65 من حديث: (لا يعذب اللَّه بدمع العين، ولكن يعذب بهذا، فأشار إلى لسانه..)

وَقَالَتْ زَيْنَبُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ تِسْعِينَ.
5294 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ ﷺ: فِي الجُمُعَةِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الوُسْطَى وَالخِنْصِرِ، قُلْنَا: يُزَهِّدُهَا.
5295 - وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى جَارِيَةٍ، فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا، وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهِيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلاَنٌ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ لاَ، قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ: أَنْ لاَ، فَقَالَ: فَفُلاَنٌ لِقَاتِلِهَا، فَأَشَارَتْ: أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.

الشيخ: كل هذا واضح، وفيه أن الإشارة تُعتمد، وليس المعنى أنه يرضّ رأسه بمجرد الإشارة، لكنه صار هو محل الدعوى بهذه الإشارة، صار هو محل الدعوى، ادّعت عليه فأُخذ فاعترف كما في الرواية الأخرى، ولما اعترف أمر عليه الصلاة والسلام أن يُرضّ رأسه بين حجرين قصاصًا وعقوبة.
هذا فيه العمل بالإشارة، وأن القصاص يكون بمثل ما قتل القاتل.
واحتج به العلماء على الغِيلة، وأن قتل الغِيلة لا يُشاوَر فيه الورثة، بل يجب على ولي الأمر قتل القاتل سدًّا لباب الشر والفتن والعدوان على الناس، هو اغتالها لأخذ الأوضاح التي عليها؛ فلهذا لم يُنقل أنه استشار الورثة، بل أمر بقتله، عليه الصلاة والسلام، وهكذا من يتعدّى على الناس ويغتالهم يُقتل ولا يُشاور الورثة.
 
5296 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الفِتْنَةُ مِنْ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى المَشْرِقِ.

الشيخ: وهذا من علامات النبوة، فإن الفتن جاءت من المشرق، غالب الفتن وغالب الشرور جاءت من جهة خراسان وما حول خراسان، وجاءت من المشرق الأدنى في مسيلمة وفتنته وما حصل منه فإنها من الشرق الأدنى، وإن كان غالب الشرق من جهة المدينة العراق وما وراءها من جهة خراسان؛ فإن غالب الفتن جاءت من هناك وجاءت أيضًا من عند ربيعة ومُضر كما في حديث آخر، وهما قبيلتان معروفتان في العرب، الشرق الأدنى هذا الذي هو نَجْد وفيها ظهر مسيلمة أيضًا، كذلك لكن غالب الشرور جاءت من الشرق الأقصى.
س:................
الشيخ: يسقط حق الورثة، ويبقى حق القتيل، وإذا تاب سقط حق الله أيضًا، فهم ثلاثة: حق القتيل، وحق الورثة، وحق الرب في هذا العدوان؛ فإذا تاب سقط حق الله، وإذا اقتصّ منه أو سمح الورثة أو أخذوا الدية سقط حقهم، بقي الحق الثالث، حق القتيل هذا بينه وبين الله ، إن شاء الله أرضاه عنه وأدخله الجنة، وإن شاء أعطاه من حسناته، والأمر إلى الله؛ لكن ظاهر النصوص أنه إذا تاب توبة صادقة أرضى الله عنه القتيل.
 
5297 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِالحَمِيدِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى المَشْرِقِ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.

الشيخ: في اللفظ الآخر: إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا، والنهار أدبر من ها هنا من جهة المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم؛ لأنه بسقوط الشمس من جهة المغرب يأتي الليل من جهة المشرق تأتي الظلمة من جهة المشرق، وذلك علامة سقوط الشمس وغروبها، فالنور الذي يبقى بعد الشمس والصُّفرة والحُمرة التي تكون في رؤوس الجبال أو النخيل ليس عليها عُمدة، العُمدة على سقوط القرص، متى سقط قرص الشمس من جهة المغرب أفطر الصائم.
 
5298 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ - أَوْ قَالَ أَذَانُهُ - مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّمَا يُنَادِي - أَوْ قَالَ يُؤَذِّنُ - لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ - كَأَنَّهُ يَعْنِي - الصُّبْحَ أَوِ الفَجْرَ وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَدَّ إِحْدَاهُمَا مِنَ الأُخْرَى.
5299 - وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُنْفِقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ: فَلاَ يُنْفِقُ شَيْئًا إِلَّا مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ، حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا البَخِيلُ: فَلاَ يُرِيدُ يُنْفِقُ إِلَّا لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهُوَ يُوسِعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ.

