87 من حديث: (عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه..)

بَاب وَضْعِ الصَّبِيِّ عَلَى الفَخِذِ
6003 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، - يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ التَّيْمِيُّ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، قُلْتُ: حَدَّثْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدِي مَكْتُوبًا فِيمَا سَمِعْتُ.

الشيخ: وهذا كالذي قبله فيه رحمته ﷺ وتواضعه فإن أسامة عتيق ابن عتيق وهو ولد زيد بن حارثة عتيقه عليه الصلاة والسلام ومولاه فيجعله مع ابن ابنته الحسن بن فاطمة جعله على فخذه.... المقصود أن هذا يدل على تواضعه ولطفه عليه الصلاة والسلام؛ فينبغي التأسي به في ذلك في رحمة الأولاد الصغار واللطف بهم وإيناسهم؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، كان أسامة قُتل أبوه عام مؤتة سنة ثمان وهو الأمير أمير السرية، وكان بعد ذلك أميرًا من الأمراء في حياته ﷺ في آخر حياته عليه الصلاة والسلام فإنه جعله أمير الجيش الذي يتوجه إلى الشام وغزا معه وقاتل.
س:........
الشيخ: ما ينافي، هو أكبر من الحسن بكثير، لكن ما ينافي، حين أقعده قد يكون ذلك قبل موت أبيه في السنة الثالثة أو الرابعة، حين كان ابن إحدى عشر أو اثني عشر ..

بَاب حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ
6004 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا».

الشيخ: في اللفظ الآخر: (خلائلها) يعني صواحبتها، خلتها أي ذوات خلتها، يعني صواحبت الخلة المحبة، وهذا من حسن عهده ﷺ وعدم نسيانه فضلها وجهادها وصبرها ونشاطها في الإسلام رضي الله عنها وأرضاها، ومن عادة النساء الغيرة؛ لهذا غارت عليها عائشة لما تسمعه من ثنائه عليها عليه الصلاة والسلام وإظهاره حبها وهي ما أدركتها، ولكن ما يقع في نفوس النساء من الغيرة أمر معلوم حتى قالت له مرة : كأنه ليس في النساء إلا خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- فقال لها: إنها كيت وكيت إنها كانت كذا كانت كذا وكانت أم أولادي وكانت ممن آزره في أول الإسلام وأعانه عليه الصلاة والسلام وخفف عنه ما قد يقع من الشدة عليه من الوحي، رضي الله عنه وأرضاها.
 
بَاب فَضْلِ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا
6005 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.

الشيخ: والمقصود من هذا الحث على الإحسان إلى اليتامى ومواساتهم واللطف بهم والعطف عليهم؛ لأنهم فقدوا الآباء، اليتيم الذي هو لا أب له ولم يبلغ الحُلُم فإذا بلغ الحلم زال عنه اليُتم، فإذا كان أبوه موجودًا لم يسم يتيمًا.
 
بَاب السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ
6006 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ: كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ.

الشيخ: ما تكلم على الأول صفوان بن سليم؛ لأنه مرسل، السند الأول مرسل، أيش قال عليه الشارح؟
الطالب: (قَوْلُهُ بَابُ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ)
أَيْ فِي مَصَالِحِهَا، ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا وَحَدِيثَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مُرْسَلًا كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَات.
الشيخ: العيني قال شيئًا؟
الطالب: قال: وصفوان بن سليم مولى حميد بن عبدالرحمن المدني الإمام القدوة مما يستسقى بذكره، يقال إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة، وكان لا يقبل جوائز السلاطين، وقد مر في الجمعة، وهذا حديث مرسل؛ لأنه تابعي، لكنه لما قال يرفعه إلى النبي ﷺ صار مسندًا مجهولًا ولم يذكر اسم شيخه إما للنسيان أو لغرض آخر ولا قدح بسببه. انتهى.
الشيخ: ما يكفي هذا، لكن المؤلف لما ذكر أنه مرسل ساق بعد المتصل ليعلم أنه ما ساقه للاعتماد وإنما ساقه للاستشهاد و... على المتصل ولعله هنا ذكر من وصله.. وهنا قول العيني "يستسقى بذكره" كلمة لا وجه لها ومحتملة؛ فإن الاستسقاء بذكر بعض الصالحين كلام مجمل، فإن كان المعنى يعني ذكر التأسي بهم وأنهم ينبغي أن يتأسى بهم وأنه عباد صالحون فهذا صحيح، أما إذا كان له معنى آخر فليس بصحيح فكونه يتهجد بالليل ولا يضع جنبه في الليل فهذا ليس بمدح فالرسول ﷺ نهى عن هذا وقال: ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني الواجب أنه يصلي وينام، لا يصلي الليل كله ويتعب نفسه بل يعطي نفسه حظها من الراحة؛ فالحاصل أن هذا إذا ثبت عن صفوان يكون غلطًا مخالفًا لما أرشد إليه النبي ﷺ عبدالله بن عمرو وغيره من الصحابة؛ فإن السُّنة للمؤمن وإن كان راغبًا في العبادة ألا يخالف السنة التي سنها الرسول ﷺ فلا يتهجد الليل كله، بل ينام بعض الشيء ويتقوّى بنومته على قومته.
س: يستسقى بذكره؟
الشيخ: القصد أنه رجل صالح، لكن التعبير بالاستسقاء بذكره ليس بجيد؛ لأنه مجمل: فإن كان المقصود يعني حث الناس على الصلاح ويُذكر اسمه من العُبّاد الذين يُقتدى بهم، أما إن كان يتوسل به فلا يجوز التوسل بالصالحين بمعنى أنه يسأل الله بجاههم بحقهم؛ فهذا بدعة، أما إذا أريد بالصالحين أنهم يدعون الله وهم أحياء يسألون الله مثل ما سأل عمر ربه واستسقى؛ فهذا صحيح، لكن ذكره هنا ما يناسب؛ لأن صفوان قد مات من دهر طويل فذكر هذه الكلمة مُجملة ما هي طيبة من العيني.
س:.....
الشيخ: يعني بدعائهم إذا كانوا أحياء إذا دعوا.
....................
[أسئلة غير واضحة]
الشيخ: تكلم الشارح على الأرملة؟ شف القاموس شف باب رمل.
 
بَاب السَّاعِي عَلَى المِسْكِينِ
6007 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - يَشُكُّ القَعْنَبِيُّ -: كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ.

