475 من حديث: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا سرية..)

 
7/1509- وعنْ أَبي هُرَيْرةَ، ، قَال: بَعثَ رَسُولُ اللِّهِ ﷺ عَشَرَةَ رهْطٍ عَيْنًا سَريَّةً، وأمَّرَ عليْهِم عَاصِمَ بنَ ثابِتٍ الأنصاريَّ، ، فَانطَلَقُوا حتَّى إِذَا كانُوا بالهَدْأةِ، بيْنَ عُسْفانَ ومكَّةَ، ذُكِرُوا لَحِيِّ منْ هُذَيْلٍ يُقالُ لهُمْ: بنُوا لِحيَانَ، فَنَفَرُوا لهمْ بقَريب منْ مِائِةِ رجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا أحَسَّ بهِمْ عاصِمٌ ؤَأصحابُهُ، لجَأوا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأحاطَ بهمُ القَوْمُ، فَقَالُوا: انْزلوا، فَأَعْطُوا بأيْدِيكُمْ ولكُم العَهْدُ والمِيثاق أنْ لا نَقْتُل مِنْكُم أحَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ: أَيُّهَا القومُ، أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ عَلَى ذِمةِ كَافرٍ. اللهمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ ﷺ فَرمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا، ونَزَل إلَيْهِمْ ثَلاثَةُ نَفَرٍ عَلَى العهدِ والمِيثاقِ، مِنْهُمْ خُبيْبٌ، وزَيْدُ بنُ الدَّثِنِة ورَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أطْلَقُوا أوْتَار قِسِيِّهمْ، فرَبطُوهُمْ بِها، قَال الرَّجلُ الثَّالِثُ: هَذَا أوَّلُ الغَدْرِ واللَّهِ لا أصحبُكمْ إنَّ لِي بهؤلاءِ أُسْوةً، يُريدُ القَتْلى، فَجرُّوهُ وعَالَجُوهُ، فَأبي أنْ يَصْحبَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، وانْطَلَقُوا بخُبَيْبٍ، وَزيْدِ بنِ الدَّثِنَةِ، حَتَّى بَاعُوهُما بمكَّةَ بَعْد وَقْعةِ بدرٍ، فَابتَاعَ بَنُو الحارِثِ ابنِ عامِرِ بنِ نوْفَلِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ خُبَيْبًا، وكانَ خُبَيبُ هُوَ قَتَل الحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فلَبِثَ خُبيْبٌ عِنْدهُم أسِيرًا حَتى أجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَاسْتَعارَ مِنْ بعْضِ بنَاتِ الحارِثِ مُوسَى يَسْتحِدُّ بهَا فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيُّ لهَا وَهِي غَافِلةٌ حَتى أَتَاهُ، فَوَجَدْتُه مُجْلِسَهُ عَلى فَخذِهِ وَالمُوسَى بِيده، فَفَزِعتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَال: أتَخْشيْنَ أن أقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأفْعل ذلكَ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا رأيْتُ أسِيرًا خَيْرًا مِنْ خُبيبٍ، فواللَّهِ لَقَدْ وَجدْتُهُ يوْمًا يأَكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنبٍ في يدِهِ، وإنَّهُ لمُوثَقٌ بِالحديدِ وَما بمَكَّةَ مِنْ ثمَرَةٍ، وَكَانَتْ تقُولُ: إنَّهُ لَرزقٌ رَزقَهُ اللَّه خُبَيبًا، فَلَمَّا خَرجُوا بِهِ مِنَ الحَرمِ لِيقْتُلُوهُ في الحِلِّ، قَال لهُم خُبيبُ: دعُوني أُصلي ركعتَيْنِ، فتَرَكُوهُ، فَركعَ رَكْعَتَيْنِ، فقالَ: واللَّهِ لَوْلا أنْ تَحسَبُوا أنَّ مابي جزَعٌ لَزِدْتُ: اللَّهُمَّ أحْصِهمْ عَدَدًا، واقْتُلهمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُم أَحَدًا. وقال:
فلَسْتُ أُبالي حينَ أُقْتلُ مُسْلِمًا عَلَى أيِّ جنْبٍ كَانَ للَّهِ مصْرعِي
وذلِكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أوْصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

وكانَ خُبيْبٌ هُو سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صبْرًا الصَّلاةَ، وأخْبَر يعني النبيّ ﷺ أصْحَابهُ يوْمَ أُصِيبُوا خبرهُمْ، وبعَثَ نَاسٌ مِنْ قُريْشٍ إِلَى عاصِم بنِ ثابتٍ حينَ حُدِّثُوا أنَّهُ قُتِل أنْ يُؤْتَوا بشَيءٍ مِنْهُ يُعْرفُ. وكَانَ قتَل رَجُلًا مِنْ عُظَمائِهِمْ، فبَعثَ اللَّه لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يقْدِرُوا أنْ يَقْطَعُوا مِنهُ شَيْئًا. رواه البخاري.
