من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين[1].
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن أهم واجب على المكلف وأعظم فريضة عليه، أن يعبد ربه سبحانه رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم القائل في كتابه الكريم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 54-56]
وأخبرنا سبحانه في موضع من كتابه أنه خلق الثقلين لعبادته، فقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وهذه العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها هي توحيده بأنواع العبادة من الصلاة والصوم والزكاة والحج والسجود والطواف والذبح والنذر والخوف والرجاء والاستغاثة والاستعانة والاستعاذة، وسائر أنواع الدعاء، ويدخل في ذلك طاعته سبحانه في جميع أوامره وترك نواهيه على ما دل عليه كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وقد أمر الله سبحانه جميع الثقلين بهذه العبادة التي خلقوا لها، وأرسل الرسل جميعا، وأنزل الكتب لبيان هذه العبادة وتفصيلها والدعوة إليها، والأمر بإخلاصها لله وحده، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقال عز وجل: وَقَضَىى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] ومعنى قضى ربك في هذه الآية أمر وأوصى، وقال تعالى: وَمَاا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
وقال عز وجل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] الآية، وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهََ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] الآية، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:1-2]
فهذه الآيات المحكمات وما جاء في معناها من كتاب الله كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأن ذلك هو أصل الدين وأساس الملة، كما تدل على أن ذلك هو الحكمة في خلق الجن والإنس وإرسال الرسل وإنزال الكتب، فالواجب على جميع المكلفين: العناية بهذا الأمر والفقه فيه، والحذر مما وقع فيه الكثيرون من المنتسبين إلى الإسلام من الغلو في الأنبياء والصالحين والبناء على قبورهم واتخاذ المساجد والقباب عليها، وسؤالهم والاستغاثة بهم واللجوء إليهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب وشفاء المرضى والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من أنواع الشرك الأكبر.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما دل عليه كتاب الله عز وجل، ففي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا الحديث.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار وخرج مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومنن لقيه يشرك به شيئا دخل النار والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وهذه المسألة هي أهم المسائل وأعظمها، وقد بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، فقام بتبليغ ما بعثه الله به عليه الصلاة والسلام أكمل قيام، وأوذي في الله أشد الأذى فصبر على ذلك وصبر معه أصحابه رضي الله عنهم على تبليغ الدعوة حتى أزال الله من الجزيرة العربية جميع الأصنام والأوثان، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وكسرت الأصنام التي حول الكعبة وفي داخلها، وهدمت اللات والعزى ومناة، وكسرت جميع الأصنام التي في قبائل العرب، وهدمت الأوثان التي لديهم، وعلت كلمة الله وظهر الإسلام في الجزيرة العربية.
ثم توجه المسلمون بالدعوة والجهاد إلى خارج الجزيرة وهدى الله بهم من سبقت له السعادة من العباد، ونشر الله بهم الحق والعدل في غالب أرجاء المعمورة، وصاروا بذلك أئمة الهدى وقادة الحق ودعاة العدل والإصلاح، وسار على سبيلهم من التابعين لهم بإحسان أئمة الهدى ودعاة الحق ينشرون دين الله ويدعون الناس إلى توحيد الله ويجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم لا يخافون في الله لومة لائم، فأيدهم الله ونصرهم وأظهرهم على من ناوأهم ووفى لهم بما وعدهم في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]
وقوله عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] ثم غير الناس بعد ذلك وتفرقوا وتساهلوا بأمر الجهاد وآثروا الراحة واتباع الشهوات، وظهرت فيهم المنكرات إلا من عصم الله سبحانه. فغير الله عليهم وسلط عليهم عدوهم جزاء بما كسبوا، وما ربك بظلام للعبيد، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]
فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا: الرجوع إلى الله سبحانه وإخلاص العبادة له والتوبة إليه مما سلف من تقصيرهم وذنوبهم، والبدار بأداء ما أوجب الله عليهم من الفرائض والابتعاد عما حرم عليهم، والتواصي فيما بينهم بذلك والتعاون عليه.
ومن أهم ذلك: إقامة الحدود الشرعية وتحكيم الشريعة بين الناس في كل شيء، والتحاكم إليها، وتعطيل القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله، وعدم التحاكم إليها، وإلزام جميع الشعوب بحكم الشرع، كما يجب على
العلماء: تفقيه الناس في دينهم ونشر التوعية الإسلامية بينهم، والتواصي بالحق والصبر عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشجيع الحكام على ذلك، كما يجب محاربة المبادئ الهدامة من اشتراكية وبعثية وتعصب للقوميات وغيرها من المبادئ والمذاهب المخالفة للشريعة.
