27 من حديث: (قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ)

بَابُ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا وَتَأْخِيرِهِ إلَى شَعْبَانَ

1697- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]".

1698- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "نَزَلَتْ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ، فَسَقَطَتْ: مُتَتَابِعَاتٍ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ.

1699- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلَّا فِي شَعْبَانَ؛ وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ، ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَقَالَ: يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ.

1700- وَرُوِيَ عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَن ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ.

1701- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بقضاء رمضان، هل يُقضى مُتتابعًا أو مُفَرَّقًا؟ وقد دلَّ القرآن الكريم والسنة المطهرة على أنه لا بأس بالقضاء مُتتابعًا ومُتفرقًا، وأنَّ الأمر فيه سعة؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا لم يشترط فيه التتابع، بل قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، واعتبر العدَّة فقط، فدلَّ ذلك على التوسعة، ويعضد ذلك أثرُ ابن عمر الموقوف، والآثار الموقوفة كلها تدل على أنه لا بأس بالتتابع، ولا بأس بالتفريق، والتتابع أفضل إذا تيسر؛ لما فيه من المسارعة إلى الخير، وإلى إبراء الذمة، من مرضٍ ثم عافاه الله بعد رمضان يقضي والحمد لله، إن تابع فلا بأس، وإن فرَّق فلا بأس.

أمَّا مَن أخَّر القضاء مع القُدرة فهذا عليه مع القضاء أن يُطعم مسكينًا كما أفتى به جماعةٌ من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كفَّارة عن تأخيره، وهو نوع من التَّعزير، فيقضي ويُطعم إذا أخَّر من غير عذرٍ، مع التوبة إلى الله والاستغفار والنَّدم على ما فعل من التَّقصير.

أما النذر فإنه لا بدَّ من قضائه، فإن مات وعليه نذر قضى عنه وليُّه، كما قال ﷺ: مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه، فإذا مات وعليه صيام شُرع لأولياء الميت أن يصوموا عنه، سواء نذرًا أو غير نذرٍ؛ للعموم، وإن كان أخَّره صار مع القضاء إطعامٌ، إن أخَّره لغير عذرٍ فإنه يُشرع له أيضًا مع القضاء الإطعام، عن كل يومٍ إطعام مسكين، أما إذا أخَّره بعذرٍ شرعي بأن جاء رمضان وهو مريض، فإنما عليه القضاء فقط، وليس عليه الإطعام؛ لأنه معذور، سواء كان نذرًا أو رمضان؛ لأنه معذور، والنبي ﷺ قال لما سُئل عن عدَّة سؤالات في الصوم والحج والنَّذر وغيره فأمر بالقضاء وشبَّهه بالدَّين، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن مات وعليه حجٌّ أو عمرةٌ فهو كالدَّين، سواء كان نذرًا أو غير نذرٍ، فيُشرع لأوليائه القضاء، فإن لم يتيسر لأوليائه القضاء حُجَّ عنه من ماله.

وفَّق الله الجميع.

س: مات وعليه صيام لم يُؤدِّه في وقته؟

ج: الذي أفتى عليه الصحابةُ أنه يُطعم مع القضاء إذا كانت له تركة.

س: الذي فيه مرض وراثي -مثل الأمراض الفتَّاكة- فهل هذا دائمًا يُطعم؟

ج: ينظر للقدرة وعدم القُدرة، إذا قرر الأطباءُ أنَّ هذا مرض لا يُرجى برؤه، وأنه يشقُّ عليه الصوم يُطعم مثل الكبير في السن، حكمه حكم الكبير في السن العاجز، يُطعم ولا صوم عليه، أما إذا كان مرضًا يُرجى برؤه فمثلما قال الله: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

س: قول عائشة: "وذلك لمكان رسول الله مني"، ماذا تعني؟

ج: على ظاهره، يعني أنه يستمتع بها.

س: راعي البيت يحلق لحيته ونُصلي خلفه؟

ج: صلُّوا خلفه وانصحوه، قولوا: يا فلان، جزاك الله خيرًا، ترى حلق اللحية ما يجوز، وإذا تيسر إمام طيب يُصلي مكانه أحسن.

س: ما به إلا هو؟

ج: صلّوا خلفه ولا بأس إن شاء الله وانصحوه.

س: هناك واحد صائم في رمضان وسافر في نفس النهار ورجع ونام وقت صلاة المغرب، وأيقظه أحد الإخوة، وكان تعبانًا فما قام إلا بعد المغرب، ما أفطر إلا بعد المغرب؟

ج: ما في بأس، ما دام على نية الصيام ما في بأس، صيامه صحيح ولو نام عند الفطور.

بَابُ صَوْم النَّذْرِ عَنِ الْمَيِّتِ

1702- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، فَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، أَكَانَ يُؤَدَّى ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ أَخْرَجَاهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَت الْبَحْرَ، فَنَذَرَتْ إنِ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَأَنْجَاهَا اللَّهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ قَرَابَةٌ لَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صُومِي عَنْهَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1703- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1704- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في صوم النذر وغيره من الصيام، إذا مات الميتُ وعليه صوم واجب فإنه يُشرع لأقاربه أن يصوموا عنه، سواء كان صوم نذرٍ أو صوم رمضان أو صوم كفَّارة؛ لأنَّ الرسول ﷺ أجاب لمن سأل بذلك ولم يستفصل، فأجاب مَن سأل عن صوم النذر بالصيام، وأجاب مَن سأل عن الصوم مطلقًا بالصيام، ولم يقل له: هل هو نذر أو رمضان أو كفَّارة، فدلَّ على العموم.

وفي "مسند أحمد" بسندٍ جيدٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن امرأةً قالت: يا رسول الله، إنَّ أمي ماتت وعليها صوم رمضان، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عن أمك، أرأيتِ لو كان على أمك دَينٌ أكُنْتِ قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء.

وهكذا إذا كان عليه حجَّة أو عمرة، يُستحب لأوليائه القضاء عنه؛ لأنَّ الرسول أجاب مَن سأل عن ذلك بالقضاء، فهذا يدل على أنَّ القضاء يدخل الحجَّ والعمرة والصوم: نذرًا أو غير نذرٍ.

وهكذا لو كانت قد حجَّت وأحبَّت قريبتها أن تحجَّ عنها، أو قريبها يحجّ عنها ويعتمر، فلا حرج في ذلك؛ ولهذا في الحديث الآخر أنه سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي، قال: حجَّ عن نفسك، ثم حجَّ عن شبرمة، ولم يستفصل: حجّ فريضة أم نافلة.

وهذا كله يدلنا على شرعية الحج عن القريب، والعمرة عن القريب، ووفاء النذر عن القريب، وقضاء الصوم عن القريب، ولكن ذكر أهلُ العلم أنه لا يجب، وإنما يُستحب؛ لقول الله : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وقوله ﷺ: لا يجني جانٌ إلا على نفسه، فهذه الأوامر كلها للنَّدب والتَّوجيه والترغيب، وإذا حجَّ عنه من ماله كفى كالدَّين: صوم الفرض، صوم الكفَّارة، صوم النذر، إذا لم يتيسر مَن يصم عنه إلا بأن يُعطى مساعدةً ليحجَّ أو يعتمر أو يقضي، فظاهر السنة أنه لا حرج في ذلك؛ لأنَّ هذا شيء تدخله النيابة.