وفي الباب أحاديثٌ كَثِيرَةٌ صحِيحَةُ سَبَقَتْ في مواضِعها مِنْ هَذَا الكِتَابِ مِنها حديثُ الغُلام الَّذِي كانَ يأتِي الرَّاهِبَ والسَّاحِرَ، ومِنْهَا حَديثُ جُرَيجٍ، وحديثُ أصحَابِ الغَارِ الذين أَطْبقَتْ علَيْهمُ الصَّخْرةُ، وحديثُ الرَّجُلِ الَّذِي سَمِعَ صَوتًا في السَّحاب يقولُ: اسْقِ حدِيقة فلانٍ، وغيرُ ذَلِكَ والدَّلائِلُ في البابِ كثيرةٌ مَشْهُورةٌ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
8/1510- وعَن ابْنِ عُمر رضي اللَّه عنْهُما قال: مَا سمِعْتُ عُمرَ يَقُولُ لِشَيءٍ قطُّ: إنِّي لأظُنَّهُ كَذا إلاَّ كَانَ كَمَا يَظُنُّ، رواهُ البُخَاري.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه بقية الأحاديث المتعلقة بكرامات الأولياء، وتقدم في ذلك عدة أحاديث مع بعض الآيات، تقدم أن الكرامة هي الخارق للعادة، فإن كان على يد أهل الخير فهي كرامة، فإن كان ذلك على يد أهل الشر فهو من خوارق السحرة ومن خرافاتهم ومن أضاليلهم، وإن كان على أيدي الأنبياء فهو من المعجزات الدالة على صدقهم وأنهم رسل الله حقا كما جرى للنبي ﷺأشياء كثيرة تدل على صدقه من خوارق العادات من نبوع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام بدعوته وغير هذا مما وقع له عليه الصلاة والسلام من الدلائل على أنه رسول الله حقا، وفي هذا قصة خبيب بن عدي لما أسره بنو لحيان وباعوه على أهل مكة ومعه زيد بن الدثنة وكانوا عشرة أرسلهم النبي ﷺ عينا فأحاط بهم جماعة من بني لحيان وهم من هذيل فقتلوا منهم سبعة ثم قتلوا الثامن واستأسر خبيب وزيد فباعوهم على أهل مكة لأنهم ممن قتل بعض كبار أهل مكة يوم بدر، والشاهد من هذا أن خبيبا كان أسيرا عندهم قبل أن يقتل وكان في بيت لبعض أهل مكة وكان في الحديد أسير فدرج إليه صبي من أهل البيت فوضعه على فخذه وقد استعار موسى من أهل بيته يستحد بها، فلما رأته على فخذه والموسى بيده فزعت فزعا كبيرا فطن له خبيب فقال: أتخشين أن أقتله؟ لا، والله. قالت: وما رأيت أعظم من خبيب لقد كان يأكل قطفا من العنب وما في مكة يومئذ عنب، يعني إنما هو رزق ساقه الله إليه وهو أسير في بيتهم، فهذا من الكرامات، وهكذا ما جرى لمريم كما تقدم  كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37]. والقصة ثابتة في الصحيح قصة خبيب، وهكذا عاصم بقي في محله قتيلا فأرادت قريش أن تأخذ منه شيئا ليعلموا أنه عاصم، فلما جاءه رسولهم إلى محل المعركة أرسل الله عليه مثل الدبر طيور صغيرة لها قرصة شديدة حمته منهم فلم يستطيعوا أن يصلوا إليه ثم ... جسده فلم يقدروا على شيء منه، هذه أيضا من كرامات الله لعاصم رحمه الله ورضي عنه حماهم من شرهم وتلاعبهم.
