9- من حديث (كسر عظم الميت ككسره حيا)

- وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: كسر عظم الميت ككسره حيًّا.

رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط مسلم.

وزاد ابنُ ماجه من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: في الإثم.

- وعن سعد بن أبي وقَّاص قال: "الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللّبن نصبًا، كما صُنِعَ برسول الله ﷺ". رواه مسلم.

وللبيهقي عن جابرٍ نحوه، وزاد: "ورفع قبره عن الأرض قدر شبرٍ". وصحَّحه ابن حبان.

ولمسلمٍ عنه : "نهى رسولُ الله ﷺ أن يُجصص القبر، وأن يُقْعَد عليه، وأن يُبْنَى عليه".

- وعن عامر بن ربيعة : أن النبي ﷺ صلَّى على عثمان بن مظعون، وأتى القبر، فحثى عليه ثلاث حثيات، وهو قائم. رواه الدَّارقطني.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا حديث عائشة رضي الله عنها: يقول النبيُّ ﷺ: كسر عظم الميت ككسره حيًّا، هذا رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط مسلم، وهكذا أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة بإسنادٍ مسلم رحمه الله، وفي حديث أم سلمة تصريح: في الإثم.

فالمقصود أن هذا الحديث الصَّحيح يدل على تحريم كسر عظم الميت، وأن كسره ميتًا ككسره حيًّا، يعني: إيذاء الميت وتقطيعه وتكسير عظامه كالحي، فلا يجوز، فالمسلم محترم حيًّا وميتًا، فالواجب عدم التَّعرض له بما يُؤذيه ويُشوه خلقتَه.

ويُستنبط من هذا تحريم التَّمثيل به لمصلحة الأحياء: كأن يُؤخذ قلبه أو رئته أو كليته أو غير ذلك؛ لأنَّ هذا أبلغ من كسر عظم الميت؛ لأنَّ هذا كله أذى وتمثيل بالميت وانتهاك لحرمته.

وقد شاع بين الناس الآن التَّبرع بالأعضاء وشراؤها من بلادٍ بعيدةٍ، وقد اختلف العلماءُ في هذا: فمنهم مَن أجاز ذلك وقالوا: إنَّ مصلحة الحي مُقدَّمة على مصلحة الميت، وأن الناس يحتاجون إلى الأخذ من الأموات؛ لكثرة مرضى الكلى وغيرها، وهذا فيه نظر.

والأظهر عندي أنَّ ذلك لا يجوز، وأنه من جنس كسر عظم الميت، ومعناه: التلاعب بالميت، هذا يأخذ كليته، وهذا يأخذ قلبه، وهذا يأخذ كذا، وهذا يأخذ كذا، فصار لا قيمةَ له، والورثة قد يطمعون في المال ولا يُبالون، والورثة لهم ماله، وليس جسمه، فلا يرثون جسمه، أمَّا التلاعب بجسمه وبيعه إلى الناس فهذا خلاف ما شرعه الله من احترام الميت، واحترام أعضائه، وأن الواجب تغسيله وتكفينه وتطيبه ودفنه على حاله في قبره.

والحديث الثاني: حديث سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشّرين ، أنه قال لما حضره الأجل: "الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللّبن نصبًا، كما صُنع برسول الله ﷺ".

وجاء أنَّ الصحابة اختلفوا في ذلك، ثم اتَّفقوا على أن يلحدوا له عليه الصلاة والسلام، فلحدوا له لحدًا، وكانوا في المدينة تارةً يشقون، وتارةً يَلْحَدون، يشقُّون القبر ثم يضعون الميت، ثم يجعلون عليه ما يستره عن التراب، وتارةً يلحدون، فاختار الله لنبيه اللَّحد، فهو أفضل، ولهذا اختاره سعد كما اختاره الله لنبيه عليه الصلاة والسلام.

واللَّحد: هو أن يُحفر في جانب القبر من جهة القبلة ما يتسع للميت، ثم يُوضع فيه ويُوجَّه إلى القبلة، ويُقام عليه اللّبن حتى يقيه التراب، هذا هو الأفضل، والشقّ جائز، وقد تدعو إليه الحاجةُ إذا كانت الأرضُ رديئةً ما يستقيم اللَّحد فيها وينهدم القبر، فإذا كانت الأرض ضعيفةً يكون شقًّا في الأرض، ثم يُوضع عليه اللبن، ويوضع الميت في الشق، ويعمق الشقّ، ثم يُوضع اللبن عليه ويُطَيَّن، ثم يُهال عليه التراب.

