شرح كتاب كشف الشبهات 3

إذا تحققت أنَّ الذين قاتلهم رسولُ الله ﷺ أصحّ عقولًا، وأخف شركًا من هؤلاء، فاعلم أنَّ لهؤلاء شُبْهَةً يُوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شُبههم، فأصغِ سمعك لجوابها.

وهي أنهم يقولون: إنَّ الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول ﷺ، ويُنكرون البعث، ويكذبون القرآنَ ويجعلونه سحرًا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ونصدق القرآن، ونُؤمن بالبعث، ونُصلي، ونصوم. فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟!

فالجواب أنه لا خلافَ بين العلماء كلهم أنَّ الرجل إذا صدق رسول الله ﷺ في شيءٍ، وكذَّبه في شيءٍ؛ أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه: كمَن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقرَّ بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة، أو أقرَّ بهذا كله وجحد الصوم، أو أقرَّ بهذا كله وجحد الحجَّ.

ولما لم ينقد أناس في زمن النبي ﷺ للحجِّ، أنزل الله في حقِّهم: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، ومَن أقرَّ بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع، وحلَّ دمه وماله، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء:150- 151].

فإذا كان الله قد صرَّح في كتابه أنَّ مَن آمن ببعضٍ وكفر ببعضٍ فهو الكافر حقًّا، وأنه يستحق ما ذُكر؛ زالت الشُّبهة، وهذه هي التي ذكرها بعضُ أهل الإحساء في كتابه الذي أرسله إلينا.

ويُقال أيضًا: إن كنت تُقر أنَّ مَن صدق الرسول في كل شيءٍ، وجحد وجوب الصلاة؛ أنه كافر، حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقرَّ بكل شيءٍ إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوبَ صوم رمضان وصدق بذلك كله لا تختلف المذاهبُ فيه، وقد نطق به القرآنُ كما قدمنا، فمعلوم أنَّ التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي ﷺ، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسانُ شيئًا من هذه الأمور كفر، ولو عمل بكل ما جاء به الرسول، وإذا جحد التوحيدَ الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟! سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل!

ويقال أيضًا: هؤلاء أصحاب رسول الله ﷺ قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي ﷺ، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُؤذنون ويُصلون.

فإن قال: إنهم يقولون: إنَّ مسيلمة نبي. فقل: هذا هو المطلوب، إذا كان مَن رفع رجلًا إلى رتبة النبي ﷺ كفر وحلَّ ماله ودمه، ولم تنفعه الشَّهادتان ولا الصلاة، فكيف بمَن رفع شمسان، أو يوسف، أو صحابيًّا، أو نبيًّا إلى مرتبة جبار السَّماوات والأرض؟! سبحان الله! ما أعظم شأنه! كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الروم:59].

الشيخ: يذكر الشيخُ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنَّ لهؤلاء المشركين -عباد القبور وعباد الأولياء- لهم شُبهة يُوردونها على مَن كفَّرهم واستحلَّ دماءهم وأموالهم بعبادتهم غير الله، وتوجههم إلى القبور والأولياء ودعائهم إياهم، ويقولون: إنكم شبَّهتمونا بكفار قريش وغيرهم، واستحللتُم دماءنا وأموالنا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ونصلي، ونصوم، ونُؤمن بالبعث، كيف تجعلونا مثل أولئك؟

شبهة تخفى على كثيرٍ من الناس، فيُقال لهم: نعم، أنتم كذلك تشهدون، ولكن قد دلَّ الشرعُ على أن مَن جحد شيئًا مما جاء به الرسولُ ﷺ، ولو فعل كل شيءٍ مما جاء به الرسول ﷺ، فإذا الإنسانُ أقرَّ بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة ألا يكفر؟ سوف يقولون: نعم. وإذا جحد الزكاة أو وجوبها، أو جحد صيام رمضان، أو جحد الحج مع الاستطاعة، أو لم يُؤمن بالبعث والنُّشور يكفر وإن كان يُصلي ويصوم؟

فإذا كان هذا أمر معلوم لديكم، وأنَّ مَن ترك هذه الأشياء جاحدًا لها كفر، فكيف بمَن جحد الشَّهادتين معناهما، وعبد مع الله غيره؟ وإن كان مَن جعل مُسيلمة نبيًّا كمحمدٍ يكفر عند الجميع، وقاتلهم الصحابةُ لذلك، فكيف بمَن رفع الإنسانَ في رتبة الرب ؟ إذا كان جعله في رتبة النبي يكفر؛ لأنه جعله نبيًّا، ومحمد خاتم النَّبيين، فكيف الذي يرفع الشَّخص -كشمسان ويوسف، أو ابن علوان، أو غيرهم- إلى رتبة النبي ﷺ وهو دون رتبة الرب جلَّ وعلا: يدعوه، ويستغيث به، وينذر له؟ ألا يكون أولى بالكفر ممن رفع مُسيلمة إلى رتبة النبي ﷺ؟

وهكذا مَن عبد الملائكةَ أو الجنَّ، أو استغاث بهم، فقد جعلهم في منزلة الله، وعبدهم مع الله، يكون كافرًا، وإن صلَّى وصام وحجَّ، وإن أتى بكل الشَّعائر.

كما أنه لو صلَّى وصام وفعل كل شيءٍ، لكن أنكر نبوة محمدٍ ﷺ، أو أنكر أنه خاتم النَّبيين؛ كفر، ولم تنفعه هذه العبادات التي أقرَّ بها.

وبهذا يتبين أنَّ مَن أتى بالأمور المشروعة وأقرَّ بها، ولكن أتى بناقضٍ بطلت تلك الأمور كلها، إذا أتى بناقضٍ من نواقض الإسلام.

مَن جحد وجوب الصلاة، وجوب رمضان، جحد الحجَّ، جحد البعث والنُّشور، جحد كون محمد خاتم النبيين؛ يكفر عند الجميع.

فإذا جحد التوحيدَ ولم يُقر به، وأشرك مع الله في العبادة غيره، فأولى وأولى أن يكون كافرًا، ولا تنفعه تلك العبادات التي أقرَّ بها وفعلها، كما أنَّ الصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يُصلون ويصومون ويشهدون أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، لكنَّهم صدقوا مُسيلمة أنه نبي، فعند هذا كفروا.

وهكذا مَن صدق طليحة الأسدي بأنه نبي، أو الأسود العنسي في اليمن، أو المختار ابن أبي عبيد الثقفي ممن ادَّعى النبوة، وما أشبهه؛ كفروا وقاتلهم المسلمون.

وبهذا يُعلم أنَّ مَن أتى بناقضٍ من نواقض الإسلام بطلت أعماله كلها، كما قال جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا قال الله: أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء:150- 151]، لما فرَّقوا أخبر أنهم هم الكافرون حقًّا؛ لأنهم آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعضٍ.

فإن قالوا: نؤمن مثلًا بمحمدٍ ﷺ، ولكن لا نُؤمن بالبعث والنُّشور، أو لا نُؤمن بالجنة، أو يقول: ليس هناك نار، ولا نؤمن بوجوب الصلاة، أو لا نُؤمن بوجوب الزكاة، أو بوجوب رمضان، كل هذا ردّة عن الإسلام وكفر، ولو فعلوا ما سوى ذلك من أمور الإسلام.

الناقض الواحد يكفي لبطلان ما هم عليه، وهكذا لو أقروا بكل شيءٍ، ولكن سبُّوا الله، أو سبّوا الرسول، أو طعنوا في الدِّين، أو استهزؤوا بالدين؛ كفروا، ولم تنفعهم تلك العبادات والأعمال التي يقومون بها لما أتوا بالنَّاقض؛ للآية الكريمة: وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء:150]، فهذا الذي حصل من الإيمان ببعضٍ، والكفر ببعضٍ هو الذي كفرهم وعطل أعمالهم، ومن هذا قوله جلَّ وعلا: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65- 66]، كفرهم بسبب استهزائهم، وإن كانوا يُصلون ويصومون.

وهكذا قول النبي ﷺ: مَن بدَّل دينَه فاقتلوه، تبديل الدين بالإتيان بناقضٍ من نواقض الإسلام، هذا تبديل الدين؛ ولهذا عقد العلماء في جميع المذاهب: باب حكم المرتد، قالوا: وهو المسلم يكفر بعد إسلامه، يعني بناقضٍ من النَّواقض.

وفَّق الله الجميع.

س: يذكر العلماء في أهل البادية أنَّ الأعرابي قد يُعذر، فما هي المسائل التي قد يُعذر فيها صاحبُ البادية؟ وهل هذا خاصّ بزمن النبي ﷺ عند بداية الإسلام؟

ج: يُعذر الأعرابي وغير الأعرابي بالشيء الذي يمكن جهله، مثل: بعض أركان الصلاة، بعض أركان الزكاة، بعض المفطرات. أما جحد الصلاة رأسًا وقال: لا أُصلي، أو جحد الصيام رأسًا وقال: لا أصوم رمضان، لا يُعذر؛ لأنَّ هذا شيء معلوم من الدِّين بالضَّرورة، كل مسلمٍ يعرف هذا، أو جحد شروط الحج، أو أنَّ عرفة من واجبات الحج ومن أعمال الحج؛ لأنه قد يخفى عليه، لكن يُقرّ بالحج، وأنه فرض؛ لأنَّ مثل هذه قد تخفى على العامي.

س: يُذكر عن بعضهم أنه ما يعرف الجنابة، وأنه ما يغتسل منها؟

ج: يُعلم، العامي قد لا يفهم، وخصوصًا بعض النساء، ولا يكفر.

س: مَن وصلته كتب مُنحرفة ليس فيها عقيدة ولا توحيد، هل يُعذر بالجهل؟

ج: إذا كان بين المسلمين ما يُعذر بالشرك، أما الذي قد يخفى مثل: بعض واجبات الحج، أو واجبات العمرة، أو واجبات الصيام، أو الزكاة، وبعض أحكام البيع، وبعض أمور الربا، قد يُعذر وتلتبس عليه الأمور.

