05 من باب الحجب

باب الحجب

اعلم أنَّ الحجب باب عظيم في الفرائض، حتى قال بعضُهم: يحرم على مَن لم يعرف الحجبَ أن يُفتي في الفرائض.

والحجب لغةً: المنع.

واصطلاحًا: منع مَن قام به سببُ الإرث من إرثه بالكلية، أو من أوفر حظّيه.

وينقسم إلى قسمين:

أحدهما: حجب أوصافٍ، وهي موانع الإرث الثلاثة التي تقدمت، ويتأتى على جميع الورثة، والمحجوب بوصفٍ وجوده كعدمه.

والثاني: حجب أشخاصٍ، وينقسم إلى قسمين:

  • حجب حرمانٍ: ويتأتى على جميع الورثة إلا ستة، وهم: الأبوان والولدان والزَّوجان.
  • وحجب نقصانٍ: ويتأتى على جميع الورثة، وهو مُنحصر في سبعة أقسام:
  • الأول: انتقال من فرضٍ إلى فرضٍ أقل منه: الزوج ينتقل من النصف إلى الربع، وكذلك الزوجة فأكثر تنتقل من الربع إلى الثُّمن.
  • الثاني: انتقال من تعصيبٍ إلى تعصيبٍ أقل منه: كانتقال الأخت الشَّقيقة والأخت لأبٍ من كونهما عصبةً مع الغير إلى كونهما عصبةً بالغير.
  • الثالث: انتقالٌ من فرضٍ إلى تعصيبٍ أقل منه: كانتقال ذوات النصف منه إلى التَّعصيب بالغير.
  • الرابع: انتقالٌ من تعصيبٍ إلى فرضٍ أقل منه: كانتقال الأب والجدّ من الإرث بالتَّعصيب إلى الإرث بالفرض.
  • الخامس: ازدحامٌ في فرضٍ: كازدحام الزوجات في الربع والثمن، وازدحام أهل الثلث وأهل الثلثين فيهما.
  • السادس: ازدحامٌ في تعصيبٍ: كازدحام العصبات في المال أو في الباقي بعد الفروض.
  • السابع: ازدحامٌ في عولٍ: كازدحام أهل الفروض في الأصول الثلاثة العائلة، فإن كل صاحب فرضٍ يأخذه اسمًا لا حقيقةً.

الشيخ: هذا الحجب أمره عظيم؛ ولهذا قال بعضُهم: يحرم على مَن لا يعرف الحجبَ أن يُفتي؛ لأنه قد يغلط، فمَن لا يعرف الحجبَ قد يُعطي مَن لا يستحق .....، فلا تجوز الفتوى في الفرائض إلا لإنسانٍ يعرف فرائضها وعصباتها ومَن يَحجب ومَن يُحجب؛ حتى يكون على بصيرةٍ، أما إذا كان يجهل الحجبَ -حجب الحرمان وحجب النُّقصان- فلا يجوز له أن يُفتي، وهكذا جميع المسائل لا يجوز أن يُفتي فيها إلا عن علمٍ، وعن بصيرةٍ، الله حرَّم القولَ عليه بغير علمٍ.

والحجب مثلما تقدم في اللغة: المنع، ومنه الحاجب عند الباب؛ بوَّاب يمنع الناسَ من الدخول إلا بإذنٍ.

وفي الاصطلاح في عُرف الفرضيين واصطلاحهم: هو المنع من الإرث: إما كلية، وإما نقصًا، يعني: إما حرمانًا، وإما نقصًا، يقال له: حجب، ويقال للشخص: حاجب، فقد يكون حجبه حرمانًا، وقد يكون حجبه نقصانًا.

فحجب الحرمان مثل: سقوط الإخوة بالأب، حجبهم وحرمهم، مات إنسانٌ عن أبيه، وعن أخيه، فالأخ لا شيء له، الأب له الإرث كله، حجبه الأب. أو مات عن ابنٍ وأخٍ، العاصب هو الابن، والأخ ما له شيء، يحجبه الابنُ، هذا حرمان.

حجب النقصان مثل: مات إنسانٌ عن بنتٍ وابنٍ، فالبنت لولا الابن تأخذ النصف، لكن مع الابن ما لها إلا الثلث، للذكر مثل حظِّ الأُنثيين، حجبها عن النصف إلى الثلث عصبًا، نقصها.

وهكذا بقية العصبة بالغير: كالأخ الشَّقيق مع الأخت الشَّقيقة، والأخ لأب مع الأخت لأب، وابن الابن مع بنت الابن.

