيان هذا الحق، وتفصيله، والدعوة إليه، كما قال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ومعنى قضى في هذه الآية: أمر ووصى، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِير [هود:1-2] وقال تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52].
ففي هذه الآيات الكريمات الأمر بعبادته سبحانه، والتصريح بأنه خلق الثقلين لهذه العبادة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها، والدعوة إليها، وحقيقة هذه العبادة: هي طاعة الله ورسوله ﷺ، بالإخلاص لله في جميع الأعمال، والامتثال لأوامره، والحذر من نواهيه، والتعاون في ذلك كله، وتوجيه القلوب إليه سبحانه، وسؤاله عز وجل جميع الحاجات عن ذل وخضوع، وإيمان وإخلاص، وصدق وتوكل عليه سبحانه، ورغبة ورهبة، مع القيام بالأسباب التي شرعها لعباده، وأمرهم بها، وأباح لهم مباشرتها.
وبهذا كله يستقيم أمر الدنيا والدين وتنتظم مصالح العباد في أمر المعاش والمعاد، ولا صلاح للعباد، ولا راحة لقلوبهم، ولا طمأنينة لضمائرهم، إلا بالإقبال على الله عز وجل، والعبادة له وحده، والتعظيم لحرماته، والخضوع لأوامره، والكف عن مناهيه، والتواصي بهم بذلك، والتعاون عليه، والوقوف عند الحدود التي حد لعباده، كما قال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13، 14]
لا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوهم، إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى، والتكافل والتعاطف والتناصح، والتواصي بالحق، والصبر عليه، ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية، والفرائض اللازمة
ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوهم، إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى، والتكافل والتعاطف والتناصح، والتواصي بالحق، والصبر عليه، ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية، والفرائض اللازمة، وقد نصت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين -أفرادا وجماعات، حكومات وشعوبا- من أهم المهمات، ومن الواجبات التي لابد منها لصلاح الجميع، وإقامة دينهم وحل مشاكلهم، وتوحيد صفوفهم، وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك.
والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جدا، وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن فقد وردت بمعناه وما يدل عليه عند أهل العلم، والأشياء بحقائقها ومعانيها لا بألفاظها المجردة، فالتضامن معناه: التعاون والتكاتف، والتكافل والتناصر والتواصي، وما أدى هذا المعنى من الألفاظ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله سبحانه، وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة، وما فيه إصلاح أمر الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك تعليم الجاهل، وإغاثة الملهوف، ونصر المظلوم، ورد الظالم عن ظلمه، وإقامة الحدود، وحفظ الأمن، والأخذ على أيدي المفسدين المخربين، وحماية الطرق بين المسلمين داخلا وخارجا، وتوفير المواصلات البرية والبحرية والجوية، والاتصالات السلكية واللا سلكية بينهم، لتحقيق المصالح المشتركة الدينية والدنيوية، وتسهيل التعاون بين المسلمين في كل ما يحفظ الحق، ويقيم العدل، وينشر الأمن والسلام في كل مكان.
ويدخل في التضامن أيضا الإصلاح بن المسلمين، وحل النزاع المسلح بينهم، وقتال الطائفة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، عملا بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] وقوله سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9، 10]
ففي هذه الآيات الكريمات، أمر الله المسلمين جميعا بتقواه سبحانه، والقيام بالإصلاح بينهم عموما، وبالإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين منهم خصوصا، وقتال الطائفة الباغية، حتى ترجع عن بغيها، وأن يكون الصلح على أسس سليمة قائمة على العدل والإنصاف، لا على الميل والجور، وفيها التصريح بأن المؤمنين جميعا إخوة وإن اختلفت ألوانهم ولغاتهم، وتناءت ديارهم، فالإسلام يجمعهم ويوحد بينهم، ويوجب عليهم العدل فيما بينهم، والتضافر والكف عن عدوان بعضهم على بعض، ويوجب على إخوانهم الإصلاح بينهم إذا تنازعوا. وتدل أيضا على أن هذا النزاع والقتال بين المؤمنين لا يخرجهم من الإيمان وهو قول أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة، ولهذا قال سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] فسماهم مؤمنين مع الاقتتال وهكذا جميع المعاصي لا تخرج المؤمن من دائرة الإيمان ما لم يستحلها، ولكنها تنقص الإيمان وتضعفه. ثم ختم سبحانه هذه الآيات بالأمر بالتقوى، وعلق الرحمة على ذلك فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] فدل ذلك على أن تقوى الله في كل الأمور، هي سبب الرحمة والعصمة والنجاة، وصلاح الأحوال الظاهرة والباطنة.
