باب ما يستدل به على تفسيره آله المصلى عليهم

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ

- عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذان الحديثان يدلان على تفسير الآل؛ لقوله ﷺ: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ الحديث، وأنَّ المراد بهم أزواجه وذريته، ولا شكَّ في ذلك؛ فإنَّ الأزواج من أهل البيت، والذرية من أهل البيت، ولكنه لا يُنافي الروايات الأخرى الدالة على أنَّ المراد أتباعه، فيدخل فيهم أزواجه وذريته، كما قال تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] يعني: أتباع فرعون، فأزواجه وذريته من باب أخصّ دخولهم في الآل.

والآل يعمّ أتباعه جميعًا: من أهله وذريته، ومن غيرهم، يدخلون كلهم في آل محمدٍ، ولكن أزواجه وذريته بوصفٍ أخصّ داخلون في ذلك، كما قال عليه الصلاة والسَّلام.

س: سماحة الشيخ حفظكم الله، ما معنى قوله تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]؟

الشيخ: على ظاهرها، لا يطلب منهم مالًا، الرسل بُعثوا ليُبلغوا الناس، ولا يطلبون منهم مالًا، ولكن يطلب منهم المودةَ في القربى، يعني: يُراعون المودة في القربى وصلة الرحم، فلا يُؤذونه، بل يُمكنونه من إبلاغ الدَّعوة، إن لم يكن عندهم إجابة فليصلوا الرحم، إذا لم يكن عندهم مُوافقة على الحقِّ ورغبة في الحقِّ فلا أقلَّ من أن يُراعوا صلةَ الرحم.

س: ما حكم قول: "اللهم صلِّ على آل محمدٍ" فقط؟

الشيخ: جاء هذا وهذا: جاء "اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ"، وجاء "اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد"، وجاء الجمعُ بينهما، والأفضل الجمع بينهما: "اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم"، يجمع بين "آل" فيهما جميعًا: آل محمدٍ، وآل إبراهيم.

س: أزواجه ﷺ يدخلون في الآل؟

الشيخ: نعم، كما نصَّ عليه النبيُّ ﷺ.

بابُ ما يدعو به في آخر الصلاة

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

الشيخ: الدُّعاء في التَّشهد الأخير مشروع؛ لأنَّ الرسول ﷺ رغَّب فيه، لما علَّمهم التَّشهد قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، وفي اللفظ الآخر قال: ثم ليختر من المسألة ما شاء، وفي هذا الحديث يقول ﷺ: إذا فرغ أحدُكم من التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربعٍ: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وكان يتعوذ من ذلك عليه الصلاة والسلام.

هذه هي السنة للمُصلي في الفرض والنَّفل في التَّشهد الأخير: يتعوذ بالله من هذه الأربع بعد الصلاة على النبي ﷺ، إذا قرأ التَّحيات وصلَّى على النبي ﷺ يتعوذ بالله من أربعٍ، ويتعوذ بالله من كل شرٍّ، ومن ذلك: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك"، "اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم"، النبي علَّم هذا الصّديق، وقال لمعاذٍ: لا تدعنَّ دبر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك.

وكان عليه الصلاة والسلام أيضًا يدعو في آخر الصلاة: اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ويدعو: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، ويتعوذ كثيرًا من المأثم والمغرم: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم.

س: لم خصّت هذه الأربع بالذكر؟

الشيخ: لأنها جامعة للسلامة من الشرِّ كله: عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة جهنم، فيها استعاذة من جميع الشرِّ، الشر من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات. هذه جامعة كل شيء، وفتنة المسيح الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، فهو جامع للتَّعوذ من الشَّرِّ كله.

س: هل هو واجب هذا التَّعوذ؟

الشيخ: عند أهل السنة والجماعة مستحب، وذهب طاوس رحمه الله إلى ما يدل على وجوبه، ولكن الذي عليه أهلُ العلم أنه مستحبّ.

س: إذا سلَّم الإمامُ قبل أن يدعو المأمومُ بهذه الدَّعوات، هل يُسلم مباشرةً؟

الشيخ: لا، يُسلم؛ لقول الرسول: إذا سلَّم فسلِّموا، إنما جُعل الإمامُ ليُؤتم به.