الطالب: يقول يا شيخ: ورجل أرمل وامرأة أرملة: محتاجة أو مسكينة..
الشيخ: هذا الظاهر نعم.
س: بعض الناس إذا نصح في طلب العلم يستدلون بهذا الحديث الساعي على الأرملة والمسكين..؟
الشيخ: ما في تنافٍ، يُجمع بينه وبينه، يطلب العلم ويسعى يطلب الرزق، ما يتنافى، يطلب العلم في وقته ويصلي في وقت الصلاة ويعمل في وقت العمل، ما في تنافٍ.
....................
[أسئلة غير واضحة]
 
بَاب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالبَهَائِمِ
6008 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ.

الشيخ: تكلم على "رفيقًا"؟ وفي هذا وصية الوفود وأن ولي الأمر يوصي الوفود ويحثهم على الخير، ويأمرهم بأن يعلموا أهليهم ويرشدوهم، فهكذا العلماء يرشدوا من يفدون إليهم من الطلبة ومن طالبي الوصية، ولهذا قال النبي لهؤلاء الشببة: ارجعوا إلى أهليكم وعلِّموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي إلى آخره؛ لأن العلم ينتشر بهذا، ينتشر العلم بالتعليم، وهذا معنى قوله ﷺ: بلِّغوا عنِّي، فليبلِّغ الشّاهدُ الغائِب الإنسان يبلغ أهله يبلغ جيرانه يبلغ جلساءه ما سمع من العلم. أيش قال على "رفيقًا"؟
الطالب: قَوْلُهُ: وَكَانَ رَقِيقًا رَحِيمًا وَهُوَ لِلْأَكْثَرِ بِقَافَيْنِ مِنَ الرِّقَّةِ، وَلِلْقَابِسِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَاءٍ ثُمَّ قَافٍ مِنَ الرِّفْقِ، وَقَوْلُهُ: شَبَبَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ شَابٍّ، مِثْلُ بَارٍّ وَبَرَرَةٍ.
الشيخ: العيني كذلك.
الطالب: نعم.
 
6009 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.

الشيخ: هذا فيه مثل ما قال المؤلف رحمة البهائم، وأنه ينبغي للمؤمن أن يكون رحيمًا حتى على البهائم، سواء كانت البهائم تؤكل كالإبل والبقر والغنم أو لا تؤكل كالحُمُر والكلاب والسِّنَّوَر وأشباه ذلك، أيش قال الشارح على في كل كبد رطبة أجر؟
الطالب: وَالرُّطُوبَةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكَبِدَ إِذَا ظَمِئَتْ تَرَطَّبَتْ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهَا إِذَا أُلْقِيَتْ فِي النَّارِ ظَهَرَ مِنْهَا الرَّشْحُ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّارَ تُخْرِجُ مِنْهَا رُطُوبَتَهَا إِلَى خَارِجٍ.
الشيخ: بس؟ ما تكلم على العموم؟ العيني ما تكلم على العموم ما تعرض لشيء؟
الطالب: قال: وفي كل ذات كبد إي: في إرواء كل حيوان أجر ..
الشيخ: نعم.
 
6010 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ.

الشيخ: وهذا من الاعتداء في الدعاء، وغلط في الدعاء، ولهذا قال: لقد حجّرت واسعًا، وفي اللفظ الآخر الذي تقدم: لقد تحجّرت واسعًا، حين قال: لا ترحم معنا أحداً، هذا غلط، ولا ترحم معنا أحدًا، هذا من الغلط؛ ولهذا أنكره عليه النبي ﷺ.
 
6011 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى.

الشيخ: وفي اللفظ الآخر مثل المؤمنين بدل ترى "مَثَل". أيش قال الشارح عليه على قوله: ترى؟ أعد المتن.
الطالب: تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى.
الشيخ: "عضوًا" جعله مفعولًا .. الشكوى إلى الجسد..
الطالب: قَوْلُهُ: "تَرَى الْمُؤمنِينَ فِي تراحمهم" قَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: الْمُرَادُ مَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ كَامِلًا، قَوْلُهُ: وَتَوَادُّهُمْ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ وَالْأَصْلُ التَّوَادُدُ فَأُدْغِمَ، وَالتَّوَادُدُ تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَوَدَّةِ، وَالْوُدُّ وَالْوِدَادُ بِمَعْنًى وَهُوَ تَقَرُّبُ شَخْصٍ مِنْ آخَرَ بِمَا يُحِبُّ، قَوْله: "وتعاطفهم" قَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّرَاحُمَ وَالتَّوَادُدَ وَالتَّعَاطُفَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ بَيْنَهَا فَرْقٌ لَطِيفٌ، فَأَمَّا التَّرَاحُمُ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَرْحَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأُخُوَّةِ الْإِيمَانِ لَا بِسَبَبِ شَيْءٍ آخَرَ، وَأَمَّا التَّوَادُدُ فَالْمُرَادُ بِهِ التواصل الجالب للمحبة كَالتَّزَاوُرِ وَالتَّهَادِي، وَأَمَّا التَّعَاطُفُ فَالْمُرَادُ بِهِ إِعَانَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَمَا يَعْطِفُ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لِيُقَوِّيَهُ. اهـ مُلَخَّصًا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَخَيْثَمَةَ فَرْقَهُمَا عَنِ النُّعْمَانِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: "الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِذَا اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"، وَفِي رِوَايَةِ خَيْثَمَةَ: "اشْتَكَى وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ كُلُّهُ"، قَوْلُهُ: "كَمَثَلِ الْجَسَدِ" أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ فِيهِ التَّوَافُقِ فِي التَّعَبِ وَالرَّاحَةِ، قَوْلُهُ: "تَدَاعَى" أَيْ دَعَا بَعْضُهُ بَعْضًا إِلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْأَلَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَدَاعَتِ الْحِيطَانُ، أَيْ تَسَاقَطَتْ أَوْ كَادَتْ، قَوْلُهُ: "بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" أَمَّا السَّهَرُ فَلِأَنَّ الْأَلَمَ يَمْنَعُ النَّوْمَ، وَأَمَّا الْحُمَّى فَلِأَنَّ فَقْدَ النَّوْمِ يُثِيرُهَا وَقَدْ عَرَّفَ أَهْلَ الْحِذْقِ الْحُمَّى بِأَنَّهَا حَرَارَةٌ غَرِيزِيَّةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ فَتَشِبُّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ فَتَشْتَعِلُ اشْتِعَالًا يَضُرُّ بِالْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فَتَشْبِيهُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَسَدِ الْوَاحِدِ تَمْثِيلٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ تَقْرِيبٌ لِلْفَهْمِ، وَإِظْهَارٌ لِلْمَعَانِي فِي الصُّوَرِ الْمَرْئِيَّةِ، وَفِيهِ تَعْظِيمُ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَضُّ عَلَى تعاونهم وملاطفة بَعضهم بَعْضًا، وَقَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ: شَبَّهُ النَّبِيُّ ﷺ الْإِيمَان بِالْجَسَدِ، وَأَهْلَهُ بِالْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ وَفُرُوعَهُ التَّكَالِيفُ، فَإِذَا أَخَلَّ الْمَرْءُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّكَالِيفِ شَأْنَ ذَلِكَ الْإِخْلَالِ الْأَصْلَ، وَكَذَلِكَ الْجَسَدُ أَصْلٌ كَالشَّجَرَةِ وَأَعْضَاؤُهُ كَالْأَغْصَانِ، فَإِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ اشْتَكَتِ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا، كَالشَّجَرَةِ إِذَا ضُرِبَ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا اهْتَزَّتِ الْأَغْصَانُ كُلُّهَا بِالتَّحَرُّكِ وَالِاضْطِرَابِ.
الشيخ: العيني ما ذكر رواية مثل بدل قوله ترى؟
الطالب: ما ذكر شيئًا.
الشيخ: نعم.
 