ومن حجب الحرمان: المحجوب بالقتل، والرق، واختلاف الدين. هذا حجب حرمان، هذه الأوصاف الثلاثة: فالقاتل لا شيء له، والرقيق لا شيء له، ومخالف الدين لا شيء له، وجوده كعدمه، الحجب بوصف وجوده كعدمه.

هذه أمور لا بدَّ منها في حقِّ المفتي الفرضي، يعلمها، يعرف الحاجبين والمحجوبين، ويعرف حجب الحرمان، وحجب النقصان؛ حتى يكون عمله في فتواه وأحكامه على بصيرةٍ.

تنبيهان:

التَّنبيه الأول: الأصول لا يحجبهم إلا أصول، والفروع لا يحجبهم إلا فروع، والحواشي يحجبهم أصول وفروع وحواشٍ.

الشيخ: هذا هو الواقع؛ الأصول يحجبهم أصول: الأب يحجب الجدّ، والجد يحجب مَن فوقه. والفروع كذلك: الابن يحجب ابن الابن، وهكذا يحجب الفروع والحواشي، يحجبهم هؤلاء وهؤلاء، فالإخوة يحجبهم الأب، ويحجبهم الابن، والأخ لأب يحجبه شقيقه، والعمّ يحجبه ..... من الحواشي.

فالأجداد يسقطون بالأب، وكل جدٍّ قريبٍ يُسقط الجدَّ البعيد، والجدَّات يَسقطن بالأم، وكل جدَّةٍ قريبةٍ تُسقط الجدَّة البعيدة.

الشيخ: هذه قواعد: إذا هلك هالكٌ عن أبيه وجدِّه، فالإرث للأب، والجد يسقط. هلك عن جدِّه القريب، وعن جدٍّ بعيدٍ؛ جده أبي أبيه، وعن جدِّه أبي أبي أبيه، فالجدّ القريب يحجب الجدَّ البعيد.

وهكذا الفروع: إذا مات عن ابنه وابن ابنه، فابن الابن ما له شيء، الابن يحجب أولاده، ويحجب أولاد أخيه؛ لأنه أقرب إلى الميت؛ لقوله ﷺ: ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ يعني: أقرب رجلٍ.

وأولاد البنين يَسقطون بالابن فأكثر، وكل ابن ابنٍ قريب يُسقط ابنَ الابن البعيد، والإخوة الأشقاء يُسقطهم الأب والجدّ على الصحيح، والابن وابن الابن وإن نزل، والإخوة لأبٍ يُسقطهم هؤلاء المذكورون، والإخوة الأشقاء والأخت الشَّقيقة إذا كانت عصبةً مع الغير.

الشيخ: يعني: يُسقطهم ستة، الإخوة لأب يُسقطهم ستة: الأب، والجد أبو الأب وإن علا بمحض الذكور، والابن، وابن الابن، هؤلاء أربعة، والإخوة الأشقاء يُسقطون الإخوة لأبٍ، هؤلاء خمسة، والشَّقيقة تحجبهم أيضًا إذا كانت عصبةً مع الغير، فإذا هلك هالكٌ عن بنتٍ وأختٍ شقيقةٍ وأخٍ لأبٍ، فالشَّقيقة أولى بالعصب، تأخذ ما بقي بعد البنت، وتحجب الأخ لأب؛ لأنها في هذا المقام صارت عصبةً، وهي أقوى، وقد أدلت بالأبوين، وأدلت بواحدٍ، وفي "صحيح البخاري" أن النبيَّ ﷺ قضى لها بالعصب مع البنت وبنت الابن.

والإخوة لأم يُسقطهم ستة: الأب، والجد، والابن، والبنت، وابن الابن، وبنت الابن.

الشيخ: لأنهم يرثون كلالةً، والكلالة: مَن لا ولدَ له ولا والد ذكر؛ لأنَّ الله قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، فالكلالة: مَن لا أب له ولا والد ذكر.

المقصود أنه إذا وُجد أب أو جدّ أو ابن أو ابن ابن أو بنت فليست كلالةً، وإرثهم مشروط بالكلالة: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ يعني: أخ من أمٍّ، يعني: عند جميع المفسرين، المراد بذلك الإخوة لأم، فإذا كانت المسألةُ غير كلالةٍ سقطوا، والكلالة هي التي ليس فيها أب ولا جدّ ولا ابن ولا ابن ابن ولا بنت ولا بنت ابنٍ.