س: ما أسباب عذاب القبر؟

الشيخ: المعاصي كلها من أسباب عذاب القبر، وأعظمها الشرك بالله والكفر، نسأل الله العافية.

س: هل يستمر عذاب القبر حتى قيام السَّاعة؟

الشيخ: ظاهر الأدلة أنه يستمر، نسأل الله العافية.

س: وكيف نرد على مَن أنكر ذلك؟

الشيخ: مَن أنكر ذلك يكون مُبتدعًا، ضالًّا، مُضلًّا، نسأل الله العافية.

س: فتنة المحيا وفتنة الممات يسأل عنها كثيرٌ من الإخوان؟

الشيخ: فتنة الدنيا والآخرة، الفتنة في الدنيا، والفتنة في القبر، نسأل الله العافية، أن يُفتن في الدنيا بماله، أو بالزنا، أو بالخمور، أو بغير هذا، وفتنة الممات: ما يحصل للفاجر من العذاب في القبر، نسأل الله العافية، وعدم التَّثبت؛ كونه يُسأل ويقول: هاه! هاه! لا أدري، نسأل الله العافية.

س: أدلة فضل قراءة سورة الكهف هل هي صحيحة؟

الشيخ: فيها أحاديث ضعيفة، إنما يُحفظ من فعل بعض الصحابة أنه كان يقرأها يوم الجمعة، وإلا ما نعلم فيها أحاديث صحيحة أنها تُقرأ في يوم كذا أو يوم كذا.

س: ما أول علامات الساعة الكبرى خروجًا؟

الشيخ: المهدي، ثم الدجال، ثم نزول عيسى بن مريم، هذه أولها، الثلاثة الأول.

بَابُ جَامِعِ أَدْعِيَةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ

- عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُل: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَك، وَارْحَمْنِي، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَالَ: رَمَقَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِك، وَحُسْنَ عِبَادَتِك، وَأَسْأَلُك قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا تَعْلَمُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ فَقَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَمَا إنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو بِهِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، أَسْأَلُك خَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: لَقِيَنِي النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي أُوصِيك بِكَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا فَقَدَتِ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ مَضْجَعِهَا، فَلَمَسَتْهُ بِيَدِهَا، فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَهُوَ يَقُولُ: رَبِّ أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا، أَوْ قَالَ: وَاجْعَلْنِي نُورًا مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِمٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على دعوات عظيمة كان يدعو بها النبيُّ ﷺ، ويُرغِّب في بعضها، فيُستحب للمؤمن أن يجتهد في الدُّعاء في سجوده وفي آخر الصلاة قبل أن يُسلم، كل هذه محلّ دعاءٍ: في سجوده يقول ﷺ: أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، ويقول ﷺ: أما الركوع فعظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدُّعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم.

ويقول ﷺ لما علَّمهم التَّشهد، قال: ثم ليختر من المسألة ما شاء، وفي لفظٍ آخر: ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه، وهذا الدعاء المذكور في الأحاديث كله دعاء عظيم، استعمله النبيُّ ﷺ، فينبغي للمؤمن أن يفعل ما تيسر منه، ويجتهد في سجوده، وفي آخر الصلاة، وفي خارج الصلاة أيضًا، كله دعاء مطلوب: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حُسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، فإنك أنت علام الغيوب"، جاء هذا في بعض الرِّوايات: إذا كنز الناسُ الدينارَ والدرهمَ فليكنز أحدُكم هذا الدعاء.

وهو دعاء عظيم، فينبغي للمؤمن أن يُكثر منه، وهكذا بقية الدَّعوات التي دعا بها ﷺ، في حديث عمار: "اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي، اللهم إني أسألك خشيتَك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمةَ الحقِّ في الغضب والرضا، وأسألك القصدَ في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضرَّاء مُضرة، ولا فتنةٍ مُضلةٍ، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداةً مُهتدين".