ويدخل في التضامن أيضا تبادل التمثيل السياسي، أو ما يقوم مقامه بين الحكومات الإسلامية، لقصد التعاون على الخير، وحل المشاكل التي قد تعرض بينهم بالطرق الشرعية، واختيار الرجال الأكفاء في عملهم ودينهم وأمانتهم لهذه المهمة العظيمة.
ويدخل في التضامن أيضا توجيه وسائل الإعلام إلى ما فيه مصلحة الجميع، وسعادة الجميع، في أمر الدين والدنيا، وتطهيرها مما يضاد ذلك.
ومما ورد في هذا الأصل الأصيل -وهو التضامن الإسلامي، والتعاون على البر والتقوى- قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. أمر الله سبحانه في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين بأن يتقوه حق تقاته، ويستمروا على ذلك، ويستقيموا عليه حتى يأتيهم الموت وهم على ذلك، وما ذلك إلا لما في تقوى الله عز وجل من صلاح الظاهر والباطن، وجمع الكلمة، وتوحيد الصف، وإعداد العبد؛ لأن يكون صالحا مصلحا، وهاديا مهديا، باذلا النفع لإخوانه، كافا للأذى عنهم، معينا لهم على كل خير، ولهذا أمر الله المؤمنين بعد ذلك بالاعتصام بحبله، فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] وحبل الله سبحانه هو: دينه الذي أنزل به كتابه الكريم، وبعث به رسوله الأمين، محمدا ﷺ، والاعتصام به: هو التمسك به، والعمل بما فيه، والدعوة إلى ذلك، والاجتماع عليه، حتى يكون هدف المسلمين جميعا، ومحورهم الذي عليه المدار، ومركز قوتهم هو اعتصامهم بحبله، وتحاكمهم إليه، وحل مشاكلهم على نوره وهداه، وبذلك تجتمع كلمتهم، ويتحد هدفهم، ويكونون ملجأ لكل مسلم في أطراف الدنيا، وغوثا لكل ملهوف، وقلعة منيعة، وحصنا ضد أعدائهم. وبهذا الاجتماع، وهذا الاتحاد، وهذا التضامن، تعظم هيبتهم في قلوب أعدائهم، ويستحقون النصر والتأييد من الله عز وجل، ويحفظهم سبحانه من مكائد العدو -مهما كانت كثرته- كما وقع ذلك -بالفعل- لنبينا محمد ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وأتباعهم في صدر الأمة، ففتحوا البلاد، وسادوا العباد، وحكموا بالحق، وحقق الله لهم وعده الذي لا يخلف، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وقال سبحانه: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41] وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] وقال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].
ففي هذه الآيات الكريمات حث المسلمين وتشجيعهم على التمسك بدينهم، والقيام بنصره، وذلك هو نصر الله، فإنه سبحانه وتعالى في غاية الغنى عن عباده، وإنما المراد بنصره هو نصر دينه وشريعته وأوليائه، والله ناصر من نصره، وخاذل من خذله، وهو القوي العزيز.
وفي هذه الآيات أيضا البشارة العظيمة بأن الله عز وجل ينصر من نصره، ويستخلفه في الأرض، ويمكن له، ويحفظه من مكايد الأعداء. فالواجب على المسلمين جميعا أينما كانوا هو الاعتصام بدين الله، والتمسك به، والتضامن فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، ومناصحة من ولاه الله أمرهم، والحذر من أسباب الشقاق والخلاف، والرجوع في حل المشاكل إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ، والتواصي في ذلك بالحق والصبر عليه، مع الحذر من طاعة النفس والشيطان، وبذلك يفلحون وينجحون، ويسلمون من كيد أعدائهم، ويكتب الله لهم العز والنصر، والتمكين في الأرض، والعاقبة الحميدة، ويؤلف بين قلوبهم، وينزغ منها الغل والشحناء، وينجيهم من عذابه يوم القيامة، وفي هذا المعنى يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم.
ومما ورد في التضامن الإسلامي قوله جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] وهذه الآية الكريمة من أصرح الآيات في وجوب التضامن الإسلامي، الذي حقيقته ومعناه التعاون على البر والتقوى كما سلف بيان ذلك، وفيها تحذير المسلمين من التعاون على الإثم والعدوان لما في ذلك من الفساد الكبير، والعواقب الوخيمة، والتعرض لغضب الله سبحانه، وتسليط الأعداء وتفريق الكلمة، واختلاف الصفوف، وحصول التنازع المفضي إلى الفشل والخذلان. نسأل الله العافية من ذلك.
وفي قوله سبحانه في ختام الآية: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] تحذير للمسلمين من مخالفة أمره وارتكاب نهيه، فينزل بهم عقابه، الذي لا طاقة لهم به.