لكن أصل الدين كونه يقول: أنَّ الحج غير مشروعٍ، أو الصيام غير واجبٍ، أو الزكاة غير واجبةٍ، أو الصلاة غير واجبةٍ، هذا لا يخفى على المسلمين، هذا شيء معلوم من الدِّين بالضَّرورة.

س: لو قال: لا بدَّ أن تتوفر شروط فيمَن أُريد تكفيره بعينه وتنتفي الموانع؟

ج: مثل هذه الأمور الظَّاهرة ما يُحتاج فيها شيء، يكفر بمجرد ظهورها؛ لأنَّ وجودها لا يخفى على المسلمين، معلوم بالضَّرورة من الدين، بخلاف الذي قد يخفى مثل: شرط من شروط الصلاة، بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة: تجب أو لا تجب؟ بعض شؤون الحج، بعض شؤون الصيام، بعض شؤون المعاملات، بعض مسائل الربا.

س: بعض الصحف فيها الصور هذه الذين يستهزئون باللِّحى أو تقصير الثِّياب؟

ج: قد يخفى على بعض الناس حكمه، قد يخفى عليه وجوب هذا الشيء، ويحسب أنه سنة، نسأل الله العافية، لكن الاستهزاء حتى بالسنة يكفر، لو استهزأ بالنوافل كفر، لو استهزأ بصيام النوافل أو بحجِّ النافلة كفر.

س: حديث الرجل الذي أنكر قُدرة الله؟

ج: هذا عموم القُدرة، شيء دقيق، أنكر أنَّ الله يقدر عليه إذا حُرق وطُحن وذُري في البحر في اليوم العاصف، قد يخفى عليه هذه القُدرة الدَّقيقة.

س: إنكار بعض فروض الكفايات؟

ج: هذا قد يخفى.

س: يقول ابنُ أبي العز: ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة؟

ج: بذنبٍ ما لم يستحلّه، فإذا استحلَّه كفر، غير الشرك بالله، خلافًا للخوارج.

.............

ويقال أيضًا: الذين حرَّقهم علي بن أبي طالبٍ بالنار كلهم يدعون الإسلام، وهم من أصحاب عليٍّ، وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في عليٍّ مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابةُ على قتلهم وكفرهم؟! أتظنون أنَّ الصحابة يُكفرون المسلمين، أم تظنون أنَّ الاعتقاد في "تاج" وأمثاله لا يضرّ، والاعتقاد في "علي بن أبي طالبٍ" يكفر؟!

الشيخ: الشيخ محمد بن عبد الوهاب يُبين بهذا المثال جهل الجاهلين في تكفير عباد القبور وعباد الأولياء؛ لأنَّ جماعةً في عصره كانوا يُنسبون إلى العلم، ويُنسبون إلى أنهم مسلمون، وهم مع هذا يعبدون جماعةً من الكفرة: كتاج ويوسف وشمسان، يغلون فيهم، ويدعون فيهم نوعًا من الإلهية، ويقولون: ما يضرّ؛ هؤلاء صالحون، والتَّبرك بالصالحين ودعائهم لا يضرّ! بيَّن له الشيخُ رحمه الله أنَّ هذا الاعتقاد هو الكفر، إذا كان الاعتقادُ في الجاهلية في اللات والعزى ومناة والملائكة والأنبياء يكفرون هؤلاء.

وكذلك استغاثتهم بيوسف وشمسان وتاج وفلان وفلان يُكفرهم، ولا فرق في ذلك؛ لأنَّ صرف العبادة لغير الله شرك بالله، سواء كان المعبود صنمًا أو وثنًا أو وليًّا أو جنيًّا أو ملكًا أو غير ذلك، فالعلة والحكمة صرف العبادة لغير الله، هذه العلة.

فصرف العبادة لغير الله كائنًا مَن كان هذا هو الشرك الأكبر، كما قال جلَّ وعلا: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، قال سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]، وقال : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فدلَّ على أنَّ الشرك لا يُغفر، وأنه يُحبط الأعمال، ويجلب على صاحبه الخراب، سواء أكان المعبود مع الله جنيًّا، أو وليًّا، أو ملكًا، أو شمسًا، أو قمرًا، أو صنمًا، أو شجرةً، أو غير ذلك، الحكم عام؛ لأنَّ الكلَّ يُطلق عليه عبادة غير الله، والله يقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]، ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، ويقول سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، ويقول جلَّ وعلا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، والنبي ﷺ قال لقومه لما بُعِثَ: قولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عن صدقٍ هدمت الشرك، وصاروا مسلمين بذلك، أما مَن قالها وهو يعبد غير الله ما تنفعه: كالمنافقين واليهود وغيرهم ممن يقولها وهو يعبد غير الله.

هكذا الذين غلوا في عليٍّ وعبدوه من دون الله كانوا مشركين، وهم مع هذا يقولون: لا إله إلا الله، موجودون في عهد الصحابة، يحسبون بذلك أنهم مسلمون، ولما غلوا في عليٍّ وقالوا: إنه الله! ودعوه من دون الله، وجعلوه إلهًا مع الله؛ كفروا وقاتلهم عليّ نفسه، وأجمع الصحابةُ جميعًا على قتالهم، بل ما قاتلهم بالسيف، بل خدَّ لهم الأخاديد، وجعل لهم حفرةً في الأرض، ثم ألقاهم فيها، وأحرقهم من شدة غضبه عليهم ، قال ابنُ عباسٍ: "لو أنه قتلهم بالسيف لكان أحبّ إليَّ؛ لأنَّ النار لا يُعذِّب بها إلا الله"، لكن من شدة غضب عليٍّ أحرقهم بالنار؛ لعظم كفرهم حتى جعلوه الله، انتهوا إلى أن قالوا له: "أنت الله!"، يدعونه، يغلون فيه، يزعمون فيه أنه إله يُعبد، كما تفعل الرافضة الآن مع عليٍّ والحسن والحسين؛ يدعونهم، يستغيثون بهم، وينذرون لهم، هذا الشرك الأكبر، الرافضة هم ورثة هؤلاء الغُلاة، الإمامية وغيرهم ممن يغلون في عليٍّ وفي أهل البيت هم ورثة هؤلاء، كما يأتي في بني عبيدٍ القدَّاح.

المقصود أنَّ الغلو في ملكٍ أو نبيٍّ أو صحابيٍّ -كعليٍّ - أو جنيٍّ أو شجرةٍ أو حجرٍ أو صنمٍ، كل هذا شرك بالله: إذا دعاه من دون الله، أو استغاث به، أو نذر له، أو ذبح له، هذا هو الشرك الأكبر.

يقول المؤلفُ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "أتظنون أنَّ الغلو في تاج وشمسان وأمثالهما لا يضرّ، والغلو في عليٍّ يضرّ؟!" هذا جهل عظيم، لو كان ما يضرّ في تاج ما ضرَّ في عليٍّ من باب أولى، فإنَّ عليًّا أفضل من تاج وشمسان، ومع هذا الغلو فيه جعل أصحابَه مشركين كفَّارًا يستحقون القتل، كالذين يغلون في تاج وشمسان، أو غيرهما، أو في عبد القادر الجيلاني، أو في الحسين، أو الحسن، أو جعفر بن أبي طالب، هذا من باب أولى، جعفر بن محمد من باب أولى، عليٌّ أفضل منهم، فالذين يغلون فيمَن دونه من باب أولى يكونون كفَّارًا يستحقون القتل.

وهكذا مَن غلا في النبي ﷺ، أو في الأنبياء وعبدهم من دون الله -وهم أفضل من عليٍّ- يكفرون، فمَن عبد النبيَّ ﷺ، أو عبد إدريس، أو موسى، أو عبد هارون، أو عبد عيسى، هم كفار: كالنصارى عبدوا عيسى مع الله، وصاروا من أكفر الناس، وهكذا اليهود عبدوا العُزير، وصاروا من أكفر الناس.

فالواجب على طالب العلم أن ينتبه، وأن يعلم أنَّ صرف العبادة لغير الله شرك بالله مطلقًا، سواء كانت العبادة مصروفةً لنبي أو صالح أو جني أو إنسي أو شجر أو حجر، شرك بالله، لا بدَّ أن تكون العبادةُ لله وحده لا شريكَ له: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، هكذا يقول جلَّ وعلا، ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22].

س: بالنسبة لانتشار المنكرات، هل يُعتبر من ضعف التَّوحيد؟

ج: إيه، من ضعف الإيمان ..... المعاصي، وإذا قوي الإيمانُ ابتعد عن المعصية، إذا ضعف إيمانه أقدم على المعصية؛ لقلة بصيرته، وقلة إيمانه، وقلة خوفه من الله.

ويقال أيضًا: بنو عبيدٍ القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويدَّعون الإسلام، ويُصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماءُ على كفرهم وقتالهم، وأنَّ بلادهم بلاد حربٍ، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.

ويُقال أيضًا: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا لأنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكره العلماءُ في كل مذهبٍ "باب حكم المرتد، وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه"؟ ثم ذكروا أنواعًا كثيرةً، كل نوعٍ منها يُكفِّر ويُحلّ دم الرجل وماله، حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند مَن فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللَّعب.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.

أما بعد: فهذا البحث ردّ على عباد القبور وعباد الأولياء في زمن المؤلف، كما تقدم يُقيم الحجج عليهم؛ لأنَّ الإنسان متى أتى بمُكَفِّرٍ كفر، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله؛ لأنهم يحتجون عليه يقولون: كفار قريش وأشباههم لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ولا يشهدون أنَّ محمدًا رسول الله، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ونُصلي ونصوم، كيف تُكفرنا؟

يُنكرون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب: لماذا تُكفرنا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله ونُصلي ونصوم؟! وتحتج علينا بالآيات التي نزلت في كفار قريش، وكفار قريش يعبدون الأصنام، ولا يشهدون أن لا إله إلا الله، ولا يشهدون أنَّ محمدًا رسول الله، وكذَّبوه وقاتلوه، ما نحن مثلهم!