الشيخ: البخيل اعتاد البخل، ونفسه شحيحة، ولا يستطيع كلما أراد أن ينفق انقبضت نفسه، وأبى أن ينفق، كالجُّبة من الحديد، والجُّبة من الحديد التي قد اشتد عليه حتى لزقت كل حلقة مكانها لا يستطيع التخلص منها وسلخها منه، وأما الجواد الكريم السخي الذي قد اعتاد العطاء فينشرح صدره لذلك وتنشرح نفسه كلما أراد أن ينفق اتسعت هذه الجبة حتى تعفو أثره وتغطي أنامله، والمعنى أنه كلما أراد أن ينفق انشرح صدره لذلك وانبسطت نفسه فأنفق؛ لأنه قد اعتاد هذا وأحس بفائدته وأيقن ما وراء ذلك من الخير، والشاهد قوله: فجعل يشير بيده إلى حلقه من جهة الحلقات التي تضيق عليه وتتسع.
س:............
الشيخ: النبي ﷺ أشار قال: ليس الفجر هكذا يكون عمودًا الفجر الذي كوَّن هكذا ينبسط في الشرق إنْ طلع الفجر وانبسط هذا الفجر الصادق يمنع من الأكل ومن حلّ الصلاة، أما العمود الذي يرتكز هكذا في الشرق ثم يزول فهذا الفجر الكاذب، وإذا كان لا يعلم يأكل حتى يأتي الوقت المعتاد الذي يعرف أنه الصبح أو يشرب، فإذا كان أذان عمل بالأذان، وإذا كان الأذان من عادته أن يبكِّر مثل أذان بلال لم يُعتمد عليه، وإنما يُعتمد الأذان الذي يوافق الصبح في تجاربه المعتادة في بلده أو قريته أو محلته.
س:............
الشيخ: مثل ما تقدم على حسب الصبح، إذا كان شاكًّا له أن يأكل ما في يده أو يشرب ما في يده حتى يتيقن الصبح بالأذان أو بالرؤيا أو بالساعة أو ما أشبه ذلك لكن يبتعد عن الشك إن تيسَّر، يقدم بعض الشيء حتى يَسْلم من الشك.
س: العمل بالتقويم؟
الشيخ: التقويم مقارب وما هو بيقين.
س:.......
الشيخ: كل الأحاديث الكثيرة كلها إشارات، الأحاديث أعظم من الآثار، كل هذه الأحاديث فيها الإشارة، ولا تحصى أحاديث الإشارة.
س:............
الشيخ: هذا في الأحكام كلها في الظهار والطلاق عنده أربع زوجات أو ثلاث أو اثنتان، وقال: هذه، بيده، هذه كأمي، يشير إلى فاطمة؛ يصير الثلاث الأخريات مظاهر منهن؟ أو يصير خاص بهذه التي أشار لها؟ ما قال فاطمة، قال: هذه؛ فيصير خاصًّا بها، أربع عنده قال: هذه مطلقة، أشار إليها، من المطلقة؟ هذه.
شُف أول الكلام أول ما قرأت.
الطالب: (قَوْلُهُ بَابُ الظِّهَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَإِنَّمَا خُصَّ الظَّهْرُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَرْكُوبُ ظَهْرًا، فَشُبِّهَتِ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْكُوبُ الرَّجُلِ، أُخْتِي مَثَلًا فَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ ظِهَارًا بَلْ يَخْتَصُّ بِالْأُمِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ خَوْلَةَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْسٌ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يَكُونُ ظِهَارًا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
الشيخ: وهو الصواب أنه لا يختص بالأم، ولكن الغالب يقع بالأم؛ لأنها من أشد المحرمات تحريمًا، ولهذا شُبِّهت بها المرأة، فإذا قال: أنتِ علي كأختي أو كظهر بنتي أو كظهر عمتي، المعنى واحد.
الطالب: لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَعَنْ مَالِكٍ هُوَ ظِهَارٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ فَلَوْ قَالَ: كَظَهْرِ أَبِي مَثَلًا فَلَيْسَ بِظِهَارٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةُ أَنَّهُ ظِهَارٌ وَطَرَدَهُ فِي كُلِّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهُ حَتَّى فِي الْبَهِيمَةِ، وَيَقَعُ الظِّهَارُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ اقْتِرَانِهِ بِالنِّيَّةِ.
الشيخ: أيش بعد وقوله؟
الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيل هُوَ ابن أَبِي أُوَيْسٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بِدُونِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مَوْصُولٌ فَعِنْدَ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِيمَا تَحْمِلُهُ عَنْ شُيُوخِهِ مُذَاكَرَةً، وَالَّذِي ظَهَرَ لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَعْمِلُ ذَلِك فِيمَا يُورِدُهُ مَوْصُولًا مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ أَوْ مِمَّا لَا يَكُونُ مِنَ الْمَرْفُوعَاتِ عَلَى شَرْطِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ عَن مَالك أَنه سَأَلَ ابن شِهَابٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ: وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَوْلُهُ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابن شِهَابٍ الَّذِي نَقَلَ مَالِكٌ عَنْهُ، أَنَّ ظِهَارَ الْعَبْدِ نَحْوُ ظِهَارِ الْحُرِّ كَأَنْ يُعْطَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْحُرِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالتَّشْبِيهِ مُطْلَقَ صِحَّةِ الظِّهَارِ مِنَ الْعَبْدِ كَمَا يَصِحُّ مِنَ الْحُرِّ وَلَا يَلْزَمُ أَن يُعْطي جَمِيع أحكامه؛ لَكِن نقل ابن بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا ظَاهَرَ لَزِمَهُ وَأَنَّ كَفَّارَتَهُ بِالصِّيَامِ شَهْرَانِ كَالْحُرِّ، نَعَمِ اخْتَلَفُوا فِي الْإِطْعَامِ وَالْعِتْقِ؛ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجزئهُ إلا الصّيام فَقَط، وَقَالَ ابن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِنْ أَطْعَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَجْزَأَهُ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ، فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَتَحْرِير رَقَبَة وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الرِّقَابَ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ يَجِدُهَا، فَكَانَ كَالْمُعْسِرِ، فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَدْرِ صِيَامِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَوْ صَامَ شَهْرًا أَجْزَأَ عَنْهُ، وَعَنِ الْحَسَنِ: يَصُومُ شَهْرَيْنِ، وَعَن ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَةٍ أَمَةٍ قَالَ: شَطْرُ الصَّوْمِ، قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ الْمُسْتَمْلِي الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَالَ الْحَسَنُ فَقَطْ، فَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ فَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ابن الْحَكَمِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ.
الشيخ: شف في التقريب الحسن بن الحر.
الطالب: وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَبِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ نُسِبَ لِجَدِّ أَبِيهِ وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، وَاسْمُ حَيٍّ حَيَّانُ، كُوفِيٌّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنْ طَبَقَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِيهِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْأَثَرَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَخْرَجَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الظِّهَارُ مِنَ الْأَمَةِ كَالظِّهَارِ مِنَ الْحُرَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابن الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ سُرِّيَّتِهِ فَقَالَ: قَالَ الْحسن وابن الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مِثْلُ ظِهَارِ الْحُرَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ فَرْجٌ حَلَالٌ فَيَحْرُمُ بِالتَّحْرِيمِ، وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ: إِنْ وَطِئَهَا فَهُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا فَلَا ظِهَارَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، قَوْلُهُ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِن ظَاهر من أمته فَلَيْسَ بِشَيْء إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ، وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ، أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ الظِّهَارِ مِنَ الْأَمَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا، فَقلت: أَلَيْسَ الله يَقُول: مِنْ نِسَائِهِمْ أَفَلَيْسَتْ مِنَ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ أَو لَيْسَ الْعَبِيدُ مِنَ الرِّجَالِ؟ أَفَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبِيدِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عِكْرِمَةَ خِلَافُهُ، قَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَنبأَنَا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مولى ابن عَبَّاسٍ قَالَ: يُكَفَّرُ عَنْ ظِهَارِ الْأَمَةِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْحُرَّةِ، وَبِقَوْلِ عِكْرِمَةَ الْأَوَّلِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ.
الشيخ: المقصود أن الصواب في هذا أن الأمة كالحُرَّة في الظهار إذا كانت زوجة، أما إذا كانت غير زوجة فمثل سائر المحرمات، مثل لو قال: هذا الطعام علي حرام، فإذا قال لأمته المملوكة ما هي بزوجة هي علي حرام كفارة اليمين ليس من الظهار، إنما الظهار في النكاح ما هي من زوجاته: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:2] يعني زوجاتهم.
أيش قال عن الحسن بن الحر؟
الطالب: الحسن بن الحر بن الحكم الجعفي أو النخعي الكوفي أبو محمد نزيل دمشق ثقة فاضل من الخامسة، مات سنة ثلاث وثلاثين "د س".
الشيخ: والأقرب أنه الحسن البصري أو الحسن بن حي هم الفقهاء المعروفون.
س:.......
الشيخ: الحسن بن صالح بن صالح بن حي عندك؟
الطالب: الحسن بن صالح بن صالح بن حي وهو حيان بن شفي [بضم المعجمة] والفاء مصغر الهمداني بسكون الميم الثوري ثقة فقيه عابد رُمي بالتشيع من السابعة، مات سنة تسع وستين وكان مولده سنة مائة "ب خ م".
...........
 
