110 من حديث: (كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: لا ومقلب القلوب)

 
بَاب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ ﷺ؟


الشيخ: وأيش قال على وايم الله الذي يعرف أن الهمزة همزة وصل أيش قال عليها الشارح؟
الطالب: قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: وَايْمُ اللَّهِ بكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمِيمُ مَضْمُومَةٌ، وَحَكَى الْأَخْفَشُ كَسْرَهَا مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ اسْمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَرْفٌ عِنْدَ الزَّجَّاجِ، وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهَمْزَةُ قَطْعٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ جَمْعُ يَمِينٍ، وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وَاحْتَجُّوا بِجَوَازِ كَسْرِ هَمْزَتِهِ وَفَتْحِ مِيمِهِ، قَالَ ابن مَالِكٍ: فَلَوْ كَانَ جَمْعًا لَمْ تُحْذَفْ هَمْزَتُهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا أُصِيبَ بِوَلَدِهِ وَرِجْلِهِ: لَيْمُنُكَ لَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ، قَالَ: فَلَوْ كَانَ جَمْعًا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بِحَذْفِ بَعْضِهِ، قَالَ: وَفِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ لُغَةً جَمَعْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ؛ وَهُمَا:

هَمْزُ ايْمٍ وَايْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرْ أَوْ أَمِ قُلْ أَوْ قُلْ مِ أَوْ مَنْ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شُكِلَا
وَايْمُنُ اخْتِمْ بِهِ وَاللَّهِ كُلاً أَضِفْ إِلَيْهِ فِي قسم تستوف مَا نقلا


قَالَ ابن أبي الْفَتْح تلميذ ابن مَالك: فَإِنَّهُ أَمِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهَيْمِ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ حَكَاهَا الْقَاسِمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ لُغَاتٍ فِي هَذَا فَبَلَغَتْ عِشْرِينَ، وَإِذَا حُصِرَ مَا ذُكِرَ هُنَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُهُ يَمِينُ اللَّهِ وَيُجْمَعُ أَيْمُنًا، فَيُقَالُ: وَأَيْمُنُ الله، حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَة وأنشده لِزُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، فَتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا وَمِنْكُمْ بِمَقْسَمَةٍ تَمُورُ بِهَا الدِّمَاءُ، وَقَالُوا عِنْدَ الْقَسَمِ: وَأَيْمُنُ اللَّهِ، ثُمَّ كَثُرَ فَحَذَفُوا النُّونَ كَمَا حَذَفُوهَا مِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَالُوا: لَمْ يَكُ، ثُمَّ حَذَفُوا الْيَاءَ فَقَالُوا: أَمِ اللَّهِ، ثُمَّ حَذَفُوا الْأَلْفَ فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْمِيمِ مَفْتُوحَةً ومضمومة ومكسورة، وَقَالُوا أَيْضا: من الله بكسر الميم وَضَمِّهَا.

وَأَجَازُوا فِي أَيْمُنِ فَتْحَ الْمِيمِ وَضَمَّهَا، وَكَذَا فِي أَيْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ الْأَلِفَ وَجَعْلَ الْهَمْزَةَ زَائِدَةً أَوْ مُسَهَّلَةً وَعَلَى هَذَا تَبْلُغُ لُغَاتُهَا عِشْرِينَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالُوا أَيْمُ اللَّهِ، وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ فَقَالُوا: أَمِ اللَّهِ، وَرُبَّمَا أَبْقَوُا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً فَقَالُوا: مُ اللَّهِ وَرُبَّمَا كَسَرُوهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حَرْفًا وَاحِدًا فَشَبَّهُوهَا بِالْبَاءِ، قَالُوا: وَأَلِفُهَا أَلِفُ وَصْلٍ عِنْدَ أَكثر النَّحْوِيين، وَلم يَجِئ أَلِفُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةً غَيْرُهَا، وَقَدْ تَدْخُلُ اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ فَيُقَالُ: لَيْمُنُ اللَّهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ لَمَّا نَشَدْتُهُمْ نَعَمْ وَفَرِيقٌ لَيْمُنُ الله مَا نَدْرِي

وَذهب ابن كيسَان وابن دُرُسْتَوَيْهِ إِلَى أَنَّ أَلِفَهَا أَلِفُ قَطْعٍ، وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَحكى ابن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ: ايْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ أُبْدِلَ السِّينُ يَاءً وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ السِّينَ لَا تُبْدَلُ يَاءً، وَذَهَبَ الْمُبَرِّدُ إِلَى أَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَايْمُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَنقل عَن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ يَمِينَ اللَّهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ يَمِينٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ نَوَى الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينًا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا إِنْ نَوَى، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الِانْعِقَادُ، وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي مَعْنَاهُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ، وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ أَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ لَعَمْرُ اللَّهِ شَاعَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ عُرْفًا بِخِلَافِ ايْمُ اللَّهِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِالِانْعِقَادِ مُطْلَقًا بِأَنَّ مَعْنَاهُ يَمِينُ اللَّهِ وَيَمِينُ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَصِفَاتُهُ قَدِيمَةٌ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ قَوْلَ: وَايْمُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدِ اسْتَغْرَبُوهُ، وَوَقَعَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مَا يُقَوِّيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالِانْعِقَادِ مُطْلَقًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِلَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ وَحقّ الله.

باب كيف كانت يمين النبي ﷺ؟
وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ، عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ: لاَهَا اللَّهِ إِذًا يُقَالُ: وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ.
6628 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ ﷺ: لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ.
6629 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.


الشيخ: وهذا واضح في أنها أيمان والذي نفسي بيده، وايم الله كذلك سواء فسرت وايم الله بيمين الله، وأنها صفة من صفاته، أو فسرت بمعنى آخر من صفات الله، فالرسول ﷺ استعملها استعمال اليمين، فظاهرها أنها يمين؛ فيجب فيها ما يجب في اليمين سواء بمعنى اليمين أو بمعنى........

والله جل وعلا موصوف بأن له يمينًا، وكلتا يديه يمين سبحانه وتعالى، والحلف يجوز بصفات الله ، وهكذا: والذي نفسي بيده، ولا مقلب القلوب وما أشبه ذلك، وقوله: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، هذا من علامات النبوة؛ فإنه لما هلك لم يكن بعده كسرى ولا قيصر وأنفقت كنوزهما في سبيل الله، فتح الله كنوزهما على المسلمين في عهد عمر وفي عهد عثمان ، وأنفقت تلك الكنوز من الذهب والفضة والأموال العظيمة في سبيل الله عز وجل، وهذه من آيات النبوة، ومن دلائل صحة رسالته وصدقه عليه الصلاة والسلام.
س:..........
الشيخ: يمين، هذا هو الأظهر، وايم الله يمين، النبي استعملها استعمال اليمين عليه الصلاة والسلام.
س:..........
الشيخ: ظاهرها أنها يمين أنه متى قالها، وايم الله لأفعل كذا، وايم الله لا أقول، الله مثل والله.
س:..........
الشيخ: تالله وبالله كلها أيمان، وبالله وتالله وهالله وآلله كلها أيمان بالهمزة والهاء.

6630 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
6631 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً.
 
6632 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الآنَ يَا عُمَرُ.


الشيخ: وهذا معنى الحديث الصحيح: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين هذا إيضاح أن قوله: والناس أجمعين يدخل فيه نفسه؛ فيكون الرسول أحب إليك من نفسك ومن أهلك وأولادك، وهذا الحب يتضمن: تقديم طاعته، وتقديم هديه، والاستقامة على شريعته، هذا هو الثمرة من هذه المحبة؛ أما دعوى المحبة مع التخلف فتكون دعوى غير صادقة أو دعوى ضعيفة مختلة.