6012 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا، فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ.
6013 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ.

الشيخ: لا خير إلا دل عليه، ولا شر إذا حذّر منه، اللهم صل عليه وسلم.
 
بَاب الوَصَاةِ بِالْجَارِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]- إِلَى قَوْلِهِ - مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].
6014 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.
6015 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.
 
بَاب إِثْمِ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ
يُوبِقْهُنَّ [الشورى:34]: يُهْلِكْهُنَّ مَوْبِقًا [الكهف:52]: مَهْلِكًا.
6016 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ تَابَعَهُ شَبَابَةُ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى،

الشيخ: ومعنى لا يؤمن يعني: الإيمان الواجب، يعني لو كان إيمانه كاملاً لردعه عن إيذاء جاره، وتخوّن جاره، ولهذا قال: والله لا يؤمن والله لا يؤمن يعني الإيمان الواجب، ليس معناها أصل الإيمان؛ لأنه قد يجتمع مع المعصية أصل الإيمان، قد يجتمع مع المعصية؛ لكن الإيمان الواجب الكامل يردعه عن المعصية ويمنعه من المعصية، والبوائق كالعدوان والغشم والظلم، البوائق هي عدوانه وغشمه وظلمه وإيذاؤه، نسأل الله العافية.
 
 وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

بَاب لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا
6017 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ.

الشيخ: المقصود التهادي؛ لأنه يؤلف القلوب، ويزيل الكدر والشحناء، ويؤلف بين القلوب على التحاب، فالهدايا ولو كانت قليلة تُشعر بالمحبة وتشعر بالإخوة وتشعر بالأنس بين الجيران، ويدل على أن التهادي بالأشياء القليلة أمر مطلوب، ولم يقل باستئذان الأزواج؛ لأن هذه الأشياء القليلة المعتادة لا بأس بها، قال: ولو فرسن شاة، وهو ظلفها، فالمقصود الحث على القليل والتهادي ولو بالقليل، مثل قوله ﷺ: اتقوا النار ولو بشق تمرة المعنى الحث على الصدقة والهدية ولو كانت قليلة، بعض الناس قد يستحي ويقول: ما أهدي هذا الشيء! لكن المقصود بيان ما في النفس من المحبة والميل إلى الجار ومحبة الإحسان إليه وإزالة ما قد يقع في النفس من وحشة، أيش قال على: ولو فرسن شاة؟
الطالب: وَلَوْ فِرْسِنُ شَاةٍ، بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ نُونٍ: حَافِرُ الشَّاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَالْكَلَامُ عَلَى إِعْرَابِ: يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ اخْتِصَارًا؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ يَعْرِفُونَ الْمُرَادَ مِنْهُ، أَيْ لَا تَحْقِرَنَّ أَنْ تُهْدِيَ إِلَى جَارَتِهَا شَيْئًا وَلَوْ أَنَّهَا تُهْدِي لَهَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْغَالِبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّحَابُبِ وَالتَّوَادُدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِتُوَادِدِ الْجَارَةُ جَارَتَهَا بِهَدِيَّةٍ وَلَوْ حَقِرَتْ فَيَتَسَاوَى فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَخُصَّ النَّهْيُ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ مَوَارِدُ الْمَوَدَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَسْرَعُ انْفِعَالًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
 
بَاب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ
6018 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.

الشيخ: وهذا يدل على وجوب هذه الأشياء، وقد جاءت الروايات بثلاثة ألفاظ: فلا يؤذ جاره، فليكرم جاره، فليحسن إلى جاره فهو مأمور بإكرامه والإحسان إليه وكف الأذى عنه، وهذا واجب، قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فدل على أن من واجبات الإيمان ومن موجبات الإيمان إكرام الجار وكف الأذى عنه، ومن موجبات الإيمان: إكرام الضيف، ومن موجبات الإيمان: حفظ اللسان وألا تقول إلا خيرًا أو الصمت، كل هذا مما يقتضيه الإيمان ويوجبه الإيمان.
 
6019 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ، قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.

الشيخ: وحديث أبي شريح هذا فيه إيضاح الضيافة، وأنها ثلاثة أقسام: واجبة وسُنة وصدقة، فاليوم الأول واجب الغداء والعشاء يومه وليله، الثاني والثالث سُنة كمال الثلاثة أيام، ما بعدها من باب الصدقة ومن باب الإحسان.
 
بَاب حَقِّ الجِوَارِ فِي قُرْبِ الأَبْوَابِ
6020 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا.

الشيخ: وهذا يدل على أن الاعتبار بالأبواب لا بالجدران من كان أقرب بابًا فهو أولى بالهدية عن غيره إذا ضاق الحال، فإن تيسر أن يهدي للجميع فهو أفضل، لكن إذا ضاق الحال فيبدأ بالأقرب فالأقرب بابًا.
 
بَاب كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ
6021 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ.

الشيخ: وهكذا روى مسلم عن حذيفة كل معروف صدقة مثل لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق في رواية طليق المقصود حث الأمة على تعاطي المعروف، ولو قليل، كل شيء ينفع الناس كل شيء ينفع.. كل شيء يطيب نفسه كل شيء.. ينبغي تعاطيه؛ لما فيه من التقارب والتآلف وإزالة الوحشة، سواء كان المعروف مالًا أو كلمة طيبة أو دفع شر أو شفاعة حسنة أو ما أشبه ذلك.
 