وهكذا "اللهم اغفر لي ذنوبي، اللهم أوسع لي في داري"، إلى غير هذا من الدَّعوات الطيبة، الإنسان يجتهد في الدعاء، يحرص على الدعاء الوارد أكثر، وإذا دعا بدعوات طيبة ولو غير واردةٍ فلا بأس، كأن يقول: اللهم يسر لي رزقًا حلالًا، اللهم يسر لي أصحابًا طيبين، اللهم يسر لي زوجةً صالحةً. إلى غير هذا، يتحرى الأدعية الطيبة المناسبة فيدعو بها، ويُكثر من الدعاء.

س: سماحة الشيخ، دعاء أبي بكر الصديق متى يقال؟

الشيخ: يقال في السجود، وفي آخر الصلاة، كله: "اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم"، كذلك في حديث معاذ: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك"، في السجود، وفي آخر الصلاة قبل أن يُسلم.

س: يُلاحظ على البعض أنه يدعو في الركوع، ما حكم ذلك؟

الشيخ: لا، الركوع محل تعظيمٍ: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، النبي عليه السلام قال: أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فالركوع محل التعظيم: سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبُّوح، قدوس، رب الملائكة والروح. جنس التَّعظيم.

س: الدعاء بغير الذكر الوارد في الجلسة بين السَّجدتين ما حكمه؟

الشيخ: لا بأس أن يدعو بينهما، لكن الأفضل أن يُكثر من "رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وارزقني، وعافني" بين السَّجدتين، هذا الوارد، وإن دعا مع ذلك بشيءٍ فلا أعلم مانعًا؛ لأنه محل دعاءٍ، لكن الإكثار من "رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني".

س: ما الفرق بين المغفرة والرحمة؟

الشيخ: المغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة تعمّ الجميع، تعمّ توفيقه في المستقبل، وغفران ما مضى من الذنوب، الرحمة أوسع.

س: سماحة الشيخ، ما معنى: الثبات في الأمر، والعزيمة على الرُّشد؟

الشيخ: على ظاهره: الثبات في الأمر الذي يُباشره من أمر الدنيا والآخرة: عدم العجلة، وعدم الطيش: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد"، ما يكون فاترًا ضعيفًا في المسائل التي هي رشد وطاعة لله جلَّ وعلا، يكون قوي العزم في طاعة الله، متثبتًا في الأمور، ليس عنده عجلة تُوقعه في المهالك.

 

بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ

- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ أَرَى النَّبِيَّ ﷺ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ بِأَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَئِمَّتِنَا، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. رَوَاهُ ابنُ ماجه، وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: أُمِرْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: وَحَذْفُ التَّسْلِيمِ سُنَّةٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا وَصَحَّحَهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَمُدَّ مَدًّا.

 

الشيخ: وهذه الأحاديث كلها دالة على أنَّ المأموم يُسلم بعد إمامه، إذا سلم الإمامُ سلَّم المأمومون، يقول كل واحدٍ: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. فيعمّ بسلامه جميع إخوانه المسلمين: مَن معه في المسجد وغيرهم: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، كما كان النبيُّ يُسلم عليه الصلاة والسلام، ويلتفت عن يمينه وعن شماله، كان النبيُّ يلتفت حتى يُرى بياض خدِّه عليه الصلاة والسلام، فالالتفات سنة.

والسلام ركنٌ من أركان الصلاة لا بدَّ منه في الفريضة والنافلة، إذا فرغ من التَّشهد والدعاء قال: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. الإمام ثم بعده المأمومون، وهذا يعمّ جميع المؤمنين، يُسلم على أخيه الذي حوله، وعلى غيره: السلام عليكم، هذا هو المشروع، ولا حاجة إلى الإيماء بالأيدي، كانوا يُومئون بأيديهم عند السلام، فأنكر عليهم النبيُّ ذلك وقال: كأنها أذنابُ خيلٍ شُمسٍ، إنما يكفي أحدَكم أن يضع يدَه على فخذه ثم يُسلم، فيضعون أيديهم على أفخاذهم، أو على ركبهم، ثم يُسلمون، من غير حاجةٍ إلى الإيماء بالأيدي، هذا هو السنة.