وبنات الابن يسقطن بالابن فأكثر، وباستكمال البنات الثلثين إن لم يُوجد مع بنات الابن مُعصِّب، فإن وُجد معهن مُعصِّب ورثن معه ما فضل بعد الثلثين، والمُعصِّب لهن هو أخوهنَّ أو ابن عمِّهن الذي في درجتهن، أو الذي أنزل منهنَّ إذا احتجن إليه.

الشيخ: وهذا واضح، إذا مات ميت عن بنتين، وعن بنت ابنٍ، فالبنتان لهما الثلثان، وبنت الابن ما لها شيء، إلا أن يكون لها مُعصِّب، إذا وُجد معها ابن ابنٍ عصَّبها، سواء كان أخاها أو ابن عمِّها الذي في درجتها أو أنزل؛ منعها عند الحاجة إليه.

وحكم بنات ابن الابن النازل مع بنات ابن الابن الذي هو أعلى منه حكم بنات ابن الميت مع البنات.

والأخوات لأبٍ يسقطن بالأخ الشَّقيق فأكثر، وبالأخت الشَّقيقة فأكثر إذا كانت عصبةً مع الغير، وباستكمال الشَّقائق الثلثين، إن لم يُوجد مع الأخوات لأبٍ مُعصِّب؛ وهو الأخ لأب، فإن وُجد معهن مُعصِّب ورثن معه ما فضل بعد الثلثين.

الشيخ: كل هذا واضح، إذا هلك هالكٌ عن أختين شقيقتين وأخت لأب وعم، فالشقيقتان لهما الثلثان، والباقي للعمِّ؛ لأنَّ الأخت لأب ما لها مُعصِّب، ولا لها حظّ من الثلثين، ما بقي لها من الثلثين شيء، أما لو كانت شقيقةً وأختًا لأب؛ فإنها تُعطى الشَّقيقة النصف، والأخت لأب السدس تكملة الثلثين، كبنت الابن مع البنت، أما إذا استكمل الشَّقائق الثلثين فليس للأخت لأبٍ شيء إذا لم يكن معها أخٌ لأبٍ، بل يُعطى العصب، يُعطى الباقي للعاصب الآخر: من عمٍّ، أو من أخٍ، أو نحو ذلك.

س: ............؟

ج: ليس بجيدٍ؛ لأنَّ الرسول نهى عن قول المشيئة، قال: لا يقول: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ .....؛ لأنه قد نهى عن هذا الشيء.

ويمكن أن يُقال: منسوخ، لكن ليس بظاهرٍ، كان إذا أتى مريضًا قال هذا، يعني: مستمر عليه الصلاة والسلام، إذا أتى المرضى قال: طهور إن شاء الله تفاؤلًا ورجاءً، رجاء أنه يكون طُهر إن شاء الله، من باب حُسن المخاطبة، ومن باب التَّبشير بالخير، بخلاف: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، أو رحمك الله إن شاء الله، ما يصلح.

س: ...............؟

ج: من باب الخير والرجاء، من باب التَّفاؤل، لا يُدعى بالمشيئة، لا تقل: اللهم اغفر إن شئتَ. قل: اللهم اغفر لي. واجزم، لا تُعلق بالمشيئة.

س: .............؟

ج: اللهم اغفر له، طهره من الذنوب، هذا معناه.

التنبيه الثاني: ينقسم جميع الورثة بالنسبة إلى حجب الحرمان بالأشخاص إلى أربعة أقسام.

الشيخ: بخلاف الحجب بالأوصاف فإنه عام، حجب الأوصاف: الرق، والقتل، واختلاف الدين. هذا يعمّ الجميع: مَن كان قاتلًا أو رقيقًا أو مخالفًا في الدِّين لا يرث، محجوب حجب حرمان، هذا عام.

  • قسم يَحجبون ولا يُحجبون، وهم: الأبوان والولدان.
  • وقسم يُحجبون ولا يَحجبون، وهم: الإخوة لأم.
  • وقسم لا يَحجبون ولا يُحجبون، وهم: الزوجان.
  • وقسم يَحجبون ويُحجبون، وهم بقية الورثة.

الشيخ: هذا واقعٌ بالنسبة إلى حجب الحرمان بالأشخاص، وهذه أقسامهم:

قسم يَحجبون ولا يُحجبون، وهم: الأبوان والولدان.

والمراد بالولدان: الابن والبنت، وإلا ابن الابن يحجبه الابن، يعني: الابن والبنت لا يُتصور حجبهما حجب حرمانٍ، والأب والأم لا يُتصور حجبهما، الأب والأم، الأب لا بدَّ من إرثه، والأم لا بدَّ من إرثها، والابن والبنت كذلك لا يُتصور حجبهما، الأبوان والولدان يعني: الأب والأم، والابن والبنت.