س: لو قلنا على الاستحباب تبرأ ذمَّة الميت؟

ج: تبرأ نعم.

س: ولو كان مُفَرِّطًا؟

ج: هذه التوبة أمرها إلى الله، المقصود: يُقضى عنه، ويُرجى له، التفريط دواؤه التوبة.

س: هل كان ابنُ عباس وعائشة رضي الله عنهما ينهيان عن الصوم عن الميت؟

ج: ما بلغني عن ابن عباسٍ أنه كان يأمر بقضاء النَّذر فقط، لكن السنة حجَّة على الجميع، على ابن عباس، وغير ابن عباس.

س: أنه قال: "لا يُصلِّ أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصم أحدٌ عن أحدٍ"؟

ج: الصوم نعم، جاءت به السنة، أما الصلاة فلا يُصلِّ أحدٌ عن أحدٍ؛ لأنَّ العبادات توقيفية، متى جاءت السنة بالصلاة نأخذ بها، وإلا فالأصل عدم النيابة في العبادات، والقاعدة أنَّ السنة إذا عارضها قولُ أحدٍ لا عبرةَ لما عارضها، السنة حاكمة وليست محكومةً.

س: الولي مَن هو؟

ج: القريب، قال الله تعالى: يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا [الدخان:41] يعني: قريبًا عن قريبه.

س: الأصل والفرع وإلا حتى بني العمِّ؟

ج: عامَّة ..........

س: إذا قال: "أخرجه أحمد" معناه: الشيخان ما أخرجاه؟

ج: ما هو بلزوم، قد يكون ما اطَّلع عليهما، المخرِّج يذكر ما اطَّلع عليه، وقد يقول مؤلفُ الكتاب: أخرجه البخاري، وهو غلطان، وقد يقول: أخرجه أحمد، وهو قد أخرجه البخاري، قد يقول: أخرجه مسلم، وقد أخرجه البخاري، وقد يقول: أخرجه أحدهما، وهو قد أخرجه الشيخان، على حسب علم المخرِّج.

س: قول الصَّحابي حُجَّة؟

ج: إذا لم يُخالفه غيرُه على الصحيح؛ لأنهم أعلم بالسنة، وأعلم بالدِّين.

س: الشوكاني قال: أقوال الصحابة لا حُجَّة فيها؟

ج: مسألة خلافٍ، لكن الصواب أنها حُجَّة في الأصول، يعني الكتاب والسنة والإجماع وقول الصحابي إذا لم يُخالفه غيره والقياس.

س: إذا خالفه غيرُه ما يكون حُجَّة؟

ج: يُنظر في الأدلة حتى يرجّح أحدهما.

س: إذا كان ينظر في الجمهور، إذا كانوا كثرًا يا شيخ؟

ج: كذلك إذا جاء الخلافُ تُعرض الأقوال على الأدلة، ويُرجّح ما يقتضيه الدَّليل.

س: إذا لم يكن دليلٌ يرجّح قول الجمهور؟

ج: إذا كان ما هناك دليل قول الجمهور أولى؛ لأنه أقرب إلى الصَّواب.

س: إذا اتَّفق الخلفاء الرَّاشدون على قولٍ وخالفهم بعضُ الصحابة؟

ج: الراشدون مُقدَّمون بالسنة: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، الجانب الذي فيه الرَّاشدون مُقدَّم، أو أحد الراشدين يُقدَّم إذا لم يكن هناك دليلٌ يُخالف.

س: شخصٌ نذر أنه لا يأكل الأرز لمدة شهرٍ من أجل أنه يُخفف الوزن، يقول: هل لي كفَّارة؛ لأنه ما يستطيع أن يُكمل الشَّهر؟

ج: هذا لازم مباح، ما في بأس، له أن يُكفِّر، يُكَفِّر عن يمينه كفَّارة النذر، كفَّارة يمين.

س: إطعام عشرة مساكين؟

ج: عشرة مساكين.

س: إذا كانت المسألة في الفروض هل يُقدَّم زيدٌ على أحد الخلفاء الراشدين؟

ج: لا، ما يُقدَّم، ما يُقدَّم إلا إذا جاء هناك دليلٌ يُرجح أحدهما.

س: طيب شهادة الرسول ﷺ له بأنَّ أفرضَكم زيد؟

ج: ما يقتضي أنه يُقدَّم زيد .......، وله أغلاط، خالفه فيها بعضُ الصحابة.

س: المسألة العُمرية خالف فيها زيدٌ عمرًا؟

ج: ما خالف فيها إلا ابن عباس.

س: النَّذر: إذا كان تساهل في قضاء النذر، أو ما كانت له نيَّة في قضاء الصوم، فهل يُطعم عنه مثل رمضان، أو يقضي عنه فقط؟

ج: يُطعم عنه إذا لم يتيسر مَن يصوم، وإذا تيسر مَن يصوم قُدِّم الصوم: مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه.

س: ولو كان مُتساهلًا؟

ج: يعني أتى رمضان آخر؟

س: نذر يا شيخ؟

ج: الظاهر ما فيه إلا القضاء، أما إن كان رمضان فيُصام عنه ويُطعم عنه إذا أتى رمضان آخر، أما النذر فقط فيه القضاء.

س: صحَّة حديث: للصائم عند فطره دعوة لا تُرَدُّ؟

ج: جاء فيه عدة أحاديث، قد يكون يشدُّ بعضُها بعضًا، من باب الحسن لغيره.

س: أكثر المحلات التّجارية إذا جئت يضعون جوائز سحب على سيارات أو على غسالات أو ملابس أو على أي شيءٍ، أيش حكمها أحسن الله إليك؟ أكثر المحلات عليها السحب هذا.

ج: وأيش معنى هذا؟

س: يعني: تشتري منهم ويُعطونك ورقةً، حظك، نصيبك، إذا جاء عليك الرقم الذي هو معدّ للجائزة تأخذ الجائزة؟

ج: تركه أحوط؛ لأنَّ هذا يُغري الناس بالشراء منهم، وقد يشتري إنسانٌ وما له رغبة، تركه أحوط.

أَبْوَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

بَابُ صَوْم سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ

1705- عَنْ أبي أَيُّوبَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَلكَ صِيَامُ الدَّهْرِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

1706- وَعَنْ ثَوْبَانَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

بَابُ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَتَأْكِيدِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ

1707- عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صِيَام عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْر، وَثَلَاثَة أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

1708- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

1709- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

1710- وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنها: أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِلَبَنٍ، فَشَرِبَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1711- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في صوم التطوع، يُشرع للمسلمين صوم التطوع، وقد كان عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما يتبع الصيام ويُكثر ويصوم الدهر، فقال له النبيُّ ﷺ: يا عبدالله، إن لنفسك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، صم وأفطر، ونم وقُم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، قال: يا رسول الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، فلم يزل يقول له: صم كذا، حتى قال: صم يومًا، وأفطر يومًا، فذلك صيام داود، وهو نصف الدهر، فقال: يا رسول الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضلَ من ذلك.

