14- من حديث (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع)

بَابُ الصُّلْحِ

876- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أو أَحَلَّ حَرَامًا، والْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أو أَحَلَّ حَرَامًا.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ، وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ضَعِيفٌ،

وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ.

877- وقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه.

878- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَمْنَع جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ، ثم يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! واللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

879- وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ.

رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ والْحَاكِمُ فِي "صَحِيحَيْهِمَا".

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالصلح وحُسن الجوار، فالصلح أصله جائزٌ بين المسلمين بالقرآن والسنة، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، وقال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، وقال جلَّ وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9].

فالصلح جائزٌ بين المسلمين بنصِّ الكتاب والسنة، إلا صلحًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا، ولهذا جاء من حديث عمرو بن عوف المزني: أنه ﷺ قال: الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا، هذا وإن كان سنده ضعيفًا، لكن معناه صحيح، كما دلَّ عليه القرآنُ والسنة في الأحاديث المتعددة: منها ما رواه ابن حبان وصحَّحه: عن أبي هريرة ، مما ثبت عن النبي ﷺ: أنه أصلح بين كعب بن مالك وخصمه بالشطر في دَينه الذي عليه.

فهذا الصُّلح ثابتٌ بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، فإذا اصطلح المسلمان المكلَّفان الرشيدان في إسقاطٍ لأحدهما عن الآخر، أو إسقاط بعضه، أو العفو عن جنايةٍ، أو عن قصاصٍ؛ صحَّ ذلك، أما إذا كان المصطَلِحان سفيهين أو صغيرين فلا، لا بدّ أن يكون الصلحُ من رشيدين.

والحديث الثاني: حديث ما يتعلق بالجوار: لا يمنعنَّ جارٌ جارَه أن يغرز خشبةً في جداره، يُروى خشبةً بالإفراد، ويُروى بالجمع: خُشُبَه في جداره، والمعنيان صحيحان، فإذا احتاج الجارُ من جاره أن يضع بعض الخشب على جداره فلا يمنعه؛ لأنَّ هذا ينفع الجار من دون مضرَّةٍ على صاحب الجدار، والمسلمون شيءٌ واحد، والمؤمنون إخوة، والله يقول جلَّ وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وبِذِي الْقُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْجَارِ ذِي الْقُرْبَى والْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36]، أمرنا بالإحسان إليه، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم جاره، وهذا من إكرام الجار، والإحسان إليه، لكن بشرط أن يكون الجدارُ يتحمَّل، إذا كان الجدار يتحمَّل فلا بأس، وإلا فلا ضرر ولا ضرار، إذا كان الجدارُ ضعيفًا ما يتحمَّل ما يلزم أن يسمح له، أما إذا كان الجدارُ قويًّا يستطيع أن يحمل هذا وهذا فإنه لا يمنعه.

ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها مُعرضين؟!" يعني: هذه السنة، "والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم"، يُبين أن الواجب عليهم السمع والطاعة لأمر رسول الله ﷺ، وهذا قاله أبو هريرة وهو أمير على المدينة بالنيابة عن مروان بن الحكم، يعني: لأصرحنَّ بالسنة على رؤوس الأشهاد، أو المعنى: لأرمينَّ بها -يعني: الخشبة- على أكتافكم، من باب التَّعزير، بدل الجدار.

المقصود أنَّ المراد من هذا التَّشديد في التزام ما أمر به النبيُّ ﷺ، وأنه وإن كرهه بعضُ الناس فهو سوف يُصرح بها ويُعلنها بين المسلمين؛ ليعلموا السنة، يعني: لأصرحنَّ بها بين حضوركم، وجلوسكم، واجتماعكم.

والحديث الثالث حديث أبي حميدٍ الساعدي: لا يحل لمسلمٍ أن يأخذ مالَ أخيه بغير حقٍّ، إلَّا عن طيبةٍ من نفسه، لا عصاة، ولا غيرها، لا يجوز للمسلم أن يظلم أخاه، وليس له من ماله إلا ما طابت به نفسه، فمال الإنسان عليه حرامٌ، وعِرْضُه: كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعِرْضُه، فليس له من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه، فليحذر الظلم، ولهذا يقول ﷺ: اتَّقوا الظلمَ، فإنَّ الظلم ظُلمات يوم القيامة، ويقول ﷺ: كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضه، إلا ما سمحت به نفسه، فلا بأس، إذا طابت نفسُه فالحمد لله.

 

الأسئلة:

س: ...............؟

ج: مثل طريق مُشترك، ما يمنعه من الطريق المشترك، ما يمنعه منه، والهواء المشترك لا يمنعه منه، وما أشبه ذلك، الشيء الذي ليس فيه ضرر: إلَّا شرطًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا، ويقول ﷺ: إنَّ أحقَّ الشروط أن يُوفَى به ما استحللتُم به الفروج، فإذا تشارطوا في معاملةٍ، أو مُزارعةٍ، أو إجارةٍ، أو أي شركةٍ شروطًا لزمت، إذا كانت مباحةً شرعًا، وإذا تبايعا دارًا مثلًا، واشترط البائعُ أنه يسكنها شهرًا، أو سنةً، فله شرطه، أو شرط في الثمن أن يكون من صكة كذا: بجنيه مصري، بجنيه كذا، العملة كذا، على ما شرطوا، أو شرط أن الدابة تبقى تحت يده حتى تُوصله إلى بلده، قال: أبيعك البعير أو السيارة لكن بشرط أنها تبقى في يدي حتى أصل البلد وأسلمها لك في البلد، تبايعا في المدينة، وهما من أهل الرياض، قال: نعم، السيارة أنا بعتُك كذا وكذا، ولكن بشرط أني أروح عليها زيارة أنا وأهلي إلى دياري، أو في مكة، وهو من أهل المدينة، قال: نعم، لكن بشرط أني أذهب عليها إلى المدينة، فالمسلمون على شروطهم.

