عناية النبي وخلفائه بأمر الزكاة

ومما جاء في ذلك عن النبي  ﷺ أن قال -لما بعث معاذا إلى اليمن قال-: ادعهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، وهذا يدل على أنها فرضت للمواساة والإحسان فهي حق مالي ينبغي للمؤمن أن يعنى به، ويحرص عليه حتى يؤديه إلى المستحقين.

ومن هذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله، فدل هذا الحديث وما جاء في معناه على أن الذي يبخل بالزكاة ويمتنع منها ولا يؤديها يباح دمه، يباح قتله؛ لأنه لا يكون معصوم الدين إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا لما امتنع بعض العرب بعد موت النبي ﷺ من الزكاة قاتلهم الصحابة حتى يؤدوها، فإن العرب الكثير من العرب لما توفي النبي عليه الصلاة والسلام ارتدوا عن الإسلام، وتنوعت ردتهم، فبعضهم قال: لو كان نبيًا ما مات، وجهل أن الأنبياء ماتوا قبله، وبعضهم قال: هذه الزكاة لا نؤديها، وبعضهم ارتد بأنواع أخرى، فقام أبو بكر في الناس خطيبًا رضي الله عنه وأرضاه وحث الصحابة على قتالهم؛ حتى يدخلوا في الإسلام كما خرجوا منه، فراوده عمر في ذلك قال له: "كيف تقاتل من شهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، وقال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها قال الصديق : "أليست الزكاة من حق لا إله إلا الله، والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة، والله لو منعوني عقالًا" وفي لفظ: "عناقَا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها"، قال عمر: "فما هو إلا أن عرفت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" فأجمع الصحابة على هذا وقاتلوا المرتدين وجاهدوهم في الله جهادًا عظيمًا حتى أدخلوهم في الإسلام كما خرجوا، إلا من سبقت له الشقاوة فقتل على ردته، نعوذ بالله من ذلك، كمسيلمة الكذاب، وجماعة كثيرين معه، وجماعة من بني أسد، وجماعات من غيرهم استمروا في كفرهم فقاتلهم الصحابة حتى قتلوهم، وهدى الله من هدى منهم من بقاياهم.

فالحاصل والخلاصة أن الزكاة مكانتها عظيمة في الإسلام، وأنها الركن الأعظم بعد الصلاة والشهادتين، وأن الواجب على المسلمين أداؤها إلى مستحقيها، وإذا طلبها ولي الأمر وجب أن تؤدى إليه، فإن لم يطلبها وزعها المؤمن بين الفقراء والمستحقين لها.