فالواجب على المؤمن أن تكون محبته لله ولرسوله فوق كل شيء، ولهذا يقول ﷺ: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الأيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما؛ يعني: حتى من نفسك، وهذا يقتضي المبادرة إلى ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، والوقوف عند حدود الله؛ إيثارًا لما قاله الله ورسوله، وإيثارًا لما أحبه الله ورسوله، وحذرًا من غضب الله وغضب رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن هذا يقتضي العمل، هذا الحب الصادق يقتضي العمل.

6633 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ: تَكَلَّمْ قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا - قَالَ مَالِكٌ: وَالعَسِيفُ الأَجِيرُ - زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَتي شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي،

الشيخ: عندك مائتي؟ المعروف في الرواية مائة واحدة، شف الشارح؟
الطالب: وَالتَّاسِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْحُدُودِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ وَسَقَطَتْ أَمَا وَهِيَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ لِلِافْتِتَاحِ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.
الشيخ: العيني؟
الطالب: ما تعرض لها.
الشيخ: الحديث المعروف أنها مائة شاة ووليدة، هكذا في البلوغ، هكذا في عمدة الحديث، وهكذا في ..... مائة واحدة، نعم حط عليه إشارة ويُراجع في محله إن كان فيه رواية.
 
ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأُمِرَ أُنَيْسٌ الأَسْلَمِيُّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.


الشيخ: وهذا الحديث اشتمل على أحكام وفوائد: منها مقصود الترجمة، وأنه كان من صفة يمينه والذي نفسي بيده كان يحلف بهذا: والذي نفسي بيده، وربما قال: والله، وربما قال: والذي نفس أبي القاسم بيده، ومن ذلك ما جاء في حديث علي في قصته لما بعثه إلى خيبر: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا، ومن ذلك: لا ومقلب القلوب، فيحلف بمقلب القلوب.

والقاعدة: أن اليمين تكون بالله وبصفة من صفاته، وهذا ما جاء فيها بالله، أو مقلب القلوب، أو ورب السماوات، أو ورب العالمين، أو والذي نفسي بيده، أو وعالم الغيب، وما أشبه ذلك، أما بغير الله فلا تجوز كائنًا من كائن، وإنما الحلف يكون بالله وحده، حكاه ابن عبدالبر إجماع أهل العلم، وعليه الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ أنه قال: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه، وفي اللفظ الآخر: من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت وفي الحديث الآخر: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر ، وفي اللفظ الآخر: عن ابن عمر: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، ومن ذلك قوله ﷺ: من حلف بالأمانة فليس منا وقوله: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم وبالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون.

وفي هذا من الفوائد: أن البِكر يُجلد مائة إذا زنا إذا اعترف، أو ثبتت البينة بأربعة شهود عدول أو اعترف؛ يُجلد مائة جلدة متوسطة تؤلمه ولا تقتله، ويغرّب عامًا عن وطنه، أما الثيب الذي قد تزوج وجامع من رجل أو امرأة هذا يرجم بالحجارة حتى يموت، ولهذا أمر ﷺ بالمرأة أن ترجم؛ التي زُني بها فاعترفت، فذهب إليها مندوب النبي ﷺ فاعترفت فرجمها، فالمحصن من الرجال والنساء وهو المتزوج الذي تزوج زواجًا شرعيًّا ووطئ يرجم حتى يموت، وإن كانت الزوجة ما هي معه وإن كانت مطلقة أو ماتت، والبكر اللي ما بعد تزوج هذا يُجلد مائة ويغرب عامًا رجلًا كان أو امرأة.
وفيه من الفوائد: أن الصلح الذي يخالف الشرع يكون مردودًا، من شرط الصلح أن يكون موافقًا للشرع، ولهذا جاء في الحديث: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا فهذا الرجل اصطلح مع صاحب المرأة أن يعطيه مائة شاة ووليدة لما زنا بامرأته؛ ظن أن هذا يكفي، وأن هذا واجب عليه بسبب ما قال له بعض الناس، فلما سأل أهل العلم أخبروه أن ما عليه لا مائة شاة ولا وليدة، إنما على ابنه الجلد والتغريب؛ فلهذا جاء إلى النبي ﷺ يسأله، وفي هذا: أن الإنسان إذا نزلت فيه نازلة وليس عنده علم فإنه يتوجه إلى أهل العلم، أهل العلم بالشرع، أهل العلم بالكتاب والسنة، يسألهم ما حكم الله في كذا، ما هو حكم الشرع في كذا؛ فلهذا لما سأل النبي ﷺ قال له: الوليدة والغنم رد عليك؛ لأنه صلح ما له محل، رد عليه الجارية ورد عليه المائة شاة، وقال: على ابنك جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم.

وفيه الأدب في قوله: وائذن لي أن أتكلم.. لأدبه قال: وائذن لي، احكم بيننا بكتاب الله وائذن لي، وفيه أنه إذا قيل للقاضي: احكم بيننا بكتاب الله؛ لا يأنف ولا يغضب؛ فالرسول ﷺ وهو سيد الحاكمين من الخلق وهو أعلم الناس بالشرع وهو رسول الله لم يغضب لما قيل له: احكم بيننا بكتاب الله، فإذا قيل للحاكم: احكم بيننا بكتاب الله، احكم بيننا بالشرع؛ ينبغي له ألا يغضب، وأن يسمع ويطيع وأن يلتزم بهذا الشيء، يعني يجتهد حتى يحكم بينهم بشرع الله حسب ما ظهر له من الشرع.
س: إذا قال: في عيالي؟
الشيخ: لا، اليمين بالله وتالله ووالله وآلله وهالله، هذه حروف القسم خمسة: بالله وتالله ووالله وهالله وآلله، والمشهور ثلاثة: الباء والتاء والواو، أما قال: في ذمتي أو في عيالي؛ ليس بيمين.
س: لعمري؟
الشيخ: لعمري ليست بيمين شرعية ليس لها حكم اليمين، فإذا قال: لعمري لأفعلن كذا ولعمري أو لأفعلن كذا، لا حرج جاء في هذا حديث عن النبي ﷺ، وفعله ابن عباس وجماعة من السلف.
س: .........
الشيخ: لا بدّ من الاعتراف عند النبي ﷺ ما يكفي اعتراف أبيه.
س: .........
الشيخ: لا بأس به، جاء في حديث لا بأس به.
س: .........
الشيخ: لعمرك كذلك.
س: .........
الشيخ: لعمر الله كذلك نعم.
س: .........
الشيخ: ما يكون له حكم القسم الذي عليه الكفارة صاحبه.
س: .........
الشيخ: من باب تأكيد الكلام، نعم.

6635 - حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَمُزَيْنَةُ، وَجُهَيْنَةُ، خَيْرًا مِنْ تَمِيمٍ، وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَغَطَفَانَ، وَأَسَدٍ، خَابُوا وَخَسِرُوا؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ.
6636 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ عَامِلاً، فَجَاءَهُ العَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ لَهُ: أَفَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ؟
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ العَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ، فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ: هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ، حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَلُوهُ.


