بيان القول في حكم: الموسيقى والسفور والتصوير

السؤال: الأخ السائل (ن. ع) من حمص من سوريا في الحقيقة رجل غيور جزاه الله خيراً، فهو ذكر هنا عدة قضايا تتعلق باختلاف الفتوى في أمور هامة، ويذكر أنها في قضية مثل قضية الموسيقى والغناء، ويذكر أن مجلة عربية تصدر في بلد عربي أفتت بأنه لا يفتي بتحريم الغناء أو الموسيقى إلا متزمت جهول، ثم يسوق أيضاً ألواناً في أعداد مختلفة من هذه المجلة تبيح السفور المحتشم، هكذا قالت هذه المجلة في غير تبرج أو خلاعة، وأن الإسلام لا يدعو إلى الحجاب المتزمت الذي نراه في الكثير من البلاد العربية والبلاد الإسلامية، ثم يسوق أيضاً قضية حول مسألة التصوير، وأن هذه المجلة تشكك في الحديث الذي ورد في صحيح البخاري وتدعي أنه مدسوس في كتب الحديث، وما شأن المصورين حتى يكون عذابهم يوم القيامة أشد من القتلة أو من الزناة أو اللصوص، وإذا كان التصوير حراماً فلماذا لم ينه القرآن عنه صراحةً إلى غير ذلك، ويقول الأخ السائل: لماذا يسمح لمثل هذه المجلات بالتطاول على الإسلام، ويسأل عن الحكم الشرعي الصريح في هذه القضايا الثلاث؟

الجواب: هذه المجلة وأشباهها ينبغي أن تمنع، وينبغي أن يقضى عليها؛ لأن هؤلاء المتكلمين فيها بهذا الكلام ليس عندهم علم ولا بصيرة ولا أدب شرعي، حتى الأدب الشرعي ليس عندهم أدب شرعي، هذه المسائل بينها أهل العلم وأقاموا عليها الدليل، فلا وجه للاعتراض من جاهل مركب لا درى ولا درى أنه ما درى، هذا جهل مركب أو متعمد للباطل والفسق، فالموسيقى والأغاني أمرهما معلوم، فالموسيقى من آلات الملاهي كالعود والطنبور والغناء من أخبث الملاهي فكلاهما محرم، والشعر العربي لا يدخل في ذلك، الأشعار العربية بلحون العرب فيما أباح الله، كشعر حسان وكعب بن مالك وغيرهما ممن بعدهم من الشعراء، على الطريقة العربية فيما أحل الله لا بأس به، أما الأغاني من النساء أو من أشباه النساء بالألحان والتطريب، وذكر حالات النساء من جمال وحب وغرام، هذا محرم عند أهل العلم، بل حكاه بعضهم إجماعاً، ولم يخالف فيه إلا من لا يعتد بخلافه، فالموسيقى وآلات الملاهي من العود والطنبور والرباب كلها محرمة وكلها شر، وهكذا الأغاني من النساء وغير النساء فيما يتعلق بالحب والغرام وذكر صفات النساء وما يتعلق بهذه الأمور، أو مدح الخمر أو مدح ما حرم الله كله محرم.
وهكذا مسألة السفور منكر وقد دلت الأدلة على منعه، ومن ذلك قوله : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
فربنا يأمر بالحجاب ويخبرنا أنه أطهر لقلوب الجميع، ويقول سبحانه في كتابه العظيم: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ [النور:31] إلى آخر الآية، فكيف يقال في هذا: أنه متزمت، وإنما هذا كلام إنسان لا يعقل، أو لا يستحي.