وكذلك حرض على صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت في "الصحيحين" أنه ﷺ أوصى أبا هريرة وأبا الدَّرداء بصيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وبصلاة الضُّحى، وبالوتر قبل النوم، فالسنة في مثل هذا هي الإكثار من أنواع التَّطوع ولا سيما الصوم.

ويقول عليه الصلاة والسلام: مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر، الحسنة بعشر أمثالها، الشهر بعشرة، والستّ بشهرين، مع أنه جاء في الأحاديث الصَّحيحة أنَّ رمضان يُكفِّر السنة التي قبله، قال عليه الصلاة والسلام: الصَّلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة كفَّارات لما بينهنَّ ما لم تُغْشَ الكبائر أخرجه مسلم في الصحيح.

فهذا خير إلى خيرٍ؛ ضمّ ستة أيام إلى رمضان خيرٌ إلى خيرٍ، سواء متفرقة أو مجتمعة، لكن يبدأ بها قبل جميع الصوم، يبدأ بها حتى يتبعها رمضان.

ويدل الحديث على أنَّ الصيام المفترض من رمضان يُبدأ به؛ لأنه ما يكون إتباعًا له إلا إذا صام ما عليه من رمضان، حتى يكون أتبعه رمضان، فإذا كان على الرجل أو المرأة قضاء بدأ بالقضاء.

وفيه الدلالة على فضل صيام عشر ذي الحجة، وصيام عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، كل هذه مُستحبة؛ لأنَّ عشر ذي الحجة ورد فيها الحديث الصحيح: ما من أيام العمل الصالح فيها خير وأحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر كما رواه البخاري في الصحيح.

أما حديث حفصة ففيه بعض الاضطراب، حديث حفصة المذكور: "أنَّ النبي كان يصوم العشر" فيه بعض الاضطراب، قالت عائشةُ رضي الله عنها: "ما علمتُه صام العشر عليه الصلاة والسلام"، فصيامها سنة، فيها فضل كبير؛ للحديث الصحيح العام: ما من أيام العمل الصالح فيهن خيرٌ وأحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر، قيل: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ.

وهكذا صيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة مُؤكدة، جاءت فيه الأحاديث الصحيحة، وصوم يوم عرفة سنة مؤكدة لغير الحُجَّاج، أما الحُجَّاج فلا يُشرع لهم الصوم، السنة أن يُفطروا كما تقدَّم؛ يقول ﷺ لمن سأل عن صيام يوم عرفة قال: يُكفِّر الله به السنة التي قبلها والتي بعدها، وهكذا حديث عائشة وحديث عقبة في هذا، وأنَّ يوم عاشوراء يُكفِّر السنة التي قبله، وصوم يوم عرفة يُكفِّر السنة التي قبله والتي بعده.

وحديث عقبة بن عامر: يقول ﷺ: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهن أيام أكلٍ وشربٍ، دلَّ على أن هذا يوم عيدٍ، يعني فيه فضل وتكبير للحاج وغير الحاج، لكن يوم عرفة عيد للحجاج، لا يُشرع لهم صومه، ولكن ليس بعيدٍ، يمنع الأكل والشرب لغير الحجاج، بل يُشرع صيامه لغير الحجيج، يوم عيد من جهة الفضل والشرف، لا من جهة الأكل والشرب، ويوم عرفة عيد لما فيه من الفضل، فيُشرع صومه لغير الحجاج، وهو عيدٌ للحجاج يُشرع لهم إفطاره مع بقية أيام النحر الأربعة.

وصوم يوم عاشوراء؛ وهو يوم العاشر من المحرم، كان موسى يصومه وبنو إسرائيل؛ لأنَّ الله أنجاهم فيه من شرِّ فرعون، وكان يوم غرق فرعون يوم عاشوراء، فقال موسى بعد ذلك: لأصومَنَّه شكرًا لله، فصامه شكرًا لله، وصامته بنو إسرائيل، وصامه المسلمون أول الهجرة، ثم قال ﷺ بعدما فرض الله رمضان: مَن شاء صام، ومَن شاء ترك.

وفَّق الله الجميع.

س: هل الأفضل أنه يبدأ ثاني يوم العيد في الصيام أو بعد العيد؟

ج: الأمر واسع، في شوال ويكفي.

س: صيام يوم عرفة للحاج هل نقول: يحرم؟

ج: أقل أحواله الكراهة؛ لأنَّ حديث النَّهي فيه كلام عند أهل العلم من طريق مهدي الحجري: منهم مَن حسَّنه، ومنهم مَن ضعَّفه، وفيه النهي، فالذي ينبغي ترك صومه، والنبي وقف مُفطرًا يوم عرفة عليه الصلاة والسلام.

س: هل مَن صام الستَّ من شوال مُتتابعةً أفضل ممن فرَّقها؟

ج: نعم؛ لأنه سارع إلى الخير.

س: ومَن تحرى الاثنين والخميس؟

ج: ما في بأس، إذا فرَّقها لا بأس، الأمر واسع.

س: في أيام العيد ويوم العيد نفسه قبل الأيام البقية إذا الناس اجتمعوا في مكانٍ ما للصلاة ..؟

ج: السنة التكبير للجميع، من حين خرج من بيته بعد صلاة الصبح إلى أن تُلقى الخطبة.

س: كيفية التَّكبير؟

ج: يُكبِّر لنفسه، ما يحتاج التكبير الجماعي.

س: إن كانوا جُهلاء؟

ج: يُعلَّمون، الجاهل يُعلَّم، كلٌّ يُكبر وفقط، ما هو بصوت الجميع، يقرأ بصوتٍ واحدٍ مثلما يقع في بعض الحرمين أو غيره، فهذا ما له أصل.

س: هذا يُعتبر ..؟

ج: التكبير الجماعي نبَّهنا عليه سابقًا أنَّ هذا منكر، بدعة.

س: صوم عشر ذي الحجة هل يعتبر سنة قولية؟

ج: نعم .........

س: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام رمضان؟

ج: نعم، وليالي رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة؛ لأنَّ في ليالي رمضان ليلة القدر، وفي أيام ذي الحجة يوم عرفة.

س: هل للصائم يوم العيد أن يُواصل يوم الثلاثين مع ستِّ شوال، يعني يُفطر ثم يُواصل بقية اليوم؟

ج: إذا أفطر يوم العيد، يبدأ في اليوم الثاني.

س: يُواصل في نفس اليوم؟

ج: ما في مانع.

س: النَّميمة تُبطل الصيام؟

ج: لا، معصية من المعاصي تُنقص الأجر، النَّميمة والمعاصي كلها تُنقص الأجر.