الشيخ: وفيه الدلالة على أن الهدايا للعمال تعتبر لبيت المال وليس لهم فيها حق؛ لأنها إنما تهدى لهم خوفًا منهم، خوفًا من ظلمهم أو رشوة لهم، فلا تكون إلا لبيت المال، وليس لهم أخذها لأنفسهم، فإما أن يردوها على أصحابها ولا يقبلوها، فإن أخذوها فلتكن في بيت المال، حتى يبتعدوا عن الشبهة وعن أكل ما حرم الله عليهم، ولهذا قال ﷺ: أدوا الخيط والمخيط، وقال: ألا جلس في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى إليه؟! وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: هدايا العمال غلول والأصل هو هذا الحديث: كان بعث شخصًا يقال له ابن اللتبية فقال هذه المقالة: هذا لكم وهذا أهدي لي، فأنكر عليه النبي ﷺ.

فإذا بعث أميرًا على زكاة أو على جزية أو على قرية أو على قبيلة أو على كذا؛ فإنه لا يقبل الهدايا التي تُهدى إليه من الناس، فإنها خطر، فإنها تهدى إليه إما طمعًا في حيفه وإما خوفًا من ظلمه، وإما لأسباب أخرى قد تضر المجتمع؛ فلينظر فإن رأى في قبولها مصلحة قبلها لبيت المال لا له، وإن ردها إن كان يخشى منها شر وتهمة؛ لأنها قد تكون رشوة تدفع للأمير ليظلم أو للقاضي ليظلم أو ليدع حقًّا لازمًا على الشخص أو لأسباب أخرى من مقاصد الناس؛ فلهذا غضب عليه الصلاة والسلام، وخطب الناس وذكَّرهم، فقال له ما قال، في الرواية الأخرى: أدوا الخيط والمخيط ألا لا ألفين أحدًا منكم -وفي لفظ: لا ألفين أحد... منكم- يأتي يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء -يعني قد حمله- أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر تصيح، فيقول: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد بلغتك، وفي اللفظ الآخر: أو رقاع تخفق أو على رقبته، صامت يعني: الذهب والفضة؛ فالمقصود من هذا: التحذير من الغلول، والله يقول سبحانه: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] وفي هذا أيضًا التحذير من الخيانة؛ لأن الغلول خيانة، فالخيانة السرية كذلك، كونه يأخذ من المال الذي عنده والأمانات التي عنده والخُمس الذي عنده وما أشبه ذلك؛ فالخيانة شرها عظيم وعاقبتها وخيمة، وهكذا الغلول المعلن كذلك.

فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يؤدي ما اؤتمن عليه ظاهرًا وباطنًا، وأن يحذر أن يغل منه شيئًا أو يخون منه شيئًا، وبالأمانة والعناية بها والاجتهاد تصلح أمور الناس وتؤدى الحقوق ويصلح المجتمع ويقوى الإيمان، ويأمن المؤمن على نفسه ودينه وماله، ويخيب المجرم وصاحب الخيانة ولا يجد له سبيلاً.
س:........
الشيخ: هذا فيه تفضيل القبائل بعضها على بعض.
س. لكن قوله: خابوا وخسروا؟
الشيخ: الله أعلم.
س:........
الشيخ: كل الهدايا مثل ما سمعت إلا إذا كان بينك وبينه معرفة سابقة وهدايا سابقة لقرابة أو مجاورة أو نحو ذلك، فالعادة السابقة لا تدخل في هذا.
س:........
الشيخ: إذا كان من ولي الأمر لا بأس، سمعت كلام النبي ﷺ: أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فيرى هل يهدى إليه؟ هو ما أهدي إليه إلا لأجل ولايته هذه.
س:........
الشيخ: ولو زعم أن المصلحة تقتضي ذلك لا يعطيه شيئًا، يصبر ويأخذه بالطرق المعروفة الطرق الشرعية.
س:........
الشيخ: الغُل من الغُلول، الغِل: الحقد، والغُل: القيد الذي يكون في العنق، والغُلول ما يأخذه الإنسان من الغنيمة وغيرها بغير حق.

6637 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً.
6638 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، يَقُولُ: هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الكَعْبَةِ قُلْتُ: مَا شَأْنِي؟ أَيُرَى فِيَّ شَيْءٌ؟ مَا شَأْنِي؟ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ، وَتَغَشَّانِي مَا شَاءَ اللَّهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا.

الشيخ: أبو ذر خاف أنه يعنيه؛ ولهذا تغشّاه ما تغشّاه فجعل يتفقّد نفسه، ما شأني ما شأني؟ يعني: يحسب أنه يريده، فالنبي ﷺ قال: هم الأخسرون هم الأخسرون ورب الكعبة جماعة فسأله عن ذلك فقال: الأكثرون مالًا يعني عندهم الأموال الكثيرة لكن لا يؤدون حقها، لا يؤدون حقها فهم خاسرون يوم القيامة محاسبون على ما فرطوا فيه في كسبها وفي إنفاقها، كما في الحديث الآخر: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع منها: ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ ولهذا قال هنا: هم الأخسرون ورب الكعبة ثلاث مرات إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، إلا من أنفق .. في وجوه البر والخير وأخرج حقها، ولهذا في اللفظ الآخر يقول ﷺ: ما أحب أن يكون لي مثل أُحُد ذهبًا تمر علي ثلاثة أيام وعنده منه دينار إلا دينار أرصده لدين، ولكن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا -عن يمينه وعن شماله ومن أمامه-، وفي اللفظ الآخر: ومن خلفه.
فالمقصود من هذا كله: الحث على الإنفاق، والحذر من الإمساك والبخل، وأن البخيل سوف يندم يوم القيامة.
س: وإذا أخرج الزكاة؟
الشيخ: يخرج الزكاة والحقوق التي عليه الأخرى.
 
6639 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ.


الشيخ: وفي هذا الحث على الاستثناء في الأيمان والأخبار المستقبلة، وألا يجزم الإنسان، بل يستثني؛ فالله يقول: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا [الكهف:23] إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف: 24] هكذا قول سليمان عليه الصلاة والسلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله فقال له ملك قرينه من الملائكة: قل إن شاء الله، فلم يتيسر أن يقولها، ولله الحكمة؛ ليُري عباده العِبر، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة من التسعين، هو طاف عليهن لكن لم تلد إلا واحدة، أي لم تحمل إلا واحدة شق إنسان، نصف إنسان؛ عبرة، قال النبي ﷺ: أما والله لو قالها لجاؤوا كلهم لوجدوا كلهم فرسانًا أجمعون يجاهدون في سبيل الله يعني لولد كلهن تسعين غلامًا يجاهد في سبيل الله عز وجل.

فالحاصل أن الاستثناء في الأيمان والأوعاد له شأن، وهو من أسباب النجاح، وتركه من أسباب الفشل وعدم النجاح، وفي هذا دلالة على أن شريعة التوراة فيها إباحة النساء الكثيرات، تسعين، وفي رواية في قصة داود أنه كان له مائة امرأة، فهذا يدل على أن شريعة التوراة فيها توسعة في النساء، أما شريعة محمد ﷺ فاقتصر فيها على أربع في حق الأمة.
س: وشريعة النصارى؟
الشيخ: الأصل أنها شريعة التوراة، هذا هو الأصل إلا ما جاء به عيسى من التخفيف، ولا نعلم ما جاء فيه عيسى من هذا. والأصل في هذا أن الإنجيل تابع للتوراة إلا شيئًا يسيرًا جاء بالتخفيف فيه.
س: بني إسرائيل كانت فتنتهم في النساء؟
الشيخ: هذا فيما حرم الله يعني.
س: أو نقول "بإذن الله" نفعل كذا بإذن الله؟
الشيخ: مثل إن شاء الله.
س: أمة محمد فتنتها في المال؟
الشيخ: في المال نعم، يقول النبي ﷺ: اتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اللهم صل عليه وسلم، وهذه الأمة فتنتها في المال وفي النساء أيضًا، على خطر الذي يقع لهم في النساء شر كثير، نسأل الله العافية، ولهذا في الحديث الصحيح: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء في الصحيحين.
ولهذا قال في حديث أبي سعيد: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء.

