الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة، التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع مع عظم شأنها، وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة، التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها؛ لقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت[1].
وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه؛ لكثرة فوائدها، ومسيس حاجة فقراء المسلمين إليها، فمن فوائدها تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
ومنها تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خلق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة:103].
ومنها تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذي الحاجة.
ومنها استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: يقول الله عز وجل: يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك[2]. إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه يوم القيامة، كما دل على ذلك الحديث الصحيح، عن النبي ﷺ أنه قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار[3].
ثم ذكر النبي ﷺ صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها، وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة.
وصح عن رسول الله ﷺ انه قال: من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مُثِّل له ماله شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه –يعني شدقيه– ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك ثم تلا النبي ﷺ قوله تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180][4].
والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة النعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة.
ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه، فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ، فيكون مقدار النصاب بصاع النبي ﷺ من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها ثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ، وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين.
والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة كالأمطار والأنهار والعيون الجارية ونحو ذلك، أما إذا كانت تسقى بمؤونة وكلفة، كالسواني والمكائن الرافعة للماء ونحو ذلك، فإن الواجب فيها نصف العشر، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله ﷺ. وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم، ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة.
وأما نصاب الفضة فمائة وأربعون مثقالًا، ومقداره بالدراهم العربية السعودية ستة وخمسون ريالًا، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، ومقداره من الجنيهات السعودية أحد عشر جنيهاُ وثلاثة أسباع الجنيه، وبالغرام اثنان وتسعون غرامًا، والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصابًا منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول، والربح تابع للأصل فلا يحتاج إلى حول جديد، كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصابًا.
وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، سواء سميت درهمًا أو دينارًا أو دولارًا أو غير ذلك من الأسماء، إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب، وحال عليها الحول، وجبت فيها الزكاة.
ويلتحق بالنقود حلي النساء من الذهب أو الفضة خاصة، إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، فإن فيها الزكاة وإن كانت معدة للاستعمال أو العارية في أصح قولي العلماء؛ لعموم قول النبي ﷺ: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار...[5] إلى آخر الحديث المتقدم.
ولما ثبت عن النبي ﷺ أنه رأى بيد امرأة سوارين من ذهب فقال: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله[6]. أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال ﷺ: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز[7]. مع أحاديث أخرى في هذا المعنى.
أما العروض وهي السلع المعدة للبيع، فإنها تقوَّم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها، سواء كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل؛ لحديث سمرة قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع[8] رواه أبو داود.
ويدخل في ذلك الأراضي المعدة للبيع والعمارات والسيارات والمكائن الرافعة للماء وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع، أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع، فالزكاة في أجورها، إذا حال عليها الحول، أما ذاتها فليس فيها زكاة؛ لكونها لم تعد للبيع، وهكذا السيارات الخصوصية والأجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تعد للبيع، وإنما اشتراها صاحبها للاستعمال.
وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب، فعليه زكاتها إذا حال عليها الحول، سواء كان أعدها للنفقة أو للتزوج أو لشراء عقار أو لقضاء دين أو غير ذلك من المقاصد؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا. والصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع الزكاة؛ لما تقدم.
وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول؛ لعموم الأدلة، مثل قول النبي ﷺ في حديث معاذ لما بعثه على أهل اليمن: إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم[9].
والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعًا أو يدفع ضرًا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها؛ لكونهم من أهلها لا لغرض آخر، مع طيب النفس بها والإخلاص لله في ذلك، حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف.
وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أهل الزكاة، قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].
وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه لعباده، على أنه سبحانه هو العليم بأحوال عباده ومن يستحق منهم الصدقة ومن لا يستحق، وهو الحكيم في شرعه وقدره فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وإن خفي على بعض الناس بعض أسرار حكمته؛ ليطمئن العباد لشرعه ويسلموا لحكمه.
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه والصدق في معاملته، والمسابقة على ما يرضيه، والعافية من موجبات غضبه إنه سميع قريب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم[10].
فإن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة، التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع مع عظم شأنها، وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة، التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها؛ لقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت[1].
وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه؛ لكثرة فوائدها، ومسيس حاجة فقراء المسلمين إليها، فمن فوائدها تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
ومنها تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خلق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة:103].
ومنها تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذي الحاجة.
ومنها استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: يقول الله عز وجل: يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك[2]. إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35]، فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه يوم القيامة، كما دل على ذلك الحديث الصحيح، عن النبي ﷺ أنه قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار[3].
ثم ذكر النبي ﷺ صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها، وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة.
