سلوك الصائم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبمناسبة حلول شهر الصيام تقبل الله منا ومن سائر المسلمين صيامه وقيامه، أود أن أذكر لإخواني ما ينبغي للصائم من السلوك الحسن الذي يرجى معه له القبول والمغفرة، وحط الخطايا، ورفع الدرجات.

الصائم له سلوك خاص ينبغي أن يسير عليه، وينبغي أن يلزمه في أيام صيامه وليالي صيامه، يدل عليه ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الصيام جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن امرؤ سابه فليقل: إني امرؤ صائم فالصيام جنّة بين العبد وبين الذنوب والخطايا، وجنّة بينه وبين النار، يعني سترة وحرز لمن صانه وحفظه، فالصيام يحول بينك يا عبدالله وبين المعاصي والذنوب، لأن الصائم منهي عن قربان السيئات أكثر مما ينهى غيره، وإن كان كل مسلم منهيا عن قربان السيئات -سواء كان صائما أو غير صائم- لكن الصيام يؤكد ذلك ويعين على ذلك، كما في الحديث: يقول الله جل وعلا: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصائم ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل الله يرجو رحمته ويخشى عقابه، فينبغي له في حال صومه أن يكون سائرا على هذا المعنى، حذرا مما حرم الله عليه، لا يأتي النساء في نهار الصيام من جهة الجماع، ويباح له مباشرتهن من دون جماع كالقبلة واللمس، والنوم مع المرأة لا حرج في ذلك إذا كان لا يخشى الوقوع فيما حرم الله، فإنه لا حرج عليه في المباشرة، وإنما المحرم عليه الجماع في نهار الصيام، فإذا كانت المباشرة وسيلة إلى ذلك ويخشى منها أن يقع في المحرم تركها، ولكن يراعي في ذلك ترك كل ما حرم الله، عليه أن يراعي البعد عن محارم الله من: الغيبة، والنميمة، والسب والشتم، والكذب، ونحو ذلك، والمعاملات المحرمة كما يحذرها حال إفطاره، يحذرها حال صيامه من باب أولى، ويعتني بالاستكثار من ذكر الله ومن قراءة القرآن الكريم مع التدبر والتعقل، ومن إعانة الصوام على طاعة الله، يعينهم على طاعة الله بالنصيحة والتوجيه والتذكير بالحق، والتحذير من الباطل، ويعينهم بما أعطاه الله من المال فيتصدق على الفقير والمسكين، ويعينهم على صيامه وقيامه، ويواسي المحتاج ويشفع للمظلوم، ويسعى في ردع الظالم إلى غير هذا من وجوه الخير.

فالصائم له سلوك خاص وهو العناية بما أمر الله به والعناية بترك ما حرم الله أكثر مما كان في حال إفطاره، والصائم على خير عظيم إذا حفظ صيامه، فهو في يقظته في عبادة، وفي نومه في عبادة، وفي أكله وفي شربه في عبادة، إذا نام ليتقوى على طاعة الله فهو في عبادة، وهكذا أكله وشربه بنية التقوي على طاعة الله في عبادة، وهو في ذكر الله في قراءة القرآن وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك، فهي عبادات يتصل بعضها ببعض، وهذا من فضل الله على الصائم، فقد أمسك عن محارم الله، وقد جاهد نفسه في الله، وقد شغل لسانه بذكر الله وقراءة كتابه العظيم، أو بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل هذا مما يحبه الله ويرضاه، ثم هو مع ذلك أيضا يجتهد في صيانة صيامه من كل ما يجرحه من غيبة، أو نميمة، أو كذب، أو معاملة ربوية، أو غش في معاملة، أو خيانة في أمانة، أو تقصير في واجب، أو نحو ذلك.