فالمؤلف بيَّن كما تقدم بالحجج الكثيرة التي تُبين كفرهم وإن قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، كما أنَّ المنافقين يشهدون أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُصلون ويصومون، ومع هذا هم أكفر الناس، في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم قالوا بالألسنة ما ليس في القلوب، هم يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وهم في الباطن يُكذِّبون ذلك.

وهكذا كفَّر المسلمون اليهود وهم يقولون: لا إله إلا الله، وكذلك الذي قالها من المشركين الذين عبدوا عليًّا أو استغاثوا بعليٍّ وهم عباد الشمس والقمر ونحو ذلك؛ لأنهم جعلوا آلهةً مع الله، وإن صلوا وصاموا.

فكذلك بنو عبيدٍ القداح الذين يُصلون ويصومون، فلما أظهروا الرَّفض والغلو في آل البيت، ثم ادَّعى بعضُهم أنه إله، وأنه معبود يُعبد من دون الله؛ كفَّرهم المسلمون وقاتلوهم لإظهارهم الكفر والضَّلال، ولم تنفعهم شهادتهم أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله؛ لكفرهم وضلالهم وغلوهم في آل البيت، أو بدعواهم الألوهية؛ لأنَّ بعض رؤسائهم ادَّعى الألوهية، وأنه يُعبد من دون الله، اتَّخذ لنفسه مقام الألوهية، فكفرهم المسلمون وقاتلوهم بكفرهم، ولم تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله لما أتوا بالمكفرات.

وهكذا الأئمة عقدوا بابًا سمّوه "باب حكم المرتد" في مذهب الحنابلة والشَّافعية والمالكية والحنفية، باب معروف، أجمع عليه المسلمون عملًا بقول النبي ﷺ: مَن بدَّل دينه فاقتلوه.

وقال معاذ فيمَن بدَّل دينه: "يُقتل، قضاء الله ورسوله"، لما أسلم اليهودي ثم ارتدَّ فقدم معاذ على أبي موسى وهو موجود عندهم يستتيبونه، قال معاذ: لا ينزع حتى يُقتل؛ قضاء الله ورسوله، يعني: بدَّل دينه.

هكذا مَن أقرَّ بالإسلام ثم أتى بمُكفِّرٍ بيَّنوا رحمهم الله في باب المرتد أنه يكفر وإن صلَّى وصام، ولو شهد أن لا إله إلا الله.

مثلًا: إنسان يصوم ويصلي، ثم يسبّ الله ورسوله؛ يكفر وإن صلَّى وصام، الذي يقول: الصيام ليس واجبًا؛ يكفر. الذي يقول: الزنا حلال؛ يكفر. وكذلك الذي يقول: الخمر حلال؛ يكفر ولو صلَّى وصام، ولو شهد أن لا إله إلا الله، كمَن يطأ المصحف ويُهينه، يطأه بيده أو برجله، يُلطخه بالبول إهانةً له، أو يقول: نكاح الأخت حلال، أو: نكاح البنت حلال، يكفر ولو شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله.

كذلك قالوا: إذا تعلَّق بغير الله، أو القمر، أو الصنم، أو عبد عليًّا، أو فاطمة، أو الحسين، أو عبد القادر، أو البدوي، أو غيره؛ كفر ولو صلَّى وصام، ولو شهد أن لا إله إلا الله.

المقصود أنَّ الإنسان إذا أتى بمُكفِّرٍ بطلت أعماله؛ لقوله ﷺ: مَن بدَّل دينه فاقتلوه، وقوله سبحانه في القرآن الكريم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقال سبحانه: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، ما تنفع مع الشرك أعمال، تكون هباءً منثورًا، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].

الحاصل أنَّ الإنسان إذا أتى بمُكفِّرٍ قولي أو فعلي أو قلبي أو شكّ كفر، حتى ولو شكّ فقال: أنا أعرف أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، لكن عندي شك: أنَّ الجنة حق أو لا، أشكّ أنَّ الله في السَّماء أو ليس في السَّماء؛ يكفر، أو أنه فوق العرش أو ليس فوق العرش، يكفر؛ لأنه مُكذِّب لله ورسوله.

أو شكّ في نبوة محمدٍ وقال: أنا لا أدري أهو نبي أو ليس بنبيٍّ، يكفر، أو شكَّ في نبوة نوحٍ، أو موسى وهود وعيسى وصالح وقال: أنا أشك في نبوة هؤلاء، كفر.

أو قال: أختي حلال يجوز لي أن أتزوجها، أو بنتي حلال أتزوجها، كفر.

أو عمتي حلال، أو خالتي حلال، أتزوجها، كفر.

المقصود أنه متى أتى بمُكفِّرٍ ناقضٍ من نواقض الإسلام كفر، بطلت أعماله كلها: صلاته وصومه وحجّه، كلها تبطل: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5]، هذا محل إجماعٍ بين المسلمين، ولكن أهل الشرك لا يفقهون، فعباد القبور وعباد الأولياء في عمى وفي ضلالٍ، نسأل الله العافية.

هذه أشياء بيَّنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في زمانه للذين اعترضوا عليه وقالوا: ابن عبد الوهاب يُكفر المسلمين، وأنه جاء بدينٍ جديدٍ! هذا لجهلهم وضلالهم وقلة بصيرتهم، ما أتى بدينٍ، إنما أتى بما قاله الله ورسوله، وبما سار عليه الصحابةُ والمسلمون، رحمه الله، وجزاه الله خيرًا.

..............

س: هل مَن استهزأ بشيءٍ من شرائع الإسلام ثم تاب، هل يلزمه أن ينطق بالشَّهادتين؟

ج: إذا تاب ورجع الحمد لله، التوبة تجبّ ما قبلها، إذا تاب يكفي، وبعض الفقهاء يُجيز أن ينطق الشَّهادة، والشهادة ما أنكرها، لكن إذا قال: "الصلاة ليست واجبةً" ثم تاب تاب الله عليه، أو قال: "الصوم ليس بواجبٍ" ثم تاب تاب الله عليه ويكفي.

س: يا شيخ، بنت أريد أن أتزوجها، والبنت هذه سبق أن أختي أرضعتها، ولا تدري كم أرضعتها: مرة أو مرتين، أخذتها من الأرض وأرضعتها حتى رويت؟

ج: إذا ما كانت تدري ما تحرم إلا بخمس رضعات، ما تحرم، وتركها أحسن من باب ترك الشُّبهات والريب: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، هي ما تحرم إلا بخمس رضعات في الحولين أو أكثر.

س: تفسير الخمس رضعات؟

ج: يُمسك الثَّدي ويمص الثدي ويبلع اللبن، ثم يترك، ويعود ثانيًا.

س: يا شيخ، ما تدري؟

ج: خلاص ما عندها خبر، الرضاع ما يحرم.

س: إذا لم يأتِ بشروط لا إله إلا الله السبعة؟

ج: إذا كان يؤمن بمعناها ولو ما عرف الشروط، إذا كان يعرف معناها، وأنَّه لا معبودَ إلا الله، ولو ما عرف الشروط، فالعامي قد لا يعرف الشروط، المهم أن يُؤمن بالله وحده، وأنه المعبود بحقٍّ، وما سواه باطل.

س: الذي ينفي بعض الصِّفات أو كلها يكفر؟

ج: هذا فيه تفصيل، تُقام عليه الحجَّة؛ لأنه قد يجهل بعض الصِّفات، يُبين له، إذا دلَّ عليه القرآن والسنة يكفر، مثل: إذا جحد الرحمن أو الرحيم أو الحكيم أو القدوس أو الملك. وإذا كان عاميًّا يُبين له أنه جاء به القرآن وجاءت به السنة.

والتأويل هذا بخلاف تأويل الأشاعرة وغيرهم، لا يكفرون؛ لأنَّ التأويل فيه شبهة، بخلاف المعتزلة والجهمية فإنهم كفار؛ لأنهم أنكروا الصِّفات بالكلية، وأنكروا الأسماء والصِّفات، فالجهمية ما عندهم أسماء وصفات، نسأل الله العافية.

س: فيمَن يُقال له: مُطوع، يقول: يا عاصٍ، هل هذا صحيح؟

ج: يُبين له المطوع، معناه: المطيع لله، طوع نفسه لطاعة الله يعني عند العامَّة المطوع دون العالم، وفوق العامي، فهي مرتبة بين العالم والعامي، والمطوع عند أهل نجد يُسمونه: مطوعًا، يعني: طوعه الله، وصار يتبع الحقَّ والقرآن، متحري للخير، هذا ليس استهزاءً عند العامَّة، هذا لقب شرف، فالمطوع عندهم فوق العامي ودون العالم.

ويقال أيضًا: الذين قال الله فيهم: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ [التوبة:74]، أما سمعتَ الله كفَّرهم بكلمةٍ، مع كونهم في زمن رسول الله ﷺ، ويُجاهدون معه، ويُصلون، ويُزكون، ويحجون، ويُوحدون؟

وكذلك الذين قال الله فيهم: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65- 66]، فهؤلاء الذين صرَّح الله فيهم أنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، قالوا كلمةً ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فتأمل هذه الشُّبهة، وهي قولهم: تُكفرون من المسلمين أناسًا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويصلون، ويصومون؟! ثم تأمل جوابها، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق.

ومن الدليل على ذلك أيضًا: ما حكى الله عن بني إسرائيل -مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم- أنهم قالوا لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وقول أناسٍ من الصحابة: "اجعل لنا ذات أنواط"، فحلف النبي ﷺ أنَّ هذا نظير قول بني إسرائيل: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا.

ولكن للمُشركين شبهة يُدلون بها عند هذه القصة، وهي أنهم يقولون: إنَّ بني إسرائيل لم يكفروا، وكذلك الذين قالوا: "اجعل لنا ذات أنواط" لم يكفروا.

فالجواب أن نقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبيَّ ﷺ لم يفعلوا ذلك، ولا خلاف أنَّ بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أنَّ الذين نهاهم النبي ﷺ لو لم يُطيعوه واتَّخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب.