وأما حديث ابن عباس: اللَّحد لنا، والشِّقُّ لغيرنا فحديثٌ ضعيفٌ؛ في إسناده عبدُالأعلى الثَّعلبي، وهو ضعيفٌ عند أئمَّة الحديث؛ ولهذا كانوا في المدينة يعملون بهذا وهذا، تارةً هذا، وتارةً هذا، واستقرَّ فعلُ الصحابة من بعد النبيِّ ﷺ أنَّ اللَّحد أفضل.

والحديث الثالث حديث جابرٍ : والحدوا فيه إلحادًا، وحديث سعدٍ أنه رفع قبره قدر شبرٍ، هذا الأفضل؛ أن يُرفع قبره حتى يُعرف أنه قبرٌ فيُحترم ولا يُوطأ ولا يُمتهن، "قدر شبر" وتُوضع عليه حصباء، أو يُرشّ بالماء حتى يثبت التراب، حتى لا يضيع، وقد ورد أنَّ قبره ﷺ بطح ببطحاء، فالحاصل أنه إذا تيسر بطحه بحصباء أو رشّه بالماء فهو أفضل، حتى يثبت التراب ولا ينجرف، ويكون قدر شبر وما يُقاربه.

ولا يُبنى عليه ولا يُجَصَّص؛ لقوله في حديث جابر: "نهى رسولُ الله ﷺ أن يُجصص القبر، وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه"، فالتَّجصيص لا يجوز، والبناء لا يجوز، والقعود عليه لا يجوز؛ لأنه امتهانٌ له، فالقبور محترمة؛ فلا يُجلس عليها، ولا تُوطأ، وإنما يُسلَّم على أهلها، ويمشى بينها عند الحاجة، أما الوطء فلا يُوطأ عليها، ولا يُجلس عليها، ولا تُجصص، ولا يُبنى عليها؛ لأنَّ البناء عليها والتَّجصيص من أسباب الغلو.

وفي حديث عامر بن ربيعة: أنه ﷺ حثا قبره ثلاث حثيات، فهذا يدل على أنَّ مَن حثا عليه وشارك فله أجره، ومَن حثا ثلاث حثيات فلا بأس كنوع من المشاركة، والسنة مثلما تقدَّم أن يشترك المشيعُ في دفنه والدّعاء له بعد الدفن، كما كان النبيُّ ﷺ يشترك ويدعو، فكان إذا فُرِغَ من قبره قال: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التَّثبيت، فإنَّه الآن يُسأل، هذه هي السنة: أن يشترك في الدفن إذا تيسر، وإذا فرغوا دعوا له: "اللهم اغفر له"، فيدعو له بالقول الثابت: "اللهم اغفر له، وثبّته بالقول الثابت" يعني: ثبّته عند السؤال بالقول الثابت، هذه هي السنة إذا دُفِنَ المسلم.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: إنارة المقابر بالإضاءة والمصابيح وأعمدة حول المقابر، هل فيها وجه مُشابهة للنَّصارى؟

ج: إذا كان لمصلحةٍ -كأن يكون في السور لمصلحة الناس عند الدّفن في الظُّلمة- فلا بأس، أما أن يُوضَع على القبر فلا؛ ففي حديث ابن عباسٍ: "لعن رسولُ الله ﷺ زائرات القبور، والمتَّخذين عليها المساجد والسُّرج"، فمَن اتَّخذها مسجدًا أو سِراجًا لتعظيمها فلا يجوز، أمَّا إذا كان لمصلحة الدفن في الليلة الظَّلماء .......... أو للشارع الذي يمرّ عندها فلا بأس.

س: إضاءة دائمة؟

ج: إذا كان في الشارع وليس في القبور فلا بأس، أو لمصلحة الذين يدفنون، لما تُوجد عند الحاجة تُسرج، أو يأتون ............ معهم فلا بأس.

س: الشارع وسطها؟

ج: إنارة الشارع لا بأس؛ لأنَّ الظُّلمة خطر.