س: صاحب العقار مثلًا يشترط عقد سنةٍ لإيجار المنزل، فبعد مضي ستة أشهر أخلى المُستأجر المنزل، هل يُرجع إليه النصف الباقي؟

ج: لا، ما يرجع؛ لأنَّ العقد لازم، إما أن يُكمل، أو يُؤجِّره على غيره، أو يسمح بها لصاحب الأرض، العقد لازمٌ مثل البيع.

س: تعدد الشروط التي نصَّ عليها الحنابلةُ أنها بيعتان في بيعةٍ، أو شرطان في شرطٍ، مثل: حمل الحطب وتكسيره؟

ج: هذا بحثٌ آخر، إذا شرطا شرطين في العقد لا يصلح؛ لأنَّ الرسول ﷺ نهى عن شرطين في بيعٍ، يعني: اشترط مثلًا أن يبيعه حطبًا، واشترط على البائع أنه يحمله ويكسره، هذا معناه، أو: أشتري منك هذه الدار بشرط أنك تعمل لي كذا، وتعمل لي كذا ... المحل الفلاني، بشرط أنك تحمل لي هذا إلى المحل الفلاني، شرطان في بيع.

والمشهور عند العلماء أنَّ هذا لا يصحّ؛ يعني: شرطان أجنبيان، أما شرطان في صفة المبيع، أو في الثمن؛ ما يُخالف، لو قال له: أنا أشتري منك السيارة، لكن بشرط أنها موديل كذا، وأنها صفتُها كذا، وصفتُها كذا، وعدَّد صفاتها حتى يُميزها، ما يضرّ، أو ثمن يُميزه؛ العملة الفلانية الصَّادرة في كذا، يعني: شروطًا تبين الثمن أو المبيع ما تضرّ، ولو كثرت؛ لأنها من ضمن المواصفات، من ضمن الثمن والمبيع، المنهي عنه شرطان خارجيان.

س: بعض الأطراف تكون القضية قضية عرضٍ، اعتدى على الأعراض، فهل يجوز أن يتصالحوا على شيءٍ من المال، ويتسامح بما اعتُدي عليه من العِرْض؟

ج: إذا سبَّه، وإلا ..؟

س: لا، اعتدى على صبيٍّ، مثلًا: لواط، أو شيء من هذا، لا يرضى إلا بالتَّحاكم إلى القاضي مثلًا، فيتسامح على أن يُعطى شيئًا من المال؟

ج: لا، ما يصلح، في مقابلة الحدود ما يجوز، يكون مقابل الحدّ الشرعي، إذا ثبت الحدُّ لا بدّ أن يُقام، ولا تجوز المصالحة في الحدود، لا بدّ أن تُقام الحدود الشرعية، إلا إذا ستر أحدٌ عليه من دون عوضٍ، ستر عليه، والرضى بتوبته، وإماتة الأمر من باب الستر: مَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، وعدم الفضيحة، فلا بأس، ولكن بدون عوضٍ.

س: بعض الأشخاص يستقدم عُمَّالًا، ويقول: آخر الشهر تُسلمني –مثلًا- ألف ريـالٍ، ويُطلقهم لكي يعملوا؟

ج: ما يصحّ، هذا لا يجوز، هذا أخذ مالٍ بغير حقٍّ، ولا يجوز الاستقدام إلا لمصلحته هو، مثلما صدر من الدولة -صدر من هيئة كبار العلماء- يكون الاستقدام على قدر ما سمحت الدولة؛ لأنَّ هذا من باب المصالح العامَّة.

س: أو كان بالنسبة، مثلًا: يأخذ عملًا وله نسبة؟

ج: ما يصلح، ما يصلح، لا يجوز أن يستقدمه إلا لحاجته هو، بشرط أن يكون مسلمًا، ولا يستخدم كافرًا، يكون لحاجته، والمعلومة عند الجميع على النظام والتعليمات التي نظمتها الدولة.

س: هل من الشروط ما يُعدّ عبثًا؟ يعني: أحد المُتعاقدين وضعها فقط تعنُّتًا، ما لها أي مصلحةٍ؟

ج: على كل حال، إذا كان ما يُحَرِّم حلالًا، ولا يُبيح حرامًا، قد تكون له مصلحته، وما فطن لها، الشروط جائزة، الأصل فيها الجواز، إلا شرطًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا.

س: اشتراط المرأة في عقد الزواج: ألا تخرج من بلدها؟

ج: لها شرطها، هذا فيه مصلحة لها، تبقى في بلدها، أو في بيت أهلها، لها مصلحة.

س: ..... حقّ الزوج هذا؟

ج: إذا دخل على هذا يلزمه: إنَّ أحقَّ الشروط أن يُوفى به ما استحللتُم به الفروج، يقوله النبي ﷺ، ما استحلَّ فرجَها إلا بشرط أن تبقى في بلدها، أو تبقى عند أهلها.