وصح عن رسول الله ﷺ انه قال: من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مُثِّل له ماله شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه –يعني شدقيه– ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك ثم تلا النبي ﷺ قوله تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180][4].
والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة النعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة.
ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه، فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ، فيكون مقدار النصاب بصاع النبي ﷺ من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها ثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ، وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين.
والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة كالأمطار والأنهار والعيون الجارية ونحو ذلك، أما إذا كانت تسقى بمؤونة وكلفة، كالسواني والمكائن الرافعة للماء ونحو ذلك، فإن الواجب فيها نصف العشر، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله ﷺ. وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم، ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة.
وأما نصاب الفضة فمائة وأربعون مثقالًا، ومقداره بالدراهم العربية السعودية ستة وخمسون ريالًا، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، ومقداره من الجنيهات السعودية أحد عشر جنيهاُ وثلاثة أسباع الجنيه، وبالغرام اثنان وتسعون غرامًا، والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصابًا منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول، والربح تابع للأصل فلا يحتاج إلى حول جديد، كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصابًا.
وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، سواء سميت درهمًا أو دينارًا أو دولارًا أو غير ذلك من الأسماء، إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب، وحال عليها الحول، وجبت فيها الزكاة.
ويلتحق بالنقود حلي النساء من الذهب أو الفضة خاصة، إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، فإن فيها الزكاة وإن كانت معدة للاستعمال أو العارية في أصح قولي العلماء؛ لعموم قول النبي ﷺ: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار...[5] إلى آخر الحديث المتقدم.
ولما ثبت عن النبي ﷺ أنه رأى بيد امرأة سوارين من ذهب فقال: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله[6]. أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال ﷺ: ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز[7]. مع أحاديث أخرى في هذا المعنى.
أما العروض وهي السلع المعدة للبيع، فإنها تقوَّم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها، سواء كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل؛ لحديث سمرة قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع[8] رواه أبو داود.
ويدخل في ذلك الأراضي المعدة للبيع والعمارات والسيارات والمكائن الرافعة للماء وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع، أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع، فالزكاة في أجورها، إذا حال عليها الحول، أما ذاتها فليس فيها زكاة؛ لكونها لم تعد للبيع، وهكذا السيارات الخصوصية والأجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تعد للبيع، وإنما اشتراها صاحبها للاستعمال.
وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب، فعليه زكاتها إذا حال عليها الحول، سواء كان أعدها للنفقة أو للتزوج أو لشراء عقار أو لقضاء دين أو غير ذلك من المقاصد؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا. والصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع الزكاة؛ لما تقدم.
وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول؛ لعموم الأدلة، مثل قول النبي ﷺ في حديث معاذ لما بعثه على أهل اليمن: إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم[9].
والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعًا أو يدفع ضرًا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها؛ لكونهم من أهلها لا لغرض آخر، مع طيب النفس بها والإخلاص لله في ذلك، حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف.
وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أهل الزكاة، قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].
وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه لعباده، على أنه سبحانه هو العليم بأحوال عباده ومن يستحق منهم الصدقة ومن لا يستحق، وهو الحكيم في شرعه وقدره فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وإن خفي على بعض الناس بعض أسرار حكمته؛ ليطمئن العباد لشرعه ويسلموا لحكمه.
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه والصدق في معاملته، والمسابقة على ما يرضيه، والعافية من موجبات غضبه إنه سميع قريب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم[10].
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
- رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم 8، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء بني الإسلام على خمس برقم 2609، واللفظ له.
- رواه البخاري في (النفقات) باب فضل النفقة على الأهل برقم 5352، ومسلم في (الزكاة) باب الحث على النفقة برقم 993.
- رواه مسلم في (الزكاة) باب إثم مانع الزكاة برقم (987).
- رواه البخاري في (الزكاة) باب إثم مانع الزكاة برقم (1403).
- سبق تخريجه.
- رواه أبو داود في (الزكاة) باب الكنز ما هو وزكاة الحلي برقم (1563).
- رواه أبو داود في (الزكاة) باب الكنز ما هو وزكاة الحلي برقم (1564).
- رواه أبو داود في (الزكاة) باب العروض إذا كانت للتجارة برقم (1562).
- رواه البخاري في (الزكاة) باب وجوب الزكاة برقم 1395، ومسلم في (الإيمان) باب الدعاء إلى الشهادتين برقم (19).
- كلمة لسماحته بعنوان (بحوث هامة حول الزكاة) نشرت ضمن كتيب بعنوان (رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام) من مطبوعات رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1401هـ، وقد نشرت في (مجلة الدعوة) العدد 1089 في 29/8/1407هـ. (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 14/ 229).