ولكن هذه القصة تُفيد أن المسلم -بل العالم- قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتَّحرز، ومعرفة أنَّ قول الجاهل: (التوحيد فهمناه) أنَّ هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان.

وتفيد أيضًا أنَّ المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفرٍ وهو لا يدري فنُبّه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر، كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي ﷺ.

وتُفيد أيضًا أنه لو لم يكفر فإنه يُغلظ عليه الكلام تغليظًا شديدًا، كما فعل رسولُ الله ﷺ.

الشيخ: المؤلف يُبين أنَّ المسلم إذا أتى ما يُوجب الردة ارتدَّ، وأن قول الجهلة: تُكفرون المسلمين! وأنهم أناس يشهدون أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُصلون ويصومون. أنَّ هذا من أكبر الجهل.

المسلم إذا فعل ما يُوجب الردة ارتدَّ، ولو صلَّى وصام، كما قال جلَّ وعلا: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [التوبة:74]، وهكذا الذي قالوا: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65- 66]، هم مع النبي ﷺ، ومع هذا قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم.

فالإنسان إذا أتى بالكفر -وإن كان من أعبد الناس- فإن الكفر ينقله من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر؛ ولهذا عقد الأئمةُ جميعًا "باب حكم المرتد، وهو المسلم يكفر بعد إسلامه"، وهكذا بنو إسرائيل لما قالوا: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وقول بعض المسلمين في طريقهم إلى حنين: "اجعل لنا ذات أنواط"، وأنَّ هذا منهم جائز، وأنه لا بأس به، فنبَّههم النبيُّ ﷺ على أنه غلط عظيم، فلو أنهم خالفوا واتَّخذوا ذات أنواطٍ لكفروا، هكذا بنو إسرائيل لو عبدوا الآلهةَ ولم ينصاعوا إلى الحقِّ لكفروا.

فالحاصل أنَّ هذه القصص فيها أوضح البيان، وأبين الحجَّة على كفر مَن أتى مُكفِّرًا، والذي يأتي الشيء يظنه صوابًا، يظنه حقًّا وخيرًا، ثم يُنبه، لا يكفر بذلك؛ لجهله، إذا كان مثله يجهل ذلك فيُنبّه، وإذا كان المسلمُ لا يجهل ذلك فعليه التوبة والرجوع إلى الله جلَّ وعلا والإنابة، وإن تاب تاب الله عليه.

وقد يقع الكفرُ لأسبابٍ كثيرةٍ: منها الجهل، ومنها الهوى، ومنها الطمع في الدنيا، وغير ذلك، فإذا رجع وتاب إلى الله صحَّت التوبةُ، كل ذنبٍ له توبة، أعظم الذنوب الشرك، ومَن تاب تاب الله عليه.

قد كان جمعٌ كثير من صناديد قريش على الكفر، ثم هداهم الله فصاروا خير الناس وأفضل الناس بعدما أسلموا وهداهم الله جلَّ وعلا، منهم مَن أسلم بعد الحديبية، ومنهم مَن أسلم بعد الفتح، بعد الكفر العظيم وقتال النبي ﷺ، منهم أبو سفيان، هو قائد الكفار يوم أحد، وقائد الكفار يوم الخندق، ومع هذا أسلم وصار من خير الناس بعد ذلك ، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وغيرهم.

فالإنسان إذا تاب توبةً صادقةً تاب الله عليه، وإذا أتى الكفر جاهلًا بُيِّنَ له ولم يكفر، مثلما فعل الذين قالوا: "اجعل لنا ذات أنواط"، والذين قالوا: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، يحسبون أنَّ هذا طيب، وأنَّ هذا لا بأس به، فنُبِّهوا فتابوا ورجعوا ولم يفعلوا ما نهاهم اللهُ عنه.

والخلاصة أنَّ المسلم المصلي الصائم إذا أتى بمُكفِّرٍ لم يمنع ذلك كونه مصليًا، لم يمنع كفره كونه يُصلي وينتسب إلى الإسلام، يكون بالكفر الجديد مُرتدًّا تبطل أعماله: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، مَن بدَّل دينه فاقتلوه، وهذا الباب معروف "باب حكم المرتد، وهو المسلم يكفر بعد إسلامه"، ولو كان من أعبد الناس ثم سبَّ الله، أو سبَّ الرسول، أو اتَّخذ الآلهةَ من دون الله: يدعوهم، أو يستغيث بهم، أو جحد وجوب الصلاة، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد تحريم الزنا، أو جحد تحريم الخمر، وما أشبه ذلك من هذه الجزئيات؛ بطلت الأعمال كلها، وكفر بهذا الشيء، وصارت الأعمال كلها باطلةً.

فمَن أتى بمكفِّرٍ بطلت أعماله، وصارت هباءً منثورًا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، قال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].

فالواجب على كل مسلمٍ أن يحذر ما نهى الله عنه من جميع المعاصي، وأن يكون حذره من الشرك أشد وأعظم، ولا يقل: أنا فهمتُ التوحيد، أنا فهمتُ الإسلام. لا يأمن، بعض الناس يقول: التوحيد فهمناه، وهو جاهل، ما فهمه، ثم لو فهمه وتبصر فيه فليحذر، ولا يأمن، ويسأل ربَّه الثَّبات، ويعتني بالتَّفقه في الدِّين، ويسأل ربَّه عدم الزيغ، فكم من قومٍ تفقَّهوا وتعلَّموا ثم زاغوا.

س: (المرتد) بعد التوبة تُستعاد له أعماله؟

ج: مثلما قال ﷺ: أسلمتَ على ما أسلفتَ من الخير.

فالأعمال لا تبطل إلا بالموت على الكفر؛ لأنَّ الله قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [البقرة:161]، لا بدَّ من الموت على الكفر.

والأعمال تبقى إذا أسلم وهداه الله، فالذي مات على الردة بطلت أعماله كلها، نسأل الله العافية: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

س: بعض الناس يقول: المعين لا يكفر؟

ج: هذا من الجهل، إذا أتى بمُكفِّرٍ يكفر.

س: إذا كره الشيء لكن ما تحدَّث؟

ج: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]، مَن كره ما شرع الله حبط عمله، مَن كره الصلاة ولو صلَّى، أو كره الحجَّ ولو حجَّ، أو كره تحريم الزنا، أو تحريم الخمر.

س: مَن يكره حلق اللِّحى؟

ج: هذا محل نظرٍ، هذه شبهة؛ لأنَّ بعض العلماء لا يراها واجبةً، لكن مَن كره شرع الله فيها كفر؛ لأنَّ أقل الأحوال أنها سنة مُؤكدة.

س: يعني: لو كره شيئًا من أركان الإسلام؟

ج: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9].

س: مَن اعتاد على بعض الكلمات مثل الذي يقول: ما صدقت على الله، أو كلمة: العجاز الكسلان يعلم الغيب؟

ج: "ما صدقتُ على الله" هذا أمر سهل، هذه العادة عند بعض العامية، معناه: الشيء الذي ما يتيسر إلا إذا تعبت عليه، أي: أني ما صدقت أني أحصل هذا الشيء.

أما أنَّ فلانًا يعلم الغيب، هذا كفر، مَن قال: إن أحدًا يعلم الغيب، فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، ما أحد يعلم الغيب إلا الله، الرسل ما يعلمون الغيب إلَّا ما علمهم الله: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50].

س: الجهمية هل هم مُرجئة من كل وجهٍ؟

ج: الجهمية يرون أنَّ العبد مجبور على أفعاله، يُسمون: مُجبرة، يرون العبدَ مجبورًا، ما له اختيار، ما عندهم نفي الأسماء والصِّفات، نعوذ بالله، وهم كفار كفرًا أكبر.

س: يُشبهون المرجئة في شيءٍ؟

ج: قد يُقال: إنهم يُشبهون؛ لأنهم يقولون: مجبور، ما عليه حساب، ويلزم على قولهم أنَّ الله ظالم له.

س: يُشبهون المرجئة بقولهم أنَّ الإيمان تصديق بالقلب؟

ج: عندهم الإيمان معرفة.

وللمُشركين شبهة أخرى، يقولون: إنَّ النبي ﷺ أنكر على أسامة قتل مَن قال: (لا إله إلا الله)، وكذلك قوله: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأحاديث أخرى في الكفِّ عمَّن قالها.

ومُراد هؤلاء الجهلة أنَّ مَن قالها لا يكفر، ولا يُقتل ولو فعل ما فعل.

فيُقال لهؤلاء المشركين الجهال: معلوم أنَّ رسول الله ﷺ قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون: (لا إله إلا الله)، وأنَّ أصحاب رسول الله ﷺ قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرَّقهم علي بن أبي طالب بالنار.

وهؤلاء الجهلة مُقرون أنَّ مَن أنكر البعثَ كفر وقُتل ولو قال: (لا إله إلا الله)، وأنَّ مَن جحد شيئًا من أركان الإسلام كفر وقُتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع، وتنفعه إذا جحد التوحيدَ الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟!

ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث، ولن يفهموها.

فأما حديث أسامة: فإنه قتل رجلًا ادَّعى الإسلام بسبب أنه ظنَّ أنه ما ادَّعى الإسلام إلا خوفًا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكفُّ عنه حتى يتبين منه ما يُخالف ذلك، وأنزل الله تعالى في ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا [النساء:94] أي: فتثبَّتوا. فالآية تدل على أنه يجب الكفُّ عنه والتَّثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يُخالف الإسلام قُتل؛ لقوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا، ولو كان لا يُقتل إذا قالها لم يكن للتَّثبت معنًى.

وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه: أنَّ مَن أظهر التوحيد والإسلام وجب الكفُّ عنه، إلا أن يتبين منه ما يُناقض ذلك، والدليل على هذا أنَّ رسول الله ﷺ الذي قال: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟، وقال: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، هو الذي قال في الخوارج: أينما لقيتُموهم فاقتلوهم، لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتل عاد، مع كونهم من أكثر الناس عبادةً وتهليلًا وتسبيحًا، حتى أنَّ الصحابة يحقرون صلاتهم عندهم، وهم تعلموا العلمَ من الصحابة، فلم تنفعهم (لا إله إلا الله)، ولا كثرة العبادة، ولا ادّعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة.

وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد النبيُّ ﷺ أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجلٌ أنهم منعوا الزكاة، حتى أنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، وكان الرجل كاذبًا عليهم.

وكل هذا يدل على أنَّ مُراد النبي ﷺ في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه.

الشيخ: هذه المسألة مسألة مهمة عظيمة، أوضحها المؤلفُ رحمه الله، وهي تعلق المشركين بالأحاديث المطلقة العامَّة في الأمر بالكفِّ عمَّن قال: لا إله إلا الله، وظنوا أنَّ مَن قالها لا يكفر ولو فعل ما فعل.

وبعضهم ظنَّ أنه يكفر بأشياء دون الشرك؛ لجهلهم بقوله ﷺ لأسامة: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ وقوله: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها دليل على ما درج عليه المؤلفُ والصحابةُ وغيرهم في قتال المرتدين.

والمعنى من ذلك: أنَّ مَن أظهر التوحيد والإسلام كفّ عنه حتى يُعلم منه ما يُخالف ذلك، والذي قتله أسامةُ ظنَّ أنه قالها تعوذًا وخوفًا من السلاح، فقتله، فخطَّأه النبيُّ ﷺ وبيَّن له أنَّ الواجب الكفُّ عنه حتى ينظر في أمره، وهكذا كل إنسانٍ لا يقول: (لا إله إلا الله) من الكفار الذين يأبون أن يقولوها، مثل: كفار قريش لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، وقالوا: أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:36]، وقال جلَّ وعلا: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ۝ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ [الصافات:35- 36].

فالذين يجحدون (لا إله إلا الله) إذا قالوها يكفّ عنهم حتى يُنظر في أمرهم؛ فإن استقاموا ووحَّدوا الله وأخلصوا له العبادة والتزموا الشرع وعُلم عنهم الإسلام تمَّ الكفُّ عنهم. أما مَن قالها وهو لا يُؤمن بمعناها، ولا يعتقد معناها، يقول: (لا إله إلا الله) وهو يعبد غير الله، كما يفعل المنافقون، وكما فعل أصحابُ مسيلمة، يقولون: (لا إله إلا الله) ويُصلون ويصومون، ويقولون: مسيلمة نبي. قد كذبوا قوله جلَّ وعلا: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، كيف يكون مُسيلمة نبيًّا ومحمد خاتم النَّبيين؟! ولهذا قاتلهم الصحابةُ؛ لأنهم زعموا في مُسيلمة أنه نبي، وهذا كفر بالإجماع، ولو قالوا: (لا إله إلا الله).

وهكذا الذين حرَّقهم علي بن أبي طالب زعموا أنه إله، وأنه هو الله، فحرَّقهم، وهم يقولون: (لا إله إلا الله)، يقولون بألسنتهم ما لا يُطابق أفعالهم.

هكذا المنافقون يقولون: (لا إله إلا الله)، وهم يعتقدون بطلان الدين، وأنه لا حقيقةَ له، ويقولونها رياءً وتعوذًا، ومع هذا قال الله في حقِّهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، ولم ينفعهم قول: (لا إله إلا الله)؛ لأنهم قالوها بالألسن وكفروا بالمعنى وبالباطن: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:142- 143]، ما عندهم إيمان.

فهكذا كل إنسانٍ يقول: (لا إله إلا الله)، ويشهد أن لا إله إلا الله، وهو يعبد غير الله، أو يُنكر البعث والنشور، أو يُنكر وجوب الصلاة، ويستحل الزنا، أو يستحل الخمر، يكفر بذلك عند جميع المسلمين، ولو قال: لا إله إلا الله.

ولهذا عقد العلماءُ في كل مذهبٍ "باب حكم المرتد" وهو الذي يكفر بعد إسلامه، الذي يأتي بناقضٍ من نواقض الإسلام فيكفر بذلك، وإن قال: (لا إله إلا الله)، فلو كان يقول: (لا إله إلا الله) ويُصلي ويصوم، ولكن يقول: الزنا حلال، مَن شاء زنى فلا بأس. كفر عند الجميع -جميع أهل العلم- أو قال: إنَّ الخمر حلال. كفر عند الجميع -جميع أهل العلم.

فالواجب اليقظة والانتباه والتَّبصر والفقه في الدِّين، المسلم يرتد إذا أتى بناقضٍ من نواقض الإسلام، ولو أتى بالبقية، فإذا كان يعبد البدوي، أو يعبد النبي ﷺ، أو يعبد زينب، أو يعبد الحسن، أو يعبد الحسين، أو يعبد عليًّا، يعبدهم ويستغيث بهم كفر، ولم ينفعه قول: لا إله إلا الله.

وهكذا إذا جعل الملائكةَ أو الجنَّ واستغاث بهم كفر، ولو قال: (لا إله إلا الله)، وهكذا إذا دعا الأشجار، أو الأحجار، أو الأصنام، كما تفعل قريش مع العزى واللات ومناة.

الواجب على المسلم أن يتبصر، وأن يكون على بينةٍ في دينه، فالمشرك مُشرك وإن قال: (لا إله إلا الله)، والكافر كافر وإن قال: (لا إله إلا الله) حتى يُؤمن بمعناها، وحتى يُؤدي حقَّها، كما قال ﷺ: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وفي اللفظ الآخر من حديث ابن عمر: إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله.

فلا بدَّ من حق الإسلام وحقّ لا إله إلا الله، وهو الالتزام بدين الله، والحذر فيما يُسبب الشرك، أو يُسبب تكذيب الله ورسوله.

فلو أن إنسانًا يفعل كل عبادةٍ، ويعتقد كلَّ ما أوجب الله، ولكن يقول: ما في بعث ولا نشور. كفر عند الجميع، ولو أنه يُصلي ويصوم ويظن أنه ليس بمشركٍ، ولو أنه أعبد الناس، إذا قال أنه لا بعثَ ولا نشورَ ولا جنةَ ولا نارَ، كفر عند الجميع.

وهكذا لو كان يُؤمن بكل شيءٍ، ولكن يقول: الزنا حلال، أو الخمر حلال، أو الصلاة ما هي بواجبةٍ، أو صوم رمضان ليس واجبًا، أو الحج ليس واجبًا، مع الاستطاعة؛ كفر عند الجميع.

فالواجب التَّنبيه لهذه الأمور، وأن يكون طالبُ العلم على بصيرةٍ، وألا يغترَّ بقول هؤلاء المرتدين، هؤلاء الجهلة الضَّالين الذين يعبدون القبور، ويستغيثون بالأموات، ويقولون: نحن مسلمون.

نسأل الله العافية، ورزقنا الله التوفيق والهداية.

س: ما حكم مَن قال في دعائه: (يا حبيبي) يريد الله، وقول: (يا مسهل)، وقول: (يا هادي، يا دليل)؟

ج: ما فيها شيء، هو أحب حبيبٍ ، لكن ادعوه بأسمائه: يا الله، يا رحمن؛ لأنَّ الله يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، ما قال: ادعوني بحبيبي، ادعوني بأسمائي وصفاتي: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا ربي، يا ذا الجلال والإكرام، وإن كان هو أحب حبيبٍ، لكن يُدعا بصفاته التي بيَّنها .

س: ما حكم مَن سأل بالله لأمرٍ ولم يجَب؟ وما حكم مَن سُئل بالله ولم يفعل؟

ج: النبي ﷺ قال: مَن سأل بالله فأعطوه إلا إذا كان ما له حقّ فيما سأل، لو قال: أسألك بالله أن تعطيني من الزكاة وهو ليس من أهل الزكاة، ما يُعطى، لكن إذا سأل شيئًا له فيه شبهة: سأل من بيت المال، أو سأل أن يُعطى لأنه فقير، يُعطى ما تيسر: مَن سأل بالله فأعطوه، ولكن لا ينبغي أن يسأل بالله، لا يُشدّ على الناس؛ ولهذا قال الملكُ الذي جاء إلى الأبرص والأعمى والأقرع: (أسألك بالذي أعطاك كذا وكذا)، سأل بالله.

المقصود أنه إذا كان في شيءٍ مهم وسأل بالله يُعطى إذا كان لحقٍّ، أما إذا لم يكن له حقّ ما يُعطى ولو سأل بالله، فلو قال: أسألكم بالله أن تُعطوني من الزكاة، وليس من أهلها؛ لم يُعط من الزكاة؛ لأنه ليس من أهلها، أو قال: أسألكم بالله أن تُعطوني أموالكم والذي عندكم كله ولا تجعلون لكم شيئًا، ما يُعطى.

س: ما حكم الذي يقول: (لا إله إلا الله) من الكفرة؛ لأنه يخشى أن يضرّ في كسبه؟ هل يضرّ أو لا؟

ج: إذا كان لا يُقرّ بالتوحيد وقال: (لا إله إلا الله) يُكفّ عنه حتى يُنظر في أمره، مثلما أمر النبيُّ ﷺ أسامة، أما إذا كان يتكلم بالتوحيد، لكن ما كفَّ عن الشرك؛ كلامه لا ينفع، لا بد أن يترك الشرك ويتوب منه، فعباد البدوي، وعباد الحسين، وعباد علي، أو عباد اللات، أو عباد الكواكب، أو عباد الأصنام، إذا قالوها -أي: لا إله إلا الله- ما يُكفّ عنهم حتى يتوبوا من عملهم، حتى يتوبوا من شركهم وكفرهم، وهكذا مَن سبَّ الله، أو سبَّ الرسول وهو يقول: (لا إله إلا الله) ما يُكفّ عنه حتى يتوب من هذا.

