وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها أو قصها

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد نشرت صحيفة المدينة في عددها الصادر في 24 / 1 / 1415هـ مقالا للشيخ محمد بن علي الصابوني عفا الله عنا وعنه، يتضمن ما نصه:
ومما يتعلق بالصورة والمظهر أن يهذب المسلم شعره، ويقص أظافره، ويتعاهد لحيته، فلا يتركها شعثة مبعثرة، دون تشذيب أو تهذيب، ولا يتركها تطول بحيث تخيف الأطفال، وتفزع الرجال فكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، فمن الشباب من يظن أن أخذ أي شيء من اللحية حرام، فنراه يطلق لها العنان حتى تصل إلى سرته، ويصبح في مظهره كأصحاب الكهف: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف:18] إلى آخر ما ذكره عن النبي ﷺ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما.
ولما كان في هذا الكلام مخالفة للسنة الصحيحة، وإباحة لتشذيب اللحية وتقصيرها، رأيت أن من الواجب التنبيه على ما تضمنه كلامه -وفقه الله- من الخطأ العظيم والمخالفة الصريحة لسنة النبي ﷺ، فقد ثبت عنه ﷺ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في الصحيحين وغيرهما أنه قال: قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى وفي لفظ: قصوا الشوارب، ووفروا اللحى، خالفوا المشركين وفي رواية مسلم عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المجوس.
ففي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر الصريح بإعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها وقص الشوارب مخالفة للمشركين والمجوس، والأصل في الأمر الوجوب فلا تجوز مخالفته إلا بدليل يدل على عدم الوجوب، وليس هناك دليل على جواز قصها وتشذيبها وعدم إطالتها؛ وقد قال الله : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] وقال : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56].
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وقال النبي ﷺ: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري في صحيحه، وقال ﷺ: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم متفق عليه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وقد احتج الشيخ محمد المذكور على ما ذكره بما رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها. وهذا الحديث ضعيف الإسناد لم يصح عن النبي ﷺ، ولو صح لكان حجة كافية في الموضوع ولكنه غير صحيح؛ لأن في إسناده عمر بن هارون البلخي، وهو متروك الحديث.
واحتج أيضًا الشيخ على ما ذكره بفعل ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأخذ من لحيته في الحج ما زاد عن القبضة. وهذا لا حجة فيه؛ لأنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما، والحجة في روايته لا في اجتهاده، وقد صرح العلماء: أن رواية الراوي من الصحابة ومن بعدهم الثابتة عن النبي ﷺ هي الحجة، وهي مقدمة على رأيه إذا خالف السنة.
فأرجو من صاحب المقال الشيخ محمد أن يتقي الله سبحانه، وأن يتوب إليه مما كتب، وأن يصرح بذلك في الصحيفة التي نشر فيها الخطأ، ومعلوم عند أهل العلم أن الرجوع إلى الحق شرف لصاحبه، وواجب عليه، وخير له من التمادي في الخطأ.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياه وجميع المسلمين للفقه في الدين، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يُصلح قلوبنا وأعمالنا، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه[1].
 
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارات البحوث العلمية والإفتاء
  1. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 25/ 293).