6022 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ.

الشيخ: وهذا من جوامع الكلم، ومن أعظم الأحاديث في الحث على الخير وأسباب التآلف، والغنى عن الناس وسد الحاجة، لما أخبر أن على كل مسلم صدقة.. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، لا يجلس هكذا معطلًا، بل يعمل ويكسب ويطلب الرزق، فيتصدق وينفع نفسه، هكذا المؤمن، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل قال: يعين ذا الحاجة الملهوف يعينه بالكلام الطيب، والفعل الطيب، قالوا: فإن لم يفعل، قال: يأمر بالخير أو قال: بالمعروف قال: فإن لم يفعل، قال: يكف شره عن الناس يكف شره الناس، لا شر لسانه، ولا شر أفعاله، وفي بعض الروايات: قال:...... من خير، فالمقصود أن المؤمن مأمور بهذه الأشياء، كونه يعمل ويجتهد في العمل حتى ينفع نفسه يستغني عما في أيدي الناس، ويتصدق على المحتاج، كونه يعين ذا الحاجة الملهوف، وفي الرواية الأخرى: يعين صانعًا أو يصنع لأخرق، فالمؤمن مأمور بهذه الأشياء، مأمور بأن يعمل وينفع نفسه ويتصدق ويعين إخوانه في حاجاتهم، ولاسيما ذو الحاجة الملهوف إذا اشتدت به الكُربة، كونه يعينه ويفرِّج عنه؛ فهذا من أفضل القرب، ومن أفضل الصدقات، فإن لم يستطع أن يعمل خيرًا فليمسك عن الشر وليكفه عن الناس، هذا أقل شيء منه، أن يمسك نفسه عن الإيذاء، وهذا واجب عليه، واجب عليه أن يكف شره عن الناس، إن نفعهم فالحمد لله، وإن لم ينفعهم فيكف شره عنهم.
 
بَاب طِيبِ الكَلاَمِ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ.
6023 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، - قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ - ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.

الشيخ: شف كلامه على الوصاة أول ما قرأت؟
الطالب: قَوْله بَاب الوصاءة بِالْجَارِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْمَدِّ لُغَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا الْوِصَايَةُ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءٌ وَهُمَا بِمَعْنًى.
الشيخ: والعيني أيش قال؟
الطالب: باب الوصاءة بالهمز.
الشيخ: ما ضبط الواو.
الطالب: بفتح الواو وتشديد الصاد وبالمد والهمزة أي: الوصية، ويرى والوصاية.
الشيخ: أيش قال؟
الطالب: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْمَدِّ لُغَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا الْوِصَايَةُ، بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءٌ وَهُمَا بِمَعْنًى، لَكِنَّ الْأَوَّلَ مِنْ أَوْصَيْتُ، وَالثَّانِي مِنْ وَصَّيْتُ، تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي شرح شَيخنَا ابن الْمُلَقِّنِ هُنَا بَسْمَلَةٌ وَبَعْدَهَا كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا، وَيُؤَيِّدُ مَا عِنْدَنَا أَنَّ أَحَادِيثَ صِلَةِ الرَّحِمِ تَقَدَّمَتْ، وَأَحَادِيثَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ قَبْلَهَا، وَالْوَصِيَّةُ بِالْجَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ذُكِرَتْ هُنَا، وَتَلَاهَا بَاقِي أَبْوَابِ الْأَدَبِ، وَقَوْلُهُ هُنَا بَعْدَ الْبَابِ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا.
الشيخ: شف القاموس شف وصاة.
 
بَاب الرِّفْقِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ
6024 - حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ.

الشيخ: يعني يكفي: وعليكم، ولهذا في اللفظ الآخر: فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا فاليهود تقصد بالسام: الموت، يعني الموت عليك، فإن قيل لهم: وعليكم، معناه: الموت لنا ولكم، علينا وعليكم، ولهذا أحب ﷺ أن تكون الكلمات سليمة من العنف بعيدة عما قد يسبب النُّفرة من الإسلام، ولهذا قال: مهلا يا عائشة.. فالرفق في السلام وخطاب الناس ووعظهم وتذكيرهم وتوعّدهم وإنكار المنكر؛ كل ذلك من أسباب القبول، ومن أسباب التوفيق، ومن أسباب النجاح، والشدة والغلظة بعكس ذلك إلا من ظلم، مثل ما قال جل وعلا: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46] إذا تعدّى الخصم ولم ينفع فيه النصح ولم يُجْدِ فيه الرفق ينتقل معه إلى شيء آخر بعد ذلك، أيش قال على "السام" ضبطه بالتشديد وإلا بالتخفيف؟
الطالب: .....
الشيخ: اللي أعرف بالتخفيف: السام.
الطالب: السام بتخفيف الميم، وهو الموت.
الشيخ: هذا الذي أعرفه بالتخفيف، نعم.
 
6025 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تُزْرِمُوهُ ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْه.ِ

الشيخ: وهذا كالذي قبله، فيه الرفق بالدعوة وعدم العجلة في الأمور ولاسيما مع الجهال وحدثاء العهد بالإسلام؛ فإن هذا أعرابي جاهل فأمر النبي ﷺ أن يرفقوا به، قال: لا تزرموه يعني: لا تقطعوا عليه بوله، وقال: مهلاً إنما بعثتم ميَّسرين ولم تبعثوا معسِّرين ثم أمر بدلو من ماء فصُب على بوله، ثم دعاه كما في الرواية الأخرى فأخبره أن هذه المساجد لا يصلح فيها من هذا القذر والبول، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، فعلّمه عليه الصلاة والسلام ووجّهه إلى الخير وأمر بالماء على البول بسَجْل من ماء؛ فدل ذلك على أن البول يكفي فيه المكاثرة، متى كوثر بالماء كفى ولا حاجة إلى نقل التراب ولا إلى تحليل الأرض، بل يصب عليه الماء، وهو على حاله يكاثر بالماء، ويكفي، وهكذا لو كانت الفرش التي لا يتيسر عصرها ونحوه، فإذا بال عليه؛ كوثرت بالماء ويكفي.
 
بَاب تَعَاوُنِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا
6026 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ جَالِسًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ، أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ.

