20 من حديث (اصنعوا لآل جعفر طعاما..)

كِتَابُ الزَّكَاةِ

598- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه إِلَى الْيَمَنِ ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

599- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ: 

فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ، طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.

وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.

وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةِ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ إِلَى مِئَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِئَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِئَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِئَةٍ فَفِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.

وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.

وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ.

وَفِي الرِّقَةِ في مئتي درهم رُبُعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِئَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.

وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا.

وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيقول المؤلفُ رحمه الله: كتاب الزكاة.

الزكاة كما لا يخفى أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام كما في حديث ابن عمر، وحديث عمر في سؤال جبرائيل، وحديث أبي هريرة، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والقرآن يدل على هذا؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا قرن الصلاةَ بالزكاة في آياتٍ كثيرات، مثل: قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] في آيات.

فالزكاة أخت الصلاة، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام العظيمة، واختلف أهلُ العلم في فرضها، والمشهور أنها فُرضت بعد الهجرة، في السنة الثانية من الهجرة، لكن أصلها مفروض في مكة، أصل الزكاة والإنفاق والمواساة في مكة، كما في قوله جلَّ وعلا: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، وهي سورة مكية، لكن الزكاة ذات النّصب والمقادير والمصرف المعين كان هذا في المدينة.

والزكاة في اللغة معناها: الطهر والنَّماء، وزكى الزرع، وزكى المال: إذا نمى، زكت الثمرة إذا نمت، زكى الرجلُ إذا زكت أخلاقه وطابت أخلاقه، ومن هذا قوله جلَّ وعلا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

فذكر المؤلفُ هنا عدة أحاديث: منها حديث معاذٍ لما بعثه النبيُّ إلى اليمن، وهو حديث عظيم جليل، أخرجه الشَّيخان عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: إنَّك تأتي قومًا أهل كتابٍ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وفي لفظٍ: فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، وفي لفظٍ آخر: فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وفي لفظٍ: فادعهم إلى أن يُوحِّدوا الله.

وقد رواه الرواة بعدة ألفاظٍ كلها تدور على شيءٍ واحدٍ وهو دعوتهم إلى أن يُوحِّدوا الله ويُفردوه بالعبادة، وإلى أن يُقروا بمحمدٍ رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وكان اليمن ذاك الوقت فيه يهود كثيرون، وفيه نصارى؛ فلهذا نبَّه ﷺ على ذلك؛ ليستعدَّ لمخاطبتهم ومُناظرتهم ومُناقشتهم فيما قد يُوردون عليه، ثم قال: فإن هم أجابوك لذلك، وفي لفظٍ: فإذا عرفوا الله فادعهم إلى أن يُصلوا الصَّلوات الخمس، وفي لفظٍ: فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ.

فدلَّ ذلك على أنهم لا يُخاطبون بالصلاة ولا بغيرها إلا بعد الإيمان، فالكفار إنما يُطلب منهم أولًا الإيمان بالله ورسوله -توحيد الله- فإذا أقرُّوا بذلك طُولبوا ببقية أمور الإسلام، وهذا هو الواقع؛ لأنَّه عليه الصلاة والسلام في دعوته للناس وجهاده للناس، وهكذا لما بعث عليًّا إلى خيبر قال: ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى فيه.

قال: فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أنَّ الله قد افترض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم، فتُرد في فقرائهم هذا الشاهد فيه فرضية الزكاة: أنها فرضٌ على المسلمين، تُؤخذ من الأغنياء وتُرد في الفقراء، هذا صنفٌ من أصناف الزكاة، وهم أهم الأصناف وأعظمها؛ ولهذا ذكرهم هنا وبدأ الله بهم في آية المصرف: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الآية [التوبة:60]، وهم أهم أصناف الزكاة وأعظمهم حاجةً إليها.