س: بالنسبة لصوم ستٍّ من شوال: قسمها على صوم يوم ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، والاثنين والخميس؟

ج: الأمر واسع، مَن شاء تابعها أفضل، وإن شاء قسمها، وإن تابعها فهو أفضل.

س: المتابعة أفضل؟

ج: نعم.

س: قول النبي ﷺ: يوم عرفة، ويوم النحر .. إلى آخر الحديث، هل قوله: يوم عرفة زيادة في الحديث أم أنها من أصل الحديث؟

ج: من أصل الحديث؛ لأنه عيد شرعي، فيه تُقبل الدعوات، والموقف عيد عظيم، لكن ما هو بعيد منع الأكل، يجوز فيه الصيام، بخلاف يوم النحر وأيام التشريق هذه يُمنع فيها الأكل، إلا لمن عجز عن الهدي له أن يصوم أيام التشريق الثلاثة.

س: قال بعضُهم أنه زيادة في الحديث لا يُعتدُّ به؟

ج: لا، لا، ما له أصل، الحكم واحد، عيد من حيث الشرف والفضل.

س: ممكن نقول الأعياد أكثر؟

ج: هذه أعياد شرعية إسلامية، لكن العيد الذي فيه الاجتماع والصلاة عيدان: عيد النحر، والفطر، مثلما قال في حديث أنسٍ: إنَّ الله أبدلكم بهما خيرًا منهما: عيد الأضحى والفطر، هذه أيام الصلاة وأيام الأكل والشرب.

س: بقية الأيام ما حكمها؟

ج: مَن شاء صام، ومن شاء أفطر.

س: بالنسبة للأعياد غير العيدين هناك؟

ج: عيد المولد وعيد كذا وعيد كذا بدعة.

س: وعيد الوطن ...؟

ج: كلها بدعة.

س: وإن لم يكن لها طابع شرعي مثل: الأعياد الوطنية والاستقلال؟

ج: فيها تشبّه بالكفرة، تركها هو الذي ينبغي.

س: لو صام عاشوراء وحده بدون صوم يومٍ قبله أو يومٍ بعده، فهل نقول بالحُرمة؟

ج: أقل أحواله الكراهة؛ لأنَّ فيه تشبُّهًا باليهود، والسنة مخالفتهم؛ صوم يوم قبله أو يوم بعده؛ ولهذا قال في الحديث الصحيح: لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسع، مع عموم النَّهي عن التَّشبه بالكفرة.

س: ما حكم اشتراك المسلمين بعيد المسيحين: يتبادلون الهدايا، وربما يُعطلون الأيام؟

ج: لا يجوز التَّشبه بهم ولا مُشاركتهم.

س: تُعتبر بدعة؟

ج: يعتبر من التَّشبه، فإذا أحدثوا عيدًا صار بدعةً، وإذا شاركوهم فهو معصية.

س: وأيضًا هناك إذا كان مات أحدٌ من الموظفين في الحكومة إن كانت له وظيفة كبيرة ينكسون الأعلام يومين؟

ج: وهذا أيضًا ما له أصل، ومنكر، وتشبُّه بأعداء الله، وتسخط على القضاء، ما يصلح.

بَابُ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ وَتَأْكِيدِ عَاشُورَاء

1712- قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ.

1713- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْرًا إلَّا هَذَا الشَّهْرَ"، يَعْنِي رَمَضَانَ.

1714- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".

1715- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ.

1716- وَعَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِاللَّهِ وَهُوَ يَطْعَمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدالرَّحْمَنِ، إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ".

1717- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَصُومُهُ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ.

1718- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صُومُوهُ أَنْتُمْ.

1719- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

1720- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إنَّ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَأَكْثَرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ، وَيُقَالُ: لَمْ يَجِبْ بِحَالٍ، بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاوِيَةَ، وَإِنَّمَا نُسِخَ تَأْكِيدُ اسْتِحْبَابِهِ.

1721- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ: إذَا كَانَ عَامُ الْمُقْبِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

وَفِي لَفْظٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بصوم يوم عاشوراء، تقدمت جملة من الأحاديث تدل على أنه ﷺ كان يصوم يوم عاشوراء، وشرع للناس صوم يوم عرفة إلا للحاجِّ، وصوم الاثنين والخميس، وصوم عشر ذي الحجة، كل هذه أيام فاضلة، وأيام عظيمة، كذلك صيام ستٍّ من شوال، والاثنين والخميس، كلها من العبادات التي ثبتت فيها النصوص.

وفي هذه الأحاديث صوم يوم عاشوراء: كان النبي ﷺ لما قدم المدينة أمر الناس أن يصوموا، ومَن كان مُفطرًا أن يُمسك، ومَن كان صائمًا فليتمَّ صومه، فلمَّا فرض الله عليهم رمضان نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء، وبقي مُستحبًّا، ومَن شاء صام، ومَن شاء ترك، وكل الأحاديث تدل على أنَّ صومه مُستحبٌّ بعد فرض رمضان، مَن شام صام، ومَن شاء أفطر.

وكان النبي يصومه ﷺ ويقول: نحن أولى بموسى منكم، وكان يصومه في الجاهلية، وتصومه قريش تقليدًا لليهود.

وفي روايةٍ أخرى فيها لين أنه ﷺ أمر أن يُصام قبله يوم أو بعده يوم؛ خلافًا لليهود، فإذا صام قبل التاسع أو العاشر يكون أفضل؛ ولهذا في الحديث الأخير قال: لئن عشتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسع يعني مع العاشر، كما قال ابن عباس، فهذا هو الأفضل، يصوم قبله يومًا أو بعده يومًا، أو يصوم يومًا قبله وبعده، ثلاثة أيام: التاسع والعاشر والحادي عشر، أو العاشر مع التاسع، أو العاشر مع الحادي عشر؛ خلافًا لليهود، ويكون بذلك قد أدَّى السنة وصام معها يومًا آخر؛ خلافًا لأعداء الله اليهود؛ لقوله ﷺ: خالفوا اليهود؛ صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده، وهذا هو الأفضل، وبعض أهل العلم كره إفراده، وبعضهم لم يكرهه، ولكن المستحب أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده للحديث الصحيح: لئن عشتُ لأصومَنَّ التاسع يعني مع العاشر.

وفَّق الله الجميع.

س: النصارى دائمًا تُخالف اليهود، لِمَ وافقوا اليهود في صومهم؟

ج: لأنه أنجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، حصلت فيه نعمة عظيمة، وهي إنجاء بني إسرائيل.

س: في الجاهليين نفس ..؟

ج: مثل صومنا، هذا هو الأصل: الإمساك عن الطعام والشَّراب.

س: لا حرج على الحاجِّ أن يصوم يوم عرفة؟

ج: لا، الحاج يُنهى عنه، ما يجوز.

س: يجوز أن يُقال: إن النبي ﷺ أكَّد استحباب الصوم لما ......؟

ج: كان يصومه في الجاهلية، ولما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه قال: نحن أحقُّ بموسى منكم زيادة، يعني أكَّد.