وقسم يُحجبون ولا يَحجبون، وهم الإخوة لأم.

الشيخ: هؤلاء يُحجبون ولا يحَجبون، يُحجبون بالابن وابن الابن، والأب والجد، والبنت وبنت الابن، يعني: بالفرع الوارث، والأصل من الذكور الوارث، وهم لا يَحجبون أحدًا.

وقسم لا يَحجبون ولا يُحجبون، وهم الزَّوجان.

الشيخ: نعم، الزوجان لا يَحجبون أحدًا، ولا يُحجبون، لا بدَّ من إرثهما: الزوج ربع ونصف، والزوجة ربع وثمن، لا يُتصور أن يحجبهما أحد، وإنما يحجبهما حجب نقصانٍ كما يأتي.

وقسم يَحجبون ويُحجبون، وهم بقية الورثة.

الشيخ: نعم، كلهم قد يَحجبون، وقد يُحجبون: الجدّ قد يُحجب بالأب إذا وُجد، وابن الابن يُحجب بالابن، والشَّقيق يَحجب الأخ لأب، ويُحجب الإخوة بالأبناء والآباء، هذا معروف.

أما حجب النُّقصان فتقدم أنه يعمّهم جميعًا.

باب المُشركة

أركانها: زوج، وأم، أو جدّة فأكثر، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء ذكور محض، أو ذكور وإناث، وأقلهم ذكر واحد، أو ذكر وأنثى، لا إناث فقط، ولا إخوة لأب.

وسُميت هذه المسألة بالمُشركة لقول بعض أهل العلم بتشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، وتُسمَّى أيضًا: بالحمارية واليمية، وإنما أُفردت ببابٍ لشهرة الخلاف فيها، إذا عُرف هذا.

الشيخ: وتُسمَّى: بالحمارية واليمية؛ لأنه يُروى عن زيدٍ أنه لما قالوا له لما أسقطهم قالوا: "هب أنَّ أبانا حمارًا" أو "اجعل أباهم حجرًا في اليم" يعني: كأنه غير موجودٍ، والمقصود أنَّ هذا الأب ينفعهم ويضرهم؛ ولهذا نفعهم في غير المشركة، وضرّهم في المشركة؛ لأنهم عصبة، والمشركة استغرقها أصحابُ الفروض؛ فلهذا أشكلت على كثيرٍ من الناس.

والصواب أنَّ الأشقاء يُحجبون لاستغراق الفروض، ولو أنهم أقوى من الإخوة لأم؛ لأنهم عصبة، والإخوة لأم أهل فروضٍ، فإذا هلك هالكٌ عن زوجٍ وأمٍّ وإخوةٍ لأمٍّ، أخذ الزوج النصف، والأم السدس، والإخوة لأم الثلث، وما بقي شيء، فمَن شرَّكهم قال: شاركوهم في الأم؛ فيشتركون معهم في الثلث. يعني: في الباقي، ويُلغى الأب، كأنه حجر في اليم. والصواب أنه لا يُلغى، فكما ينفعهم يضرّهم، كما ينفعهم أبوهم يضرّهم، هكذا العصبة كلهم، لو أنَّ ميتًا مات عن أخٍ لأم وشقيقٍ، ما طاع الشَّقيق أنه يُعطى الأخ لأم أكثر من السدس، قال: أعطوه السدس، والباقي يأخذه خمسة؛ لأنه شقيقه، نفعه أبوه هنا، وأخذ الباقي كله، ولم يُعطِ الأخ لأم الزيادة، وهكذا لو كانا أخوين لأم، وأعطاهما الثلث، وأخذ الباقي الثلثين.

فأصلها من ستة: للزوج النصف= ثلاثة، وللأم أو الجدّة السدس= واحد، وللإخوة لأم الثلث= اثنان، ولا شيء للإخوة الأشقاء؛ لاستغراق الفروض في المسألة، وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة رحمهما الله، ويُروى هذا القول عن عليٍّ وابن مسعودٍ وأُبي بن كعبٍ وابن عباسٍ وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم، وقضى به عمرُ أولًا.

وذهب الشافعي ومالك رحمهما الله إلى تشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، ويكون بينهم على عدد رؤوسهم، ويُروى هذا القول عن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما، وبه قضى عمر آخرًا.