6640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،  قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا لَمْ يَقُلْ شُعْبَةُ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.

الشيخ: كذا قال سَرَقَةٌ؟
الطالب: نعم.
الشيخ: تكلم عليه؟ وفي هذا منقبة عظيمة لسعد بن معاذ وأن مناديله التي يمسح بها العرق خير من هذه الجبة أو نحوها من الحرير الذي في الدنيا، يعني خير من حرير الدنيا.
الطالب: الحديث الخامس عشر حديث البراء بن عازب.
الشيخ: بس الكلام على سرقة، فقط كلمة سرقة.
الطالب: ما تكلم عليها.
الشيخ: ما تكلم عليها؟ كأنها قطعة من حرير جيد لين لبيب، الله المستعان.
الطالب: شيخ قال هنا -أحسن الله إليك: بفتح السين المهملة وفتح الراء وبالقاف: اسم لقطعة من الحرير.
الشيخ: هذا الظاهر من السياق نعم، ومن هذا قوله في حديث عائشة حين تزوجها قال لها: لقد أريتك في سرقة من حرير، يعني في قطعة من حرير، نعم.
 
6641 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ، أَوْ خِبَائِكَ، شَكَّ يَحْيَى، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ، أَوْ خِبَائِكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَأَيْضًا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ.


الشيخ: وهذا حال الناس قبل الإسلام؛ الكافر قبل الإسلام يبغض أهل الحق، وليس هناك أبغض إليه من أهل الحق، فإذا هداه الله للإسلام انقلبت تلك البغضاء إلى محبة عظيمة، فهكذا أعداء الرسول ﷺ كصفوان بن أمية وهند وزوجها أبو سفيان وغيرهم كانوا شديدي البغضاء للنبي ﷺ ولأهل بيته ولمن أجاب دعوته فلما هداهم الله صار هو أحب الناس -عليه الصلاة والسلام؛ فالله يقلّب القلوب جل وعلا يقلبها من بغضاء إلى محبة ومن محبة إلى بغضاء، من قسوة إلى لين ومن لين إلى قسوة، هو مقلب القلوب .

وفي هذا دلالة على أن المرأة إذا كانت ترى من زوجها تضييقًا عليها لا بأس أن تستفتي وتذكر بعض صفته، وأنه لا يعد غيبة؛ لأنها يحتاج إليها المستفتي، المستفتي والخصم يحتاج إلى أن يقول بعض الشيء في خصمه، فلا حرج عليه، ولا يكون من الغيبة، ولهذا قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك، وفي اللفظ الآخر: شحيح، فهل علي من حرج إن أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال: لا حرج إذا كان بالمعروف وفي اللفظ الآخر أنه قال: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك فلها أن تأخذ من مال زوجها بالمعروف إذا كان بخيلًا لا يعطيها الواجب، فلها أن تأخذ من ماله بغير علمه ما تسد به الحاجة من غير إسراف ولا تبذير، بل بالمعروف.
س:.......
الشيخ: الصدقة من إذنه كما جاء في الأحاديث الأخرى، لا بدّ من إذنه إلا ما جرت به العادة مثل طعام البيت؛ الذي يفضل من الطعام أو الشيء الذي تعرف أنه يسمح به.
س:.......
الشيخ: ليس في الحديث أنه يسمعها.

6642 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُضِيفٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانٍ، إِذْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَفَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ.
6643 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ.
6644 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا مَا رَكَعْتُمْ، وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ.

الشيخ: وهذا فيه آية عظيمة، وأن الله يريه من وراءه، هذه آية عظيمة للنبي ﷺ، وفيه الحث على إتمام الركوع والسجود والخشوع في ذلك وعدم العجلة، ﷺ.
 
6645 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ مَعَهَا أَوْلاَدٌ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ.

الشيخ: يعني الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم؛ وذلك لعنايتهم بالإسلام وسبقهم إليه وصبرهم وتعرضهم لأذى الناس حتى نجحوا ونفع الله بهم العباد .
س: الخطاب للمرأة فيكون خاصًّا بها؟
الشيخ: خاصًّا بها بس هي السبب لما رآها.
س:.........
الشيخ: الله أعلم، هذا ثابت في الصلاة، والله أعلم، والذي يظهر أنه خاص بالصلاة؛ لأنه في بعض الروايات كان أبو ذر يمشي وراءه فلم يعرفه فالتفت إليه وقال: من أنت؟ قال: أبو ذر. يظهر من هذا أن هذا خاص بالصلاة وهذا من رحمة الله حتى ينبّه الناس وحتى يوجه الناس ويحرضهم على الخشوع والاستقامة.
س:.........
الشيخ: لا ما ينبغي، الواجب الإنصات: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204] والنبي يقول: إذا قرأ فأنصتوا.
س:.........
الشيخ: مثل غيرها ما يستنكر هذا.
س: ليس له ولاية عليها؟
الشيخ: زوجها عليه أمير الحبشة وهو النجاشي رحمه الله فكان هو وليّها؛ لأنه مسلم وهي مسلمة، وأبوها ليس وليًّا لها؛ لأنه كافر.
س: ولا تستشيره في هذا؟
الشيخ: أبدًا الكافر ما له ولاية.
 
بَاب لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ
6646 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ، يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ.
6647 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف:4]: يَأْثُرُ عِلْمًا، تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ الكَلْبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.


الشيخ: ومعنى ذاكرًا يعني: لهذا الأمر، أو آثرًا له عن غيره يعني: اجتنبها لما علم أن النبي نهى عنها، اجتنبها بالكلية فلم يفعلها ولم يحكها عن غيره من باب الحذر من الحلف بغير الله، وهذا يعم جميع المخلوقات؛ فيعم الأنبياء ويعم الملائكة ويعم الكعبة ويعم جميع المخلوقات، ولهذا قال ﷺ: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت وفي اللفظ الآخر: فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت وفي حديث عمر في المسند بإسناد جيد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك وفي لفظ ابن عمر عند أبي داود والترمذي بإسناد جيد: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك  الشك من الراوي والحديث الآخر: حديث بريدة: من حلف بالأمانة فليس منا.

فالمقصود أنه لا يجوز الحلف بغير الله كائنًا من كان، وقد تساهل كثير من الناس فتجده يحلف بحياة فلان أو بشرف فلان أو بالنبي أو بالكعبة أو بالأمانة، وكل هذا غلط، وقد حكى الإمام أبو عمر بن عبدالبر، المشهور، رحمه الله، إمام المغرب في الفقه والحديث والعلم، حكى إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله كائنًا من كان لهذه الأحاديث الصحيحة.
س: والذي يحلف بالقرآن والمصحف؟
الشيخ: القرآن كلام الله، الحلف بالله وبصفاته حق، والقرآن كلام الله، الحلف بالقرآن حلف بصفة الله، مثل وعلم الله، وعزة الله.
س: الذي يحلف بالحرام والطلاق؟
الشيخ: هذا ما يجوز، لا يحلف بالحرام والطلاق. وإذا قال عليه الحرام؛ هذا ما يجوز؛ لأنه ليس له أن يحرم ما أحل الله، أما إذا قال عليّ الطلاق فهذا لا يسمى حلفًا من جهة الشرع، هذا حلف من جهة اللغة من جهة عرف الفقهاء، أما اليمين فهي تكون بالباء والتاء والواو والهاء والألف، أما "علي الطلاق" تسمى في عرف الفقهاء يمينًا؛ لأن فيه التأكيد.
س:..........
الشيخ: لا يكون معلقًا على حسب نيته على الصحيح، إن كان أراد الحث أو المنع كانت يمينًا لها حكم اليمين، وإن كان أراد إيقاع الطلاق وقع.
س: قول: قلَّدك الله ؟
الشيخ: ما أعرف لها وجهًا، ما هي من باب الأيمان.
س:..........
الشيخ: هذا كان أولاً ثم نُسخ، كان الحلف بغير الله جائزًا ثم نسخ.

 وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ عُمَرَ.
6648 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ.
6649 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَالقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الحَيِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي، فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَلَأُحَدِّثَنَّكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لاَ يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمِينَهُ، وَاللَّهِ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا أَتَيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنَا، فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا.

الشيخ: وهذا وإن كان ليس متعلقًا بالترجمة لكن مقصود المؤلف رحمه الله أنه إذا حلف لا بأس أن ينقض يمينه إذا اقتضت المصلحة، ذلك إذا حلف بالله أنه لا يأكل هذا الطاعم أو لا يكلم فلانًا ثم رأى المصلحة في الأكل من الطعام أو في الكلام يكفّر عن يمينه، هذا الرجل حلف أنه لا يأكل الدجاج كأنه رآه يأكل بعض القذر، فلما قدم طعام أبي موسى الأشعري وفيه الدجاج ودعاه ولم يأكل أخبره أبو موسى قال: إنه ﷺ قال هذا الكلام يعني حلف ألا يحملهم ثم جاءه نهب من الإبل يعني غنيمة من الإبل فدعاهم وحملهم عليه الصلاة والسلام وقال: إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني. فالمعنى أنك تكفر عن يمينك وتأكل الدجاج، هذا مراده .
س:..........
الشيخ: الظاهر أنها توسع في اللغة؛ لأنها منهوبة من العدو لكنه نهب شرعي وهو الغنيمة.
س:..........
الشيخ: جائز، نعم كفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير بعض الروايات ويجوز أن يقدمها ويجوز أن يؤخرها الكفارة.
 
بَاب لاَ يُحْلَفُ بِاللَّاتِ وَالعُزَّى وَلاَ بِالطَّوَاغِيتِ
6650 - حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ.


الشيخ: والمعنى أن الحلف باللات والعزى نوع من الشرك، والشرك علاجه ودواؤه التوحيد والتوبة إلى الله ، فإذا قال: واللات والعزى أو باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، يعني تائبًا معلنًا للتوحيد ضد ما كان عليه عُباد اللات والعزى، وفي اللفظ الآخر: وليستعذ بالله ثلاثًا. فالحاصل أن المؤمن إذا زلت لسانه؛ لأن اللسان إذا اعتاد شيئًا قد تزل لسانه ولاسيما وهم حدثاء عهد بالجاهلية، فإذا زل اللسان فقال واللات أو والعزى أو وأبي أو والنبي أو والأمانة فليقل: لا إله إلا الله، وليستغفر ربه.
س: كلمة أقامرك؟
الشيخ: ومن قال تعال أقامرك يعني: الميسر لعب القمار، يعني: فليتصدق، يعني: نوع من الكفّارة عما فعل من كلمة رديئة، والمعنى: فليتب إلى الله وليستغفر؛ لأن المقامرة من الكبائر. أيش قال الشارح على هذا الحديث؟
الطالب: (قَوْلُهُ: بَابُ لَا يُحْلَفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ)
أَمَّا الْحَلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْمِ، وَأَمَّا الطَّوَاغِيتُ فَوَقَعَ فِي حَدِيثٍ أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وابن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِآبَائِكُمْ، وَفِي رِوَايَة مُسلم وابن مَاجَهْ: (بِالطَّوَاغِي) وَهُوَ جَمْعُ طَاغِيَةٍ، وَالْمُرَادُ الصَّنَمُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ، أَيْ: صَنَمُهُمْ، سُمِّيَ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ لِطُغْيَانِ الْكُفَّارِ بِعِبَادَتِهِ لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِي طُغْيَانِهِمْ، وَكُلُّ مَنْ جَاوَزَ الْحَدَّ فِي تَعْظِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ طَغَى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: إِنَّا لما طَغى المَاء. [الحاقة:11].

وَأَمَّا الطَّوَاغِيتُ: فَهُوَ جَمْعُ طَاغُوتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَاغِي مُرَخَّمًا مِنَ الطَّوَاغِيتِ بِدُونِ حَرْفِ النِّدَاءِ عَلَى أَحَدِ الْآرَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَجِيءُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى لَفْظِ الطَّوَاغِيتِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، وَعَطَفَهُ عَلَى اللَّاتِ وَالْعُزَّى لِاشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا أُمِرَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِكَوْنِهِ تَعَاطَى صُورَةَ تَعْظِيمِ الصَّنَمِ حَيْثُ حَلَفَ بِهِ.

قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَصْنَامِ أَوْ قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إِلَّا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: أَنَا مُبْتَدِعٌ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ.

وَاحْتُجَّ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُظَاهِرِ مَعَ أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُنْكَرٌ وَتُعُقِّبَ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إلا الْأَمر بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ كَفَّارَةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا حَتَّى يُقَامَ الدَّلِيلُ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَاسْتَثْنَوْا أَشْيَاءَ لَمْ يُوجِبُوا فِيهَا كَفَّارَةً أَصْلاً مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: الْحَلِفُ بِمَا ذُكِرَ حَرَامٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوُجُوبِ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَبِه جزم بن درياس فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ تَبَعًا لِلْخَطَّابِيِّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَثِمَ بِهِ لَكِنْ تَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّهُ ﷺ أَمَرَهُ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ عُقُوبَتَهُ تَخْتَصُّ بِذَنبِهِ وَلم يُوجب عَلَيْهِ فِي مَاله شَيْئًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى يُضَاهِي الْكُفَّارَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ بِالتَّوْحِيدِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ الْقِمَارِ بَعْدَ الْحَلِفِ بِاللَّاتِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي حَلِفِهِمْ فَأُمِرَ بِالتَّوْحِيدِ وَمَنْ دَعَا إِلَى الْمُقَامَرَةِ وَافَقَهُمْ فِي لَعِبِهِمْ فَأُمِرَ بِكَفَّارَةِ ذَلِكَ بِالتَّصَدُّقِ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّعِبِ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَعِبَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ حَتَّى اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ أَوْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ أَنَّهُ تَكْتُبُهُ عَلَيْهِ الْحَفَظَةُ، كَذَا قَالَ، وَفِي أَخْذِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذَا الدَّلِيل وَقْفَة.
الشيخ: وظاهر النص وجوب قول لا إله إلا الله؛ لأنه من تمام التوبة، لهذا قال: فليقل: لا إله إلا الله، جعل هذا التوبة، يعني فليقل: لا إله إلا الله، تائبًا معلنًا براءته من الشرك.

بَاب مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْءِ وَإِنْ لَمْ يُحَلَّفْ
6651 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ يَلْبَسُهُ، فَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الخَاتِمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.


الشيخ: وهذا كان أولاً؛ لأنه كان جائزًا التختم بالذهب ثم نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه للرجال، وبقي حله للنساء، وقال: والله لا ألبسه أبدًا، فحلف ولم يحلف للتأكيد، تأكيد المقام، مثل ما قال لعلي: والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم حلف ولم يحلف، لكن للتأكيد تأكيد المقام، وهذا وقع منه كثيرًا عليه الصلاة والسلام في تأكيد المقام مثل قوله: والذي نفسي بيده في مواضع كثيرة، لتفعلن كذا وكذا، من باب التأكيد وبيان عظم الأمر.