س: كسر عظم الميت الكافر؟

ج: هذا فيه تفصيل؛ إن كان مُستأمنًا أو مُعاهدًا أو ذميًّا فلا يُتعرض له، فإن كان حربيًّا يُحرق، لكن النبيَّ ﷺ دفن أبا طالب دفنًا، فدفنه أولى حتى لا يتأذَّى به الناسُ.

س: كسر عظم الميت ما يُوجب القصاص؟

ج: لا، ما فيه قصاص، القصاص في الأحياء.

س: إذا سمح الورثةُ بالأخذ من الميت؟

ج: ما لهم حق، ما هو ملكهم، هو الميت ...........، الملك بالمال، أمَّا الميت فما هو بملكٍ لهم.

س: إذا أوصاهم قبل موته؟

ج: ولو أوصى، جسمه ما هو بملكٍ له، وإذا قطعوا يديه وهو حيٌّ أو أصابعه هل يقبل؟

س: ما يقبل.

ج: ما هو ملكٌ له.

س: إحراق الجُثث الكافرة؟

ج: إذا كان حربيًّا فلا بأس فالأمر سهل، أما الجثث المستأمنة والمعاهدة -الذين بيننا وبينهم عهدٌ أو ذمَّةٌ- فأجسامهم محترمة.

س: إذا أراد المسلمُ أن يلين قلبُه بزيارة المقبرة بين حينٍ وآخر، هل في ذلك شيء؟

ج: الزيارة كلها تليين: زوروا القبور فإنَّها تُذكِّركم الآخرة، طيب، سنة، شُرِعَتْ لنا لأنَّها تُذَكِّر بالآخرة وتُلين القلوب.

س: بعض الشباب يذهبون ومعهم شباب غافلون بقصد تخويفهم للرجوع إلى الله، ما رأيكم في ذلك؟

ج: لا مانع، جزاهم الله خيرًا، فالدعوة إلى زيارة القبور طيبة، وجعل علامة على القبر لا بأس، كوضع حجر أو عظم أو شيء يُعْرَف به القبر غير الكتابة، فلا يُكتب عليه، كما في الحديث في اللَّفظ الآخر: أن الرسول نهى أن يُكتب عليه، وأن يُجصص، وأن يُبنى عليه، وأن يُزاد عليه من غير ترابه.

س: لو وُضِعَتْ علامة بخاخ، لكن ليست كتابةً، فهي علامة إشارة؟

ج: الكتابة ما تصلح، ولا الأرقام؛ لأن الأرقام كتابة، أما إذا عصب على حجرٍ بشيءٍ -علامة سواد أو صفرة- ما يضرّ إن شاء الله، فيروى أنَّ النبي ﷺ علَّم قبر عثمان بن مظعون بعلامةٍ.

س: ما حكم مَن أتى القبر وحثا عليه ثلاث حثيات ..؟

ج: يعني: بعد الدَّفن؟

س: نعم.

ج: عند الدفن؟

س: نعم.

ج: مع الدَّافنين؟

س: نعم.

ج: لا بأس، جزاه الله خيرًا، لكن إذا كان كمّل معهم فطيب.

س: في بعض كليات الطب يشترون الجثث من دول شرق آسيا ويشرحونها؟

ج: ما أدري، إذا لم تكن جثثًا حربيةً فلا ينبغي التَّعرض لها.

س: لا، ليست جثثًا حربيةً، يعني: أهل الميت هناك يبيعونه لهم؟

ج: الظاهر أنه ما ينبغي لهم الشراء إذا كانت غير حربية، كالمستأمنة أو المعاهدة.

س: تشريح الجثة إذا صار مشكوكًا في قتله أو كذا؟

ج: إذا كان لعلةٍ شرعيةٍ لا بأس؛ لعلهم يعرفوا لماذا قُتِلَ.

س: سؤال التَّثبيت للميت يكون بعد الدفن أو أثناء الدَّفن؟

ج: بعد الفراغ من الدَّفن.

س: تصحيح ابن حبان في حديث جابر؟

ج: حديث سعد أنه رفع قبره قدر شبر؟

س: نعم.

ج: هذا ما راجعتُه، لكن العمل عليه، فلا يُرفع كثيرًا، فالرسول نهى عن رفع القبور.

س: التَّبرع بالدم جائز؟

ج: عند الحاجة لا بأس إذا كان ما يضرّه، والمُتَبَرَّع له يحتاج إليه، وهو لا يضره، فلا بأس به.