بَاب اللِّعَانِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [النور:6]- إِلَى قَوْلِهِ - إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:9]. فَإِذَا قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ، بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ كَالْمُتَكَلِّمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الفَرَائِضِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الحِجَازِ وَأَهْلِ العِلْمِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41] "إِلَّا إِشَارَةً" وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ: أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ.

الشيخ: يعني أن هذا تناقض، الصواب مثل ما قال المؤلف: الإشارة والكتابة تقوم مقام النطق في اللعان وغيره.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ: أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالقَذْفِ فَرْقٌ، فَإِنْ قَالَ: القَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلَّا بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلاَقُ لاَ يَجُوزُ إِلَّا بِكَلاَمٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالقَذْفُ، وَكَذَلِكَ العِتْقُ، وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلاَعِنُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: "إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ؛ تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ" وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: "الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ" وَقَالَ حَمَّادٌ: "الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ؛ جَازَ".
الشيخ: أشار الشارح إلى بعض الناس؟
الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسُ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، أَيْ بِالْإِشَارَةِ مِنَ الْأَخْرَسِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ زَعَمَ إِنْ طَلَّقَ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ؛ جَازَ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ بِكِتَابَةٍ إِلَخْ، قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقَذْفِ فَرْقٌ، فَإِنْ قَالَ: الْقَذْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَلَامٍ، قِيلَ: لَهُ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَلَامٍ، أَيْ: وَأَنْتَ وَافَقَتْ على وُقُوعه بِغَيْر الْكَلَام فيلزمك مِثْلُهُ فِي اللِّعَانِ وَالْحَدِّ، قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ الطَّلَاقُ وَالْقَذْفُ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، يَعْنِي: إِمَّا أَنْ يُقَالَ بِاعْتِبَارِ الْإِشَارَةِ فِيهَا كُلِّهَا أَوْ بِتَرْكِ اعْتِبَارِهَا فَتَبْطُلُ كُلُّهَا بِالْإِشَارَةِ وَإِلَّا فَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ تَحَكُّمٌ، وَقَدْ وَافَقَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ، وَقَالَ: الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْجَمِيعِ، لَكِنْ عَمِلْنَا بِهِ فِي غَيْرِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ اسْتِحْسَانًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَنَعْنَاهُ فِي اللِّعَانِ وَالْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالصَّرِيحِ كَالْقَذْفِ.
الشيخ: كأنه ترك هذا؛ لأنه قد تقدم غير مرة بعض الناس أنه أراد بها: الأحناف.
الطالب: العيني قال: قوله: (وقال بعض الناس) أراد به الكوفيين لأنه لما فرغ من الاحتجاج لكلام أهل الحجاز شرع في بيان قول الكوفيين في قذف الأخرس. وقال الكرماني: قوله: بعض الناس، يريد به الحنفية، حيث قالوا: لا حد على الأخرس؛ لأنه لا اعتبار لقذفه ولا لعان عليه.
الشيخ: يكفي، قد تقدّم غير مرة هذا.
س: إذا كان الرجل في الخارج وأرسل لزوجته كتابة أنها طالق فهل يقع؟
الشيخ: لا شك.
 
5300 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ بَسَطَهُنَّ كَالرَّامِي بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ.