وكرامات الأولياء كثيرة كما أشار المؤلف، منها قصة جريج لما اتهموه في بني إسرائيل أنه زنى بالمرأة قال: هاتوا الصبي، فلما أتوا به إليه وأتوه مولود وضع يديه على بطنه وقال: من أبوك يا فلان؟ قال: أبوي فلان الراعي سماه، فأظهر الله براءته وأنطق هذا المولود الصغير الذي هو في النفاس في أول حياته ليبرأ ساحة هذا الرجل العابد الصالح، ومنها قصة الثلاثة الذين قبل الله دعاءهم وأخرجهم من الغار لما انطبقت عليهم الصخرة كانوا آواهم المبيت والمطر إلى غار كما جاء في الصحيحين فانطبقت عليهم صخرة من أعلى الجبل لم يستطيعوا دفعها عظيمة، ابتلاء وامتحان ابتلاهم الله لإظهار فضل البر وفضل العفة عن الفواحش وفضل أداء الأمانة لهم ولغيرهم، فلما انطبقت عليهم الصخرة قالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، توسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، والغبوق عند البادية شرب اللبن بعد العشاء، شرب الحليب، وكان إذا أتى من الرعي في الليل أتى بالحليب إلى أبويه يشربان فنأى به طلب الشجرة ذات ليلة وصيف فلما جاء إذا هما قد ناما فبقي عندها والقدح في يده ينتظر لعلهما يستيقظان ما أحب يوقظهما .. عليهم قال: لعلهم يستيقظان من أنفسهما، وأهله حوله والصبية حوله كره أن يقدم عليهما أهلا أو مالا حتى طلع الفجر، فاستيقظا وشربا فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك -يعني برا بوالديه- اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج، ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وأردتها على نفسها -يعني الفاحشة- فأبت فألمت بها سنة، يعني أصابتها سنة -يعني حاجة شديدة- فجاءت إليه تقول: يا عبد الله أحسن إلي، أنا أصابني كذا وكذا، فقال لها: لا، حتى تمكنيني من نفسك -يعني حتى تسمحي لي بالزنا- فوافقت لشدة حاجتها، فلما جلس بين رجليها وأعطها مائة دينار أو عشرين دينار، مائة جنيه وعشرين دينار كمهر -مهر الزنا- فلما جلس بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خوفا من الله وترك لها الذهب وترك الفاحشة تعظيما لله وخوفا منه سبحانه، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة بعض الشيء أيضًا غيرهم أنهم لا يستطيعون الخروج حتى يكمل الله أمره سبحانه وتعالى، ثم قام الثالث فقال: اللهم إنه كان لي أجراء وأعطيت كل أجير أجره إلا واحدا بقي أجره عندي فنميته له من أجره -الذي كان من ذرة أو أرز- فنميته له وثمرته له حتى كان منه إبل وبقر وغنم ورقيق، يعني هذا الآصع من الأرز أو من الذرة ونحوها نماها وثمره واتجر فيه حتى اشترى منه إبلا وبقرا وغنما ورقيقا عبيدا، فبعد مدة جاء الأجير قال: يا عبدالله أعطني أجري، فقال له: كل ما ترى من أجرك، هذا الذي ترى كله الإبل والبقر والغنم والعبيد كله من أجرك، فقال: يا عبدالله لا تستهزئ بي، فقال: إني لا أستهزأ بك، هذا ما نميته لك خذه، فأخذه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا، هذه من آيات الله جل وعلا في قبول دعوة المخلصين الصادقين، وفي بيان أن الفرج يأتي عند الشدة لأولياء الله وأهل طاعته الصادقين في عبادته، عند الشدة يجيء الفرج فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6]، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7] وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: أسرى المسلمين إذا خشوا أن يؤتى المسلمين من ناحيتهم إذ يخافون إفشاء معلومات، هل يقتلون أنفسهم؟
الشيخ: لا، ما يجوز، لا يقتلون أنفسهم، يجتهدون في السلامة، والحمد لله ولا يقتلون أنفسهم.
س: في الدرس السابق عندما نبش أحد الصحابة قبر أبيه هل يؤخذ منه جواز ذلك؟
الشيخ: هذا جابر بن عبدالله، إذا رأى المصلحة مثل المحل ما هو مناسب أو محل سيل أو محل طرق أو يكون معه آخر وحب أن يفرق كل واحد لحاله ما في بأس للمصلحة، لأن الرسول ﷺ ما أنكر على جابر.
س: نقل الجنازة من بلد إلى بلد؟
الشيخ: الأفضل عدم النقل لأن الصحابة ما كانوا ينقلون من مات يدفن في محله، إذا كان في مقبرة مسلمة الحمد لله.