هكذا الصائم يعتني بكل ما أمر الله به ورسوله فيفعل ما شرع الله، وينتهي عن كل ما نهى الله عنه ورسوله، يرجو بهذا ثواب الله ويخشى عقاب الله، قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فالإيمان هو التصديق بأن الله شرع هذا الشيء وأمر به ودعا إليه عباده، والاحتساب هو أن يصومه ابتغاء وجه الله، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، ما صامه رياء ولا سمعة، ولا تجلدا ولا غير ذلك من أنواع المقاصد الأخرى، وإنما صامه لله يبتغي وجه الله وفضله سبحانه وتعالى، فهو مأجور وعلى خير عظيم، ويرجى له بذلك أن يكفر الله به خطاياه وأن يغفر به سيئاته. وفي الحديث الآخر عن النبي ﷺ: من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما ينبغي التحفظ منه كفر ما قبله فالإنسان إذا تحفظ في رمضان، وصان نفسه عن محارم الله، واجتهد في طاعة الله، وأداء الواجب، فإن الله سبحانه يكفر به ما قبله من السيئات.

ومما يجب الحذر منه الكبائر -كبائر الذنوب- فإنها تحول بين العبد وبين المغفرة، فعليك يا أخي دائما أن تحذر الكبائر في رمضان وفي غيره، والكبائر هي الذنوب العظيمة التي جاءت الأحاديث أو في القرآن الوعيد عليها بالنار، أو بغضب الله، أو باللعنة، أو ما أشبه ذلك. وقال جمع من أهل العلم أيضاً: المعاصي التي فيها: (ليس منا من فعل كذا) فهي من الكبائر، أو (لا يؤمن من فعل كذا) فعليك يا أخي أن تحذر جميع المحارم، لأن كل معصية قد تكون من الكبائر، وأنت لا تدري، ثم أنت مأمور باجتنابها مطلقا، أنت مأمور بترك ما نهى الله عنه ورسوله مطلقا سواء كان كبيرة أو غير كبيرة، أنت مأمور بترك ذلك والحذر من ذلك، ولكن ما عرف أنه كبيرة يجب الحذر منه أكثر لأن الله يقول سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31] فجعل تكفير السيئات ودخول الجنة معلقا باجتناب الكبائر، فجدير بك يا عبدالله وجدير بك يا أمة الله الحذر من كبائر الذنوب كعقوق الوالدين، أو أحدهما، وقطيعة الرحم هذا من الكبائر، وكالغيبة والنميمة هذا من الكبائر، وكالمعاملة الربوية وكظلم الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم هذا من الكبائر، وكالكذب والشتم هذا من الكبائر، فينبغي لك يا عبدالله أن تحذر ما حرم الله عليك وأن تبتعد عن جميع السيئات لعلك تنجو ولعلك تسلم، وكثير من الناس لا يهتم بأمر دينه ولا يحذر ما حرم الله عليه، بل يسير على عادة أبناء جنسه ومن كان حوله، فإذا كانوا في أعمال سيئة شاركهم، وإذا كانوا في تساهل بأمر الله شاركهم، وهذا ليس من صفة المؤمن، المؤمن يحذر ما حرم الله عليه وإن فعله الناس، ويبادر إلى ما أوجب الله عليه وإن تركه الناس، هكذا المؤمن لا يقتدي بالناس في الباطل ولا يتأسى بهم في ترك الواجبات، بل يحذر ما حرم الله عليه ويتباعد عن السيئات وإن فعلها الناس، ويسارع إلى ما أوجب الله وإن تركه الناس، هكذا المؤمن يعتني بطاعة الله ويسارع إليها، ويحذر محارم الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه سبحانه وتعالى.

وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر، وفي لفظ: إن اجتنب الكبائر فاعلم يا أخي أنك إذا تساهلت في هذه الأمور ولم تبال فإنك على خطر عظيم، ربما لم تنتفع بصلاتك ولا بصومك ولا بجمعتك بسبب اقتراف الكبائر، فاتق الله واحذر ما حرم الله عليك، وبادر بالتوبة النصوح من كل سبق من السيئات، والزم حدود الله واستقم عليها وسل ربك التوفيق والإعانة.

ثم استكثر في هذا الشهر الكريم من أنواع الخيرات وصنوف الطاعات، ومن أهم ذلك الاستكثار في تدبر القرآن والإكثار من تلاوته ترجو بذلك أن تعرف مأمورات الله فتعمل بها، وأن تعرف ما نهى الله عنه فتتركه، ومن ذلك الاستكثار من الصلوات بخشوع وطمأنينة، والاستكثار من الصدقات والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، فإن في هذا خيرا عظيما وفضلا كبيرا.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يجعلنا جميعا من أنصار دينه والدعاة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.