الشيخ: في هذا أن بيان الفضائل ليست غِيبة ولا غضاضة على أحد، يبيّن فضائل الناس ومنازلهم، وإن كان بعض الناس قد يرى عليه غضاضة إذا قدّم عليه غيره، لكن الشارع طرح هذا؛ لأن هذا من باب الفضائل، من باب إيضاح الحق، كما قال: هذا عدل وهذا ليس بعدل، من باب إيضاح الحق حتى يُعتمد، كونه قدم بني النجار ثم بني عبد الأشهل ثم بني الخزرج ثم بني ساعدة: هذا من باب إنزال الناس منازلهم؛ ليعلم فضل هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء في الجملة، وإن كان الأفراد قد يتفاوتون، قد يكون الفرد من بني ساعدة أفضل من بعض الأفراد من بني النجار، وهكذا وما أشبه ذلك، لكن من باب تفضيل الجنس على الجنس، كما يقال: الرجال أفضل من النساء، ولا يلزم من هذا الغِيبة للنساء، ولا قدح النساء، وإنما بيان المنزلة والفضل، وكم لله من امرأة أفضل من رجل؛ لكن المقصود جنس الرجال أفضل؛ لما أعطاهم الله من العقل والقوة.
س: مناسبة ورود الحديث؟
الشيخ: الإشارة، قبض يده وبسطها.
 
5301 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَوْ: كَهَاتَيْنِ، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.
5302 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - يَعْنِي: ثَلاَثِينَ - ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ - يَقُولُ: مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ.
5303 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ نَحْوَ اليَمَنِ: الإِيمَانُ هَا هُنَا - مَرَّتَيْنِ - أَلاَ وَإِنَّ القَسْوَةَ وَغِلَظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ - حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ - رَبِيعَةَ وَمُضَرَ.

س:.......
الشيخ: هذا قصده، المقصود تأييد ما تقدم، وأن الإشارة معتبرة، ولو كانت ما هي معتبرة صار فعل النبي عبثًا.
 
5304 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.

الشيخ: وهذا فيه فضل كفالة اليتيم، وأنها عمل صالح، وهي الإحسان إليه وتربيته التربية الصالحة، وإن كان لغيرك وإن كان من أباعد الناس فكيف إذا كان من أقاربك؟ تجمع بين المصلحتين: الإحسان إلى اليتيم وصلة الرحم.
 
بَاب إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الوَلَدِ
5305 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لِي غُلاَمٌ أَسْوَدُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى ذَلِكَ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ.

الشيخ: وفي هذا حسن خُلُقه ﷺ وبيان ضرب الأمثال لإيضاح الحق: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ [العنكبوت:43] لإيضاح الحق النبي ضرب له هذا المثل، حتى يطمئن ويقتنع ويزول ما في قلبه من الشبهة؛ فكأنه كان أبيض وامرأته بيضاء وجاء الولد أسود فأشكل عليه وخاف أن يكون زنا وأراد أن ينفيه فبين له النبي ﷺ أن هذا ليس بلازم أن يكون الولد على جنس وصفة الوالدين، ولهذا سأله عن الإبل هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر قال: فهل فيها من أورق؟ يعني أسود، قال: نعم، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: لعله نزعته عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق، يعني جد له أسود وإلا خال وإلا عم.
 
بَاب إِحْلاَفِ المُلاَعِنِ
5306 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ : «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا».

الشيخ: يعني أحلفهما كما في القرآن، أشهد بالله لقد زنت، يعني زوجته، أربع مرات، ويقول الخامسة وأن لعنة الله عليه.. إلى آخره.
 
بَاب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلاَعُنِ
5307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَجَاءَ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ.

الشيخ: هذا فيه حث...... إلى التوبة والاعتراف بالحق وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، لعله يتوب، ويقام عليه الحد، وتنتهي المشكلة.
س: رجل قال لامرأته أنها حرام كمثل أمه، وهو لا يعرف الظهار فماذا عليه؟
الشيخ: عليه كفارة الظهار عتق عبد وإلا أمة، فإن عجز يصوم شهرين متتابعين، فإن عجز يطعم ستين مسكينًا، هذا شيء لا يُجهل معروف بين المسلمين.
س: لكنه يقول كنت لا أعرف الحكم؟
الشيخ: ولو قال ما يُصدّق.
 
بَاب اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ
5308 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُوَيْمِرًا العَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاَعُنِهِمَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ المُتَلاَعِنَيْنِ.

الشيخ: يعني سُنة المتلاعنين هو هذا، يعني: يُحضِرُهما الإمام أو نائبه فيتلاعنا، إن كان رماها بالزنا فإنه يلاعنها أو يلتزم بحد القذف إلا أن تسمح عنه، والتلاعن مثل ما بيَّن الله في سورة النور في أولها في قوله سبحانه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ [النور:6] فيقول: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه ويسميها باسمها أو يشير إليها ويكررها أربع مرات، ويقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول هي: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، وتكرر هذا أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم بعد هذا تكون الفُرقة بينهما لا تحل له أبدًا، تحرم عليه أبدًا تحريمًا مؤبدًا.
س:............
الشيخ: إن أمسكتها فأنا كاذب، يعني ما أبغيها ما دام جرى بيني وبينها كذا، يظن أنها تبقى معه بعد اللعان، يحسب أنها تبقى فطلقها.
س: إنْ قتل رجلًا وجده عند امرأته؟
الشيخ: يقتل به قصاصًا إذا طلب أهل القتيل القصاص، يقتل بالقصاص إلا أن يقيم البيّنة.
س: يقيم البيّنة على؟
الشيخ: على أنه وجده عند أهله؛ لأن هذا مما يسمى بدفع الصائل.
 
بَاب التَّلاَعُنِ فِي المَسْجِدِ
5309 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ المُلاعِنَةِ، وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا.