وفيه دليل على أنه لا بأس أن تُصرف الزكاةُ في صنفٍ من الأصناف، وأن أصلها مُواساة للمحاويج من الأغنياء.

وفيها فوائد:

منها: شُكر الله على ما أنعم به من المال، وهو سبحانه المنعم المتفضل، ففي إخراج الزكاة شكرٌ له على نعمته وإحسانه.

ومن فوائدها: محاربة البخل والشُّح؛ فإنَّ الشح والبخل خلقان ذميمان، وفي إخراج الزكاة مخالفة لهذا الخلق، وتخلص منه.

ومنها: ربط ما بين الأغنياء والفقراء، وتقريب هؤلاء من هؤلاء؛ حتى لا تكون وحشة وفرقة وعداوة، الفقير إذا عرف أنَّ الغني يُواسيه ويُحسن إليه كان هذا من أسباب ارتباطه به، وتعاونه معه، وبُعده من أسباب الشَّحناء والعداوة.

ومن الفوائد أيضًا: التعاون على الخير، فإنَّ الله أمر بالتَّعاون على البرِّ والتقوى، ومن التَّعاون: مُواساة الفقير والإحسان إليه من الزكاة وغيرها.

ومن فوائدها: أنها طُهرة للمال، وزكاة للمال ولأهل المال، فهي طهرة لهم وزكاة لهم ولأموالهم.

إلى فوائد أخرى لمن تدبَّر.

وليس فيه حُجَّة واضحة بأنَّ المال -مال الزكاة- لا يُصرف إلا في فقراء البلد؛ لأنَّ الرسول يُبين أنها تُؤخذ من الأغنياء وتُصرف في الفقراء، والمسلمون شيء واحد، لكن أهل البلد أولى بها من غيرهم؛ لكونهم مجاورين للأغنياء وبقربهم، فهم من أحقِّ الناس برفقهم وإحسانهم ومُواساتهم، لكن لو صُرفت في غيرهم من الفقراء الآخرين فالصواب أنه لا حرجَ في ذلك، ولا سيما إذا كان هناك مصلحة واضحة في نقلها عن هؤلاء إلى آخرين من الفقراء؛ لكونهم مجاهدين، أو لكونهم يطلبون العلمَ، أو لميزةٍ أخرى ميَّزتهم على أولئك الذين عندهم في البلد، أو لأنَّ الزكوات كثيرة، فهم لا خطر عليهم إذا نُقلت عنهم؛ لوجود زكوات كثيرة يُعطون منها.

وفي آخره قال: إياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم أخذ منه أهلُ العلم أنَّ الواجب على العامل أن يتَّقي الله في أهل الزكاة، وألا يظلمهم، وأن يأخذ الوسطَ من أموالهم، ولا يُكلفهم الكرائمَ، وليحذر دعوة المظلوم؛ فإنَّ المظلوم لا بدَّ أن يدعو، ودعوته مستجابة، حذَّره النبيُّ من دعوة المظلوم، وذلك باتِّقاء الله في أموالهم، وألا يأخذ الزيادةَ على ما أوجب الله: لا في الكمية، ولا في الكيفية، بل يتحرى العدلَ -كميةً وكيفيةً- في أخذ الزكاة.

والحديث الثاني: حديث أنسٍ في قصة بعث الصديق له عاملًا للزكاة، فإنَّه بعثه على الزكاة، وأعطاه نسخةً فيها فرائض الصَّدقة مُبينة للصدقة التي فرضها رسولُ الله، يعني: هذه نسخة منها مكتوبة يعتمدها أنس في عمله، والتي أمر الله بها رسوله في الآيات الكريمات، فإنه أمره تعالى بإيتاء الزكاة، وأمر رسوله أن يأخذ منهم تلك الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [التوبة:103]، فالرسول أمرهم بأدائها، وأرسل لهم العمال، وبيَّن لهم مقاديرها.

