فضل صلاة التراويح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحديثي فيما يتعلق بصلاة التراويح، ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكان عليه الصلاة والسلام يرغب أصحابه في قيام رمضان ولا يؤمرهم فيه بعزيمة، ولكن كان يحثهم على ذلك ويرغبهم فيه عليه الصلاة والسلام، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الله فرض عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه، فمن صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكان عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه عدة ليالي في مسجده ثم ترك ذلك، وقال: إني أخاف أن تفرض عليكم صلاة الليل فدل على أنه إنما ترك ذلك مخافة أن تفرض عليهم صلاة الليل فيشق عليهم ذلك، فلما توفي عليه الصلاة والسلام وجاء دور الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه بعد وفاة الصديق جمع الناس على إمام واحد، وهو أبي رضي الله عنه، أبي بن كعب فصلى بالناس في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة التراويح، وكان الناس يصلونها في عهد النبي ﷺ وفي عهد الصديق أوزاعا، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل معه الرجلان والثلاثة، فجمعهم عمر رضي الله عنه وأرضاه على إمام واحد، وكان يصلي بهم رضي الله عنه وأرضاه في أول الليل، ومر عليهم عمر ذات ليلة ورأى الناس يصلون خلفه فسرّه ذلك وقال: (نعمت هذه البدعة) فظن بعض الناس أن التراويح بدعة، وهذا غلط، لم يرد رضي الله عنه أنها بدعة، ولكن أراد أن جمعهم على إمام واحد لما كان بعد النبي ﷺ سماه بدعة من حيث اللغة العربية، وإلا فهو سنة، جمع الناس على إمام في رمضان سنة فعلها النبي ﷺ، فإنه فعلها عدة ليالي عليه الصلاة والسلام، ولكن ترك ذلك خوف أن تفرض على الناس صلاة الليل فلا يطيقونها، فلما توفي ﷺ انقطع الوحي وأمن الفرض فلهذا فعل ذلك عمر ، فهي سنة مؤكدة فعلها نبينا ﷺ، ثم فعلها المسلمون في عهد عمر وبعده، فدل ذلك على أنها سنة بقول النبي وفعله عليه الصلاة والسلام.

وأما قوله فقوله ﷺ: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وقوله ﷺ: إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فهذا يدل على شرعية التراويح وأنها سنة مؤكدة، وأنها تفعل جماعة في أول الليل، هذا هو مقتضى الأحاديث وفعل النبي ﷺ وفعل الصحابة ، وكان عليه الصلاة والسلام في الغالب يصلي إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غيره، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا»، وفي لفظ عنها في الصحيحين قالت: «كان يصلي عشر ركعات يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة»، وفي رواية عنها: «أنه كان يصلي ثلاثة عشرة» وجاء هذا ... عن ابن عباس وزيد بن خالد رضي الله عنه: أن النبي ﷺ كان يصلي من الليل ثلاث عشرة، وكل سنة، وثبت عنه ﷺ أنه كان يصلي في بعض الليالي تسع ركعات، وفي بعضها سبع ركعات، وفي بعضها أقل من ذلك، وبهذا يعلم أن التطوع في الليل أمر موسع، وأنه لا حرج على من صلى في رمضان أو في غيره إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثة عشرة ركعة، أو عشرين ركعة، أو أكثر من ذلك، فالأمر في هذا واسع بحمد الله، وهذا هو معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم والتحقيق، ومن زعم أنه لا تجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة أو على ثلاثة عشرة ركعة فقد غلط وأخطأ، فإن الرسول ﷺ لم ينه عن الزيادة، وربما ترك الفعل وهو يحب أن يفعله رفقا بالأمة لئلا يشق عليها عليه الصلاة والسلام.