الشيخ: وهذا من التعاون: أولًا قوله: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ثم شبك بين أصابعه هذا واضح في وجوب التعاون، فإن البنيان يشد بعضه بعضًا، ويقوّي بعضه بعضًا، ويلزم بعضه بعضًا، ويعين بعضه بعضًا، فهكذا المؤمنين يعين بعضهم بعضًا، ويشد بعضهم بعضًا، ويقوي بعضهم بعضًا، ويرفق بعضهم ببعض، ويرحم بعضهم البعض؛ حتى لا يكونوا مختلفين متفارقين بل متعاونين متواصلين متقاربين، ثم قوله: اشفعوا تؤجروا كذلك نوع من التعاون؛ كان إذا جاءه طالب حاجة أو سائل يقول: اشفعوا تؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء؛ لأن الحاضرين قد يكون عندهم معلومات عن السائل فإذا شفعوا أعانوا المسؤول على قضاء حاجة السائل وشجّعوه على قضاء حاجة السائل، سواء كانت الحاجة مواساة مالية أو نوعًا من الحاجات الأخرى........ أو غيرها من الحاجات التي تعرض للناس، فالله جعل المسلمين شيئًا واحدًا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ [التوبة:71] فإذا تعاونوا قضيت حاجاتهم وتقاربت قلوبهم، وإذا شح كل واحد وأعرض كل واحد عن الآخر؛ تباعدت القلوب، وحلت الشحناء، وتعطّلت المصالح، والله المستعان.
 
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]
كِفْلٌ [النساء:85]: نَصِيبٌ، قَالَ أَبُو مُوسَى: كِفْلَيْنِ [الحديد:28]: أَجْرَيْنِ، بِالحَبَشِيَّةِ.
6027 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الحَاجَةِ قَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ.

الشيخ: تكلم على: اشفعوا تؤجروا؟
الطالب: قَوْلُهُ: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: اشْفَعُوا هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ من رِوَايَة مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَفِي تركيبه قلق، وَلَعَلَّه كَانَ فِي الْأَصْلِ كَانَ إِذَا كَانَ جَالِسًا إِذَا جَاءَ رَجُلٌ... إِلَخْ، فَحُذِفَ اخْتِصَارًا، أَوْ سَقَطَ عَلَى الرَّاوِيِ لَفْظُ "إِذَا كَانَ" عَلَى أَنَّنِي تَتَبَّعْتُ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ مِنَ الطُّرُقِ فَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِلَفْظِ: جَالِسًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ زُرَيْقٍ عَنِ الْفِرْيَابِيِّ بِلَفْظِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طَالِبُ الْحَاجَةِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ... الْحَدِيثَ، وَهَذَا السِّيَاقُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ مُخْتَصَرًا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا إِلَخْ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَكِنَّهُ جَعَلَهُ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي أُوتَى فَأُسْأَلُ أَوْ تُطْلَبُ إِلَيَّ الْحَاجَةُ وَأَنْتُمْ عِنْدِي فَاشْفَعُوا... الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ وَلَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ..، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِالْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ بُرَيْدٍ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ كِلَاهُمَا عَنْ بُرَيْدٍ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ... فَذَكَرَهُ، قَوْلُهُ: فَلْتُؤْجَرُوا كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: تُؤْجَرُوا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَعَ فِي أَصْلِ مُسْلِمٍ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَجَاءَ بِلَفْظِ فَلْتُؤْجَرُوا، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّامُ مَكْسُورَةً لِأَنَّهَا لَامُ كَيْ، وَتَكُونُ الْفَاءُ زَائِدَةً، كَمَا زِيدَتْ فِي حَدِيثِ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: اشْفَعُوا كَيْ تُؤْجَرُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَامُ الْأَمْرِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ التَّعَرُّضُ لِلْأَجْرِ بِالشَّفَاعَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْفَعُوا فَتُعَرَّضُوا بِذَلِكَ لِلْأَجْرِ، وَتُكْسَرُ هَذِهِ اللَّامُ عَلَى أَصْلِ لَامِ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا تَخْفِيفًا لِأَجْلِ الْحَرَكَة الَّتِي قَبْلَهَا، قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: اشْفَعُوا لِتُؤْجَرُوا، وَهُوَ يُقَوِّي أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ سَبَبِيَّةً وَاللَّامُ بِالْكَسْرِ وَهِيَ لَامُ كَيْ، وَقَالَ: جَازَ اجْتِمَاعُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَزَائِيَّةً جَوَابًا لِلْأَمْرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى رَأْيٍ، أَوْ عَاطِفَةً عَلَى اشْفَعُوا، وَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ أَوْ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيِ: اشْفَعُوا لِتُؤْجَرُوا فَلْتُؤْجَرْ أَوْ لَفْظُ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا فِي تَقْدِيرِ إِنْ تَشْفَعُوا تُؤْجَرُوا.
الشيخ: يكفي، العيني تكلم، شيء زاد؟
الطالب: لا.
الشيخ: نعم، الله المستعان.
 
بَاب «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا»
6029 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، سَمِعْتُ مَسْرُوقًا، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ خيركم أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا.

الطالب: عندي: إن من أخيركم؟
الشيخ: المعنى واحد، لكن الأكثر خيركم، الغالب إن من خيركم أحسنكم خلقًا. أيش قال عليه؟
الطالب: قوله إن من أخيركم وفي رواية الكشميهني إن من خيركم وفيه دليل لمن قال: يجوز استعمال أفعل التفضيل من الخير والشر. انتهى.
الشيخ: نعم.
 
6030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ.
6031 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ.
6032 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى،

الشيخ: عمرو بن عيسى أيش قال عليه؟
الطالب : هو عمرو بن عيسى أبو عثمان الضبعي البصري، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر من كتاب الصلاة.
الشيخ: بس؟
الطالب: قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مُسْتَقِيمُ الحَدِيث قَالَه ابن حِبَّانَ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ هُوَ أَبُو الْخَطَّابِ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ، ثِقَةٌ أَيْضًا لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَآخَرُ فِي الْمَنَاقِبِ، وَشَيْخُهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ مَشْهُورٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَفِي بَابِ الْمُدَارَاةِ، وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
 
حدثنا عمرو بن عيسى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ القَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ ﷺ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ.


الشيخ: وهذا يدل على فوائد، منها: حرص عائشة على العلم، وذكاؤها وعنايتها بالعلم ومراقبة أحوال النبي ﷺ، وما يقع منه عليه الصلاة والسلام؛ حتى صارت أفقه الناس، وأعلم النساء به ﷺ، وهذا من لطف الله ورحمته وتوفيقه جل وعلا،.