س: ما الحكم إذا رأينا كافرًا يفعل فعل الرجل الذي مع الصحابي، وأراد أن ينجو فقال: لا إله إلا الله، والله أعلم بنيته؟

ج: ما يُقتل إذا قالها وهو لم يقلها قبل سابق حتى يثبت في أمره، ولو كان يظن أنه قالها تعوذًا، مثلما أنكر النبيُّ ﷺ على أسامة لما قال أسامةُ للنبي ﷺ: إنما قالها تعوذًا، قال له: أشققتَ عن قلبه؟! فإذا كان ما يقولها أصلًا ثم قالها يُمسك عنه حتى يُنظر في أمره.

س: ما حكم مَن قال لصاحب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر: أنت فضولي؟ هل هذا يكون كفرًا؟

ج: لا يكون كفرًا، لكن يُبين له أنَّ هذا غلط، وكلام ليس بصحيحٍ، وأنه ليس بفضولي، وأنَّ هذا جهل، ويُبين له؛ لأنه قد يعتقد أنه مُصيب.

س: جملة من المعاصرين ذكروا أنَّ الكافر -مَن قال الكفر أو عمل بالكفر- لا يكفر حتى تُقام عليه الحجَّة، ودرجوا عباد القبور في هذا؟

ج: هذا من جهلهم، عباد القبور كفار، واليهود كفار، والنصارى كفار، ولكن عند القتل يُستتابون، فإن تابوا وإلا قُتلوا.

س: مسألة قيام الحجَّة؟

ج: بلغهم القرآن: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52]، القرآن بلغهم، وبين المسلمين: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ [المائدة:67]، قد بلغ الرسول، وجاء القرآن، وهم بين أيدينا يسمعونه في الإذاعات، ويسمعونه في غيرها، ولا يُبالون، ولا يلتفتون، وإذا جاء أحد يُنذرهم وينهاهم آذوه، نسأل الله العافية.

س: حديث الرجل الذي قال: إذا مت فحرقوني؟

ج: هذا جهل بعض السنن من الأمور الخفية من كمال القُدرة، جهلها، فعذر حمله على ذلك خوف الله وجهل تمام القُدرة، فقال لأهله ما قال.

س: سجود معاذ للنبي ﷺ؟

ج: هذا إن صحَّ، ففي صحته نظر، لكن معاذًا -لو صحَّ- ظن أنَّ هذا إذا جاز لكبار قادة المشركين هناك ..... هذا له شبهة في أول الإسلام، لكن استقرَّ الدينُ، وعرف أنَّ السجود لله، وإذا كان هذا أشكل على معاذٍ في أول الأمر، لكن بعده ما يُشكل على أحدٍ.

س: من أدلتهم حديث اللَّيثيين: لما ذكر الرسولُ ﷺ أنه سيُعطيهم، فقام فخطب الناس فقال: أرضيتُم؟ فقالوا: لا، قالوا هذا تكذيبًا للرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا كفر؟

ج: ما كذبوه، يسألهم يقول لهم: أرضيتُم بهذا أم لا؟ مثل الذي أهدى له النَّاقة فأعطاه فقال: أرضيتَ؟ قال: لا، فزاده حتى رضي، قال: أرضيت؟ قال: نعم، هذا ليس بتكذيبٍ، الذي يقول هذا من الجهل.

س: هذه كتابات وأشرطة موجودة في السوق لبعض المعاصرين؟

ج: هذا غلط.

س: بعض الناس إذا نُصح قال: ما هداني الله ؟

ج: نقول له: اسأل ربك الهداية، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

س: بعض أئمة الطرق المنحرفة الذي يقول: وصلنا إلى مرتبة اليقين، فلا تلزمنا العبادات؟

ج: هذا يكفر عند أهل العلم، بإجماع أهل العلم، مَن قال: تسقط -عنى العبادات- كفر بإجماع أهل العلم، إلا إذا كان جُنَّ، أصابه جنونٌ.

ولهم شُبهة أخرى، وهو ما ذكر النبي ﷺ: أنَّ الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذرون، حتى ينتهوا إلى رسول الله ﷺ.

قالوا: فهذا يدل على أنَّ الاستغاثة بغير الله ليست شركًا.

والجواب أن نقول: سبحان مَن طبع على قلوب أعدائه! فإنَّ الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا نُنكرها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، وكما يستغيث الإنسانُ بأصحابه في الحرب أو غيرها، في أشياء يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله.

إذا ثبت ذلك، فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يُريدون منهم أن يدعو الله أن يُحاسب الناس؛ حتى يستريح أهلُ الجنة من كرب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجلٍ صالح حيٍّ يُجالسك ويسمع كلامك فتقول له: ادعُ الله لي، كما كان أصحابُ رسول الله ﷺ يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلفُ الصالح على مَن قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه؟!

الشيخ: المشركون لهم شُبَه كثيرة، يشبهون بها على الناس؛ لقلة علمهم، وغلبة الجهل عليهم، واعتيادهم للباطل.

فإنَّ الإنسان إذا اعتاد الباطلَ صعب عليه التَّخلص منه، وصار يتطلب الشُّبَه التي تُبرر عمله، ويتعلق بخيط العنكبوت، ويقولون: لماذا تُنكر علينا دعوة الأموات والاستغاثة بالأموات والناس يوم القيامة يستغيثون بآدم وبنوحٍ وإبراهيم وعيسى حتى يشفعوا لهم عند الله؟! هذا يدل على جواز الاستغاثة بالمخلوقين؛ لأنَّ الرسول ﷺ أخبر عن الناس يوم القيامة أنهم يستغيثون بآدم وبنوحٍ وبإبراهيم وبموسى حتى يشفعوا لهم.

فيُقال: يقول المؤلف رحمه الله: سبحان مَن طبع على قلوب أعدائه! الاستغاثة بالحي غير الاستغاثة بالميت، الاستغاثة بالحاضر غير الاستغاثة بالغائب، فرق بين الجميع، الناس يوم القيامة والمؤمنون يستغيثون بآدم وبنوح وإبراهيم في أمورٍ يستطيعونها؛ الشَّفاعة لهم في أن يُريحهم الله من ذلِّ الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة، تقول لإنسانٍ: اشفع لي عند فلان بكذا، أغثني من كذا، وهو يقدر، سلفني كذا، أقرضني كذا، هذا لا بأس به.

وكما يقع في الحرب: أصحابُ الحرب يتعاونون، يقال له: عندك الجهة الفلانية احفظها، عندك الجهة الفلانية، والآخر يُقاتل في الجهة الأخرى، يتعاونون ويتواصون بحرب الأعداء، وهذا في معنى قصة موسى لما استغاثه الذي من شيعته، استغاث موسى على القبطي فأغاثه فوكزه فقضى عليه؛ لأنَّ موسى حاضر يستطيع.

فإذا قلتَ لزيدٍ أو عمرو: أغثني من خادمك، أو من ولدك، اكفني من شرِّه، أو من هذا السبع، يعني: معه سلاح يرميه به، أو يضربه بشيءٍ.

هذا لا بأس به، ما فيه هذا؟ شيء حاضر، أو بمُكاتبة إنسانٍ غائبٍ يُكاتبه، يكتب له كتابًا يقول: أرسل لي كذا، أقرضني كذا، يعني كذا بالكتابة، أو بالهاتف، ما فيه شيء، المنكر كونه يأتي إلى ميتٍ أو جبلٍ أو شجرٍ أو حجرٍ يستغيث به، هذا هو الشرك الذي فعله المشركون، أو بالغياب: كالملائكة والجن يستغيث بهم، هذا هو الشرك الذي فعله المشركون، وأنكره الرسلُ، وأنكره الأنبياء، وأنكره الدُّعاة إلى الخير.

أما الاستغاثة بالحي الحاضر القادر، أو بغائبٍ بالمكاتبة، أو بالوصية لإنسانٍ يتصل به ويقول له: كذا وكذا، أو بالهواتف كما يحصل الآن، الهاتف هذا ممكن، ليس بغائبٍ، هذا حاضر يُكلمه بالهاتف، مثلما يُكلم الحاضر، أو يكتب له كتابًا يقول: سلفني كذا، أو أقرضني كذا، أو اشترِ لي كذا، لا بأس، فرق بين هذا وهذا.

أما كونه يأتي الميت ويقول: انصرني، أنا في حسبك، أنا في جوارك، هذا شرك المشركين، أو يسجد له، أو يذبح له، أو يستغيث به، أو الغائب، أو الجنّ يفعلون كذا، أو يا جبريل أغثني، يا إسرافيل أغثني، غائبون عنا، لا يحضرهم، ولا يُشاهدهم، ولا يسمعون كلامه.

هذا هو الذي فعله المشركون، هذا هو الشرك الأكبر، وهكذا مع الشجر أو الصنم، هذا أقبح وأقبح، أو مع النجوم أقبح وأقبح.

نسأل الله العافية، وفق الله الجميع.

س: لو رأى شخصًا سوف يذهب إلى الجهاد في سبيل الله فقال له: إن استشهدت في سبيل الله اشفع لي؟

ج: هذا يشفع بعد الموت، هذا محله بعد البعث والنُّشور، يطلب منه أن يشفع له وهو حي، يُوصيه وهو حي الآن لا بأس إذا بُعث يوم القيامة.

س: يا شيخ، ما فيها شيء؟

ج: ما فيها شيء.

س: ما ضابط دعاء الأخ لإخوانه أن يدعو لهم، هل كل أخٍ أقول له: ادع لي، ولا تنسنا من دعائك يا أخي؟

ج: خواصّ الناس، أما كل أحدٍ لا، تسأل بعض إخوانك في بعض الأحيان لا بأس؛ حتى لا تُؤذيهم، ما كان النبيُّ ﷺ يسأل كل أحدٍ، إنما يُروى أنه قال لعمر: لا تنسنا من دعائك، وأوصانا بأويس القرني؛ لأنه كان بارًّا بأمه: مَن يلقه منكم فليطلب أن يستغفر له، ما قال كل أحدٍ، بعض الناس كل مَن جاء له: ادع لي، ادع لي! ينبغي للإنسان ألا يفعل هذا بعض الأحيان حتى لا يُؤذي إخوانه.