وذكر الشارحُ أنَّ معنى "فرض" بمعنى: قدَّر، وأن المعنى هنا: التي قدَّر رسولُ الله، وضَّح نصبها وما يخرج منها؛ لأنَّ أصل الفرض الذي هو الوجوب قد وضح في القرآن العظيم، وهذا صحيح، ولكن لا مانع أن يُقال: فرض رسولُ الله؛ تأكيدًا لما فرضه الله ، فرضها رسولُ الله بأمر الله له، وفرض الله لها، فرضها من جهة الإيجاب، وفرضها من جهة تنويعها وتفصيلها.

ثم بيَّن هنا زكاة الإبل وزكاة الغنم، ولم يذكر في هذا زكاة البقر، ولعله والله أعلم لأنها ما كانت في طريق أنسٍ، كانت الأموالُ التي يذهب إليها إبل وغنم؛ ولهذا ذكر له الإبلَ والغنمَ، وكان الغالب في البقر من قديم الزمان -كان الغالب- في اليمن، كانت البقر في اليمن، أما عرب الجزيرة -شمال الجزيرة- فيغلب عليهم الإبل والغنم؛ ولهذا في بعث أنسٍ لم تُذكر البقر، وذُكرت في حديث معاذٍ الآتي.

وفصَّل النبيُّ ﷺ أمر الإبل، وأنَّ ما دون الخمس والعشرين زكاته الغنم، ففي كل خمسٍ شاة، والشاة تُطلق على الذكر والأنثى من الضَّأن والمعز، وهي ثني المعز وجذع الضَّأن، فما علا أعلى من ذلك.

فإذا بلغت خمسًا وعشرين انتقلت من الغنم إلى الإبل، وصار فيها بنت مخاضٍ أُنثى، تمَّ لها سنة ودخلت في الثانية، فإن لم توجد أجزأ ابن لبونٍ ذكرٍ، تم له سنتان ودخل في الثالثة، كما بيَّن أهلُ العلم، إلى خمسٍ وثلاثين ما فيها إلا بنت مخاضٍ.

فإذا بلغت ستًّا وثلاثين تغير الفرضُ؛ صار الواجبُ بنت لبونٍ أنثى، تمَّ لها سنتان، إلى خمسٍ وأربعين.

فإذا بلغت ستًّا وأربعين انتقل الفرضُ من بنت اللَّبون إلى الحقّة -طروقة الجمل- وهي التي لها ثلاث سنين، واستحقَّت أن يُحمل عليها، وأن يُستعان بها ويُنتفع بها في الحمل والنَّقل، وأن تُهيأ للفحل يطرقها، يعني: يعلوها الفحل؛ لأنها صارت أهلًا لذلك بعد مضي ثلاث سنين عليها إلى إحدى وستين.

فإذا بلغت إحدى وستين انتقل الفرضُ من الحقَّة إلى الجذعة، وهي التي تم لها أربع سنين ودخلت في الخامسة، إلى خمسٍ وسبعين ما فيها إلا جذعة، يكون عنده خمس وسبعون ناقة ليس فيها إلا جذعة بكرة، قد تم لها أربع سنين ودخلت في الخامسة.

فإذا بلغت ستًّا وسبعين ففيها بنتا لبونٍ -بنتان أُنثيان- كل واحدةٍ تم لها سنتان، إلى إحدى وتسعين.

فإذا بلغت إحدى وتسعين انتقل الفرضُ إلى ثنتين حقَّتين، إلى مئةٍ وعشرين ..... مئة وعشرين واحدة فأكثر استقرَّت الفريضةُ في كل خمسين حقَّة، وفي كل أربعين بنت لبون، ففي مئة وثلاثين حقَّة وبنتا لبونٍ، وفي مئةٍ وأربعين حقَّتان وبنت لبون، وفي مئةٍ وخمسين ثلاث حقاقٍ، وفي مئةٍ وستين أربع بنات لبونٍ، وفي مئةٍ وسبعين حقَّة وثلاث بنات لبونٍ، وفي مئةٍ وثمانين حقَّتان وبنتا لبونٍ، وفي مئةٍ وتسعين ثلاث حقاقٍ وبنت لبون، وفي مئتين يُخير: إن شاء أخرج أربع حقاقٍ؛ لأنها خمس في أربع مرات، وإن شاء أخرج خمس بنات لبونٍ؛ لأنها أربعين خمس مرات، وهكذا.