س: حتى لو كان وصى؟
الشيخ: ولو وصى، لا يتكلفون، كان الصحابة الذي مات في مكة، والذي مات في المدينة، والذي مات في خيبر، والذي مات في الشام، والذي مات في اليمن، ما أحد ينقل، ما كانوا ينقلوهم.
س: أتيت بحديث كسرى تبشير النبي عليه السلام بقتله؟
الشيخ: وأيش يقول؟
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم. قال: بَابُ مَا جَاءَ فِي مَوْتِ كِسْرَى وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ ﷺ بِذَلِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ ﷺ: إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ يَعْنِي كِسْرَى. قَالَ: وَقِيلَ لَهُ -يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ- إِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ. وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ، أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ وَجَدَ عِنْدَهُ رُسُلَ عَامِلِ كِسْرَى عَلَى صَنْعَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى صَاحِبِهِ بِصَنْعَاءَ يَتَوَعَّدُهُ وَيَقُولُ: أَلَا تَكْفِينِي رَجُلًا خَرَجَ بِأَرْضِكَ يَدْعُونِي إِلَى دِينِهِ، لَتَكْفِنِيهِ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَبَعَثَ صَاحِبُ صَنْعَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ كِتَابَ صَاحِبِهِمْ تَرَكَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَقُولُوا: إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقُوا فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ دِحْيَةُ: ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ كِسْرَى قُتِلَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ بِمَعْنَاهُ، وَسَمَّى الْعَامِلَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى، فَقَالَ: بَاذَانُ صَاحِبُ الْيَمَنِ، فَلَمَّا جَاءَ بَاذَانَ الْكِتَابُ اخْتَارَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِمَا كَتَبَ بِهِ كِسْرَى مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى دِينِ قَوْمِهِ أَوْ تَوَاعُدِهِ يَوْمًا بِلِقَائِهِ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: وَأَبْلِغَاهُ أَنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّهُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ وَجْهَ سَعْدٍ خَيْرٌ، أَوْ قَالَ: الْخَيْرُ، قَالَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ، أَوْ قَالَ: قُتِلَ كِسْرَى، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ كِسْرَى، أَوَّلُ النَّاسِ هَلَاكًا فَارِسُ ثُمَّ الْعَرَبُ.
ورجاله كالآتي: أبو عبدالله الحافظ هو محمد بن عبدالله الحاكم الإمام صاحب المستدرك، وأبو سعيد ابن أبي عمرو هو محمد بن موسى وثقة الذهبي، وأبو العباس الأصم هو محمد بن يعقوب السناني وثقه ابن خزيمة وأبو نعيم والذهبي وغيرهم، وقال عنه الذهبي في السير: سمع من الآباء والأبناء والأحفاد، وكفاه شرفا أن يحدث طول تلك السنين ولا يجد أحد فيه مغمزا بحجة، وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبدالله بن يونس ينسب لجده ثقة حافظ من كبار العاشرة، روى له الجماعة، وأبو بكر بن عياش هو الأسدي المقرئ مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه، رجح ذلك أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال، وابن حجر ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه الصحيح من السابعة روى مسلم في المقدمة وأهل السنن، وداود هو داود بن علي بن العباس بن عبدالمطلب الهاشمي أبو سليمان أمير مكة وغيرها مقبول من السادسة، روى له البخاري في الأدب المفرد والترمذي، وأبوه علي بن العباس ثقة عابد من الثالثة روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأهل السنن، وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا من أهل فارس أتى النبي ﷺ فقال: إن ربي تبارك وتعالى قد قتل ربك -يعني كسرى- قال فقيل له يعني النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد استخلف ابنته، قال: فقال: لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة قلت: هذه العبارة الأخيرة رواها البخاري في صحيحه، والحديث بكامله رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق أسود بن عامر، قال الألباني بعده في الصحيحة: وإسناده على شرط مسلم ولا علة فيه سوى ما يخشى من عنعنة الحسن البصري من التدليس، ولكنه صرح بالتحديث في رواية أخرى عند أحمد فصح الحديث والحمد لله.
وأخرج أبو نعيم عن دحية بن خليفة الكلبي أن النبي ﷺ قال: اذهبوا إلى صاحبكم فأخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة يعني كسرى، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ولم أقف على سنده عند أبي نعيم.
ورواه ابن جريج الطبري في التاريخ عن يزيد بن أبي حبيب مرسلا.
الشيخ: بارك الله فيك، فيه الإخبار بموته لا بأس به، السند الأول مقبول، لكن له شاهد، الثاني يكون به حسن.