حرمة القرآن الكريم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن القرآن كلام الله تعالى أنزله على عبده ورسوله محمد ﷺ ليكون هدىً ونورًا للعالمين إلى يوم القيامة، وقد أكرم الله صدر هذه الأمة بحفظه في الصدور، والعمل به في جميع شئون الحياة، والتحاكم إليه في القليل والكثير، ولا يزال فضل الله سبحانه ينزل على بعض عباده؛ فيعطون القرآن حقه من التعظيم والتكريم حسًا ومعنى.
ولكن هناك طوائف كبيرة وأعداد عظيمة ممن ينتسب إلى الإسلام، حرمت من القيام بحق القرآن العظيم، وما جاء عن الرسول ﷺ وأخشى أن ينطبق بحق على كثير منهم قوله تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان:30]؛ إذ أصبح القرآن لدى كثير منهم مهجورًا، هجروا تلاوته وهجروا تدبره والعمل به؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد غفل كثير منهم عما يجب عليهم من تكريم كتاب الله وحفظه؛ إذ قصَّروا في مجال الحفظ والتدبر والعمل، كما لم يقوموا بما يجب من التعظيم والتكريم لكلام رب العالمين.
ولقد عمَّت بلاد المسلمين المنشورات والصحف والمجلات، وكثيرًا ما تشتمل على آيات من القرآن الكريم في غلافها أو داخلها، لكن قسمًا كبيرًا من المسلمين حينما يقرأون تلك الصحف يلقونها، فتجمع مع القمائم وتوطأ بالأقدام، بل قد يستعملها بعضهم لأغراض أخرى حتى تصيبها النجاسات والقاذورات، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۝ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ۝ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ۝ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:77-80].
 والآية دليل على أنه لا يجوز مس القرآن إلا إذا كان المسلم على طهارة -كما هو رأي الجمهور من أهل العلم.
وفي حديث عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله ﷺ: أن لا يمس القرآن إلا طاهر[1].
ويروى عن ابن عمر: أن النبي ﷺ قال: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر[2]. وروي عن سلمان أنه قال: "لا يمس القرآن إلا المطهرون"، فقرأ القرآن، ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء.
وعن سعد: أنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف.
فإذا كان هذا في مس القرآن العزيز، فكيف بمن يضع الصحف التي تشتمل على آيات من القرآن سفرة لطعامه، ثم يرمي بها في النفايات مع النجاسات والقاذورات؟
لا شك أن هذا امتهان لكتاب الله العزيز وكلامه المبين.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحافظوا على الصحف والكتب، وغيرها مما فيه آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، أو كلام فيه ذكر الله، أو بعض أسمائه سبحانه فيحفظها في مكان طاهر، وإذا استغنى عنها دفنها في أرض طاهرة أو أحرقها، ولا يجوز التساهل في ذلك.
وحيث إن الكثير من الناس في غفلة عن هذا الأمر، وقد يقع في المحذور جهلًا منه بالحكم، رأيت كتابة هذه الكلمة؛ تذكيرًا وبيانًا لما يجب على المسلمين العمل به تجاه كتاب الله وأسمائه وصفاته، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وتحذيرًا من الوقوع فيما يغضب الله، ويتنافى مع مقام كلام رب العالمين.
والله سبحانه المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعًا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يمنحنا جميعًا تعظيم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بهما، وصيانتهما عن كل ما يسيء إليهما من قول أو فعل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم[3].
 
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

 
  1. أخرجه الإمام مالك في (الموطأ)، كتاب (النداء في الصلاة)، برقم: 419.
  2. أخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط)، برقم: 3301. 
  3. نشر في (مجلة البحوث الإسلامية)، العدد: السادس، عام 1402هـ، ص: 289. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 24/ 150).