س: قال ابنُ مفلح في المبدع: "ينبغي فيه التَّوسعة على العيال" ما المراد بالتَّوسعة؟

ج: هذا ما له أصل، هذا قاله بعضُ الناس، لكن ما عليه دليل، المشروع صومه فقط.

س: شخصٌ مُقيم في السعودية ويرغب أن يدفع الزكاة في بلده؟

ج: يدفعها في محلِّه -زكاة الفطر.

س: زكاة مالٍ؟

ج: لا بأس، إن نقلها لأقارب محاويج لا بأس، كما نقلت من اليمن إلى المدينة.

س: زكاة الفطر في محلِّه الذي يسكن أو الذي يُقيم فيه؟

ج: الذي يُقيم فيه أيام العيد.

بَابُ مَا جَاءَ فِي صَوْمِ شَعْبَانَ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ

1722- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ.

1723- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ شهرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ".

وَفِي لَفْظٍ: "مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ".

وَفِي لَفْظٍ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَل شَهْرًا قَطُّ إلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ". مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.

1724- وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: فَمَا لِي أَرَى جِسْمَكَ نَاحِلًا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكَلْتُ طَعَامًا بِالنَّهَارِ، مَا أَكَلْتُهُ إلَّا بِاللَّيْلِ، قَالَ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَقْوَى، قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، قُلْت: إنِّي أَقْوَى، قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ، قُلْت: إنِّي أَقْوَى، قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَصُمْ أَشْهُرَ الْحُرُمِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا لَفْظُهُ.

بَابُ الْحَثِّ عَلَى صَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ

1725- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.

1726- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.

1727- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث فيها الدلالة على شرعية صيام شعبان والاثنين والخميس وشهر الله المحرم، تقدَّم ما يدل على شرعية صوم ستٍّ من شوال، وثلاثة أيام من كل شهرٍ، كل هذا مُستحبٌّ، الفرض إنما هو رمضان، هذا الفرض، لم يفرض الله على الناس إلا رمضان، أو ما كان له سبب: كصوم الكفَّارة والنَّذر، أما ما سوى ذلك فهو تطوع، وأفضل التَّطوع بعد رمضان هو شهر الله المحرم، عاشوراء، وأفضله العاشر ويوم قبله أو يوم بعده، وكذلك صوم الاثنين والخميس، كان يصومهما عليه الصلاة والسلام، وأخبر أنَّ الأعمال تُرفع فيهما، فأحبَّ أن يُرفع عمله وهو صائم عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: تُعرض الأعمالُ على الله في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل مسلمٍ إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا.

وفي حديث أم سلمة: أنه كان يصوم شعبان كله، وفي حديث عائشة: ربما صامه كله، وربما أفطر منه بعض الشيء عليه الصلاة والسلام.

هذه الأيام التي بيَّنها الرسولُ ﷺ وبيَّنها أصحابُه يُشرع صومها، فقال ﷺ لعبدالله بن عمرو: صم من الشهر ثلاثة أيام، فإنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك صيام الدهر، فلم يزل به حتى قال: صم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صوم داود، وهو أفضل الصيام، فأفضل الصيام أن يصوم يومًا ويُفطر يومًا، يعني بشرط أن لا يشقَّ على نفسه، فإن شقَّ على نفسه ترك ذلك كما أوصى النبيُّ عبدالله بن عمرو، ويكفي من ذلك ثلاثة أيام من كل شهرٍ، فإنها عُشر الزمان، والحسنة بعشر أمثالها، فإن صام الاثنين والخميس فهذا خيرٌ إلى خيرٍ، وفضلٌ إلى فضلٍ، أما أفضل الصيام مع القُدرة والتيسير أفضله صيام داود؛ كان يصوم يومًا ويُفطر يومًا، وأما صوم الدهر فهو مكروهٌ، لا ينبغي: لا صام مَن صام الأبد، ولكن إذا صام وأفطر، صام يومًا وأفطر يومًا، صام يومًا وأفطر يومين، صام يومًا وأفطر ثلاثة، صام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، صام الاثنين والخميس، كل هذا لا بأس به.

أيش قال المحشي على حديث الباهلي؟

الطالب: يقول: رواه أبو داود عن مجيبة الباهلي، عن أبيها أو عمِّها، قال المنذري: وأخرجه النَّسائي وابن ماجه، إلا أنَّ النَّسائي قال فيها: مجيب الباهلي، عن عمِّه. وقال ابن ماجه: عن أبي مجيبة الباهلي، عن أبيه أو عمِّه. وذكره أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" وقال فيه: عن مجيبة -يعني الباهلية- قالت: حدثني أبي أو عمِّي، وسمَّى أباها عبدالله بن الحارث، فقال: سكن البصرة، وروى عن النبي ﷺ حديثًا، وقال في موضعٍ آخر: أبو مجيبة الباهلية، أو عنهما، سكن البصرة، وروى عن النبي ﷺ حديثًا ولم يسمعه، وذكر هذا الحديث.

الشيخ: المقصود أنَّ فيه ضعفًا؛ لأنَّ مجيبة هذه مجهولة.

س: في الحاشية في القراءة الماضية قلتُم: منكر اللفظ، غريب الإسناد ..... حديث مضطرب؟

ج: المقصود أنَّ الأحاديث الصحيحة دالة على شرعية صيام يوم وفطر يوم، أو الاثنين والخميس، أما صوم الدهر فمكروه.

س: سرر الشهر؟

ج: وسطه، يعني: الأيام البيض.

س: هل ورد في فضل رجب حديث صومه؟

ج: لا.

س: والروايات كلها ضعيفة؟

ج: مكروه، نعم، كان من أمر الجاهلية، تخصيصه مكروه.

س: إلا الخميس والاثنين؟

ج: إلا الخميس والاثنين، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو صوم يوم وفطر يوم، المكروه تخصيصه بالصيام.

س: هل للاعتكاف شروط وضوابط؟

ج: الاعتكاف سنة؛ كان النبيُّ يعتكف العشر الأواخر، وإذا اعتكف يومًا أو يومين أو نصف يومٍ فلا حدّ محدود والحمد لله.

س: أقل من ساعةٍ؟

ج: ما فيه حدٌّ محدود، لم يرد فيه حدٌّ محدود، الله قال: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، إذا نوى الاعتكاف يومًا، يومين، عشرة، خمسة، الأمر واسع.

بَابُ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ

1728- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا: أَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: أَنْ يُفْرَدَ بِصَوْمٍ.

1729- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

وَلِمُسْلِمٍ: وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ.

وَلِأَحْمَدَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.

1730- وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْس؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: تَصُومِينَ غَدًا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَأَفْطِرِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ.

1731- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.