ومن الفوائد: أنه يجوز ذم الإنسان وعيبه في غيبته إذا كان أهلاً لذلك؛ لتحذير الناس من شره، فإنه قال ﷺ: بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ -وهو لا يسمع- تحذيرًا للناس من شره وألا يغترّوا به، فإذا قيل لمن عرف بالشر: بئس أخو العشيرة، أو لا تغتروا بفلان، أو فلان ليس بطيب، أو فلان فيه كيت وكيت مما هو معروف منه؛ فهذا ليس من الغيبة؛ لأن ذكر الفاسق بما فيه ليحذره الناس أمر مطلوب؛ حتى لا يُركن إليه ولا يُعتمد في الشهادة ولا نحو ذلك.

وفيه من الفوائد: جواز الانبساط لمن هو من أهل الشر إذا خيف شره، أن ينبسط إليه وأن يتحدث معه ونحو ذلك؛ لاتقاء شره، كرؤساء العشائر والأمراء وأشباههم ممن يخشى شره، ويقصد حصول النفع منه للمسلمين فينبسط إليه طالب الحاجة أو الزائر أو المَزُور أو غير ذلك، ممن له صلة به لا للمال ولا للحظ العاجل، ولكن لمصلحة المسلمين وكف الشر عنهم، ولهذا قال: متى عهدتني فاحشًا أو متفحشًا عليه الصلاة والسلام، فهذا أصل عظيم في محادثة الناس بما يناسب، مخاطبتهم بما يليق إذا كانوا ممن يُخشى شرهم، ولهذا قال: إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره، بعض الناس شر في كلامه وشر في أفعاله؛ فيُتوقّى، نسأل الله العافية.
س: ما في تعارض بين هذا وبين الغيبة ذِكْرُك أخاك بما يكره؟
الشيخ: لا ما فيه تعارض، هذاك المستور اللي ما يتظاهر، فمن تظاهر بالشر فلا غيبة له.

بَاب حُسْنِ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ البُخْلِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ لِأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ،

الشيخ: يعني وادي إبراهيم؛ مكة.
 
 فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ.
6033 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ.

الشيخ: وهذا يدل على كرم الأخلاق وشجاعة النفس وقوة القلب والثقة بالله سبحانه وتعالى، ولهذا قال إنه كان أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، عليه الصلاة والسلام، ولما سمعوا الصوت في المدينة وخرج الناس قابلهم راجعًا عليه الصلاة والسلام قد خَبَر الأمر وسَبَر الأمر وبيّن لهم أنه ليس هناك شيء، وقال: لن تراعوا قال: وإن وجدناه لبحرًا يعني الفرس، كان الفرس يبطئ، كان ليس بذاك الجيد الفرس، فلما ركبه النبي ﷺ جعل الله فيه بركة وصار سريعًا قويًّا.
س:........
الشيخ: يخاطب أنسًا، يعني وجد الفرس..، يخاطب من قابله، أنسًا أو أبا طلحة؛ لأن الراوي أنس، والمقابل محتمل.
 
6034 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا ، يَقُولُ: "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ".

الشيخ: وهذا في غاية الجود عليه الصلاة والسلام، كان يعطي السائلين حسب الميسور، أو يَعِد؛ إن لم يكن عنده شيء وَعَد خيرًا وأمر أن يُراجع في وقت آخر أو تأتي له في وقت آخر؛ لا يرده هكذا، بل إما أن يعطي وإما أن يعده على الحسنة، عليه الصلاة والسلام، قال جابر: كان طلب النبي ﷺ في بعض الشيء، قال: فوعدني إذا جاء المال البحرين أعطيناك كذا وكذا، بيديه ثلاث مرات، فتوفي النبي ﷺ ولم يأت مال البحرين، يعني جزية البحرين، فجاءت في عهد الصديق ، فقال الصديق: وكان ينادي في الناس: من كان له عند رسول الله دين أو عِدة فليأتنا، فجاءه جابر وقال: قد وعدني النبي ﷺ كذا وكذا إذا جاء مال البحرين، فأخذ له الصديق بيديه مرة وقال: عُدّها، فعدّها خمسمائة، فقال: خُذ مثليها، فأعطاه ألفًا وخمسمائة بثلاث حثيات كل حثية خمسمائة.
 
6035 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يُحَدِّثُنَا، إِذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا.
6036 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ الشَّمْلَةُ، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكْسُوكَ هَذِهِ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَ هَذِهِ، فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ لاَمَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ ﷺ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ ﷺ، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا.

الشيخ: وفي الرواية الأخرى فكانت كفنه كما قال جابر، ولما دخل ﷺ طواها وأرسلها إليه، لما دخل إلى بيته طواها وأرسلها إليه، اللهم صل عليه وسلم.
 
6037 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: القَتْلُ القَتْلُ.

الشيخ: وفي الرواية الأخرى: وينقص العلم، ويظهر الجهل هذا فيه أن في آخر الزمان كله يقع؛ ينقص العلم النافع وينقص العمل الصالح، ويظهر الجهل، ويكثر الشح، وهو البخل والحرص على المال، ويكثر الفتن بين الناس، والهرج يعني القتل، الفتن بين الناس، كل هذا واقع، كله من علامات النبوة قد وقع من أزمان طويلة، وأما تقارب الزمان فاختلف الناس فيه فقيل في معناه: قلة البركة، وقيل معناه: أن الناس يتشاغلون بالدنيا ولا يشعرون بمرور الزمان؛ فظهر الآن في زماننا هذا في هذا العصر ما يدل على التقارب، وهو وجود المراكب السريعة التي تقارب بين البلدان، بعدما كانت الأسفار إليها شهورًا وأيامًا كثيرة، صارت تقطع في ساعات ودقائق بهذه الطائرات والسيارات والقطارات، هذا من التقارب العظيم مع أنه لا مانع أن يكون هناك أيضًا ما قالوا في معنى التقارب من إقبال الناس على الدنيا وتشاغلهم بها حتى تمر الأيام والليالي وهم في سكرة،  كل هذا واقع، وكذلك نزع البركة كله واقع، والله المستعان. أيش قال على تقارب الزمان؟
الطالب: قوله: يتقارب الزمان قال الخطابي: أراد به دنو مجيء الساعة، أي: إذا أدنا كان من أشراطها نقص العمل، والشح، والهرج، أو قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة فيها، وذلك من علامات الساعة إذا طلعت الشمس من مغربها، أو قصر أزمنة الأعمار أو تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم، وقال: لفظ العمل إن كان محفوظًا ولم يكن منقولًا عن العلم إليه فمعناه: عمل الطاعات لاشتغال الناس بالدنيا، وقد يكون معنى ذلك ظهور الخيانة في الأمانات، وقال القاضي البيضاوي: يحتمل أن يراد بتقارب الزمان: تسارع الدول إلى الانقضاء، والقرون إلى الانقراض.
الشيخ: الحافظ قال شيء؟
الطالب:... شرحه في كتاب الفتن.
الشيخ: ماشٍ، نعم، قوله: يكثر الشح، هذا واضح في البخل والحرص على الدنيا، نعم، وهذا من علامات النبوة.
س:.....
الشيخ: هذا منها، النبي ﷺ لا يعلم الغيب، لكن هذا ما يدل على أنه أخبر بهذا الشيء، إشارة لما يأتي في آخر الزمان أو كما قال بعض العلماء من تقارب الزمان، يعني يسرع ذهابه من غير شعور الناس بسبب تشاغلهم بالأموال والشهوات، فيذهب الزمان عليهم وهم في سكرة. والله المستعان.
 