س: التَّحلق حول القبر والدّعاء، فيكون الإنسانُ مُستقبلَ القبر، مُستدبرَ القبلة؟

ج: النبي وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التَّثبيت، ما قال: استقبلوا القبلة، فأي إنسانٍ يدعو سواء استقبل أو ما استقبل، وإذا استقبل القبرَ ودعا له فليس فيه شيء إن شاء الله.

س: ما يُنهى عنه؟

ج: ماذا؟

س: استقبال القبر.

ج: استقبال القبر عند الدعاء؟

س: نعم.

ج: لا، ما يُنهى عنه، سواء استقبله أو استقبل القبلة، كله جائز.

س: رفع اليدين؟

ج: جاء في بعض الرِّوايات أنه رفع يديه عليه الصلاة والسلام، فإذا رفع يده فلا بأس.

س: يجعل القبر بينه وبين القبلة؟

ج: لا مانع .......... يمين أو شمال أو قدّام القبلة، الأمر واسع، والصحابة دعوا وهم مجتمعون، من هنا، ومن هنا، ومن هنا.

س: عمرو بن العاص في "صحيح مسلم" قال: "واجلسوا بعد قبري قدر ما تُنحر جزور ويقسم لحمها"؟

ج: هذا اجتهادٌ منه ، ما فعله النبيُّ ﷺ يكفي، الوقفة القليلة والدّعاء تكفي إن شاء الله.

س: ويرفع يديه؟

ج: إن رفع فلا بأس، فقد ثبت في حديث عائشة أنَّ النبي ﷺ زار القبورَ ودعا ورفع يديه عليه الصلاة والسلام، وجاء في بعض روايات الدَّفن أنه رفع يديه ودعا.

س: هل هناك أوقاتٌ للدفن؛ فالنهار أفضل من الليل؟

ج: لا، حسب التيسير؛ بالليل وبالنهار، إلَّا عند غروب الشمس، وعند طلوعها، وعند قيامها، هذا الأفضل فيه التأجيل؛ لحديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعاتٍ كان رسولُ الله ﷺ ينهانا أن نُصلِّي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"، هذه الأوقات الضَّيقة.

س: هل الميت يُلقَّن بعد الدفن، فيُقال له: يا فلان، يا ابن فلان ..؟

ج: لا، هذه بدعة، هذا ما هو بصحيح، يُلقَّن قبل الموت فيُقال: قل: لا إله إلا الله ..، أما بعد الموت فما يُلقَّن، لا عند القبر، ولا عند غيره، فهذه بدعة.

س: إذا زار الإنسانُ المقبرة للدُّعاء لأحد أقاربه الموتى الموجودين فيها، هل لا بد من الدُّعاء أمام القبر بعينه أو يكفي ..؟

ج: لا، يدعو لهم في بيته، أو في الطريق، لا بأس، وإذا زار القبور ودعا لهم عند الزيارة فلا بأس، فيدعو لهم في كلِّ مكانٍ: في الطائرة، وفي السيارة، وفي القطار، وفي الطريق، وفي فراش الموت، وفي كل مكانٍ، والحمد لله.

س: هل هناك خصيصة للقيام عند القبر؟

ج: مشروعٌ مثلما فعل النبيُّ ﷺ، فإذا زاره وقف ودعا له، أو عند الدفن فمشروعٌ.

س: إذا لم يكن للميت أولياء، وكان الميت امرأةً، هل يتبرع أحدٌ وينزل القبر؟

ج: لا بأس، حتى ولو كان لها أولياء ما يُخالف، فالرسول ﷺ وضع ابنته في القبر غير محارمها، وهو موجود عليه الصلاة والسلام.

س: تغطية قبر المرأة؟

ج: أفضل.

- وعن عثمان قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التَّثبيت، فإنه الآن يُسأل.

رواه أبو داود، وصحَّحه الحاكم.

- وعن ضمرة بن حبيبٍ -أحد التابعين- قال: كانوا يستحبُّون إذا سُوِّي على الميت قبره، وانصرف الناسُ عنه، أن يُقال عند قبره: "يا فلان، قل: لا إله إلا الله" ثلاث مرات، "يا فلان، قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد".

رواه سعيد بن منصور موقوفًا، وللطبراني نحوه من حديث أبي أُمامة مرفوعًا مُطوَّلًا.