1732- وَعَنْ جُنَادَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَزْدِ أنا ثامِنُهُمْ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: هَلُمُّوا إلَى الْغَدَاءِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا صِيَامٌ، فَقَالَ: أَصُمْتُمْ أَمْس؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: أَفَتَصُومُونَ غَدًا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَأَفْطِرُوا، فَأَكَلْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، يُرِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

1733- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ -وَاسْمُهَا الصَّمَّاءُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

1734- وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ مَعَ غَيْرِهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الصحيحة كلها دالة على تحريم صوم يوم الجمعة تطوُّعًا، إلا أن يكون قبله يوم أو بعده يوم؛ لأنَّ الرسول ﷺ أوضح للأمة أنه عيد الأسبوع، فلا يجوز أن يُصام مفردًا، أما إذا صام قبله يومًا أو بعده يومًا فلا بأس بذلك، وأما أن يُخصَّ بالصيام فلا يجوز، وهكذا ليلة الجمعة لا تُخصُّ بالقيام من بين الليالي، بل هي كسائر الليالي، فمَن أراد أن يصوم الجمعة فليصم قبلها الخميس أو بعدها السبت معها.

بقيت مسألةٌ أخرى: وهي ما إذا صادف يوم الجمعة آخر شعبان، وعليه صوم، فالظاهر والله أعلم لا حرج؛ لأنه لم يصم لأجل أنها جمعة، صام لأنَّ عليه قضاءً، فالعلة تُبين هذا المعنى، وأنه إذا صامه من أجل أنه يوم الجمعة لم يجز، أما إذا صامه لأنه صادف عرفة أو صادف قضاء أيامٍ عليه فلا بأس، لكن إذا أمكن أن يصوم قبله يومًا حتى ولو كان قضاء يكون احتياطًا وبُعدًا عن ظاهر النَّهي.

أما يوم السبت: فالحديث فيه ضعيف مضطرب، والصواب أنه لا بأس بصوم يوم السبت، وقد صامه النبيُّ ﷺ، وصام الأحد أيضًا وقال: لأنَّهما يوما عيد المشركين، فأَحبَّ أن يُخالفهم عليه الصلاة والسلام، فالصواب في حديث صوم السبت أنه ضعيف ومُضطرب كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وجماعة، فلا حرج في صومه.

وأما ما يُروى أنه ﷺ صام يوم الجمعة: فالمعنى يعني مع يومٍ قبله أو يومٍ بعده كما قال المؤلفُ رحمه الله.

والله ولي التَّوفيق.

س: إذا صارت الست؟

ج: ما يخالف، يصير قبله يوم وبعده يوم ما يُخالف.

س: يعني في وسط الأيام الستّ؟

ج: إذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده فلا بأس، في الستِّ، أو غير الستِّ.

س: يقول السائلُ: يقول الإمامُ بعد الإقامة: استووا، استقيموا، سدُّوا الفُرَج، فما معنى: سدُّوا الفُرَج؟ وهل وضع الرِّجْل مع الرِّجْل من فعل الصَّحابة؟

ج: سدُّ الفُرَج يعني: ما تبقى فرجة، يلزق الرِّجْلَ بالرِّجْل، القدم بالقدم، حتى ما تكون فُرج، أمر بسدِّ الخلل، وكان الصحابة يلزق أحدُهم قدمَه بقدم صاحبه سدًّا للفرجة.

س: اعتاد الناسُ تخصيص ليلة سبعٍ وعشرين بالقيام؟

ج: يتحرَّوا ليلة القدر: مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا لا بأس، لكنها تُرجى في الأوتار كلها، بل في العشر كلها، وليلة سبع وعشرين أرجاها.

س: وقد تُصادف هذه الليلة يوم الجمعة؟

ج: ولو، ما قامها لأنها الجمعة، قامها يرجو ليلةَ القدر.

س: المُعتكف هل له أن يشهد الجنازةَ وعيادة المريض؟

ج: إذا كانت في مسجده الذي هو معتكف فيه، أما [أن] يروح مساجد أخرى فلا، ولا يعود المريض، الأفضل ترك ذلك.

س: حكم التَّلفظ بالنية؟

ج: بدعة.

بَابُ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ

وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَتْ سِوَاهَا

1735- عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةً فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

1736- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1737- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رسولُ الله ﷺ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ، وَمِنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

1738- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160] الْيَوْمُ بِعَشَرَةٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

بَابُ صِيَامِ يَوْمٍ وَفِطْر يَوْمٍ وَكَرَاهَة صَوْمِ الدَّهْرِ

1739- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قُلْتُ: إنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، وَهُوَ صَوْمُ أَخِي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ.

1740- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1741- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ، وَلَمْ يُفْطِرْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

1742- وَعَنْ أَبِي مُوسَى ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَقَبَضَ كَفَّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا.

بَابُ تَطَوُّعِ الْمُسَافِرِ وَالْغَازِي بِالصَّوْمِ

1743- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

1744- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على شرعية صوم التَّطوع، وأنه ينبغي للمؤمن أن يكون له نصيبٌ من هذا، أما رمضان فهو فريضة لا بدَّ من ذلك، يجب على كل مسلمٍ مُكلَّفٍ أن يصوم رمضان، كما يجب عليه الصلاة والزكاة والحج، وهكذا صوم رمضان؛ لأنه الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، الواجب على جميع المكلَّفين صيامه، ولكن مع هذا يُستحب أيضًا أن يكون له نصيب من الصيام في بقية السنة، ومن ذلك صوم الاثنين والخميس، ومن ذلك صوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وكان النبي ﷺ يصومها حسب التيسير، والأفضل أن يصومها أيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، إذا تيسر ذلك، وهكذا صيام ستة أيام من شوال مع رمضان كصيام الدهر.

فالسنة للمؤمن أن يكون له نصيبٌ من صيام التطوع في جميع السنة، وكان عبدالله بن عمرو بن العاص يصوم الدهر رضي الله عنهما، فأنكر عليه النبيُّ ذلك، وقال في صيام الدهر: مَن صام الدهر لا صامَ ولا أفطر، وقال: صم من الشهر ثلاثة أيامٍ، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك كصيام الدهر، فقال: إني أُطيق أفضل من ذلك، فلم يزل به حتى قال له النبيُّ: صم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صيام داود، وهو أفضل الصيام نصف الدهر.

وهكذا صيام عرفة لمن ليس بحاجٍّ، وصيام عاشوراء كما تقدَّم، كل هذه أيام يُستحب صيامها: عرفة مطلقًا يصومها المؤمنُ إلا الحاجّ فقط، أما عاشوراء فالأفضل أن يكون معه يوم قبله أو يوم بعده، وإن صام قبله يومًا وبعده يومًا بثلاثة أيام فلا بأس، وكذلك صيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر مُستحبَّة، وإن صام ثلاثة أيام من الشهر من أوله أو من آخره أو من وسطه كفى ذلك والحمد لله، المهم أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ، هذا هو الأفضل، وإن صام الاثنين والخميس فهو خيرٌ عظيمٌ، يقول ﷺ: إنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله، وأُحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم.

فيُستحب للمؤمن أن يكون له نصيبٌ من هذه التَّطوعات، وأن لا يغفل؛ لأنها تُعينه على أداء الفرائض، وترقع ما قد يقع من الخلل، ويحصل له بها الأجر العظيم، ويعتاد الخير، ويمرن نفسه على الخير.