6038 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعَ سَلَّامَ بْنَ مِسْكِينٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ".

الشيخ: وهذا يدل على حُسن خُلقه، اللهم صل عليه، وعلى أدب أنس، وحرصه على الوفاء في قيامه بالمهمات، وعدم تساهله؛ فإنه في الغالب من كان يتساهل يضطر رئيسه أو مخدومه إلى أن يقول له شيئًا، فهو يدل على حسن خلقه وعدم تتبع العثرات منه عليه الصلاة والسلام، والتسامح منه الكثير، ويدل على نُبل أنس وحرصه على الخدمة الكاملة .
 
بَاب كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ
6039 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ.

الشيخ: وهذا يدل على تواضعه العظيم عليه الصلاة والسلام، وإيناسه لأهله، وتعاونه مع أهله في حاجات البيت، ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان يصنع في بيته عليه الصلاة والسلام؟ قالت: كان في مهنة أهله، يعني: في حاجات أهله يعينهم على حاجات البيت وما يتطلبه البيت، هذا كله يدل على حسن الخلق وعظيم التواضع فيما بينه وبين أهله، وفي الحديث: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي فلا ينبغي للزوج أو لصاحب البيت التكبر عن شؤون البيت ومساعدة أهله في ذلك، في إعداد حاجة الضيف، وإعداد الأكل وإصلاح بعض شؤون البيت.
 
بَاب المِقَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى

الشيخ: المحبة، نعم.
 
6040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ.