الطالب: أو الملاعَنة؟
الشيخ: يصح كذا وكذا: الملاعِنة بالنظر إلى أنها حلفت، والملاعَنة بأنه حلف عليها.
 
عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي القُرْآنِ مِنْ أَمْرِ المُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ قَالَ: فَتَلاَعَنَا فِي المَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلاَعُنِ، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاَعِنَيْنِ. وَكَانَتْ حَامِلًا، وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ، قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ،

الشيخ: أو أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها. أيش قال المحشي؟
الطالب: قَوْلُهُ: قَالَ وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ، قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، هَذِه الْأَقْوَال كلهَا أَقْوَال ابن شِهَابٍ وَهُوَ مَوْصُولٌ إِلَيْهِ بِالسَّنَدِ الْمُبْدَأِ بِهِ، وَقَدْ وَصَلَهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَن ابن شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ، قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مُخْتَصَرَةً وَفِيهِ: فَفَارَقَهَا فَكَانَتْ سُنَّةً أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلًا، إِلَى قَوْلِهِ: مَا فَرَضَ الله لَهَا، وَظَاهره أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ سَهْلٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يكون من قَول ابن شِهَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا وَقَعَ وَهِيَ حَامِلٌ، وَيَتَأَيَّدُ بِمَا فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَمْسِكِ الْمَرْأَةَ عِنْدَكَ حَتَّى تَلِدَ وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَر أَيْضًا التَّصْرِيح بذلك.
الشيخ: العيني قال شيئًا؟
الطالب: قوله: (ما فرض الله لها)، وهو الثلث إن لم يكن له وَلَدٌ، ولا ولدُ ابنٍ، ولا اثنان من الإخوة والأخوات، فإن كان شيء من ذلك فلها السدس، فإن فضل شيء من أصحاب الفروض فهو لبيت المال عند الزهري والشافعي ومالك وأبي ثور. وقال الحكم وحماد: ترثه ورثة أمه، وقال آخرون: عصبته عصبة أمه، روي هذا عن علي وابن مسعود وعطاء وأحمد بن حنبل. قال أحمد: فإن انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة، وقال أبو حنيفة: إذا انفردت أخذت الجميع الثلث بالفرض والباقي بالرد على قاعدته.
 
 قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الحَدِيثِ، إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلاَ أُرَاهَا إِلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ، ذَا أَلْيَتَيْنِ، فَلاَ أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى المَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ.
 
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ
5310 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمَا. قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي المَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، رَجَمْتُ هَذِهِ فَقَالَ: لاَ، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَمِ السُّوءَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: آدَمَ خَدلًا.

الشيخ: وهذا يبيّن لنا أن العبرة بالبينات والإقرار لا بالشَّبه، وأنه متى حكم الحكم بالبينة أو باللعان لم يلتفت إلى الشَّبه، ولهذا جاء فيها النعت المكروه ولم يغيّر النبي ﷺ الحكم، جاء في الرواية الأخرى: لولا ما مضى من الأيمان لكان معها شأن.
وفي هذا أن المرأة التي أظهرت السوء لم تُرجم؛ لعدم وجود ما يقتضي الرجم لعدم وجود البينة والإقرار، ولهذا قال: لو كنت راجمًا أحدًا بغير بيّنة لرجمت فلانة لما اشتهر عنها من السوء والتهمة، فالحاصل أن حد الرجم وحد الزنا لا بدّ من البينة أو الإقرار، أما التعزير فشيء آخر، التأديب والتعزير بالتهمة فله شأن آخر.
س:............
الشيخ: النبي بيّن لهم إن جاءت به كذا، وإن جاءت به كذا؛ ولكن..... ما دام اللعان أقيم وانتهى الموضوع فليس للشَّبه في هذا شيء.
س: يتوارثون بعد اللعان؟
الشيخ: بينها وبين ولدها، ولدها يرثها وترثه، والزوج راح وانتهى.
 
بَاب صَدَاقِ المُلاَعَنَةِ
5311 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: فَرَّقَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي العَجْلاَنِ، وَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ إنَّ أَحَدَكُمَا لكَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا، وَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا، فَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، إِنَّ فِي الحَدِيثِ شَيْئًا لاَ أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ؟ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ مَالِي؟ قَالَ: قِيلَ: لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْكَ.

الشيخ: والمعنى أنه لا يُعطى المهر، إن كان صادقًا فذاك بما استحل من فرجها، وإن كان كاذبًا فهو أبعد له؛ لا يجمع بين الكذب وبين المهر. الحاصل أنهما يتفرقان من دون أن تردّ عليه شيئًا كما لو طلقها بعد الدخول.
 
بَاب قَوْلِ الإِمَامِ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: «إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟»
5312 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنْ حَدِيثِ المُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا قَالَ: مَالِي؟ قَالَ: لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو، وَقَالَ أَيُّوبُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ لاَعَنَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: بِإِصْبَعَيْهِ - وَفَرَّقَ سُفْيَانُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى - فَرَّقَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي العَجْلاَنِ، وَقَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ كَمَا أَخْبَرْتُكَ.