فالتأكيد بالأيمان عند الحاجة أمر مشروع كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، والمقامرة مثل ما تقدم: هي المخاطرة باللعب؛ فلهذا أمر بالصدقة لأنه تعاطى أمرًا منكرًا بكلامه، وقال: تعال أقامرك، فإذا فعل ذلك فمن باب أولى أن يتصدق ولا يستحل ما حرم الله.
س: قول الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]
الشيخ: يعني لا تحلفوا بالله لتمتنعوا عما شرع الله لكم، لا تجعلوا الأيمان عرضة تمنعكم من الخير؛ ولهذا قال بعدها: أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا [البقرة:224] يعني: لا تجعلوا الأيمان مانعة لكم من الخير: والله ما أبر والدي، والله ما أصل أرحامي، والله ما أعود فلانًا المريض، والله ما أصلي صلاة الضحى؛ كل هذا غلط، يكفّر عن يمينه ويفعل الخير.
س: بعض البياعين ما يبيع شيئًا إلا ويحلف عليه؟
الشيخ: ما ينبغي، مثل ما نهى النبي عن ذلك، ما ينبغي الحلف على البيع والشراء في الحديث: ثلاث لا يكلمهم الله الحديث وفيه: ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه، فينبغي التحفظ من اليمين، الله يقول: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] لكن إذا كان اليمين في تأكيد الخير والدعوة إلى الخير والتحذير من الشر فلا بأس.

بَاب مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةِ الإِسْلاَمِ
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الكُفْرِ
6652 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ فَهُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ.


الشيخ: وهذا وعيد عظيم يدل على الحذر، إن من رمى رجلاً بالكفر قال: يا كافر فهو كقتله، ومن لعنه، كقتله، هذا فيه تحذير من إطلاق اللسان بالسب والشتم والكلام القبيح، والواجب الحذر من ذلك وعدم التساهل في هذا الأمر، كذلك الحلف بملة غير الإسلام كأن يقول: هو يهودي ما يفعل كذا ونصراني ما يفعل كذا ومجوسي ما يفعل كذا وهو كافر ما يفعل كذا؛ كل هذا يجب الحذر منه، نسأل الله السلامة.
س: هو كما قال؟
الشيخ: هذا من باب الوعيد يعني هو كما قال يهودي أو نصراني، نسأل الله العافية، هذا معناه الزجر والتحذير وأن عليه التوبة إلى الله من ذلك.
س: من حلف بغير الله هل يخرج من الملة؟
الشيخ: لا، عليه التوبة إلى الله ولا يخرج من الملة، شرك أصغر.

بَاب لاَ يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَهَلْ يَقُولُ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ؟
6653 - وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ، فَلاَ بَلاَغَ لِي إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ.

الشيخ: وفي الأدب: لا بلاغ لي إلا بالله ثم بك، وهكذا قوله ﷺ: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان، لأن هذا يقتضي التراخي والتعقيب وعدم المساواة، بخلاف ما لو قال: أنا بالله وبك أو لا بلاغ لي إلا بالله وبك فإن هذا لا يجوز؛ لأن الواو تقتضي التشريك والمساواة، ولا يليق هذا بالله سبحانه وتعالى فلا يقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولا لولا الله ولولا فلان، أو لا بلاغ لي إلا بالله وبفلان، ولكن يقول: بالله ثم بفلان، كما في الحديث.
س:......
الشيخ: ولو، يتأدب بالآداب الشرعية، ولو ما قصد، عليه أن يحفظ ألفاظه مما لا ينبغي كما يحفظ جوارحه.
س: قصة الثلاثة؟
الشيخ: معروفة، كتاب التوحيد عندكم.
س: ما ذكر حديث ما شاء الله وشئت؟
الشيخ: هذا مثله؛ لأنه ليس على شرطه، الحديث صحيح أخرجه ابن ماجه وغيره: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان. نوع من التنديد الأصغر، الشرك الأصغر، نسأل الله العافية.
 
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [الأنعام:109]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: لاَ تُقْسِمْ.
6654 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ ، قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِإِبْرَارِ المُقْسِمِ».


الشيخ: والإقسام هو الحلف يقول: أقسم بكذا يعني حلف وكان قصة الصديق أنه أخبره النبي ﷺ أنه أخبر النبي برؤيا رآها وفسرها ثم قال: يا رسول الله أخبرني بما أخطأت فيه وما أصبت فيه؟ قال: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا، فأقسم وقال: والله لتخبرني ما أخطأت فيه، فقال: لا تقسم، دل على أن قوله: والله، أن هذا هو القسم، كذلك قوله: أنه أمرهم بإبرار المقسم يعني الذي يحلف على أخيه، فالقسم هو اليمين، فإذا قال: والله لتفعلن كذا أو الله لا أفعل؛ فقد أقسم، ويسمى هذا جهد اليمين وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ [الأنعام:109] وفيه الدلالة على أنه ينبغي للمؤمن أن يبر قسم أخيه إذا أمكن ذلك إذا تيسر ذلك؛ لأن هذا من باب الألفة والمحبة والتقريب بين القلوب، وهي سبع في حديث البراء: أمرنا الرسول بسبع منها إبرار القسم، وفي اللفظ الآخر: المقسم، فإذا حلف عليك أخوك قال: والله لتأكلن طعامي، والله لتشربن هذا الماء أو هذا الحليب أو هذا اللبن أو تأكلن هذه الفاكهة، أو والله لتخبرني بكذا وكذا أو ما أشبه ذلك؛ فالسنة للمقسم عليه أن يبر قسم أخيه إذا تيسر ذلك، إلا أن يكون عليه مشقة أو مانع لا يستطيع معه إبرار قسمه فهو معذور.
س:.......
الشيخ: قوله: والله لتخبرني، نعم.
س:.......
الشيخ: لو أقسم وهو قال: لا تقسم، معناه: لا تأتي باليمين، وإلا فقد قالها، أيش قال الشارح عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثُنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: لَا تُقْسِمْ، هَذَا طَرَفٌ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الْآتِي فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ .. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ تَعْبِيرُ أَبِي بَكْرٍ لَهَا، وَقَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ، قَالَ: أَصَبْتَ بَعْضًا أَوْ أَخْطَأْتَ بَعْضًا.
الشيخ: وأخطأت.
قَالَ: فَوَاللَّهِ إِلَخْ، فَقَوْلُهُ هُنَا فِي الرُّؤْيَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إِشَارَةً إِلَى مَا اخْتَصَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ، وَتَقْدِيرُهُ: فِي قِصَّةِ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا الرَّجُلُ وَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَعَبَّرَهَا أَبُو بَكْرٍ إِلَخْ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا.