س: المشركون في شركهم وصفهم الله في كتابه أنهم يتَّبعون المتشابه، وكثير من العلماء الآن يُطلق أنه لا يكفر حتى تُزال الشُّبَه، كيف نفصل في هذه المسألة؟

ج: ما فيه الشّبهة، تُزال عنه الشُّبَه، والذي ليس فيه شُبهة الحمد لله، إذا تكلم بالهاتف ليس فيه شبهة والحمد لله، أو كلم بالوكالة أو المكاتبة ليس فيه شبهة.

لكن إذا كلم الميت هذا ليس فيه شبهة، هذا شرك المشركين، فكلام الميت والاستغاثة ليس فيه شبهة، هذا صريح شرك المشركين: يدعون اللات والعزى ومناة وأشباههم، ويدعون الملائكة، ويدعون الجنَّ، هذا شركهم، والذي عنده شُبهة تُزال عنه الشُّبَهة.

دعاء الجنّ والملائكة الغائبين ودعاء الأموات غير دعاء الحي الحاضر، دعاء الحي الحاضر أجمع المسلمون على أنه لا بأس به، مثل أن تقول للحي الحاضر: اشفع لي، ادعُ الله لي، جزاك الله خيرًا سلفني كذا، يعني كذا بلغ سلامي لفلان.

س: الأجسام والأبدان التي في الموقف يوم القيامة هي نفس الأبدان التي في الدنيا أم أنَّ الله يُعطيها قوةً؟

ج: هي هي نفس الأبدان، لكن بعضها على خلق آدم: ستون ذراعًا إلى السَّماء.

س: نقصد قوة التَّحمل يا شيخ؟

ج: أحوالهم غير أحوالهم في الدنيا، أحوالهم في الجنة أبناء ثلاثٍ وثلاثين، الأطفال والشيوخ تتغير أحوالهم؛ يُعطيهم الله أجسامًا غير الأجسام، ونورًا غير النور، وأهل النار بعضهم كذا.

س: هذه يا شيخ في الجنة صورة آدم؟

ج: ستون ذراعًا في الجنة.

س: هو يسأل عن الموقف؟

ج: الله أعلم، من الممكن أن يكون كذلك حين أخرجهم الله من قبورهم، ليس هذا بعيدًا، وهم حُفاة عُراة غرلًا، وطولهم وعرضهم الله أعلم، جاء في الحديث أنه على طول أبيهم آدم: ستون ذراعًا إلى السَّماء.

س: الضابط في الشُّبهة المعتبرة والشُّبهة غير المعتبرة؟

ج: الشيء الدقيق الذي قد يخفى يُبين، يُبين له الشيء الذي قد يخفى؛ كمَن ظنَّ أن سؤال الغائب أنه ما هو بشركٍ، يُقال له: الغائب على قسمين: الغائب إذا سألت بالمكاتبة أو بالهاتف ليس بشركٍ، وإذا سألت تعتقد أنه يسمع كلامك وهو غائب، وأنه ينفعك، هذا الشرك هو الأكبر الذي فعله المشركون مع الملائكة ومع معبوداتهم من دون الله.

.............

س: الخفاء والوضوح ما يتغير باختلاف الأزمنة والأمكنة؟

ج: لا يتغير، كلما عظم الجهل زاد الخطب، كلما اشتدت غربةُ الإسلام زاد الخطبُ، لكن ما دام بين المسلمين يسمع القرآن ويسمع السنة قد بلغ، قال الله تعالى: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52]، القرآن بلاغ، ويقول سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، هو بلغه القرآن، ونقول له: تعالَ نفعل كذا، يُخاصمك ويُضاربك ولا يُعطيك ما يقبل الفائدة، أهل القبور الآن من الصعب التَّفاهم معهم في التوحيد إلا بشدةٍ، ما يرضون لأحدٍ أن يتفاهم معهم، يرون أنهم على حقٍّ، إلا مَن رحم الله، نسأل الله العافية.

س: الكلام على التوحيد فقط، أما في المسائل المكفرة من البدع مثل: الجهمية؟

ج: المسائل التي لا تكفر أمرها سهل، المقصود المسائل المكفرة.

س: يعمم الحكم على العوام أم هناك تفصيل؟

ج: عوامهم معهم، إذا كانوا مُعتقدين دينهم معهم، مثل: عوام اليهود والنصارى، فعوام اليهود والنصارى منهم، أما الشيء الذي قد يخفى مثل: عموم القُدرة، مثل: قصة الذي أمر أهله أن يحرقوه، وظنَّ أنه إذا حرق وذُري في اليوم الصَّائف أنه يفوت، وأنه يسلم، فأمر الله الأرض والبحر أن يجمع ما فيه، ثم قال: ما حملك على هذا؟ قال: خوفك يا رب، فتجاوز الله عنه.

س: الذين لم تصلهم الدَّعوة الآن؟

ج: ليسوا مسلمين ولا كفَّارًا، أمرهم إلى الله، أهل الفترة أمرهم إلى الله، ليسوا مسلمين ولا كفارًا، أمرهم إلى الله.

س: مَن كان بين المسلمين ويسمع القرآن هل يتصور يوم القيامة أنه يُمتحن في الموقف كأهل الفترات؟

ج: الذي ما بلغه الإسلامُ يُمتحن، والذي بلغه الإسلامُ لا يُمتحن، قد قامت عليه الحجَّة.

س: إذا كان بين المسلمين؟

ج: الأمر إلى الله، عندنا قامت الحجَّة، وأمره إلى الله، والله أعلم به، وعندنا مَن قامت عليه الحجَّة انتهى، والحجة بالقرآن والسنة.

س: هل يوجد مَن يموت ولم تبلغه الدَّعوة؟

ج: قد يوجد في إفريقيا وغيرها.

س: يا شيخ، قول الرسول ﷺ: ما تُشرق الشمس ولا تغرب إلا طرق الإسلام بيته، بذلِّ ذليلٍ أو بعزِّ عزيزٍ؟

ج: هذا يحتاج إلى صحته، وإن صحَّ ما يلزم منه الأفراد، يلزم منه الجهات، ما يلزم منه الأفراد، وأن كل فردٍ قامت عليه الحجَّة، قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، إذا ما وصلك خبرُ الرسول ﷺ وخبر القرآن ما قامت عليك الحجة، لكن تنصحهم وتُعلمهم، فإذا تابوا وهداهم الله فالحمد لله، وإن ما تابوا فهم كفار.

ويكون هذا بالدعوة والتَّوجيه، وإذا أصروا يُقتلوا قتلًا عند ولي الأمر، إذا كان ولي أمر مسلم، وهم بين يديه يدعوهم إلى الله، فإذا أقروا بالحقِّ وتركوا دعاء الأموات والاستغاثة بهم وإلا قُتلوا.

ولهم شُبهة أخرى، وهي: قصة إبراهيم لما أُلقي في النار، اعترض له جبريلُ في الهواء، فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أمَّا إليك فلا. قالوا: فلو كانت الاستغاثةُ بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم.

فالجواب: إنَّ هذا من جنس الشبهة الأولى، فإنَّ جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمرٍ يقدر عليه، فإنه كما قال الله فيه: شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]، فلو أذن الله له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويُلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم في مكانٍ بعيدٍ عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السَّماء لفعل، وهذا كرجلٍ غنيٍّ له مال كثير يرى رجلًا محتاجًا فيعرض عليه أن يُقرضه، أو أن يهبه شيئًا يقضي به حاجته، فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ، ويصبر إلى أن يأتيه الله برزقٍ لا منةَ فيه لأحدٍ، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟!

ولنختم الكلام إن شاء الله تعالى بمسألةٍ عظيمةٍ مهمةٍ تُفهم مما تقدم، ولكن نُفرد لها الكلام؛ لعظم شأنها، ولكثرة الغلط فيها، فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بدَّ أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختلَّ شيءٌ من هذا لم يكن الرجلُ مسلمًا، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر مُعاند: كفرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس ويقولون: إنَّ هذا حقّ، ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا مَن وافقهم. أو غير ذلك من الأعذار، ولم يدرِ المسكينُ أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحقَّ، ولم يتركوه إلا لشيءٍ من الأعذار، قال تعالى: اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [التوبة:9]، وغير ذلك من الآيات، كقوله: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146].

فإن عمل بالتوحيد عملًا ظاهرًا وهو لا يفهمه أو لا يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شرٌّ من الكافر الخالص: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].

وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى مَن يعرف الحقَّ ويترك العمل به؛ لخوف نقص دنيا أو جاه، أو مُداراة لأحدٍ. وترى مَن يعمل به ظاهرًا لا باطنًا، فإذا سألته عمَّا يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله:

أولاهما قوله تعالى: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66]، فإذا تحققت أنَّ بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول ﷺ كفروا بسبب كلمةٍ قالوها على وجه المزح واللَّعب؛ تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفًا من نقص مالٍ أو جاهٍ أو مُداراة لأحدٍ؛ أعظم ممن يتكلم بكلمةٍ يمزح بها.

والآية الثانية قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ [النحل:106- 107]، فلم يعذر الله من هؤلاء إلا مَن أُكره مع كون قلبه مُطمئنًّا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفًا أو مُداراةً، أو مشحةً بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره، فالآية تدل على هذا من جهتين:

الأولى قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ، فلم يستثنَ الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أنَّ الإنسان لا يُكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يُكره عليها أحد.

والثانية قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، فصرح أنَّ هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبَّة الكفر، وإنما سببه أنَّ له في ذلك حظًّا من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين.

والله أعلم وأعزّ وأكرم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي الحنبلي، المولود سنة 1115 من الهجرة النبوية، والمتوفى سنة 1206 من الهجرة النبوية في الدَّرعية رحمه الله، يقول: لهم شُبهة أخرى، أي: المشركين لهم شُبهة غير الشُّبَه السابقة التي سبق الجوابُ عنها، وهي أنهم يقولون: إنَّ إبراهيم لما أُلقي في النار جاء في التاريخ أنه اعترضه جبرائيلُ فقال له: هل لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فبلى.