س: الملاعنة لا بدّ أن تكون عند الإمام؟
الشيخ: أو نائبه هذا إذا وجد يعني.
س:.......
الشيخ: يمكن أن يقال إن كان رئيس طائفة المسلمين أو أمير طائفة المسلمين أو المقدم عندهم ممكن أن يقوم مقام الإمام في هذا..
س: فائدة التوبة بعد التلاعن؟
الشيخ: الله أعلم. تكلم عليها شيء الشارح؟
الطالب: قَوْلُهُ: فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِرْشَادًا لَا أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا اعْتِرَاف؛ٌ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَكَذَبَ نَفْسَهُ كَانَتْ تَوْبَةً مِنْهُ.
الشيخ: تكلم شيء زيادة؟ تكلم شيء العيني؟
الطالب: نفس الكلام.
الشيخ: ما زاد شيئًا؟
الطالب: هنا في مكان آخر.
الشيخ: نعم.
الطالب: قَوْلُهُ: وَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنَ اللِّعَانِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَذِبِهِ التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ اللِّعَانِ تَحْذِيرًا لَهُمَا مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْلَى بِسِيَاقِ الْكَلَامِ، قُلْتُ: وَالَّذِي قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ أَوْلَى مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَشْرُوعِيَّةُ الْمَوْعِظَةِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ بَلْ هُوَ أَحْرَى مِمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ.
الشيخ: وهذه الموعظة قد جاءت في الحديث الآخر أنه وعظهما وذكّرهما فأصرّا وصمّما فلاعن بينهما، الموعظة قد حصلت لكن هل التوبة تنقض ما مضى بحيث لو تاب ترجع له والولد ولده..؟ أو يقال: تم الحكم وندمه بعد هذا لا يؤثر شيئًا؟ الذي يظهر لو أنه حث لهما على التوبة من جهة خفة الذنب، أما الحكم فقد مضى سواء كانت التوبة قبل أو بعد، ما دام اللعان تم بينهما فالحكم مضى والفُرقة تمت، والتوبة لا تؤثر في مسألة تغيير الحكم فتمت الفُرقة ولا ترجع إليه لو تاب أو تابت، فالحكم تم، ولكن هذا من باب إزالة أثر ظلمها وكونه ظلمها إذا تاب زال عنه ما يتعلق بحق الله، وبقي ما يتعلق بحقها بينها وبينه إن سمحت له وإلا فالمرجع إلى الله .
الحاصل -والله أعلم- أن التوبة لا تؤثر شيئًا، التوبة بعد الحكم لا تغير الحكم هذا هو الأقرب هو الأظهر، وإنما هو حث لهما على الرجوع إلى الله.
س: الولد لا يُنسب إليه؟
الشيخ: ولا يُنسب إليه ولا شيء، تم الحكم.
س: وإذا أكذب نفسه؟
الشيخ: هو ظاهر الحال؛ لأن الحكم تم وصار الولد لها، وبعض أهل العلم يرى أنه إذا أكذب نفسه لحقه الولد؛ لأن إلحاق النسب مطلوب وإثبات الأنساب مطلوب، لكن الشارح ما أعطى المقام حقه، لعله يأتي فيه شيء.
 
بَاب التَّفْرِيقِ بَيْنَ المُتَلاَعِنَيْنِ
5313 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَذَفَهَا، وَأَحْلَفَهُمَا».
5314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لاَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا».
 
بَاب يَلْحَقُ الوَلَدُ بِالْمُلاَعِنَةِ
5315 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ».

الشيخ: تكلم شيء؟
الطالب: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَعَنْ أَحْمَدَ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضِ الرَّجُلُ لِذِكْرِهِ فِي اللِّعَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ لِعَانُ الرَّجُلِ دَفْعَ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَثُبُوتَ زِنَا الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَرْتَفِعُ عَنْهَا الْحَدُّ بِالْتِعَانِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ نَفَى الْوَلَدَ فِي الْمُلَاعَنَةِ انْتَفَى وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ لِانْتِفَائِهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّفْعُ إِلَى الْحَاكِمِ فَأَخَّرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى وَلَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ تَصْرِيحُ الرَّجُلِ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ زِنًا وَلَا أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ خَالَفَهُمْ بِأَنَّهُ نَفَى الْحَمْلَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لذَلِك بِخِلَاف اللّعان الناشيء عَنْ قَذْفِهَا، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تحيض فَلَا معنى لاشْتِرَاط الِاسْتِبْرَاء، قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ عَنْ هَذَا جَوَابٌ مُقْنِعٌ، قَوْلُهُ: فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرد مَالك بِهَذِهِ الزِّيَادَة، قَالَ ابن عَبْدِالْبَرِّ: ذَكَرُوا أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ اللَّفْظَة فِي حَدِيث ابن عُمَرَ وَقَدْ جَاءَتْ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: ثُمَّ خَرَجَتْ حَامِلًا فَكَانَ الْوَلَدُ إِلَى أُمِّهِ، وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَكَانَ الْوَلَدُ يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ أَيْ صَيَّرَهُ لَهَا وَحْدَهَا وَنَفَاهُ عَنِ الزَّوْجِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا أُمُّهُ فَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، كَمَا وَقَعَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ حَدِيثِهِ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، وَقِيلَ مَعْنَى إِلْحَاقِهِ بِأُمِّهِ: أَنَّهُ صَيَّرَهَا لَهُ أَبَا وَأُمَّا فَتَرِثُ جَمِيعَ مَالِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ من ولد وَنَحْوه، وَهُوَ قَول ابن مَسْعُودٍ وَوَاثِلَةَ وَطَائِفَةٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرَوَى أَيْضًا عَن ابن الْقَاسِمِ، وَعَنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّ عَصَبَةَ أُمِّهِ تَصِيرُ عصبَة لَهُ، وَهُوَ قَول عَليّ وابن عُمَرَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ مِنْهَا بِالْفَرْضِ وَالرَّدُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَرِثُهُ ذُو فَرْضٍ بِحَالٍ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ لَوْ كَانَ بِنْتًا حَلَّ لِلْمُلَاعِنِ نِكَاحُهَا، وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَحْرُمُ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ فِي الْجُمْلَة. اهـ.
الطالب: وفي بحث آخر!
الشيخ: نعم.
الطالب: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِفِرَاقِهَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ فَبَادَرَ إِلَى تَطْلِيقِهَا لِشِدَّةِ نُفْرَتِهِ مِنْهَا، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، عَلَى أَنَّ فُرْقَةَ اللِّعَانِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَنَّ الْمُلَاعِنَ لَوْ أَكَذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ بِاللَّعَّانِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، هَذَا قَوْلُ حَمَّادٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالُوا: وَيَكُونُ الْمُلَاعِنُ إِذَا أَكَذَبَ نَفْسَهُ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ إِذَا أكذب نَفسه ردَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَته، قَالَ ابن عَبْدِالْبَرِّ هَذَا عِنْدِي قَوْلٌ ثَالِثٌ، قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: رُدَّتْ إِلَيْهِ أَيْ: بَعْدَ الْعَقْدِ الْجَدِيدِ فَيُوَافِقُ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ ابن السَّمْعَانِيِّ: لَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ لِتَأْبِيدِ الْفُرْقَةِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ، وَإِنَّمَا الْمُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ النَّص، وَقَالَ ابن عَبْدِالْبَرِّ: أَبْدَى بَعْضُ أَصْحَابْنَا لَهُ فَائِدَةٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَلْعُونٌ مَعَ غَيْرِ مَلْعُونٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرَ الْمُلَاعِنِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِمَا مَعًا التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَلْعُونٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ افْتَرَقَا فِي الْجُمْلَةِ، قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ الْمُتَلَاعِنَانِ يَقْتَضِي أَنَّ فُرْقَةَ التَّأْبِيدِ يُشْتَرَطُ لَهَا أَنْ يَقَعَ التَّلَاعُنُ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَكْتَفُونَ فِي التَّأْبِيدِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِعَانُهُ بِسَبَبِ لِعَانِهَا وَصَرِيحُ لَفْظِ اللَّعْنِ يُوجَدُ فِي جَانِبِهِ دُونَهَا سُمِّيَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ مُلَاعَنَةً؛ وَلِأَنَّ لِعَانَهُ سَبَبٌ فِي إِثْبَاتِ الزِّنَا عَلَيْهَا فَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ نَسَبِ الْوَلَدِيَّةِ فَيَنْتَفِي الْفِرَاشُ فَإِذَا انْتَفَى الْفِرَاشُ انْقَطَعَ النِّكَاحُ، فَإِنْ قِيلَ إِذَا أَكَذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الْمُلَاعَنَةِ حُكْمًا، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ صَارَتِ الْمَرْأَةُ مَحَلَّ اسْتِمْتَاعٍ؛ قُلْنَا: اللِّعَانُ عِنْدَكُمْ شَهَادَةٌ وَالشَّاهِدُ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَرْتَفِعِ الْحُكْمُ، وَأَمَّا عِنْدنَا فَهُوَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ إِذَا صَارَتْ حُجَّةً وَتَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ لَا تَرْتَفِعُ، فَإِذَا أَكَذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَرْتَفِعُ مُوجِبُ اللّعان.
 