س: في الباب يا سماحة الشيخ، في باب أدعيةٍ منصوصٍ عليها في الصلاة، هناك سؤال من بعض الإخوة، وهو حول الدعاء في القنوت بأدعيةٍ غير مأثورةٍ من أجل ترقيق القلوب ونحوه، هل من توجيه؟

الشيخ: القنوت لا بأس به في السجود وفي التحيات، إذا كان الدعاء طيبًا لا بأس به، ولو ما ورد، يدعو في سجوده، أو في آخر التَّحيات، أو في الوتر في القنوت، إذا كان الدعاء صحيحًا في نفسه فلا بأس.

س: ما حكم تمني الموت؟

الشيخ: لا يجوز تمني الموت، الرسول نهى عن ذلك، ولكن يقول: "اللهم أحيني إذا كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي"، إذا خاف الشرَّ، مثلما في حديث عمار: اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياةَ خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي، وفي حديث أنسٍ يقول ﷺ: لا يتمنَّ أحدُكم الموتَ لضرٍّ نزل به، فإن كان لا بدّ فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي هذا هو المشروع عند الحاجة إلى هذا.

س: ما ثمار الدعاء؟

الشيخ: ثماره كثيرة من خير الدنيا والآخرة: في الدنيا الصحة والرزق الحلال وصحبة الأخيار والتوفيق لطاعة الله، وفي الآخرة دخول الجنة والنَّجاة من النار، فالدعاء فضله عظيم، ونتائجه طيبة إذا قبله اللهُ من العبد.

س: ما الصحيح في هذا: حديث: الدعاء هو العبادة، أم حديث: الدعاء هو مخُّ العبادة؟

الشيخ: الدُّعاء هو العبادة، هذا هو الثابت، أثبت من حديث الدعاء هو مخ العبادة، الدعاء هو العبادة حديث أنس.

س: للدعاء آداب، لعلكم تُشيرون إليها، وما موانع الدعاء؟

الشيخ: من آدابه أن يبدأ بحمد الله، والصلاة على النبي ﷺ قبله، الذكر والصلاة على النبي ﷺ، ثم يدعو ويُلحّ في الدعاء، ويُكثر من الدعاء، يكون حاضر القلب، مُقبلًا على الله، مُخلصًا لله جلَّ وعلا، وإذا كان بعد صلاةٍ أو في السجود أو في آخر الصلاة كان أقرب للإجابة.

ومن موانعه: المعاصي كلها، والغفلة عن الله عند الدعاء؛ كونه يدعو بقلبٍ غافلٍ، ومن موانعه: أكل الحرام، وتعاطي الحرام: كالربا، وظلم الناس، والغشّ في المعاملات، كل هذه من موانع الإجابة، نسأل الله العافية.

س: متى يكون الإنسانُ مُستجاب الدَّعوة؟

الشيخ: إذا توفرت فيه الخيرات، إذا توفرت فيه الأعمال الصَّالحات، والتَّقوى لله، والإقبال على الدعاء، والصِّدق في الدعاء، هذا من أسباب إجابة الدعاء.

س: هناك عبارة تتردد على ألسنة بعض الإخوان، وهي قول الإنسان لأخيه: ادعُ لي، هل يكون في ذلك مذلَّة له؟

الشيخ: لا حرج في ذلك، إذا قال لأخيه: ادعُ لي لا بأس؛ النبي عليه الصلاة والسلام قال: إنه يقدم عليكم رجلٌ من اليمن يُقال له: أويس، من قرن، فمَن لقيه منكم فليطلب منه الاستغفار، وكان بارًّا بأمه. رواه مسلم. فلا بأس بذلك، ويُروى عنه ﷺ أنه قال لعمر لما أراد العمرة: لا تنسنا يا أخي من دعائك.

س: عبارة "جزاك الله خيرًا إن شاء الله" فيها شيء؟

الشيخ: لا يستثني في الدعاء، يقول: جزاك الله خيرًا، وغفر الله لك. ولا يستثني، النبي ﷺ قال: لا يقل أحدُكم: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللهم ارحمني إن شئتَ، ليعزم المسألة؛ فإنَّ الله لا مُكره له، ولا يستثني في الدعاء، بل يدعو جازمًا: اللهم اغفر له، غفر الله لك، رحمك الله، وفَّقك الله. ولا يستثني.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.