- وعن بُريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور، فزُوروها. رواه مسلم.

زاد الترمذي: فإنَّها تُذَكِّر الآخرة.

زاد ابنُ ماجه من حديث ابن مسعودٍ: وتُزَهِّد في الدنيا.

- وعن أبي هريرة : أنَّ رسول الله ﷺ لعن زائرات القبور.

أخرجه الترمذيُّ، وصحَّحه ابنُ حبان.

- وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله تعالى عنه قال: لعن رسولُ الله ﷺ النائحة، والمُستَمِعَة. أخرجه أبو داود.

- وعن أمَّ عطية رضي الله تعالى عنها قالت: أخذ علينا رسولُ الله ﷺ أن لا ننوح. متفقٌ عليه.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالميت عند الدفن، وبعد الدفن، وكذلك تتعلق بزيارة القبور:

الحديث الأول: حديث عثمان ، يدل على شرعية الدعاء للميت بعد الدفن، وأنه يُستحبُّ أن يُوقَف عليه ويُدعى له بالمغفرة والثبات، فكان ﷺ إذا فرغ من دفنه وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التَّثبيت؛ فإنَّه الآن يُسأل، ولهذا قال جلَّ وعلا في وصف المنافقين: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فالمنافق لا يُصلَّى عليه، ولا يُوقَف على قبره في الدعاء، أما المسلم فإنه يُصلَّى عليه، ويُوقَف على قبره في الدعاء بعد الدفن.

وأما حديث ضمرة بن حبيب أحد التابعين في رواية أبي أُمامة في التَّلقين بعد الموت، وأنهم كانوا يستحبُّون تلقينه بعد موته بأن يُقال: "قل: لا إله إلا الله" ثلاثًا، "ورضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا"، هذا عند أهل العلم موضوعٌ، ليس بحديثٍ ثابتٍ عن النبي ﷺ، فحديث أبي أُمامة موضوعٌ، وهذا العمل كان من عمل جماعةٍ من أهل الشام، قال: رواه ابن حبيبة وجماعة من أهل الشام كانوا يُلقِّنون الميت بعد الدَّفن، وقولهم هذا بدعة لا وجه له، وليس بصحيحٍ، فالتلقين بعد الموت لا وجهَ له؛ لأنه إذا مات انقطع عمله، ما ينفع التَّلقين ولا غيره.

فالتلقين يكون قبل الموت، يُلَقَّن حين الاحتضار فيُقال له: "قل: لا إله إلا الله"؛ لقوله ﷺ: لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله رواه مسلم، حتى يكون آخر كلامه "لا إله إلا الله"، هذا هو المشروع، أما بعدما تخرج الروح فليس هناك تلقين، قد تمَّ الأمر، وخُتِمَ على عمله من خيرٍ وشرٍّ، ولهذا قال ﷺ: إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلَّا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له رواه مسلمٌ في "الصحيح".

وحديث أبي أمامة هذا عند الطَّبراني من الموضوعات، وعمل ضمرة بن حبيب وجماعته ليس بصحيحٍ، فهذا ليس له أصلٌ، فلا يُلقَّن بعد الموت، ولا يُقال له: اذكر كذا، اذكر كذا، هذا أمره إلى الله: إن ثبَّته الله بأعمالٍ طيبةٍ في الدنيا نطق بالحقِّ، وإن أضلَّه الله بسبب أعماله الرَّديئة في الدنيا فأمره إلى الله .

وحديث بُريدة يدل على شرعية زيارة القبور، وأنه يُستحبّ للإنسان زيارة القبور للرجال، فيزورها ويدعو لهم؛ لقوله ﷺ: زوروا القبور؛ فإنَّها تُذَكِّركم الآخرة، وكان ﷺ يُعلِّم أصحابه زيارة القبور ويقول: قولوا: السلام عليكم أهل الدِّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، هذه هي السنة في زيارة القبور للرجال خاصَّةً، أمَّا النساء فلا يزرن، فقد نُهِينَ عن زيارة القبور؛ لحديث: "لعن رسولُ الله ﷺ زائرات القبور".

وكذلك لا تجوز النِّياحة على الميت، ولا الاجتماع على النياحة؛ لحديث أبي سعيدٍ: أن رسولَ الله ﷺ لعن النَّائحة والمستمعة.