قَوْلُهُ: لَا تُقْسِمْ مَوْضِعَ قَوْلِهِ: لَا تَحْلِفْ، فَأَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ قَالَ أَقْسَمْتُ انْعَقَدَتْ يَمِينًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بَدَلَ أَقْسَمْتُ حَلَفْتُ لَمْ تَنْعَقِدِ اتِّفَاقًا إِلَّا إِنْ نَوَى الْيَمِينَ أَوْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ حَلِفٌ، وَأَيْضًا فَقَدْ أَمَرَ ﷺ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ فَلَوْ كَانَ أَقْسَمْتُ يَمِينًا لَأَبَرَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ قَالَهَا، وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ عَقِبَهُ وَلِهَذَا أَوْرَدَ حَدِيثَ حَارِثَةَ آخِرَ الْبَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ يَمِينًا لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحَقَّ بِأَنْ يَبَرَّ قَسَمَهُ لِأَنَّهُ رَأْسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
الشيخ: هذا لا يلزم؛ لأن قوله: والله لتخبرني؛ هذا قسم، ولا يلزم المحلوف عليه أن يبين، فقد يكون هناك أسباب تمنع من البيان، ولهذا قال: لا تقسم، وهو عبد مأمور إنما يمتثل أمر الله، ولعل هناك مانعًا من جهة الوحي منعه من إخباره بما أخطأ فيه وما أصاب فيه.
س:.........
الشيخ: هو الظاهر، والأوْلى أن يأتي بيان هذا هنا في التعميم. ولا ما هو بلازم أنه إذا أقسم عليه الصديق أنه يبر قسم الصديق ولا غير الصديق، ما هو بلازم، السنة إبرار القسم ما لم يمنع مانع في حق النبي ﷺ وفي حق غيره.
س:.........
الشيخ: لأنه غفل عن أوله.

6655 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يُحَدِّثُ: عَنْ أُسَامَةَ: أَنَّ بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدٌ، وَأُبَيٌّ، أَنَّ ابْنِي قَدْ احْتُضِرَ فَاشْهَدْنَا، فَأَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إِلَيْهِ، فَأَقْعَدَهُ فِي حَجْرِهِ، وَنَفْسُ الصَّبِيِّ جُئِّثُ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.

الشيخ: وفي هذا تواضعه ﷺ وعدم امتناعه من إبرار قسمها رضي الله عنها، فإنه قال لها: لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى - كما في الرواية الأخرى- فلتصبر ولتحتسب، هكذا أمر مندوبها رسولها أن يبلغها، فلما قال لها المندوب هذا الكلام أقسمت أن يأتي عليه الصلاة والسلام ويحضر فقام ومعه من حضر من الصحابة إليها وأبر قسمها عليه الصلاة والسلام، هذا فيه التواضع العظيم، وفيه مراعاة الأولاد، ورحمة الأولاد وإيناسهم والعطف عليهم، هذا من العطف والإحسان والإيناس.

ابنة مصابة في طفلها على خطر الموت جبرها عليه الصلاة والسلام، فلما حضر قُدم إليه الصبي فجعله في حجره عليه الصلاة والسلام، وإذا نفسه تقعقع للخروج -يعني قد قاربت الخروج- ففاضت عيناه عليه الصلاة والسلام لما رأى قرب الموت فيه، فاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"! هذا يدل على أن كون العين تفيض وتدمع عند المصائب من الرحمة، ليس فيه بأس، إنما البأس في النياحة .
وفي هذا دلالة على أن المصاب يُوعظ، ويقال له ما يسليه ويعينه على الصبر: لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فاصبر يا أخي واحتسب الأجر عند الله، هذا أمر قد سبق في علم الله أمره وليس على العبد إلا أن يحتسب ويصبر، وهكذا من الكلمات الطيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، وما أشبه ذلك مما يخفف المصيبة، ويسلي المصاب، والله المستعان، أيش قال عندك على سعد؟ ابن أبي وقاص وإلا ابن أبي عبادة؟ ما نسبه؟ والعيني؟
الطالب: قال سعد هو ابن عبادة الخزرجي.
الشيخ: هو الظاهر نعم.

6656 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ تَمَسُّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ.

الشيخ: وهذا من رحمة الله؛ موت الأولاد الصغار من أسباب الحيلولة بين الوالدين وبين النار، ومن جزائهم على صبرهم واحتسابهم أن موت الأطفال من أسباب السلامة من النار، ثلاثة، وفي اللفظ الآخر: اثنين، ويدل على الواحد أيضًا قوله ﷺ يقول الله : ما جزاء عبدي إلا أخذت صفيه من أهل الدنيا فاحتسبه إلا الجنة يدخل فيه الواحد أيضًا، وغيره من المصائب.
وتحلة القسم قوله جل وعلا: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ۝ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ۝ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ۝ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:68-71] فإنها داخلة تحت القسم فوربك.
س:........
الشيخ: هذه كلها معلقة، منها من أسباب دخولهم الجنة، تحريمهم على النار، من باب توفيقهم للأعمال الصالحة، ومن باب تكفير السيئات، ومن باب الجمع بينهما.
س:........
الشيخ: نعم هي مصيبة، والمصيبة يترتب عليها أشياء كثيرة، قد يترتب عليها توفيق الله العبد لعمل صالح عظيم بسبب صبره واحتسابه وإخلاصه، وغير ذلك، وقد يترتب عليها مع ذلك أيضًا تكفير السيئات؛ لأنها من أسباب تكفير السيئات وحط الخطايا، وقد يترتب عليها الأمران جميعًا: توفيق الله له لعمل صالح، وما يحصل له من التكفير.
 
6657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، وَأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ مُسْتَكْبِرٍ.


الشيخ: يروى: متضعف ومتضعف، ضعيف فقير، الفقراء أقل الناس حسابًا من الأغنياء إذا استقاموا فهم أكثر أهل الجنة، والمتضعف هو المنكسر بين يدي الله الذليل بين يدي الله، والمتضعف الذي يتضعفه الناس ويحتقره الناس.
س:........
الشيخ: والمستضعف معناه صحيح أيضًا، المستضعف عند الناس قد يؤذونه وقد ينالون منه، أيش قال الشارح عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَخْ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّ كُلاً مِنَ الصِّنْفَيْنِ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ، لَا أَنَّ كُلاً مِنَ الدَّارَيْنِ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَ الصِّنْفَيْنِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كُلُّ ضَعِيفٍ فِي الْجَنَّةِ وَكُلِّ جَوَّاظٍ فِي النَّارِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا غَيْرُهُمَا.

قَوْلُهُ: كُلُّ ضَعِيفٍ، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: كُلُّ بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ وَالتَّقْدِيرُ هُمْ كُلُّ ضَعِيفٍ إِلَخْ، وَالْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ: الْفَقِيرُ، وَالْمُسْتَضْعَفُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَغَلِطَ مَنْ كَسَرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّاسَ يَسْتَضْعِفُونَهُ وَيَقْهَرُونَهُ وَيُحَقِّرُونَهُ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ ابن خُزَيْمَةَ سُئِلَ مَنِ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ هُنَا فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ فِي الْيَوْمِ عِشْرِينَ مَرَّةً إِلَى خَمْسِينَ مَرَّةً، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يَجُوزُ الْكَسْرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُتَوَاضِعُ الْمُتَذَلِّلُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ن، وَنقل ابن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْجَوَّاظَ هُوَ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ الْغَلِيظُ الرَّقَبَةِ، وَقَوْلُهُ: لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَيْ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى شَيْءٍ أَنْ يَقَعَ طَمَعًا فِي كَرَمِ اللَّهِ بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ وَأَوْقَعَهُ لِأَجْلِهِ، وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَن إِجَابَة دُعَائِهِ.
الشيخ: العيني؟ عندكم "مستضعف" كذا في النسخ؟
الطالب: متضعف.
الشيخ: نسخة الشرح "مستضعف" المتن؟
.........