لكن لو أراد أن يُخرج عن الغنم بنت مخاضٍ أو ابن لبونٍ هل يُجزئه؟

لو طابت نفسه أن يُخرج عن الشَّاة والشاتين والثلاث والأربع ما دون الخمس والعشرين يُجزئه؛ لأنه زاد خيرًا؛ لأن إيجاب الغنم من باب الرفق به والرحمة له، فإذا رضي بإخراج ما ..... الخمس والعشرين أجزأه، فيه خلاف، لكن هذا هو الصواب؛ لأنه زاد خيرًا.

وإذا كانت سائمةُ الإبل أقلَّ من خمسٍ فليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها، إن قدم تطوعًا، لكن دلَّت الأدلةُ الأخرى على أنه إذا كانت للتِّجارة ولو واحدة فيها زكاة التجارة، أما زكاة السَّائمة فليس فيها حتى تبلغ خمسًا كاملةً.

وفي الغنم بيَّن أنَّ في سائمتها -أي الراعية- وهكذا الإبل كما يأتي في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في السَّائمة، جمهور أهل العلم على أنه لا بدَّ أن تكون سائمة، أي: راعية الإبل والبقر والغنم، فالغنم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين، فإذا كانت أقلَّ من أربعين فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتِّجارة كما تقدم، ففيها شاة واحدة إلى مئةٍ وعشرين، ليس فيها إلا شاة واحدة، إذا زادت عن مئةٍ وعشرين -تكون مئة وإحدى وعشرين- ففيها شاتان إلى مئتين، فإذا زاد على مئتين وواحدة صار فيها ثلاث شياهٍ إلى ثلاثمئةٍ، فإذا زادت على ثلاثمئة ففي كل مئة شاة، وفي أربعمئة أربع شياه، وهكذا، وفي خمسمئةٍ خمس شياه، وهكذا.

وهذا فيه لطفٌ من الله ورحمة؛ لما كانت الغنمُ يعتريها النَّقص في الذئب وأنواع المرض والضيف -أكل الضيف- صارت الزكاةُ فيها خفيفةً ميسرةً: واحدة من مئة إذا بلغت أربعمئة، وهكذا، وفي أولها واحدة من أربعين، وواحدة من خمسين إلى مئة وعشرين، ليس فيها إلا واحدة، مئة وعشرون ليس فيها إلا واحدة، فإذا زادت على مئةٍ وعشرين صار فيها اثنتان إلى مئتين، فالمئتان ليس فيهما إلا ثنتان، فإذا زادت واحدة إلى أربعمئةٍ ما فيها إلا ثلاث شياه، هذا من لطف الله وإحسانه.

وقوله عليه الصلاة والسلام: ولا يُجمع بين مُتفرقٍ، ولا يُفرَّق بين مجتمعٍ أي في الصَّدقة، معناه: أنه تبقى الأمور على حالها، فلا يُجمع بين مُتفرقٍ لأجل نقص الصَّدقة، ولا يُفرق بين مجتمعٍ لأجل نقص الصَّدقة؛ تحيُّلًا، بل تبقى على حالها، وهذا في الخُلطاء.

أما صاحب المال الواحد فالصحيح أنه سواء كان ماله مجتمعًا أو مُفترقًا عليه زكاة واجبة التي بيَّنها الرسولُ ﷺ، وإن تفرَّق ماله، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وهو الحق: أنه إذا كانت الأموالُ متفرقةً؛ بأن كان مثلًا له عشرون في الخرج، وعشرون في الحوطة، فإن عليه زكاة واحدة، وإن كان مُتفرقًا؛ لأنه مال واحد، وهكذا لو كان له مئة في الحجاز، ومئة في اليمن، ومئة في نجد، فإنَّ عليه ثلاث شياهٍ، وهكذا.