وحديث أم عطية: أن رسول الله ﷺ أخذ عليهن ألا يَنُحْنَ، أخذ على النِّساء في البيعة ألا ينحن، ولقوله ﷺ: ليس منا مَن ضرب الخدودَ، أو شقَّ الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية متفقٌ على صحته، وقوله ﷺ: أنا بريءٌ من الصَّالقة، والحالقة، والشاقَّة، الحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصَّالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والشاقَّة: التي تشقُّ ثوبها عند المصيبة. متفقٌ عليه.

كذلك حديث مسلم: يقول ﷺ في حديث أبي مالكٍ الأشعري: أربعٌ في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهنَّ: الفخر بالأحساب، والطَّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنُّجوم، والنِّياحة على الميت، وقال: النَّائحة إذا لم تَتُبْ قبل موتاها تُقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطرانٍ، ودرعٌ من جربٍ رواه مسلم.

فالواجب الحذر من النياحة والاستماع لها والتَّشجيع عليها؛ لأنَّ الرسول ﷺ نهى عنها، وتوعَّد مَن فعلها، وأخذ على النِّساء ألا يَنُحْنَ على موتاهنَّ، وهي من الكبائر؛ لأن الرسول ﷺ برئ ممن فعل ذلك، وقال: ليس منا، وحديث لعن رسول الله ﷺ النَّائحة والمستمعة هذا فيه بعض المقال، لكن الأحاديث الصَّحيحة تشهد له.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: تخصيص يوم الجمعة للزيارة؟

ج: ما لها أصل، إلَّا بعض المرائي، ولا يُعتمد عليها، فإن زارها في أي يومٍ فالحمد لله، الجمعة أو السبت، ما لها حدٌّ محدود، يزور في أي يومٍ، وفي أي وقتٍ؛ في الليل والنهار، فالزيارة لا تختصّ بوقتٍ دون وقتٍ، في الليل والنهار، في الجمعة، في الخميس، وفي غيرها من الأيام.

س: كيف يُحمل حديث تعليم الرسول ﷺ لعائشة دعاء القبور وزيارتها؟

ج: كانت الزيارة أولًا، ثم نُهِيَ عنها للجميع، ثم رُخِّص فيها للجميع، ثم خُصَّ النِّساء بالمنع.

س: قبر النبيِّ ﷺ يدخل في هذا؟

ج: عام، نعم يعمُّ النبيَّ ﷺ وغيره.

س: مَن قال: إنه كما يسمع الميتُ قرعَ النِّعال يسمع التَّلقين؟

ج: ليست الأمور بالقياس، فهذه الأمور عبادات توقيفية، وقرع النِّعال ليس عملًا صالحًا ينفعه، فقرع النعال إذا سمعه لا يضرُّ ولا ينفع، لكن إذا مات الإنسانُ خُتِمَ عمله وانتهى وانتقل إلى دار الجزاء، ما هو بدار العمل، فدار العمل في الدنيا.

س: بالنسبة للحديث الموضوع: هل ورد حديثٌ آخر في البلوغ غير هذا الحديث؟

ج: ما أتذكر شيئًا، يمكن أن يُعدّ من ذلك حديث ......... في الطَّهارة: إذا بال أحدُكم فليَنْثُر ذكرَه ثلاث مرات، ....... قد يُقال: إنه موضوعٌ؛ لأنَّ سنده واهٍ جدًّا.

س: الدُّعاء للميت بعد قبره يكون برفع اليدين؟

ج: إن رفع فلا بأس؛ لأنَّ الرسول ﷺ ثبت أنَّه رفع في الدعاء لما زار القبور، قالت عائشةُ: "رفع يديه ودعا" رواه مسلم.

س: حديث لعن الله زَوَّارات القبور بالفتح أم بالضم؟

ج: "زَوَّارات" جمع زائرة؛ للتَّشديد.

س: وقول بعضهم: "زُوَّارات" حتى لا يدل على المُبالغة، "زُوارات" يعني: من الزَّائرات؟

ج: لا، زَوَّارات جمع زائرة.