والقول الأول أصح؛ لقوله ﷺ: ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ، وإذا أُعطي الزوج والأم أو الجدّة والإخوة لأم فروضهم لم يبقَ في المسألة شيء، فيسقط الإخوة الأشقاء، والله أعلم.

س: شركوهم؟

ج: فقط أنهم شاركوهم في الأم، يعني: هم معهم في الأم.

باب الجدّ والإخوة

المراد بالجدّ: أبو الأب وإن علا بمحض الذُّكور، وبالإخوة: الإخوة الأشقاء والإخوة لأبٍ.

اعلم أنَّ هذه المسألة فيها قولان للسلف رحمهم الله تعالى:

أحدهما: توريث الإخوة مع الجدّ، وهو قول عليٍّ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، على اختلافٍ بينهم في كيفية التَّوريث، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى، والمشهور عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

الثاني: جعله أبًا، فيُسقط جميع الإخوة، وهو قول بضعة عشر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم: أبو بكر الصديق، وابنته عائشة أم المؤمنين، وابن عباس، وجابر، وأبو موسى، وعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم.

وذهب إليه جماعة من التابعين، وهو قول أبي حنيفة وإسحاق وداود والمزني وابن سريج وابن المنذر، وهو رواية عن الإمام أحمد، أخذ بها بعضُ أصحابه: كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم.

حاشية: وقد نصره في كتابه "الإعلام" من عشرين وجهًا، فلتُراجع.

وممن اختار هذا القول أيضًا من الحنابلة: ابن بطة، وأبو حفص العكبري، وأبو حفص البرمكي، والآجري، وصاحب "الفائق"، قال صاحب "الفروع": وهو أظهر، وصوبه في "الإنصاف". اهـ.

الشيخ: وهذا هو الصواب، الخلاف مشهور في توريث الإخوة مع الجدّ، واشتهر هذا عن زيدٍ : توريث الإخوة مع الجدّ، والصواب إسقاطهم به، وأنَّ الجدَّ أب؛ فلا إرثَ للإخوة مع الجدّ، كما هو قول الصديق وعائشة وابن عباس وجماعة، والأدلة واضحة في ذلك، ونصره ابنُ القيم رحمه الله من عشرين وجهًا في كتاب "الإعلام"، وأقوال المورثين مُتناقضة، أقوال المورثين للإخوة مع الجدِّ متناقضة، مَن تأمَّلها عرف بطلان هذا القول، والصواب أنَّ الجدَّ يحجبهم كالأب، وأما الإخوة لأم فهو يحجبهم عند الجميع، الإخوة لأم لا يرثون مع الجدِّ عند الجميع.

س: .............؟

ج: التَّفصيلات من أدلة بطلان هذا القول.

والشيخ المُجدد محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لأدلةٍ كثيرةٍ محلها الكتب المُطولة.

إذا تقرر هذا فعلى القول الأول: إذا اجتمع الجدُّ والإخوةُ فلا يخلو: إما أن يكون معهم صاحبُ فرضٍ أو لا؛ فإن لم يكن معهم صاحبُ فرضٍ فله معهم ثلاث حالات، ويُخير في شيئين: ثلث المال والمُقاسمة، فيُعطى الأحظّ منهما.

فالحالة الأولى: أن تكون المُقاسمة أحظَّ له من ثلث المال، وضابطها: أن يكون الإخوةُ أقل من مثليه، وينحصر ذلك في خمس صورٍ: الأولى: جدّ وأخت. الثانية: جدّ وأخ. الثالثة: جدّ وأختان. الرابعة: جدّ وأخ وأخت. الخامسة: جدّ وثلاث أخوات.

الشيخ: يعني: يكون كواحدٍ منهم، يُقاسمهم كأنه واحد منهم، فإذا كان جدّ وأخت صار المالُ بينهما أثلاثًا على هذا القول، للجد اثنان، وللأخت واحد.

وإن كان جدّ وأخ واحد، صار المال بينهما نصفين، للجد واحد، وللأخ واحد.

وإذا كان أخ وأخت وجدّ، صار على خمسة: للجدّ سهمان، وللأخ سهمان، وللأخت واحد، يعني: كأنه أخ، وهذا من أعجب العجائب: أب يُجعل أخًا يُقاسم الإخوة، ويُجعل عاصبًا للأخت، سبحان الله!

الحالة الثانية: استواء الأمرين: المُقاسمة وثلث المال، ويُعبر له بالمُقاسمة، وضابطها: أن يكونوا مثليه. وينحصر ذلك في ثلاث صور: الأولى: جدّ وأخوان. الثانية: جدّ وأخ وأختان. الثالثة: جدّ وأربع أخوات.