ومن الآيات الواردة في التضامن أيضا قوله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71] وهذه الصفات العظيمة هي جماع الخير، وعنوان السعادة، وسبب صلاح أمر الدنيا والآخرة، ولهذا علق سبحانه وتعالى رحمتهم على هذه الصفات الجليلة فقال: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] فتبين بذلك أن الرحمة والنصر على العدو، وسلامة العاقبة، كل ذلك مرتب على القيام بحق الله وحق عباده، ولا يتم ذلك إلا بالتناصح والتعاون والتضامن، والصدق في طلب الآخرة والرغبة فيما عند الله، والإنصاف من النفس، وتحري سبيل العدل، وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135] ويقول عز وجل في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] وفي هاتين الآيتين أمر المؤمنين أن يقوموا لله بالقسط، وأن يشهدوا له بذلك في حق العدو والصديق، والقريب والبعيد، وتحذيرهم من أن يحملهم الهوى أو البغضاء على خلاف العدل، وأوضح سبحانه أن العدل هو أقرب للتقوى، فدل ذلك على أنه لا صلاح للمسلمين فيما بينهم، ولا استقامة، ولا وحدة لكلمتهم، إلا بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه.
مما ورد في وجوب التضامن الإسلامي قول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فأوضح سبحانه في هذه السورة القصيرة العظيمة، أنه لا سبيل إلى النجاح والربح والعاقبة الحميدة والسلامة من أنواع الخسران إلا بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والصبر عليه.
ومما ورد في وجوب التضامن الإسلامي قول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فأوضح سبحانه في هذه السورة القصيرة العظيمة، أنه لا سبيل إلى النجاح والربح والعاقبة الحميدة والسلامة من أنواع الخسران إلا بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والصبر عليه.
والواقع من حين بعث الله نبيه محمدا ﷺ إلى يومنا هذا، شاهد ودليل على ما دلت عليه هذه السورة الكريمة.
ولما أخل المسلمون بهذا الأمر العظيم بعد الصدر الأول حصل بينهم من الشحناء والفرقة والاختلاف ما لا يخفى على أحد، ولا علاج لذلك ولا دواء له إلا بالرجوع إلى دين الله، والاعتصام به، والعمل به، وتحكيمه، والتحاكم إليه في كل ما شجر بينهم، كما قال الله عز وجل: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]
ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي الذي هو التعاون على البر والتقوى قول النبي ﷺ: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وقوله ﷺ: مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين، والتراحم والتعاطف، والتعاون على كل خير، وفي تشبيههم بالبناء الواحد، والجسد الواحد، ما يدل على أنهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم، وينتظم صفهم، ويسلمون من شر عدوهم، وقد قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]
وإمام الجميع في هذه الدعوة الخيرة وقدوتهم في هذا السبيل القيم، هو نبيهم وسيدهم وقائدهم الأعظم، نبينا محمد رسول الله ﷺ، فهو أول من دعا هذه الأمة إلى توحيد ربها، والاعتصام بحبله، وجمع كلمتها على الحق، والوقوف صفا واحدا في وجه عدوها المشترك، وفي تحقيق مصالحها وقضاياها العادلة، عملا بقوله تعالى خطابا له: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقوله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] وقد سار على نهجه القويم، صحابته الكرام، وإتباعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم فنجحوا في ذلك غاية النجاح، وحقق الله لهم ما وعدهم به من عزة وكرامة ونصر، كما سبق التنبيه على ذلك والإشارة إليه في أول الكلمة.
ولا ريب أن الله عز وجل إنما حقق لهم ما تقدمت الإشارة إليه بإيمانهم الصادق، وجهادهم العظيم، وأعمالهم الصالحة، وصبرهم ومصابرتهم، وصدقهم في القول والعمل، وتضامنهم وتكاتفهم في ذلك، لا بأنسابهم ولا بأموالهم، كما قال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37] وكما قال النبي ﷺ إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم أخرجه مسلم في صحيحه.
فمن سار على سبيلهم ونهج نهجهم، أعطاه الله كما أعطاهم، وأيده كما أيدهم، فهو القائل عز وجل في كتابه المبين: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52] وهو القائل سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173] وهو القائل عز وجل: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]
والله عز وجل المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين على الهدى، وأن يفقههم في دينه، وأن يصلح ولاة أمرهم، ويهديهم جميعا صراطه المستقيم، وأن يمنحهم الصدق في التضامن بينهم، والتناصح والتعاون على الخير، وأن يعيذهم من التفرق والاختلاف، ومضلات الفتن، وأن يحفظهم من مكايد الأعداء، أنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين[1].
- نشرت في مجلة التوحيد المصرية ص ١٥ إلى ٢٢، وفي مجلة البحوث الإسلامية العدد الثالث ص1052- 1061 عام 1397هــ المجلد الأول، ونشرت في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد الثالث السنة الأولى 1388 هــ، (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 2/ 190).