وقال عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى، ولم يحد حدا في صلاة الليل عليه الصلاة والسلام لا في رمضان ولا في غيره، بل أخبر عليه الصلاة والسلام أن صلاة الليل مثنى مثنى وهذا يعم التراويح وغيرها، ويعم رمضان وغيره، ولم يقل صلاة الليل إحدى عشرة ركعة ولا ثلاثة عشرة ركعة، ولم يقل صلاة الليل في رمضان كذا وكذا، فدل ذلك على التوسعة في ذلك، وقول النبي ﷺ أقوى من الفعل، وأعم من الفعل، لأن الفعل يحتمل احتمالات كبيرة، قد يكون فعله ﷺ حين قصر على إحدى عشرة ركعة للرفق بالناس وخوف المشقة عليهم، وقد يكون فعله لأسباب أخرى، منها بيان التوسعة في الأمر، ولهذا صلى ثلاثة عشرة ركعة وصلى سبع ركعات وصلى تسع ركعات، فإذا كان الأمر هكذا علم أن اقتصاره ﷺ في غالب الأحوال على إحدى عشرة ركعة لا يدل على التقيد بذلك، وأنه لا يجوز غيرها، بل هذا يدل على أن هذا هو الأفضل لما فيه من الرفق، ولاسيما في حق من راعى طول القيام والركوع والسجود كفعله عليه الصلاة والسلام، وإذا أحب أن يخفف بعض التخفيف وجعلها عشرين أو ثلاثين مع الوتر أو أكثر من ذلك فلا حرج في ذلك لعموم قوله ﷺ: مثنى مثنى فإن معناه يدل على أنه لو صلى عشرين أو ثلاثين مثنى مثنى فلا حرج في ذلك، بل هو سنة وقربة، ولكن يختم بالوتر، فينبغي أن يعلم هذا.

وينبغي لأهل العلم والإيمان أن يوضحوا ذلك حتى يكون المسلمون على بصيرة في هذه السنة، وينبغي للمؤمن في هذه الحال أن يعنى بترتيل القراءة والخشوع في القراءة، والخشوع في الركوع والسجود والطمأنينة، لأن بعض الناس في التراويح يصلي صلاة لا يعقلها بل ينقرها نقرا، ويقرأ قراءة لا تعقل ولا تفهم من العجلة، فلا يجوز هذا بل هذا منكر، والواجب على المؤمن أن يتحرى فعل النبي ﷺ الذي فيه التأسي به والعناية بما يصحح الصلاة ويحفظ عليه حقيقتها وما شرع الله فيها، أما العجلة والنقر فذلك من المنكرات التي لا تجوز لا في الفريضة ولا النافلة، لا في التراويح ولا في غيرها، والمشروع للمؤمن دائما أن يتحرى الأكمل والأفضل في صلاته وفي سائر أفعاله، والصلاة هي عمود الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عنه العبد يوم القيامة، فالواجب أن يعنى بصلاته عن الفريضة وأن يحافظ عليها وأن يطمئن فيها، وهكذا النافلة يشرع له أن يطمئن فيها، بل يجب أن يطمئن فيها وألا ينقرها نقرا، فإن الصلاة التي تنقر لا صحة لها ولا يجوز فعلها، بل يجب أن يطمئن في صلاته كلها فرضها ونفلها حسب ما جاء في الشريعة المطهرة، وقد رأى النبي ﷺ شخصا يصلي ولم يطمئن في صلاته فأمره أن يعيد الصلاة، فدل ذلك على أن الطمأنينة أمر مفترض في الفرض والنفل، فالواجب على أئمة المساجد وعلى كل من يصلي بالناس بل على مسلم أن يطمئن في صلاته فرضها ونفلها، وأن يحذر ما حرم الله عليه من النقر والعجلة وسرق الصلاة، وإن عدم الطمأنينة سرقة للصلاة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته قيل: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها. فعليك يا عبدالله أن تعنى بصلاتك، وأن تطمئن فيها، وأن تخشع فيها لله ، سواء كانت فريضة أم نافلة، وأن توجه الناس إلى الخير، وأن ترشدهم إلى ما يرضي الله عز وجل، وأن تنبه من غلط وأخطأ، وأن تكون أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، مؤديا لحق الله في نفسك ومع غيرك من إخوانك.

وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يرزقنا التأسي به عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي يرضيه ويوجب إحسانه وفضله ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.