الشيخ: ظاهر الشارح أن الرواية "مستضعف" أيش قال عليه العيني؟
الطالب: متضعف، في المتن والشرح.
الشيخ: من غير سين؟ وضبطه؟
الطالب: بتشديد العين المفتوحة، أي: الذي يستضعفه الناس ويحتقرونه؛ لضعف حاله.
الشيخ: الضعّاف بدون سين يعني.
الطالب: .. وبكسر العين أيضًا المتواضع الخامل المتذلل.
الشيخ: كلامه على قوله جواظ؟
الطالب: قوله: "جواظ" بفتح الجيم وتشديد الواو وبالراء المعجمة، وهو الجموع المنوع، وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيه، يقال: جاظ يجوظ جوظًا، وفي العين: الجواظ الأكول، ويقال: الفاجر، وقال الداودي: الكثير اللحم الغليظ الرقبة، وقيل: القصير البطين.
الشيخ: المقصود من هذا ليس هو الخِلقة، المقصود العمل السيئ، فالعتل هو الغليظ الجافي الذي ما يبالي بأمر الله، بل عنده العنف والشدة والظلم، والجواظ الجموع المنوع الفاجر المتعدي لحدود الله، والمتكبر معروف، أما الخِلقة كعظيم الرقبة أو كذا أو كذا فليس لها دخل في هذا، الخِلقة ليس لها دخل، إنما المقصود أعماله، فالعتل من الشدة والعنف في أعماله وأقواله؛ لعدم استقامة إيمانه، والجواظ هو الذي عنده الحرص على الدنيا وعلى جمعها ومنع الحقوق التي عليه.
س: .......
الشيخ: على مستضعف ومضعف ومضعف ومتضعف، والمعنى أنه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويؤذونه، أو أنه من أهل الذل والتواضع والانكسار بين يدي الله.

بَاب إِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أَوْ شَهِدْتُ بِاللَّهِ
6658 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ: تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَنْهَوْنَا - وَنَحْنُ غِلْمَانٌ - أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهَادَةِ وَالعَهْدِ.

الشيخ: وهذا يدل على أنه بعد القرون الثلاثة تتغير الأحوال ويظهر ضعف الإيمان وقلة المبالاة، حتى إن الإنسان لا يبالي بالشهادة ولا بالأيمان لضعف الإيمان، هذا في القرن الرابع فكيف بالقرن الخامس عشر؟! هذا يدل على أنه كلما تقدمت السنون تقدمت القرون زاد الضعف في الإيمان والجهل وقلة البصيرة وإقبال الناس على الدنيا والفساد، إلا من شاء الله، إلا من رحم ربك، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار، يعني: حتى يمرونهم الحفاظ على أيمانهم وعلى شهاداتهم وعلى عهودهم؛ حتى لا يعتادوا التساهل بها، أيش قال على: وقال إبراهيم؟
الطالب: قَوْلُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ، هُوَ النَّخَعِيُّ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ، قَوْلُهُ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي: مَشَايِخُهُ وَمَنْ يَصْلُحُ مِنْهُ اتِّبَاعُ، قَوْلِهِ: وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ بِلَفْظِ يَضْرِبُونَنَا بَدَلَ يَنْهَوْنَا، قَوْلُهُ: أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ أَيْ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُنَا أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَوْ عَلَى عَهْدِ الله، قَالَه ابن عَبْدِالْبَرِّ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَات.
الشيخ: وأصحابه أصحاب عبدالله بن مسعود مثل عبيدة السلماني والحارث بن سويد والربيع بن خثيم وأشباههم، وأبو وائل، يعني يوجهون الصبيان ويعلمونهم وينهونهم عن التساهل بالأيمان والشهادات وربما ضربوهم على ذلك حتى لا يعتادوا التساهل.
 
بَاب عَهْدِ اللَّهِ
6659 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ، يَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ - أَوْ قَالَ: أَخِيهِ - لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [آل عمران:77].
6660 - قَالَ سُلَيْمَانُ، فِي حَدِيثِهِ: فَمَرَّ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ عَبْدُاللَّهِ؟ قَالُوا لَهُ، فَقَالَ الأَشْعَثُ: نَزَلَتْ فِيَّ وَفِي صَاحِبٍ لِي، فِي بِئْرٍ كَانَتْ بَيْنَنَا.


الشيخ: يعني كانت دعوة بين أشعث وبين صاحب له في بئر فقال له الأشعري: إنه بئري، فقال الآخر: لا إنها بئري، فقال النبي ﷺ للأشعث: شاهداك أو يمينه، فقال: إنه لا يبالي سيحلف، قال: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان، نسأل الله العافية، دل ذلك على أن المدعي ليس له إلا اليمين إذا كان ما عنده البينة العادلة فليس له إلا يمين خصمه ولو كان كافرًا، ولو كان الخصم كافرًا أو فاجرًا ليس له إلا يمينه.

وفي حديث أبي أمامة الحارثي عند مسلم: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة قالوا: يا رسول الله وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن قضيبًا من أراك المقصود التحذير من التساهل واقتطاع أموال الناس بغير حق، لا بالأيمان الفاجرة ولا بالشهادات الكاذبة.

الواجب أن الإنسان يتحرى ولا يأخذ إلا حقه، ولا يقلد الشهود وهو يعلم أنهم مبطلون، لا، يجب أن يقف عند الحد فإذا كان الشهود قد أبطلوا أو غلطوا أو جهلوا فلا يغتر بهم، ولا يستحل ما حرم الله بهم، فقد يغلط الشاهد وقد يجهل وقد ينسى وقد يلبس عليه وإن لم يتعمد الكذب؛ فإذا كنت تعلم أنه أخطأ وأنه غلط وأن المال ليس مالك فعليك أن تحذر ذلك، ولا تقل في ذمة الشهود وأنت تعلم أنهم مخطئون غالطون.

بَاب الحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَقَالَ أَيُّوبُ: وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ.
6661 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:  لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ.

الشيخ: العزة صفة من صفاته، ويقال: رب العزة، يعني: صاحب العزة، وهو الموصوف بها ، والعزة والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك كلها من صفاته، ولا مانع أن يُستعاذ بها وأن يُحلف بها، ولهذا في الحديث الصحيح: "إذا تألم شيء من جسد أحدكم فليضع يده عليه وليقل: بسم الله ثلاثًا، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبعًا". فهكذا قول أيوب: وعزتك، وقول جهنم: وعزتك.
 
بَاب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللَّهِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَمْرُكَ [الحجر:72]: لَعَيْشُكَ.
6662 - حَدَّثَنَا الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ح وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ، - وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ وَفِيهِ - «فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ» فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ.
 
بَاب لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:225].
6663 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ: لاَ وَاللَّهِ، بَلَى وَاللَّهِ.

الشيخ: يعني هذا لغو اليمين إذا جرى على لسانه؛ لا والله وبلى والله، في عرض الحديث من غير قصد القسم.
س:........
الشيخ: يعني ليس من الأيمان التي يترتب عليها الكفارات، يؤتى بها لتأكيد الكلام.
س:........
الشيخ: اللام للتأكيد أو لام القسم مثل لقد وأشباهه، لام التأكيد ولام القسم.
س:........
الشيخ: قسم لا يترتب عليه كفارة يعني: لحياة الله.
س:........
الشيخ: لا، ليس من الأيمان التي توجب الكفارات، ولهذا يجوز أن يقال: لعمر فلان لعمري، ليست من الأيمان..
س:........
الشيخ: هذا محل نظر ،لو قال: وعمر الله مثل هذا يقول بالجر وعمرِ الله وحياةِ الله، هذا قسم، مثل وحياة الله، وعلم الله .
س:........
الشيخ: القرآن كلام الله.
س: يجوز الحلف بهذا؟ لعمر الله ؟
الشيخ: تأكيد، من باب التأكيد، ما هو من باب الأيمان التي فيها الكفارات، من باب التأكيد.
س:........
الشيخ: ما تصير يمين شرعية فيها الكفارة لا.