بَاب قَوْلِ الإِمَامِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ
5316 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ المُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ، جَعْدًا قَطَطًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي المَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الإِسْلاَمِ.

الشيخ: والخلاصة أن الذي يظهر من الأدلة أن اللعان يحرمها عليه، وينفي الولد مطلقًا، هذا هو ظاهر السنة؛ لئلا يقع التلاعب في الأحكام، وقد أتى أمرًا عظيمًا وأقدم على شناعة عليها كبيرة؛ فكان من آثارها تحريمها عليه تحريمًا مؤبدًا وانتفاء ولده منها، والفُرقة الكاملة التي ليس بعدها رَجعة فالتكذيب لها أو التكذيب منه أو منها لا يغير الحال؛ بل مضى الأمر على ما هو عليه.
س:.......
الشيخ: نعم فرقة كاملة أشد من فرقة الطلاق، فرقة ليس بعدها رجعة.
س:.......
الشيخ: ولو، يعني استقر نفيه وأنه ليس منه فإكذاب نفسه بعد ذلك قد يكون له أغراض، قد يكون له أسباب، قد يكون الولد مثلًا كبُر وحصّل مالاً كثيرًا فيكذّب نفسه لعله يرثه، قد يكون له أسباب كثيرة، قد تكون هي كذلك، فالمقصود أن تكذيب نفسه قد تكون له أسباب متعددة، وقد يفضي إلى التلاعب بالأحكام، ويراجع هذا البحث في المغني في الاستلحاق، يعني نشوف كلام أهل العلم في الاستلحاق. والشارح لم يعتن بنقل كلام أهل العلم، والعيني كذلك ما اعتنى.
 
بَاب إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ العِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَمْ يَمَسَّهَا
5317 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ح حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رِفَاعَةَ القُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لاَ يَأْتِيهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةٍ، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ.