وبذلك يصلح الله للمسلمين ما كان فاسدا، ويرد لهم ما كان شاردا، ويعيد لهم مجدهم السالف، وينصرهم على أعدائهم، ويمكن لهم في الأرض، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] وقال سبحانه: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51، 52]
والله المسؤول سبحانه أن يصلح قادة المسلمين وعامتهم، وأن يمنحهم الفقه في الدين، ويجمع كلمتهم على التقوى ويهديهم جميعا صراطه المستقيم وينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، وأن يوفقهم جميعا للتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أهم واجب على المكلف وأعظم فريضة عليه، أن يعبد ربه سبحانه رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم
فإن أهم واجب على المكلف وأعظم فريضة عليه، أن يعبد ربه سبحانه رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم القائل في كتابه الكريم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 54-56]
وأخبرنا سبحانه في موضع من كتابه أنه خلق الثقلين لعبادته، فقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وهذه العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها هي توحيده بأنواع العبادة من الصلاة والصوم والزكاة والحج والسجود والطواف والذبح والنذر والخوف والرجاء والاستغاثة والاستعانة والاستعاذة، وسائر أنواع الدعاء، ويدخل في ذلك طاعته سبحانه في جميع أوامره وترك نواهيه على ما دل عليه كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وقد أمر الله سبحانه جميع الثقلين بهذه العبادة التي خلقوا لها، وأرسل الرسل جميعا، وأنزل الكتب لبيان هذه العبادة وتفصيلها والدعوة إليها، والأمر بإخلاصها لله وحده، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقال عز وجل: وَقَضَىى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] ومعنى قضى ربك في هذه الآية أمر وأوصى، وقال تعالى: وَمَاا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
وقال عز وجل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] الآية، وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهََ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] الآية، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقال تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ [هود:1-2]
فهذه الآيات المحكمات وما جاء في معناها من كتاب الله كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأن ذلك هو أصل الدين وأساس الملة، كما تدل على أن ذلك هو الحكمة في خلق الجن والإنس وإرسال الرسل وإنزال الكتب، فالواجب على جميع المكلفين: العناية بهذا الأمر والفقه فيه، والحذر مما وقع فيه الكثيرون من المنتسبين إلى الإسلام من الغلو في الأنبياء والصالحين والبناء على قبورهم واتخاذ المساجد والقباب عليها، وسؤالهم والاستغاثة بهم واللجوء إليهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب وشفاء المرضى والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من أنواع الشرك الأكبر.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما دل عليه كتاب الله عز وجل، ففي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا الحديث.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار وخرج مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومنن لقيه يشرك به شيئا دخل النار والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وهذه المسألة هي أهم المسائل وأعظمها، وقد بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، فقام بتبليغ ما بعثه الله به عليه الصلاة والسلام أكمل قيام، وأوذي في الله أشد الأذى فصبر على ذلك وصبر معه أصحابه رضي الله عنهم على تبليغ الدعوة حتى أزال الله من الجزيرة العربية جميع الأصنام والأوثان، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وكسرت الأصنام التي حول الكعبة وفي داخلها، وهدمت اللات والعزى ومناة، وكسرت جميع الأصنام التي في قبائل العرب، وهدمت الأوثان التي لديهم، وعلت كلمة الله وظهر الإسلام في الجزيرة العربية.
ثم توجه المسلمون بالدعوة والجهاد إلى خارج الجزيرة وهدى الله بهم من سبقت له السعادة من العباد، ونشر الله بهم الحق والعدل في غالب أرجاء المعمورة، وصاروا بذلك أئمة الهدى وقادة الحق ودعاة العدل والإصلاح، وسار على سبيلهم من التابعين لهم بإحسان أئمة الهدى ودعاة الحق ينشرون دين الله ويدعون الناس إلى توحيد الله ويجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم لا يخافون في الله لومة لائم، فأيدهم الله ونصرهم وأظهرهم على من ناوأهم ووفى لهم بما وعدهم في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]
وقوله عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40، 41] ثم غير الناس بعد ذلك وتفرقوا وتساهلوا بأمر الجهاد وآثروا الراحة واتباع الشهوات، وظهرت فيهم المنكرات إلا من عصم الله سبحانه. فغير الله عليهم وسلط عليهم عدوهم جزاء بما كسبوا، وما ربك بظلام للعبيد، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]
فالواجب على جميع المسلمين حكومات وشعوبا: الرجوع إلى الله سبحانه وإخلاص العبادة له والتوبة إليه مما سلف من تقصيرهم وذنوبهم، والبدار بأداء ما أوجب الله عليهم من الفرائض والابتعاد عما حرم عليهم، والتواصي فيما بينهم بذلك والتعاون عليه.
ومن أهم ذلك: إقامة الحدود الشرعية وتحكيم الشريعة بين الناس في كل شيء، والتحاكم إليها، وتعطيل القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله، وعدم التحاكم إليها، وإلزام جميع الشعوب بحكم الشرع، كما يجب على
العلماء: تفقيه الناس في دينهم ونشر التوعية الإسلامية بينهم، والتواصي بالحق والصبر عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشجيع الحكام على ذلك، كما يجب محاربة المبادئ الهدامة من اشتراكية وبعثية وتعصب للقوميات وغيرها من المبادئ والمذاهب المخالفة للشريعة.
وبذلك يصلح الله للمسلمين ما كان فاسدا، ويرد لهم ما كان شاردا، ويعيد لهم مجدهم السالف، وينصرهم على أعدائهم، ويمكن لهم في الأرض، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] وقال سبحانه: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51، 52]
والله المسؤول سبحانه أن يصلح قادة المسلمين وعامتهم، وأن يمنحهم الفقه في الدين، ويجمع كلمتهم على التقوى ويهديهم جميعا صراطه المستقيم وينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، وأن يوفقهم جميعا للتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
- نشرت في مجلة التوحيد المصرية بعنوان (العبادة) من ص 16-ص19، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 1/ 67).