المقصود أنَّ المال الواحد يُجمع ولو تفرَّق فيُزكَّى، لكن إذا كانوا خُلطاء فلا يجوز لهم الجمع؛ تحيلًا على الزكاة، ولا التَّفريق، فلو كان خليطان مجتمعين، لكل واحدٍ مئة وعشرون، فإنَّ عليهم زكاةً واحدةً أنصافًا، فليس لهم أن يُفرِّقوها حتى تسقط عنهم الزكاة، إذا عرفوا مجيء العامل جعل كل واحدٍ المئة والعشرين لحالها؛ حتى لا تجب عليهم الزَّكاة، فلا يجوز؛ لأنَّ هذا تحيل على إسقاطها، وهما خليطان.

وهكذا لو عندهم مئتان وواحدة أو أكثر، فقسموها حتى لا تجب فيها، الثلاثة كل واحدٍ أخذ مئةً؛ حتى لا يجب فيها إلا ثنتان، فليس لهم ذلك؛ هذا التَّفريق الذي يشغل الزكاة أو ينقصها.

وليس لهم الجمع، كالذي ينقص الزكاة أيضًا، فلو كان عندهم مثلًا كل واحدٍ عنده مئة فقط، مئة وثنتان مثلًا، أو مئة وثلاث، فليس لهم أن يجمعوها حتى لا يجب عليهم إلا اثنتان، فليس لهم أن يُفرِّقوها، فإذا كانت واحدةً مجتمعةً عليهم ثلاث، وإذا فرَّقوها لم يجب عليهم إلا اثنتان، فليس لهم أن يُفرِّقوها لإسقاط الثالثة.

فالحاصل: لا يُجمع بين مُتفرق، ولا يُفرَّق بين مجتمعٍ من أجل حذف الزكاة أو نقصها.

س: .............؟

ج: كذلك هذا منها: الجمع الذي لا يجوز؛ لأنهم إذا جمعوها ما وجب عليهم إلا واحدة، ما داموا مُتفرقين، كل واحدٍ عليه واحدة: أربعين وأربعين، أو ستين وستين، أو ما أشبه ذلك.

وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، إذا أُخذت الزكاةُ من مال أحدهما تراجعا فيها بالسَّوية، بالقيمة العادلة، إذا كانت الخلطةُ خلطة أوصافٍ في المراح والمرعى ونحو ذلك، فإنَّ العامل يأخذ من أحد المالين، ويتراجع مع صاحبه، فإذا أخذ من مال زيد تحاسب مع عمرو، وإذا أخذ من مال عمرو تحاسب مع زيد في القيمة والقسمة بينهما.

"ولا يُخرج صدقة هرمة ولا ذات عوارٍ" يعني: عيب، ولا تيس، الهرمة: الكبيرة في السن، الضَّعيفة الهزيلة، ولا ذات عوار: ذات عيبٍ: من جربٍ أو عرجٍ واضحٍ أو شبه ذلك، ولا تيس؛ لأنَّ التيس في الغالب ينهكه الضراب، ويضره الضراب، فلا يُؤخذ إلا أن يشاء المصدق.

اختلف العلماء في "المصدق": هل هو بالتَّشديد أو بالتَّخفيف؟

فمَن شدد قال: "المزكِّي" صاحب المال، فإذا شاء إخراجه ورأى أنه طيب، يعني: التيس إذا أُعفي من الضِّراب فقد يسمن ويكون جيدًا وعظيم القيمة، فإذا أخرجه نصحًا للفقراء فلا بأس، ويكون الاستثناء عائدًا عليه، لا على ما قبله، بقرينة أنَّ ما قبله لا يصلح أن يكون الاستثناء يعود عليه وحده.