الشيخ: وهذا الحديث يفسّر قوله جل وعلا: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] وأن المراد بقوله {طلقها} يعني الطلقة الأخيرة الثالثة، وأن قوله: {حتى تنكح} يعني حتى تتزوج ويطأها الزوج فلا بدّ من أمرين إذا طلقها زوجها طلاقًا ثلاثًا هي الطلقة الأخيرة من الثالثة حرُمت عليه بالإجماع، إن طلقها ثلاث طلقات حرمت بعد الأخيرة بعد الثالثة حتى تنكح زوجًا غيره، أما بعد الأولى فله المراجعة في العدة بدون عقد، وبعد العدة بعقد، وهكذا بعد الطلقة الثانية والمراجعة في العدة بها من دون عقد وبعد العدة بعقد، أما إذا طلقها الأخيرة الثالثة فإنها تحرُم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، وهذا الزوج لا بدّ أن يطأ، ولهذا قال لامرأة رفاعة: لا، يعني لا تحلي لرفاعة حتى يذوق الزوج الأخير عسيلتك وتذوقي عسيلته، قد أجمع أهل العلم على هذا، أنه لا بدّ من الأمرين: فلو وطئت بشبهة لم تحل للأول، أو بزنا لم تحل للأول، لا بدّ من نكاح ولو عقد عليها وتزوجها ولكن لم يطأ لم تحل أيضاً حتى يحصل الأمران، النكاح الشرعي، إلا ما يُروى عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال: يكفي العقد، ولكنه قول مرجوح، قول لا وجه له، بل باطل، الرسول ﷺ قال: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر الآية، وحملها على العقد.
أما إذا طلقها ثلاثًا بكلمة واحدة قال: أنت مطلقة بالثلاث أو أنت طالقة بالثلاث أو هي طالق بالثلاث؛ فالجمهور على أنها تلزم وتحرُم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، وهو قول الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور، واحتجوا بأحاديث وبما فعله عمر من إمضائه في زمانه، أمضاها على الناس وقال: إن الناس تتابعوا في هذا الأمر وكانت لهم فيه أناة، فأمضاه عليهم، وكانت الحال في عهد النبي ﷺ وفي عهد الصديق وأول خلافة عمر كانت تُجعل واحدةً، إذا كانت بلفظ واحد تُجعل واحدة، وهذا هو الذي اختاره جمع من أهل العلم وثبت عن ابن عباس في رواية عنه صحيحة، وقال بها جمع من أصحاب ابن عباس، واختار ذلك ابن إسحاق صاحب السيرة، محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وجَمْعٌ آخرون من أهل العلم، وأبو العباس ابن تيمية وابن القيم وجماعة: أنها واحدة..
س: في بعض الناس يدفع فلوس ويحلل، التحليل؟
الشيخ: التحليل ما يجوز، التحليل باطل، نكاح التحليل إنما قال النبي ﷺ: ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟ قلنا: بلى يا رسول الله؟ قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له لا بدّ أن يكون النكاح صحيحًا.
س: إذا قال أنت طالق بالثلاث له الرجعة في العدة؟
الشيخ: هذا إذا طلقها بكلمة واحدة عند بعض أهل العلم كابن ابن عباس ابن تيمية وابن القيم وجماعة من أهل العلم تكون واحدة في حكم الواحدة، وله مراجعتها، وهذا هو الذي أُفتي به.
 
بَاب وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ [الطلاق: 4]
قَالَ مُجَاهِدٌ: "إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لاَ يَحِضْنَ، وَاللَّائِي قَعَدْنَ عَنِ المَحِيضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ: فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق:4]".
 
باب وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]
5318 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ، كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا، تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ، فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ، ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: انْكِحِي.
5319 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِاللَّهِ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الأَرْقَمِ، أَنْ يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ، كَيْفَ أَفْتَاهَا النَّبِيُّ ﷺ؟ فَقَالَتْ: أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ.
5320 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، «فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ».

الشيخ: وهذا هو معنى قوله جل وعلا: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] وإن كانت في المطلقات فالحكم واحد في المطلقة وفي المُتوفى عنها متى وضعت حملها خرجت من العدة؛ سواء كانت مطلقة أو كانت متوفى عنها، فالمطلقة في سورة الطلاق نص، والمتوفى عنها للعموم، ولهذا الحديث الصحيح، ولو بعده بساعة أو ساعات.
 
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي العِدَّةِ، فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ: "بَانَتْ مِنَ الأَوَّلِ، وَلاَ تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ"، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "تَحْتَسِبُ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ -يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ-"، وَقَالَ مَعْمَرٌ: "يُقَالُ: أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا، وَيُقَالُ: مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ، إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا".

الشيخ: والمختار عند أهل العلم أن القروء: أنه الحيض، كما جاء في ذلك نصوص كثيرة منها: دعي الصلاة أيام أقرائك يعني أيام حيضك.
.....................
الشيخ: تقول الشارح على قال إبراهيم؟
الطالب: نعم، قَوْلُهُ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ، فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَانَتْ من الأول وَلَا تحتسب بِهِ لمن بعده، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: تحتسب وَهَذَا أحب إِلَى سُفْيَان، زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ: يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ، وَصله ابن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ فَحَاضَتْ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فَحَاضَتْ قَالَ: بَانَتْ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَا تَحْتَسِبُ الَّذِي بَعْدَهُ، وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيّ تحتسب، قَالَ ابن عَبْدِالْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ قَالَ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، يَقُولُ هَذَا غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهَا إِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ طَهُرَتْ، بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُهَا فِي الطُّهْرِ.
الشيخ: إذا طهرت وإلا خرجت من العدة، إذا طعنت في الحيضة الثالثة إذا قلنا بالأطهار خرجت من العدة/ ما هو بطهرت.. وعلى القول بالحيض فإنها لا تخرج من العدة إلا بانتهاء الحيضة الثالثة إذا انتهت منها واغتسلت خرجت من العدة؛ لقوله تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] فمن قال أنها أطهار احتسب في الطهر الأول الذي وقع فيها، وقع فيه الطلاق، الطهر الأول، ثم الطهر الذي بعد الحيضة الأولى، ثم الطهر الذي بعد الحيضة الثانية، تمت الأطهار، فإذا انتهى الطهر وطعنت في الحيضة الثالثة تمت الأطهار على من رأى الأطهار، وإذا قلنا أن المراد بالقروء فيها الحيض -كما هو الصحيح-؛ فإنها لا تخرج من العدة إلا بمضي الحيضة الثالثة واغتسالها منها، ولا يقال طهرت، يقال خرجت من العدة، إذا طعنت في الحيضة الثالثة خرجت من العدة على القول بأنها أطهار، ومتى طعنت في الطهر الرابع خرجت من العدة على القول بأنها الحيض، فالعبارة فيها خلل.