س: الدُّعاء الجماعي عند القبور بأن يدعو شخصٌ ويُؤمِّن الباقون؟

ج: لا مانع، إذا دعا واحدٌ وأمَّنوا لا بأس، أو دعا كلُّ واحدٍ ما يضرُّ، أو دعا واحدٌ وقالوا: آمين، اللهم اغفر له وارحمه، وقالوا: آمين؛ لا بأس، الأمر واسعٌ في هذا، لا يُسمَّى: جماعيًّا، مثلما كان موسى يدعو، وهارون يُؤَمِّن.

س: ...............؟

ج: ما يضرّ، إذا دعا واحدٌ وأمَّنوا لا بأس إن شاء الله، ما يضرّ.

س: مَن غلبه البكاءُ فناح هل يأثم بذلك؟

ج: لا يجوز، أما البكاء بدمع العين فلا بأس، أما تعمّد النياحة فما يجوز، ولكن دمع العين لا بأس به، مثلما قال ﷺ لما مات ابنه إبراهيم: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي الربّ، وإنا بفُراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولما زار سعد بن عُبادة في مرضه ورأى الناس يبكون قال: اعلموا أنَّ الله لا يُعذِّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يُعذِّب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه.

س: الدّعاء للميت كيف يكون؟

ج: يدعون وهم واقفون أو جالسون، فإذا فُرِغَ من دفنه وقفوا عليه؛ لأنهم سائرون وانتهوا عند الدَّفن، فيدعو لهم بالمغفرة والثبات على الحقِّ.

س: ما صحَّة حديث أبي سعيدٍ: "لعن رسولُ الله النَّائحة والمُستمعة"؟

ج: في سنده ضعف، لكن الأحاديث الكثيرة تشهد له بالمعنى، وأنّ النياحة من الكبائر، قال ﷺ: أنا بريءٌ من الصَّالقة، والحالقة، والشاقة، والصَّالقة: النائحة، والنائحة إذا لم تتُبْ قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران، ودرعٌ من جربٍ هذا وعيدٌ بالنار.

س: الأمر في حديث بُريدة بزيارة المقابر للاستحباب؟

ج: نعم للاستحباب، فزيارة القبور تُذَكِّر الآخرة.

س: بعض الناس إذا فُرغ من الدفن قال: "حلِّلُوا أخاكم" أو: "أبيحوه" ....... أن يستغفروا أو ماذا؟

ج: ما أعرف لها أصلًا، لكن إذا كان يعرف أنه ظلمهم وطلب منهم أن يُبيحوه فلا بأس، إذا كان قد ظلمهم، وإلا فليس هناك إلا: "اللهم اغفر له، اللهم ثبّته على الحقِّ، اللهم اعفُ عنه" وغيره من الدُّعاء الطيب.

س: بعض الناس يجتمعون يوم الجمعة ويُخصِّصونها لزيارة القبور، يعني: كل جمعة يُخصِّصونها فيجتمعون ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو يزيد أو ينقص؟

ج: التَّخصيص ما له أصلٌ، ويُخشى أن يكون بدعةً؛ لتخصيصها بهذا الاجتماع، أمَّا إذا لم يكن عندهم وقتٌ إلَّا يوم الجمعة، وهم مشغولون في باقي الأيام، فزاروها لأجل أنَّها أولى لهم؛ فلا حرج إن شاء الله، أمَّا تخصيصها لأجل فضلها ..

س: وإذا قالوا: إنَّ فيه ساعة الإجابة، وأحرى أن يُستجاب الدّعاء؟

ج: الرسول ﷺ أعلم منهم بهذا، والصحابة ما خصُّوها.

س: شكر الله على المُصيبة هل هو واجبٌ؟

ج: الواجب الصبر، أمَّا الرضا والشكر فمُستحبَّان، أمَّا الصبر فواجبٌ، بحيث لا يجزع، ولا يلطم خدًّا، ولا يشقّ ثوبًا، ولا ينوح، هذا هو الواجب، فعند المصيبة تكون ثلاثة أمور: صبر، ورضا، وشكر، فالصبر واجب، والرضا سنة، والشكر أفضل وأفضل.

س: إذا عرف أنَّ هذا منافق، هل يمتنع من الصلاة عليه؟

ج: الله يقول: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ [التوبة:84]، فإذا عرف أنه منافق لا يُصلِّي عليه.

س: يُخبِر أو ما يُخبِر؟

ج: إذا كان نفاقه ظاهرًا معروفًا يُخبرهم لئلا يُصلُّوا عليه.