وقيل: أن المراد بالمصدق العامل، وهو بالتَّخفيف، المصدق يعني: العامل، وأنَّ له أن يأخذ التَّيس إذا رأى فيه مصلحةً لغلائه، أو الهرمة إذا كانت سمينةً، وكانت فيها مصلحة للفقراء، أو ذات العوار إن رأى فيها مصلحةً، وأنها أحسن من الهرمة، وهو يعمل لهم، وهو وكيل لهم، فإذا رأى فيها مصلحةً فلا بأس.

وهذا أظهر: أنه يعود على المصدق، لا على المصدق؛ لأنَّ المصدق لا يُؤمن في الغالب، قد يُجحف على الفقراء، فلا يُقبل قوله ولا رأيه، لكن المتصدق هو وكيل الفقراء وعاملهم، وهو مظنة أن يسعى لهم ويحرص لمصلحتهم.

س: وأيش وجه التَّفريق .....؟

ج: لأنها فيها إدغام معنى المصدق، يعني: المتصدق .....، وأما المصدق يعني: العامل بتشديد الدال، أصدقه و..... يعني: أخذ الصدقة.

س: ............؟

ج: يجمع في الزكاة، المفهوم ..... يعني: يجمع، بمعنى أنه تُؤخذ زكاته جميعًا، ما يُجمع في محلٍّ واحدٍ.

............

وفي الرِّقة مئتي درهم ربع العشر، يعني: خمسة دراهم، هذا محل وفاقٍ وإجماعٍ، فإذا لم تكن إلا تسعين ومئة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، وقد بيَّن أهلُ العلم أنَّ المئتي درهم مئة وأربعون مثقالًا، إذا بلغت الفضةُ مئةً وأربعين مثقالًا وجبت فيه الزكاة، وما كان أقلَّ من ذلك فليس فيها شيء، وما زاد فبحسابه، بخلاف الأوقاص في الإبل والغنم؛ فإنه لا زكاةَ فيه، وأما الفضة والذهب فأوقاصها فيها الزكاة، كل ما زاد ففيه الحساب كما هو معروف.

ومَن بلغت عنده صدقة الجذعة وليس عنده جذعة، وعنده حقَّة؛ فإنها تُقبل منه، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له، أو عشرين درهمًا. والعكس كذلك؛ لو كانت عنده صدقة الحقَّة، وليس عنده الحقَّة، وعنده الجذعة؛ فإنه يُعطي الجذعة، ويُعطي المصدق -العامل- يُعطيه ..... أو شاتين ..... للتَّفاوت بين الواجبين.

وهكذا بنت اللَّبون مع الحقَّة، وبنت المخاض مع بنت اللَّبون، المعنى واحد: مَن لم يجد عنده المفروض أدَّى ما لديه، فإن أدَّى أعلا أُعطي شاتين .....، وإن أدَّى أدنى دفع مع الأدنى شاتين أو عشرين درهمًا.

وظاهر الحديث أنَّ هذا الحكم لا يُغير قطعًا للنزاع، ..... قدر هذا التَّقادير ولو تغيرت القيم؛ قطعًا للنزاع، وحسمًا لمادة الخلاف، وهذا هو المعتمد.

وقال قومٌ: بل يجب النَّظر في القيمة، فلا يُكتفى بالشَّاتين والعشرين درهمًا، بل ينظر في القيمة التي بين الواجبين.

وهذا ليس بشيءٍ، فالرسول ﷺ حسم المادة وقدَّر التَّفاوت، فلا يُعدل عنه.

س: .............؟

ج: الأقرب والله أعلم أنه مثلما ذكر النبي ﷺ: شاتين أو عشرين درهمًا، يتسلف شاتين، وإلا يتسلف عشرين درهمًا.

ويمكن أن يُقال: درهم بحسب العملة ..... عشرين درهمًا على قول مَن قال أنه يُعتبر بالأسماء، فلا يرجع إلى الوزن في مثل هذا، فإنَّ الدرهم في الوقت الذي فيه أداء الزكاة سواء كان درهمًا صغيرًا أو درهمًا كبيرًا.