قالوا: كون جبرائيل يعرض على إبراهيم الحاجة يدل على أنه يجوز الاستغاثة بغير الله والاستعانة بغير الله؛ لأن جبريل عرضها، ولو كان ممنوعًا ما عرضها جبرائيل.

فيُقال لهؤلاء: هذا من أعظم الجهل، جبرائيل ملك عظيم، أعطاه الله من القوة ما أعطاه، فهو عرض عليه أن يمده، وأن يُسعفه بشيءٍ يقدر عليه جبرائيل، فأجاب إبراهيمُ بأنه ليس له حاجة إليه، إنما الحاجة إلى الله .

فجبرائيل لو أمره الله أن يأخذ إبراهيم إلى جهة السَّماء، أو إلى مكانٍ بعيدٍ، أو يُطفئ النار، استطاع ذلك؛ لأنه هو القوي الأمين عليه الصلاة والسلام، ويقول الله في شدته -يعني جبرائيل: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ۝ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى [النجم:5- 6]، فهذا مثل إنسانٍ فقيرٍ يعرض عليه إنسانٌ عنده مال كثير فيقول: لك حاجة؟ أُعطيك دراهم؟ أُعطيك طعامًا؟ فيقول الفقيرُ: ما لي حاجة، ليس لي عندك حاجة، إنَّ حاجتي أطلبها من جهةٍ أخرى، هل في هذا شيء؟ ليس في هذا شيء.

إنما الشرك الذي بيَّن القرآنُ أنه شرك: كونه يأتي إلى الأموات، أو إلى الأشجار والأحجار ويستغيث بهم، وينذر لهم، أو إلى النجوم أو الأصنام أو غير هذا، يطلب المدد والغوث من ميتٍ أو صنمٍ أو حجرٍ أو جني أو غائبٍ بغير أسبابٍ حسيةٍ، هذا الذي بيَّن القرآنُ أنه شرك، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر ذلك؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13- 14].

والله حذَّر مما يفعله المشركون مع أصنامهم وأوثانهم، وأخبر أنَّ الأصنام لا تملك شيئًا، وأن الملك لله جلَّ وعلا وحده، هو المتصرف في الكون.

ثم ختم الكلامَ رحمه الله بخاتمةٍ عظيمةٍ، وهي أن التوحيد لا بدَّ أن يكون بالقلب واللسان والعمل، لا بد أن يؤمن بالله، وأنه يستحق العبادة، ولا بدَّ أن يتيقن بهذا، وأن يعمل بهذا، ويخّص الله بالعبادة، فلو أشرك بالله وقال: أنا مؤمن بالتوحيد الحقّ، وأنَّ الله مستحق للعبادة، لكن ما أود أن أُخالف جماعتي، أنا أفعل مثلما يفعل جماعتي، فلا أُحبّ أن أُخالفهم، أنا أعبد معهم القبور، وأعبد معهم الأصنام، وأذبح لهم -لغير الله- وإن كنت أعلم أنَّ هذا باطل، ولكن مجاملة لجماعتي وعدم المخالفة لجماعتي! كما فعل كفار قريش وغيرهم ممن يعرف الحقَّ، كما قال الله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، وقال في بني إسرائيل الكافرين: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وقال في حقِّ فرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102]، ولكنه الجحد والتَّكبر.

وكذا لو اعتقد بقلبه أنَّ الله حقّ، وأن النبي حق، وأن الساعة حق، ولكن قال بلسانه مجاملةً: لا مانع من دعاء الأموات، لا مانع من الاستعانة بالأموات، مجاملةً لقومه، وإلا فهو يعتقد خلاف ذلك، أشرك بذلك؛ لأنه أجاز ما حرَّم الله وهو يعلم أنه شرك، أو عمل به وقال: أنا ما أعتقد، لكن أعمل به مجاملةً، فإذا سجد لغير الله أو دعا معهم غير الله أشرك بالله، أو قال بلسانه التوحيد، ولكن بقلبه جحد -كالمنافقين- يكفر بذلك: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران:167]، قال عنهم الرب: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66]، ولو قال: إنَّ قلوبنا طيبة وسليمة، ما داموا فعلوا الشرك وفعلوا ما يُوجب الكفر.

فالحاصل أنه لا بدَّ من التوحيد بالقلب واللسان والعمل، فإذا وحَّد بقلبه بزعمه، ولكن أشرك بالقول أو بالفعل، لم ينفعه، أو وحَّد بالقلب واللسان، ولكن أشرك بالفعل: كالسجود لغير الله، والذبح لغير الله، أو وحَّد الله بالفعل وبالقول، ولكن أشرك بالله في القول فدعا مع الله غيره، واستغاث بغير الله، كله باب واحد، فلا بدَّ من التوحيد بالقلب واللسان والعمل.

وفَّق الله الجميع.

س: قصة جبرائيل مع إبراهيم ثابتة؟

ج: هذا مشهور في التاريخ، لكن لا أعرف فيه أحاديث، ذكر المؤرخون أنَّه قابله في الهواء وقال: أما إليك فلا، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.

س: العلماء الذين يُقرون القبوريين في البلاد الإسلامية على توسلهم بغير الله تعالى، هل هم أشد من الذين يستهزئون بالله؟

ج: هذا فيه تفصيل: إذا كانوا يعتقدون جواز ذلك كفروا، أما إذا كان تساهلًا منهم: ما أنكروا المنكر، ولكن ما فعلوه، ولا اعتقدوه، فهذا تقصير منهم في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، مثل: الذين في مكة لم يستطيعوا أن يُنكروا المنكر خوفًا من المشركين.

س: الذين يعبدون القبور ويستعينون بالجنِّ لهم شركيات ظاهرة وبينة، فمثل هؤلاء هل يبدأ معهم الإنسانُ بدعوة التوحيد أم يستدرجهم شيئًا فشيئًا حتى يفهموا بعد فترةٍ؟

ج: لا يبدأ إلا بالتوحيد، فأعمالهم ما تنفع إلا بعد التوحيد، يبدأ بالتوحيد.

س: بعض الناس يقولون: التوحيد يُنفر الناس؟

ج: هذا غلط وجهل، الرسول ﷺ بدأ بالتوحيد، ما بدأ بالصلاة، ولا بدأ بالزكاة، ولا بدأ بالصدقات، بدأ بالتوحيد: قولوا: لا إله إلا الله تُفلحوا.

س: الذي في البلاد الإسلامية يُقاس على مَن ترك الإنكار في الشّركيات في مكة؟

ج: على كل حالٍ، الواجب عليه أن يعظ الناس ويُذكرهم ويُبصرهم بالحقِّ، ولا يُشاركهم في الكفر بالله، ولا في أعمال الكفر: لا بالقلب، ولا بالفعل، ولا بالقول، أما إذا قصَّر في إنكار المنكر فهذا يصير معصيةً.

فالواجب إنكار المنكر، لكن إذا قصَّر -مع أنه ما يعتقد ذلك ولا يفعله معهم- ما يصير كافرًا، أما إذا جاملهم وفعل معهم المنكر، وعبد معهم القبور، وسبَّ معهم الأديان، وسجد للقبور، وقال: إنها مجاملة، فهذا شرك.

أما إنسان ما جاملهم، ولا شاركهم في باطلهم، ولكنه ضعيف؛ ما يُجاهر بالإنكار عليهم، بل يخاف من شرهم، أو يطمع في رفدهم، هذا هو محل النظر.

.............

س: حضور مجتمعات ومُؤتمرات توحيد الأديان والدَّعوة إليها من قبل بعض المنتسبين للعلم؟

ج: هذا كفر.

س: جماعة من المعاصرين يقولون أنه لا يكفر الشخصُ إذا قال الكفر أو فعله إلا إذا قصد بقلبه؟

ج: غلط، هذا يكفر بالقول وباللسان وبالعمل، إلا إذا أُكره مع الطُّمأنينة، إذا أُكره بالضرب أو التهديد بالقتل من قادرٍ وقلبه مطمئن، مثلما فعل عمار وياسر وابن مسعود وبلال وغيرهم، فوافقوهم، ولكن مع الطمأنينة بالقلب، مع كون القلب مطمئنًّا بالإيمان، مُوحِّدًا لله جلَّ وعلا، ولكن قالوا: إنَّ محمدًا كاذب، أو قالوا: إنه ليس برسولٍ؛ ليدفعوا عنهم الضرب بالجريد وغيره.

..............

س: مسألة الكفر بالجحود قال بعضُهم: لا يكفر الرجل إلا إذا قصد الخروج من الإسلام بفعله أو بقوله؟

ج: هذا جاهل يُعلَّم، الكفر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالعمل، الذين قالوا: ما رأينا مثل قرَّائنا، كفروا بالقول، نسأل الله العافية.

س: هذا هو الأصل العام للمُرجئة، يقولون: إنَّ الكفر لا يكون إلا بالقلب؟

ج: يكون بالقلب واللسان والعمل عند جميع العلماء، اقرأوا "باب حكم المرتد".

س: المرجئ؟

ج: لا، المرجئة يقولون غير هذا، المرجئة يقولون: الإيمان بالقلب واللسان، ولكن يقولون: الأعمال ما تُسمَّى: إيمانًا، الصلاة واجبة، والزكاة واجبة، ولكن ما تُسمَّى: إيمانًا، غلط منهم، هي تُسمَّى: إيمانًا.

س: غلط الإيمان وغلط الكفر؟

ج: مَن كفر يُنظر في قوله، أما المرجئة الذين لم يُدخلوا العمل في الإيمان ..... يجب على العبد أن يعمل ما أوجب الله، وأن يدع ما حرَّم الله، ولكن ما تُسمَّى: إيمانًا ..... لا يكون كافرًا.

س: مَن تمسَّح بشبابيك أو أبواب الحرم واعتقد أنَّ هذا قُربى لله؟

ج: هذه بدعة، فإذا اعتقدها وطلب منها صار شركًا، أما إذا كان يظن أنها قُربى وطاعة فهذه بدعة ويُعلَّم.

س: يُنكر عليه؟

ج: يُنكر عليه ويُعلَّم أنها بدعة.