الشيخ: هذه يستوي فيها الأمران: المقاسمة وثلث المال، فيُعبر بالمقاسمة، يكون كأخٍ منهما في هذه الصور الثلاث: جدّ وأخوان، جدّ وأربع أخوات، جدّ وأخ وأختان، يُقسم بينهم المال على السواء، فإذا كان جدّ وأخوان فالمال من ثلاثة، لكل واحدٍ واحد، يعني: التركة، وإن كان الواقعُ جدًّا وأخًا وأختين، أو جدًّا وأربع أخوات؛ يكون من ستةٍ: للجد اثنان، وللأخ اثنان، ولكل أختٍ واحد، وإن كانوا أربع أخوات فللجد اثنان، ولكل أختٍ واحد، كأنه أخ منهم.

الحالة الثالثة: أن يكون ثلثُ المال أحظَّ له من المُقاسمة فيأخذه فرضًا، وضابطها: أن يكونوا أكثر من مثليه، ولا تنحصر صورها.

الشيخ: هذه ليس لها حصر، صورها لا تنحصر، إذا كانوا أكثر من مثليه فله الثلث، والباقي لهم: كجدٍّ وثلاثة إخوة، تُقسم من ثلاثٍ: للجدّ الثلث= واحد، والباقي بين الإخوة= اثنان، لا ينقسم، بل يُباين ..... رؤوس ثلاثة، تُسمَّى: جزء السهم، وبأصلها ثلاثة: تسعة للجد 1×3=3، ولهم 2×3=6، لكل واحد اثنان، وهكذا ما أشبهها يكون له الثلث إذا كانوا أكثر من مثليه، يعني: ثلاثة إخوة، أربعة إخوة، أخوان وأخت، وأشباه ذلك.

وأما إن كان معهم صاحبُ فرضٍ فأكثر فله معهم سبع حالات، ويُخير في ثلاثة أمورٍ: المُقاسمة، وثلث الباقي، وسدس المال، فيأخذ الأحظَّ له.

فالحالة الأولى: أن تكون المُقاسمة أحظَّ له من ثلث الباقي ومن سدس المال: كجدة وجدّ وأخ شقيق.

الثانية: أن يكون ثلثُ الباقي أحظَّ له من المُقاسمة ومن سدس المال: كأم وجدّ وثلاثة إِخوة لغير أمٍّ.

الثالثة: أن يكون سدسُ المال أحظَّ له من المُقاسمة ومن ثلث الباقي: كزوج وجدٍّ وجدة وأخوين لغير أمٍّ.

الرابعة: أن تستوي له المُقاسمة وثلث الباقي، ويكونان أحظَّ له من سدس المال: كأم وجدٍّ وأخوين لغير أمٍّ.

الخامسة: أن تستوي له المُقاسمة وسدس المال، ويكونان أحظَّ له من ثلث الباقي: كزوج وأم وجدٍّ وأخ شقيق.

السادسة: أن يستوي له ثلث الباقي وسدس المال، ويكونان أحظَّ له من المُقاسمة: كزوج وجدٍّ وثلاثة إخوة لغير أمٍّ.

السابعة: أن تستوي له ثلاثة أمور: المُقاسمة، وثلث الباقي، وسدس المال: كزوج وجدٍّ وأخوين لغير أمٍّ.

الشيخ: هذه حالات الجدّ مع أصحاب الفروض، تقدم أنه عند عدم أصحاب الفروض له ثلاث حالات: تارةً يكون له ثلث المال أحظّ، وتارةً المقاسمة أحظّ، وتارةً يستوي الأمران كما تقدم، وأما مع أصحاب الفروض فله سبع حالات إذا كان معه صاحبُ فرضٍ فأكثر: تارةً يكون ثلث الباقي أحظَّ، وتارةً سدس المال أحظَّ، وتارةً المقاسمة أحظّ. هذه ثلاث حالات، حالة رابعة: يستوي ثلثُ الباقي والمقاسمة، والأحظّ من سدس المال، وتارةً يستوي له المقاسمة وسدس المال، وتارةً يستوي له سدس المال والثلث الباقي، وتارة يستوي له الثلاث.

كل هذا واقع، إذا تأمَّل الإنسانُ أحوالَ الجدِّ مع الإخوة عرف هذا، ولكن بما تقدم من كون الجدِّ يُسقطهم تنتهي هذه الأمور، ويسقط هذا الباب كله.