وأما على القاعدة المعروفة عند الجمهور: يُراعى الوزن، يُرعى الوزن وقيمة الشَّاتين.

ويمكن أن يُقال: أنَّ هذا لا ينضبط ..... تنضبط الشاتان، يمكن أن يقال: هذا فقط لا يخرج عن التحديد النبوي.

يمكن أن يقال: الأحظ للفقراء، الدرهم ينقص إذا تغير في زنته، بخلاف الشاتين؛ فإن الشاتين معروفتان، إذا سلمهما كفى، أو سلَّم قيمتهما.

يمكن أن يقال: هذا لأنَّ الشاة ذلك الوقت قيمتها مقاربة لعشرة دراهم، كما في حديث عروة البارقي: أنه اشترى شاةً بدينار. والدينار باثني عشر درهمًا، وضبطه بعضهم بأنه عشرة دراهم. والمشهور أنه اثنا عشر درهمًا، فالاثنا عشر والعشرة متقاربة، يمكن أن يقال: الأحظ للفقراء؛ ولأنَّ الشاة منضبطة بذاتها وقيمتها، يمكن أن يقال: يرجع للشَّاتين فقط، لا إلى العشرين؛ لأنَّ العشرين لها قيمة ذاك الوقت، وليست مرادةً، لها قيمة فقط، فإذا تغيرت القيمة يرجع للشَّاتين، وهذا لعله أقرب؛ رعايةً لحق الفقراء، وضبطًا للأمر من الاختلال.

...............

الشيخ: المشهور عند العلماء بالأحظ للفقراء: إن كانت الفضةُ أحظَّ تُقدر بالفضة، وإن كان الذهبُ أحظَّ تُقدر بالذهب، هذا هو الأحوط؛ لأنَّ كلها يقبل المبيعات، فإذا كان الذهب الأحظ لهم قومها بالذهب، وإن كانت الفضة أحظَّ لهم قوَّمها بالفضة.

س: لو أراد أنه يلتزم بالدراهم دون الشَّاتين؟

ج: الأقرب والله أعلم أنه لا بدَّ من الشَّاتين؛ لأنَّ العشرين درهمًا ذاك الوقت لها قيمة: حين بعث العمَّال عليه الصلاة والسلام، وحين بعث الصديق عاملًا، فالأقرب والله أعلم مراعاة الشَّاتين؛ لأنَّ ذكر الدَّراهم معها كالقيمة لها والبدل؛ مراعاةً للاختلاف العظيم في هذا.

س: ما يكون البدل كالقيمة؟

ج: أي بدلٍ؟

س: بدل الشَّاتين -عشرين- نقول: قيمة الشاتين الموجودة الآن؟

ج: مَن أخذ بالنَّص واكتفى به يقول: يُخرج عشرين درهمًا أو شاتين، مخير العامل والمزكي.

س: الشَّاتان بألف ريال؟

ج: تختلف، الأوقات تختلف: قد تكون في وقتٍ بأقلَّ من هذا، وقد مضى عليها وقتٌ كثيرٌ ما تساوي إلا عشرين ريالًا، الوقت يختلف.

س: .............؟

ج: الأصل هو الأخذ بما قاله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأصل، أما مَن اجتهد ..... القيمة فهو محل نظرٍ، إلا إن اعتبرت القيمة فقط العشرين درهمًا قيمة ذاك الوقت، وأنها المقصود الحقيقي هو الشاة، هذا له وجاهة، أما إسقاطهما جميعًا وإلغاء ما قدَّره النبي ﷺ ولا يعتبر إلا القيمة فقط ..... فهو محل نظرٍ، وليس بجيدٍ، لكن إما أن يعتبر الأمران جميعًا: الشاتان أو الدراهم، ويكتفى بذلك، أو الشاتان فقط؛ لأنهما أصل، والدراهم قيمة في ذاك الوقت؛ فيعتبر القيمة بالنسبة للشَّاتين: إما عينهما، وإما قيمتهما في كل وقتٍ بحسبه.