وهكذا حديث: مَن صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفًا محمول على الصيام في سبيل الله، يعني في طاعة الله، وفي مرضاته، صامه يبتغي مرضاة الله، هذا فيه فضل عظيم، حتى ولو يوم من الدهر، يعني غير رمضان، الصوم التَّطوع.

والمقصود من هذا كله تحريض المؤمن على أن يكون له نصيبٌ من صوم التطوع، سواء ثلاثة أيام من كل شهر، أو أيام البيض، أو الاثنين والخميس، أو صوم يوم وفطر يوم، المقصود أن يكون له نصيبٌ من صيام التطوع، وإذا تحرَّى هذه الأيام المشروعة، وصيام الاثنين والخميس، وستَّة أيام من شوال، وأيام البيض، إذا تحرى هذه الأشياء المشروعة كان ذلك أكمل في الأجر، وأعظم في الأجر.

وفَّق الله الجميع.

س: العازب كيف يصوم؟ الرسول ﷺ أمر الذي لا يستطيع الزواج بالصوم، كيف يصوم؟

ج: يسرد الصوم، ولكن لا يصوم الدهر، يُكثر من الصوم فإنه يُضعف الشَّهوة، يُقلل الشَّهوة، يصوم ما تيسر، يصوم الاثنين والخميس، يسرد أيامًا ثم يُفطر، لا بدَّ أن يُفطر، لا يكون صوم الدهر.

س: الطِّيب والبخور للصائم لما يستنشقه؟

ج: تركه أحوط، ما عندي دليل على الفطر به، لكن كونه لا يستنشق خروجًا من الخلاف أحوط.

بَابٌ فِي أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ

1745- عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ سَلْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1746- وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا إنِّي كُنْتُ صَائِمَةً؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَرِبَ شَرَابًا، فَنَاوَلَهَا لِتَشْرَبَ، فَقَالَتْ: إنِّي كنتُ صَائِمَةً، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ، فَقَالَ يَعْنِي: إنْ كَانَ قَضَاءً مِنْ رَمَضَانَ فَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِ، وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ.

1747- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُهْدِيَ لِحَفْصَةَ طَعَامٌ، وَكُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّه ﷺ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ وَاشْتَهَيْنَاهَا فَأَفْطَرْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا عَلَيْكُمَا، صُومَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهَذَا أَمْرُ نَدْبٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لَا عَلَيْكُمَا.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تدل على أنَّ المتطوع في الصوم أمير نفسه، وأنه إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأنَّ الواجب على المؤمن أن يتَّقي الله في أهله وفي نفسه، فلا يشقّ على نفسه ولا يتكلَّف، وهكذا علَّم النبيُّ ﷺ عبدالله بن عمرو كما تقدَّم وغيره من الصحابة، بيَّن لهم عليه الصلاة والسلام الواجب عليهم؛ أن لا يُشددوا على أنفسهم، ولما جاء جماعة وسألوا عن عمل النبي في السرِّ فأُخبروا بذلك، قالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ، قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟! فلما بلغ ذلك النبيَّ ﷺ خطب الناسَ وذكَّرهم وقال: أما إني والله لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أُصلي وأنام، وأصوم وأُفطر، وأتزوج النساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني؛ ولهذا لما بلغ سلمان أن أبا الدرداء يسهر الليل ويصوم النهار ولم يقم بحقِّ أهله، أخبره بأن لنفسه عليه حقًّا، وأن لزوجه عليه حقًّا، وأن لضيفه عليه حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه، وزاره وبلغه هذا رضي الله عنه وأرضاه، ولما أراد أن يأكل قال: لا آكل حتى تأكل، فأفطر أبو الدرداء وأكل معه، فلما بلَّغ أبو الدرداء النبي ﷺ قال: صدق سلمان، صدق سلمان.

وكان ﷺ كما تقدم ثم دخل على أهله، فقال: هل عندكم شيء؟ فقالوا: لا، فقال: فإني إذًا صائم، ثم دخل عليهم وعندهم شيء وهو صائم فأفطر؛ لأنه متطوع، وهكذا قال لأم هانئ ولحفصة وصفية.

المقصود أنَّ هذا كله يدل على أنَّ المؤمن لا يُشدد على نفسه، والله قد وسَّع له، فلا يصوم الدهر، ولا يقوم الليل، ولكن يقوم من الليل، ويصوم ما تيسر من الدهر؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ لعبدالله بن عمرو: صم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، فإنَّ لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولزورك -يعني ضيفك- عليك حقًّا، وفي اللفظ الآخر: ولجسدك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه، وهكذا قال سلمانُ لأبي الدرداء، وقال النبيُّ ﷺ: صدق سلمان.

فالمؤمن يتحرى أعمال الخير، لكن لا يُشدد على نفسه، ودلَّ على أن الصائم صوم التطوع لا حرج عليه أن يُفطر إذا رأى مصلحةً في الفطر، إذا رأى مصلحةً: شدَّ عليه الأمر وأفطر، أو دعاه أخٌ له وأفطر لأجل ذلك، أو ما أشبه ذلك من المصالح فلا بأس، وليس عليه قضاء، وإن قضى فحسن، وإلا ليس عليه قضاء.

وفَّق الله الجميع.

س: الذي عليه قضاء من رمضان هل يجوز له الفطر؟

ج: لا، هذا فرضٌ، ليس له أن يُفطر إلا من مرضٍ أو علَّةٍ.

س: وفي الحديث: إن كان من رمضان فاقضِي يومًا مكانه؟

ج: إذا أفطر يعني، إذا أفطر يقضي يومًا مكانه، يقول لأم هاني لما أفطرت، قال: إن كان من رمضان فاقضي يومًا مكانه، خشي أنها تأوَّلت فعلَّمها فقال: إن كان من رمضان فاقضي يومًا مكانه، وإن كان تطوعًا فليس عليها القضاء؛ لأنه تطوع.

س: شخصٌ قادمٌ من أمريكا إلى جدة، ويقول: ونحن في أثناء الرحلة قال أحد الملاحين: مَن أراد الصيام فليُمسك، يقول: وأمسك بعضنا، يقول: الذي صام ما أمسك إلا ستّ ساعات فقط؟

ج: إذا كان هذا النهار الذي أمسكوه ما في بأس، بعض البلاد نهارهم ستّ ساعات، خمس ساعات، وبعض البلاد ليلهم خمس ساعات، أربع ساعات، يختلف.

س: إذا كان النَّهار ستَّ ساعات كيف يُصلون الصَّلوات الخمس؟

ج: مثلما قال ﷺ: فاقدروا له، مثل يوم الدجال؛ يوم كسنة، قال الصحابة: يجزينا صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره، في كل 24 ساعة يُصلون خمس صلوات.