الراجح أنَّ الأب جدّ، وأنه يُسقطهم وتنتهي المشكلة، ويبقى هذا الباب لا وجودَ له، هذا هو الصواب: أنَّ الجدَّ أب، ويُسقط جميع الإخوة.

وإذا كان ثلثُ الباقي أحظَّ مع سدس المال صارت المسألةُ من ثمانية عشر؛ لأنَّ هنا أصلين في باب الجدّ والإخوة، وهم أصل ثمانية عشر، وأصل ستة وثلاثين في هذا الباب، إذا كان ثلثُ الباقي أحظَّ له يكون من ثمانية عشر: كأم وجدٍّ وثلاثة إخوة، هذه من ثمانية عشر: الأم لها السدس، والجد له ثلث الباقي= خمسة من ثمانية عشر، والباقي للإخوة.

والذي يتأتَّى معه من الفروض: إما السدس وحده، أو الربع وحده، أو النصف وحده، أو الربع والسدس، وإذا اجتمع مع الإخوة الأشقاء إخوة لأب؛ فإنَّ الأشقاء يُعادون الجدّ بهم إذا احتاجوا إليهم، فإذا أخذ الجدُّ نصيبَه رجع الأشقاء على أولاد الأب فأخذوا ما بأيديهم.

الشيخ: هذه المسألة يُسمونها: المعادة، الأشقاء يُحسبون على الإخوة لأب حتى يُلجئوه إلى أقل ما يمكن، ثم بعد هذا يأخذ الإخوةُ الأشقاء ما في أيدي الإخوة لأب؛ لأنهم أحقّ منهم، وهذا مما انتقد به هذا الأمر؛ كونه يُعادي ثم يُعادون ثم يأخذون، هذا مما انتقد به وأُعلّ به توريث الإخوة مع الجدِّ.

وإن كان الموجودُ شقيقةً واحدةً أخذت كمال فرضها، وما بقي فلولد الأب.

وتنحصر صور المُعادة في ثمانٍ وستين صورة، وهي مبنية على أصلين:

أحدهما: أن يكون الأشقاء أقلّ من مثلي الجد.

ثانيهما: أن يُجعل معهم من أولاد الأب ما يُكمل مثلي الجد فأقلّ.

وذلك منحصر في الخمس صور السابقة، وهي: جد وشقيقة، جد وشقيق، جد وشقيقتان، جد وشقيق وشقيقة، جد وثلاث شقائق، فيُتصور مع الشَّقيقة خمس صور:

الأولى: جد وأخت شقيقة وأخت لأب.

الثانية: جد وشقيقة وأخ لأب.

الثالثة: جد وشقيقة وأختان لأب.

الرابعة: جد وشقيقة وأخ لأب وأخت لأب.

الخامسة: جد وشقيقة وثلاث أخوات لأب.

ويتصور مع الشَّقيق ثلاث صور:

الأولى: جد وأخ شقيق وأخت لأب.

الثانية: جد وشقيق وأختان لأب.

الثالثة: جد وشقيق وأخ لأب.

ويُتصور مع الشَّقيقتين ثلاث صور كالشَّقيق.

ويُتصور مع الشَّقيق والشَّقيقة صورة واحدة، وهي: جد وشقيق وشقيقَة وأخت لأب.

ويُتصور مع الثلاث الشقائق صورة واحدة كالشقيق والشقيقة.

فهذه ثلاث عشرة صورة تُضرب في الخمس حالات المُتقدمة، وهي:

أن لا يكون مع الجدِّ والإخوة صاحبُ فرض.

الثانية: أن يكون صاحبُ سدس فقط.

الثالثة: أن يكون معهم صاحب ربعٍ فقط.

الرابعة: أن يكون معهم صاحب سدس وربع.

الخامسة: أن يكون معهم صاحبُ نصفٍ فقط، فتبلغ خمسًا وستين صورة.

والصورة السادسة والستون: أن يكون مع الجدِّ والإخوة صاحبا نصفٍ وسدس: كبنت وبنت ابنٍ وجدّ وأخت شقيقة وأخت لأب.

والسابعة والستون: أن يكون معهم صاحبا نصفٍ وثمن: كبنتٍ وزوجةٍ وجدٍّ وشقيقةٍ وأختٍ لأبٍ.

والثامنة والستون: أن يكون معهم أصحابُ ثلثين: كبنتين وجدٍّ وشقيقة وأخت لأبٍ.