فالحاصل: أن هذا منكر.. السفور منكر، لو قال: إن هناك بعض الأدلة تدل على إباحة السفور وترك القول بالتزمت لكان هذا من طريق أهل العلم، هناك من يقول بالسفور إذا كان لا يضر، أما سفور فيه الزينة والجمال وفيه وضع الأصباغ على الوجه ونحو ذلك فلا يبيحه أحد، بل هو منكر عند أهل العلم، وإنما أباح بعض الناس السفور الذي ليس معه زينة في الوجه لا كحل ولا أشياء من الزينة في الوجه، وهو قول ضعيف أيضاً ومرجوح، والصواب: أنه محرم، وأن الواجب الحجاب مطلقاً، ولو كانت لم تفعل شيئاً في الوجه من أنواع الزينة من أصباغ وكحل ونحو ذلك، فإن الوجه هو زينة المرأة وهو عنوانها، وقد كن يكشفن الوجه قبل الحجاب، فلما نزل الحجاب أمر الله النساء بالحجاب، وأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب، وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما سمعت صوت صفوان -حين وجدها ليس عندها أحد- يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قالت: فخمرت وجهي، وكان قد رآني قبل الحجاب فعرفني لما رآني، فلما سمعت صوته خمرت وجهي، فدل ذلك على أنهن قبل الحجاب يكشفن الوجه، وبعد الحجاب أمرن بستر الوجه مع عموم الآية التي تلونا سابقاً وهي قوله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، ولم يقل: إلا الوجه، ثم قال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ، وقال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، ولم يقل: إلا الوجه فلا بأس بإبدائه مطلقاً.
فهذا الكلام الذي قاله صاحب المجلة كلام سقيم، كلام رديء لا ينبغي لعاقل أن يقوله.
وأما التصوير فقد جاء فيه عدة أحاديث، ليست عند البخاري وحده، بل عند البخاري وعند مسلم وعند أهل السنن الأربعة، وعند الإمام أحمد في مسنده وعند مالك في موطئه، وعند الدارمي في سننه، رواها الأئمة بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة وعن ابن عباس وعن عائشة وعن علي بن أبي طالب وعن جماعة آخرين، وعن أبي جحيفة كلها تدل على تحريم التصوير لذوات الأرواح، في الصحيحين من حديث عائشة ومن حديث ابن عباس: أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون، وفي حديث عائشة أيضاً: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحييوا ما خلقتم، وفي حديث أبي جحيفة يقول : إن الرسول ﷺ لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور، ويقول في حديث علي: لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته، ويقول في حديث ابن عباس: من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، ويقول في حديث ابن عباس أيضاً عند الصحيحين عند البخاري ومسلم: كل مصور في النار ، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم.
والعلة في هذا والحكمة في ذلك معلومة، فإن الصور من وسائل الشرك، من وسائل عبادة غير الله، وكان النصارى إذا مات فيهم الميت الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه صورته كما قاله النبي ﷺ ، وكانوا يصورون عظماءهم وينصبونها في الطرقات وفي كنائسهم وفي بيعهم، فهذا من وسائل العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، ثم إذا كان المصور امرأة أو أمرد كان أيضاً من وسائل الفاحشة، من وسائل الفتنة، فالتصوير فيه فتنة وفيه شر عظيم، فلهذا حرمه الله ، فلا يجوز لعاقل أو لمسلم أن يقول: لماذا أو لماذا أو يعترض على شرع الله سبحانه وتعالى، بل يجب التسليم والانقياد لشرع الله، والطاعة لأمر الله ورسوله.
هذا هو الواجب على كل مسلم، لكن ذكر بعض العلماء أنه يجوز التصوير عند الضرورة التي تدعو لهذا، مثل ما قد يضطر الإنسان إلى أخذ الحفيظة -حفيظة النفوس- التي تسمى التابعية إذا كانت الدولة لا تسمح بإعطائه إياها إلا بصورة فيكون مضطراً في هذه الحالة، وقد قال الله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] أو إعطاء رخصة القيادة للسيارات إذا لم يعط رخصة إلا بصورة في دولته فهو مضطر إلى هذا الشيء، والله يعلم من قلبه أنه يكره الصور، فإذا أخذ ذلك مع كراهته لذلك إنما هو لأجل الإكراه والضرورة فلا حرج عليه في ذلك.
المقصود أن الاعتراض على شرع الله أمر لا يجوز وأمر منكر، بل يجب التسليم لشرع الله والبحث عما أشكل على الإنسان، إذا أشكل عليه أن يبحث، يسأل أهل العلم: ما حكمة كذا.. ما دليل كذا، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. نعم.
المقدم: بارك الله فيكم. 
فتاوى ذات صلة