الشيخ: وهذا فضل الله سبحانه وتعالى، وهذا من نعمه العظيمة العاجلة على أوليائه وأحبابه؛ أنه إذا أحبهم جعل لهم القبول في الأرض والمحبة في الأرض، فينادي جبرائيل: إني أحب فلانًا فأحبه! فيحبه جبرائيل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، ثم توضع له المحبة في الأرض، والعكس بالعكس نعوذ بالله، إذا أبغض الله عبدًا نادى جبرائيل: إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبرائيل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض، نسأل الله العافية. أيش قال على الحديث اللي قبله؟
الطالب: (قَوْلُهُ: بَابٌ بِالتَّنْوِينِ كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ صَلَاة الْجَمَاعَة من كتاب الصَّلَاة، وَقَوله: فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ الْمِهْنَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِهَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ وَفَسَّرَهَا هُنَاكَ بِخِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِيِ عَنْ شُعْبَةَ، وَأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ بِدُونِهَا، وَكَذَا أخرجه ابن سَعْدٍ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَعَفَّانَ وَأَبِي قُطْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِدُونِهَا؛ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ فِي آخِرِهِ يَعْنِي بِالْمِهْنَةِ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لعَائِشَة أخرجه أَحْمد وابن سعد وَصَححهُ ابن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ: مَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ، وَلَهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيُرَقِّعُ دَلْوَهُ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: مَا كَانَ إِلَّا بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ كَانَ يُفَلِّي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالْبَزَّارُ، وَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي رِوَايَةِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ ابن سَعْدٍ.
الشيخ: صاحب الطبقات نعم.
الطالب: كَانَ أَلْيَنُ النَّاسِ وَأَكْرَمُ النَّاسِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ رِجَالِكُمْ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ بَسَّامًا، قَالَ ابن بَطَّالٍ: مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ التَّوَاضُعُ وَالْبُعْدُ عَنِ التَّنَعُّمِ وَامْتِهَانُ النَّفْسِ لِيُسْتَنَّ بِهِمْ.
الشيخ: يعني ليتأسى بهم الناس في عدم التكبر على الأهل، وفي عدم الابتعاد عن تعاونهم، وعن معاونة الأهل والتعاون معهم في حاجات البيت، فإن إصلاح النعل، وخياطة الثوب، وحلب الشاة، وتقديم الحطب للطعام، وأشباه ذلك، حاجات يحتاجها أهل البيت، فقد تكون المرأة ضعيفة لا تقوى على هذا، قد تكون.. والشغل كثير فإذا ساعدها كان ذلك أنجز للحاجة، وكان للناس فيهم أسوة.
الطالب: وَلِئَلَّا يَخْلُدُوا إِلَى الرَّفَاهِيَةِ الْمَذْمُومَةِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَمِّهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا.
(قَوْلُهُ: بَابُ الْمِقَةِ مِنَ اللَّهِ) أَيِ ابْتِدَاؤُهَا مِنَ اللَّهِ، الْمِقَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ هِيَ الْمَحَبَّةُ، وَقَدْ وَمِقَ يَمِقُ وَالْأَصْلُ الْوَمْقُ، وَالْهَاءُ فِيهِ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ كَعِدَّةٍ وَوَعْدٍ وَزِنَةٍ وَوَزْنٍ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ زِيَادَةٍ وَقَعَتْ فِي نَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ؛ لَكِنَّهَا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ الْبُخَارِيِّ فَأَشَارَ إِلَيْهَا فِي التَّرْجَمَة كعادته، أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وابن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ بِمُعْجَمَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: الْمِقَةُ مِنَ اللَّهِ وَالصِّيتُ مِنَ السَّمَاءِ فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا الْحَدِيثَ، وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَكِيعٍ الْجَرَّاحِ بْنِ مَلِيحٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ صِيتٌ فِي السَّمَاءِ فَإِنْ كَانَ حَسَنًا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ سَيِّئًا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ وَالصِّيتُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ أَصْلُهُ الصَّوْتُ كَالرِّيحِ مِنَ الرَّوْحِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ، وَرُبَّمَا قِيلَ لِضِدِّهِ لَكِنْ بِقَيْدٍ، قَوْلُهُ: أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَرُبَّمَا رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ مِثْلَ هَذَا فَقَدْ عَلَّقَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لِأَبِي عَاصِمٍ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ، ثَمَّ قَوْلُهُ عَنْ نَافِعٍ هُوَ مولى ابن عُمَرَ، قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِعٍ إِلَّا مُوسَى بْنُ عقبَة وَلَا عَن مُوسَى إِلَّا بن جُرَيْجٍ، قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ثَوْبَانُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو صَالِحٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْحِيدِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبَزَّارُ، قَوْلُهُ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ" وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بَيَانُ سَبَبِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا فَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: إِنَّ الْعَبْدَ لِيَلْتَمِسَ مَرْضَاةَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ يَا جِبْرِيلُ إِنَّ عَبْدِي فُلَانًا يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي الرِّقَاقِ فَفِيهِ: وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ الْحَدِيثَ، قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلَانٍ وَتَقُولُهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، قَوْلُهُ: فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ... إِلَخْ، فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: أَهْلِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، قَوْلُهُ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: ثُمَّ يَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ ودًّا وَثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْد التِّرْمِذِيّ وابن أبي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا وَلَمْ يَسُقِ اللَّفْظَ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِيهِ: "وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ.." فَسَاقَهُ عَلَى مِنْوَالِ الْحُبِّ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ"، وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: "وَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْمَلُ بِسَخَطِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ إِنَّ فُلَانًا يَسْتَسْخِطُنِي" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ عَلَى مِنْوَالِ الْحُبِّ أَيْضًا، وَفِيهِ فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: سَخْطَةُ اللَّهِ عَلَى فُلَانٍ، وَفِي آخِرِهِ مِثْلُ مَا فِي الْحُبِّ حَتَّى يَقُولَهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ثُمَّ يَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ: يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ أَيْ: رَضِيَهَا، قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: الْقَبُولُ مَصْدَرٌ لَمْ أَسْمَعْ غَيْرَهُ بِالْفَتْحِ وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَة القعْنبِي: فَيُوضَع لَهُ الْمحبَّة وَالْقَبُول وَالرِّضَا بالشَّيْء وميل النَّفس إِلَيْهِ، وَقَالَ ابن الْقَطَّاعِ: قَبِلَ اللَّهُ مِنْكَ قَبُولًا، وَالشَّيْءَ وَالْهَدِيَّةَ: أُخِذَتْ، وَالْخَبَرُ صُدِّقَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: عَلَيْهِ قَبُولٌ إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ تَقْبَلُهُ، وَالْقَبُولُ مِنَ الرِّيحِ الصَّبَا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الدَّبُورَ، وَالْقَبُولُ أَنْ يَقْبَلَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ أُمِيتَ الْفِعْلُ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْقَبُولُ بِفَتْحِ الْقَافِ لَمْ أَسْمَعْ غَيْرَهُ يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَيْهِ قَبُولٌ إِذَا قَبِلَتْهُ النَّفْسُ، وَتَقَبَّلْتُ الشَّيْءَ قَبُولًا، وَنَحْوَهُ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَزَادَ: قَبِلْتُهُ قَبُولًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَكَذَا قَبِلْتُ هَدِيَّتَهُ عَن اللحياني، قَالَ ابن بَطَّالٍ: فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْقَدَرِيَّةُ إِنَّ الشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: قَبُولُ الْقُلُوبِ لَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَبَّةَ قُلُوبِ النَّاسِ عَلَامَةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ: "أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ" وَالْمُرَادُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ: إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْعَبْدِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ، وَبِمَحَبَّةِ الْمَلَائِكَةِ: اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ وَإِرَادَتُهُمْ خَيْرَ الدَّارَيْنِ لَهُ وَمَيْلُ قُلُوبِهِمْ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُطِيعًا لِلَّهِ مُحِبًّا لَهُ، وَمَحَبَّةُ الْعِبَادِ لَهُ: اعْتِقَادُهُمْ فِيهِ الْخَيْرَ وَإِرَادَتُهُمْ دَفْعَ الشَّرِّ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ تُطْلَقُ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلشَّيْءِ عَلَى إِرَادَةِ إِيجَادِهِ وَعَلَى إِرَادَةِ تَكْمِيلِهِ، وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّانِي  عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي لَا تُحَدُّ وَإِنَّمَا يَعْرِفُهَا مَنْ قَامَتْ بِهِ وِجْدَانًا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَالْحُبُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِلَهِيٌّ وَرُوحَانِيٌّ وَطَبِيعِيٌّ، وَحَدِيثُ الْبَابِ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ؛ فَحُبُّ اللَّهِ الْعَبْدَ حُبٌّ إِلَهِيٌّ، وَحُبُّ جِبْرِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ لَهُ حُبٌّ روحاني، وَحب الْعباد لَهُ حب طبيعي.

..................................................

الشيخ: هذا التقسيم الذي قاله في الحب، إلهي وروحاني وطبيعي، محل نظر؛ لأن محبة الله محبة خاصة منه جل وعلا لعباده لمن شاء من خلقه تليق به جل علا، وهو حب يليق بالله لا يشابه محبة المخلوقين، وأما حب الملائكة وتسميته بأنه روحاني يحتاج إلى دليل حب خاص يليق بهم أيضًا، حب منهم يليق بهم يتضمن إرادة الخير للمحبوب والثناء عليه وذكره بأحسن صفاته والميل إلى إعانته إلى غير هذا مما يتضمن الحب، حب يليق بالملائكة ويناسبهم، يناسب خلقتهم، وحب الخلق ليست مجرد طبيعة، بل يكون أقسامًا: حب الخلق للمخلوق تارة مع الدين محبة دين؛ يحبه لدينه ولتقواه لله، كمحبة العباد للرسل لدينهم وتقواهم وتبليغهم الرسالات، محبتهم للمؤمنين ولدينهم ولتقواهم، وهكذا ما يحصل من أسباب الدين، وهناك أنواع من المحبة غير هذا تكون طبيعية، مثل حب الإنسان لما يلائمه، حبه للحلوى، حبه للطعام، حبه للشراب عند الظمأ، هذه محبة طبيعية فطر الله الناس عليها وخلقهم عليها، وهناك حب عارض طبيعي أيضًا وهو حب الإنسان من يساعده بالمال يعطيه ما يفرّج كربته ويساعده على رد ظلامته؛ هذا حب طبيعي.. وله أسباب؛ لأنه ليس كل محبة المخلوق طبيعية، لا؛ فيها الطبيعي وفيها الديني.