الشيخ: كل هذا واضح لمن تأمَّله، ولكن كله دليل على أنَّ هذا العمل ليس بصحيحٍ؛ لأنه لو كان هذا العمل صحيحًا لبيَّنه الرسولُ ﷺ وشرحه للأمة؛ لأنَّ هذه التفاصيل تحتاج إلى علمٍ، فلما لم يأتِ في الشرع ما يدل على ذلك عُلم أنَّ الجدَّ أب؛ لأنه يُسقط هؤلاء الإخوة، فيكون إرثُه إرث الأب، وهذه التفاصيل ...... والكثيرة لو كانت حقًّا لبيَّنها النبيُّ ﷺ وأرشد إليها.

باب الأكدرية

والأُخت لا فرضَ مع الجدِّ لها فيما عدا مسألة كملها
زوج وأم وهما تمامها فاعلم فخير أمةٍ علَّامها
تُعرف يا صاح: بالأكدرية وهي بأن تعرفها حريه
فيُفرض النصف لها والسدس له حتى تعول بالفروض المُجملة
ثم يعودان إلى المُقاسمة كما مضى فاحفظه واشكر ناظمه

الشيخ: هذه الأكدرية المعروفة، وقد أشكلت على مَن ورَّث الإخوة مع الجدِّ، حيَّرتهم؛ فإن مقتضى قواعدهم إسقاطها؛ لأنه ما بقي إلا السدس فيكون للجدِّ، زوج وأم وأخت وجدّ: الزوج له النصف، والأم لها الثلث، ما يبقى إلا واحد، فالجدّ أحق به على قاعدة مَن ورَّث الإخوة مع الجدِّ، فحيَّرتهم: هل يُسقطونها أو يجعلوها كالأخت مع الأخ؟

فزيد بن ثابت ومَن معه رأوا أنها لا تسقط، فتكون مع الجدِّ، كالأخت مع الأخ، فجعلوا الواحد بينهم أثلاثًا، وقالوا: لا يُفرض لها إلا في هذه الحالة، الزوج له النصف، والأم لها الثلث، والأخت لها النصف، والجدّ له السدس، هؤلاء تسعة، ثم يعودان إلى المقاسمة، يرجع عليها بالمقاسمة؛ فتكون الأربعة بينهم أثلاثًا، تُضرب في رؤوسهم، ثلاثة تُضرب في أصلها تسعة: بسبعٍ وعشرين، للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة، والأم لها اثنان في ثلاثة بستة، ولهم أربعة في ثلاثة باثني عشر، لها أربعة، وله ثمانية.

المقصود أنَّ هذه شوشت عليهم قواعدهم، وهذا مما يُبين بطلان هذا القول، وأنَّ الصواب أنَّ الجدَّ أب، وأنه يحجب الإخوة جميعًا، وهذا هو الحقّ، هذا هو الصواب: أنَّ الجدَّ أب، وأنه لا إرثَ للإخوة معه.

باب الأكدرية

أركانها: زوج وأم وجدّ وشقيقة أو أخت لأبٍ، سُميت بالأكدرية لأنها كدَّرت على زيد بن ثابت أصوله، وقيل غير ذلك، وذلك لأنَّ الأصل في باب الجدِّ والإخوة أن لا يُفرض للأخوات معه، ولا يرث الإخوة شيئًا إذا لم يبقَ إلا السدس.

الشيخ: كما قال في المنظومة الرحبية:

وتارة يأخذ سدس المال وليس عنه نازلًا بحال

يعني: أقل شيء هو سدس المال، كما في قوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11].

لكنَّهم استثنوا هذه الصُّورة، ففرضوا لها النصف، وله السدس. وأصلها من ستة: للزوج النصف= ثلاثة، وللأم الثلث= اثنان، وللأخت النصف= ثلاثة، وللجد السدس= واحد، فعالت إلى تسعة، ثم يرجع الجدّ والأخت فيقتسمان ما بأيديهما: للذكر مثل حظِّ الأُنثيين، وهو أربعة أسهم، ورؤوسهما ثلاثة، فلا تنقسم عليهم، بل تنكسر وتباين فتُضرب في رؤوسهما، وهي ثلاثة، في أصل المسألة، مع عولها، فتبلغ سبعةً وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة.

والله أعلم.

الشيخ: وهذا واضح في أنهم خالفوا أصولهم، وخالفوا القواعد في هذه المسألة، وذلك مما يُضعف هذا القول، ويُبين أنه ليس بصحيحٍ؛ لتناقضه واختلافه، والله ولي التوفيق.