س: الإمام يُصلي ويقرأ القرآن، وحين تبقى بعض الصور يأتي ثانٍ ويُكمل عنه، ويختم هذا الذي قرأ آخر شيء، ما هو الذي قرأ القرآن حتى يقنت دعاء الختمة؟

ج: بالنيابة ما يضرُّ، والمقصود إسماع الجماعة الدَّعوات الطيبة، لعلَّ الله يستجيب لهم، وهذا بالنيابة ما يضرّ، مثلما أنه يُصلي بهم ويخلي واحدًا يُوتر عنه.

س: إذا كان الشخصُ مُسافرًا وقال: إذا شعرتُ بالجوع أفطرتُ، هل يقضي هذا اليوم؟

ج: لا، ما يقضي، ما دام ما أفطر ما يقضي.

س: بعض المُعتكفين في المسجد معهم الهاتف الجوال هذا، ويتصل على أقاربه وعلى أصدقائه ويستأنس معهم في الحديث، ما حكم فعله هذا أحسن الله إليك؟

ج: الشيء الخفيف يُعفى عنه، والشيء الكثير يُكره، لكن القليل يُعفى عنه إن شاء الله، مثل الحديث بينك وبين أخيك في المسجد يُعفى عن القليل إن صار شيء يتعلَّق بالدنيا.

س: عندي والدي صام في رمضان في مكة، هل أُخرج زكاة فطره هنا أو في مكة؟

ج: لا، الأفضل في مكة، إذا تيسر أن يُخرجها في مكة أفضل، في المحلِّ الذي أفطر فيه.

س: الفضل في زكاة الفطر إخراجها ........؟

ج: هي أفضل، وإن أخرجها ليله أو قبله بيومٍ أو يومين لا بأس.

س: دليل الأفضلية؟

ج: قول النبي: أمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قول ابن عمر: أمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة -صلاة العيد يعني.

س: لو أخرجته هنا جائز؟

ج: إذا أذن لك، لكن الأفضل في محلِّ الفطر، المحل الذي يُفطر فيه -يُعيِّد فيه يعني.

س: بعضهم يشتري كيس أرز أو كيس برٍّ ويتصدق به، يُخرجه زكاة الفطر، ويزيد على زكاته خمسة أصواع؟

ج: الزائد تطوع.

س: زكاة الفطر تُخرج للأغنياء في قريةٍ، يُخرجون مع بعضهم وكلهم أغنياء، ما يُطلعونه خارج القرية؟

ج: لا، ما يجوز، زكاة الفطر يُعطاها الفقراء مثلما قال النبيُّ ﷺ: طُعمة للمساكين، عليهم أن يتحرّوا الفقراء ويُعطوها إياهم.

س: إذا كانت ما تصلهم في هذا اليوم مثلًا، تصلهم بعد يومين؟

ج: يُخرجها للفقراء الحاضرين، على الموجودين، الله يرحم حالنا وحالهم، لكن بعض الناس ما يريد أن يسأل، ولا يريد أن يتعب، يبغي في قريةٍ جنبه، أمور الآخرة تريد عملًا وتعبًا، وتريد صبرًا.

س: تُعطي أختها زكاة الفطر؟

ج: إذا كانت فقيرةً وفي بيتٍ مُستقلٍّ، لا بدَّ من التَّثبت.

بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

1748- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1749- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ: الصِّيَامُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَنَحْنُ مُتَقَدِّمُونَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَتَقَدَّمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَتَأَخَّرْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى التَّقَدُّمِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ.

1750- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ.

وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ بِصِيَامِ سَرَرِ الشَّهْرِ أَوْ قَدْ نَذَرَهُ.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ

1751- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: لَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ.

وَلِمُسْلِمٍ: لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ.

1752- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَيَا: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1753- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: "أَمَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ أَنْ أُنَادِيَ أَيَّامَ مِنًى: إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَلَا صَوْمَ فِيهَا"، يَعْنِي: أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1754- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ صَوْمِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ: يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: "لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: "الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى".

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فالأحاديث المتعلقة بالتقدم على رمضان تقدَّم الكلام عليها في أول الشهر، وأنه لا يجوز الصيام قبل رمضان، ولا يجوز الاحتياط لهذا الشيء، تقدم قوله ﷺ: لا تقدَّموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه، وتقدم قوله ﷺ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدَّة، وتقدم قوله ﷺ: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا، هذا كله تقدَّم أنه لا يجوز الصيام قبل رمضان احتياطًا لرمضان، أما إن كانت له عادة: يصوم يومًا ويُفطر يومًا، أو عليه قضاء من رمضان، هذا يصومه لا بأس إذا وافق صومه آخر شعبان.

وإنما البحث الآن فيما يتعلق بصوم الأعياد وأيام التشريق، فالأحاديث كلها تدل على تحريم صوم يوم النحر والفطر، وهذا محل إجماعٍ، أجمع العلماء على هذا، لا يجوز صوم العيدين: لا يوم النحر، ولا يوم الفطر، فإن الرسول نهى عن هذا، وحرَّم هذا، وهكذا أيام التَّشريق الصواب أنها لا تُصام، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة؛ لأنها أيام أكلٍ وشربٍ وذبحٍ، فلا يجوز صومها، "إلا لمن لم يجد الهدي" مَن فقد الهدي وعجز عن الهدي ولم يصم قبل عرفة فإنه يصوم أيام التَّشريق؛ لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أنهما قالا: "لم يرخص في أيام التَّشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، مَن عجز عن الهدي ولم يصم قبل عرفة، فإنه يصوم أيام التشريق لا بأس، الثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ثم يصوم سبعةً بعد ذلك إذا رجع إلى أهله بدلًا من الهدي.

وفَّق الله الجميع.

س: لو مثلًا شخصٌ في أثناء الحجِّ فقد فلوسه، هل له أن يصوم أو يتسلَّف للهدي؟

ج: إن صام فلا بأس، وإن تسلَّف فلا بأس، والحمد لله، إن أحبَّ أن يقترض ويُهدي لا بأس، بعض الناس قد يشقُّ عليه الصوم فيقترض، الأمر واسع، إن شاء اقترض، وإن شاء صام.

س: صحة حديث: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا؟

ج: لا بأس به، جيد، رواه الخمسة -أحمد وأهل السنن- بسندٍ صحيحٍ، فلا يبتدئ بعد النصف.

س: النَّهي للتَّحريم؟

ج: نعم، هذا الصواب، إلا إذا كان بدأ قبل النصف فلا بأس.

س: سرره؟

ج: سرره: وسطه، أيام: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، مثل السُّرة.

س: يشهد له حديث أبي هُريرة؟

ج: يُحمل هذا على الإنسان المعتاد لهذا الشيء وتركه، فالأفضل أن يصومه، وما هو بلازم، لكن الإنسان إذا اعتاد صوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ يصومها، يعني أيام البيض، ولو في غير أيام البيض، أو اعتاد الاثنين والخميس وترك يُستحب له أن يقضيها من باب الاستحباب؛ حتى لا يدع العبادة التي استمرَّ عليها.