س: ..............؟

ج: المالك، لكن إذا كانت الزيادةُ عند العامل هو الذي يُسلمها فهو مخيَّر، وإن كانت عند العامل هو الذي يُخير، فالذي يُسلم هو المخيَّر: العامل والمالك.

س: .............؟

ج: تُقدر بقيمتها وقت البيع.

600- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَشَارَ إِلَى اخْتِلَافٍ فِي وَصْلِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

601- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِيَاهِهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

602- وَلِأَبِي دَاوُدَ: وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ.

603- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلِمُسْلِمٍ: لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: وعن معاذٍ. حديث معاذ بن جبل مشهور ومعروف، وقد بعثه النبيُّ ﷺ إلى اليمن في سنة عشر، وقيل قبل ذلك، وأقام بها إلى أن تُوفي النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وقدم في خلافة الصديق .

وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعةً، ومن كل أربعين مُسنَّة، ومن كل حالمٍ دينارًا أو عدله معافريًّا.

أخرجه الخمسة، وصححه ابنُ حبان والحاكم، واختُلف في وصله وإرساله، والصحيح وصله؛ لأنه من رواية مسروقٍ عن معاذٍ، ومسروق تابعي جليل كبير مُخضرم، كان في اليمن وقت معاذ، وكان كبيرًا، فهو محمول على السماع كما هو طريقة مسلم رحمه الله والجمهور.

فالحاصل أنَّ رواية الاتصال هي الصواب لأمرين:

الأمر الأول: أنَّ ..... ورجلًا كبيرًا عند وجود معاذٍ، وثقة بنفسه، فلا يجزم به إلا وقد سمعه.

الأمر الثاني: أنه إن لم يكن سمعه، فقد سمعه من أهل بلده مَن يثق بهم ويعتمد عليهم؛ فلهذا جزم به ناقلًا له عن معاذٍ.

وبهذا يُعتبر الحديثُ جيدًا، لا مطعنَ فيه؛ لثقة مسروقٍ وإمامته وجزمه بروايته عن معاذٍ؛ ولهذا حكم ابنُ عبد البر بالإجماع على ذلك، قال: أجمعوا على أنَّ زكاة البقر هي ما ذُكرت في حديث معاذٍ.

وظاهره أنَّ ما دون الثلاثين ليس فيها شيء، بخلاف الإبل؛ فإنَّ في كل خمسٍ شاة.

وقد ذهب بعضُ الناس إلى قياس البقر على الإبل، كالزهري، وجعل في كل خمسٍ شاة، ولكن هذا ليس بجيدٍ، ولا يجوز القياس هنا، والصواب أنه ليس فيها شيء كما عليه أهلُ العلم، إلا إذا بلغت ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين فيها تبيع، وهو ما تمَّ له سنة، أو تبيعة كذلك، يعني: إما ثور، وإما بقرة، عجل قد تم له سنة، أما إذا كانت أربعين ففيها مسنة، تمَّ لها سنتان ودخلت في الثالثة، وما دون ذلك ليس فيه شيء، فإذا كانت سبعين ففيها زيادة تبيعٍ ومسنة، فإذا كانت ثمانين ففيها مسنتان، وإذا كانت ستين فيها تبيعان أو تبيعتان، وإذا كانت تسعين ففيها ثلاث أتبعة، وإذا كانت مئةً ففيها مسنة وتبيعان، وإذا كانت مئةً وعشرةً ففيها مسنتان وتبيع، وإذا كانت مئةً وعشرين خُيِّر صاحب المال: فإذا أخرج ثلاث مُسنات، وإن شاء أخرج أربعة أتبعة؛ لأنَّ فيها ثلاثين أربع مرات، وفيها أربعين ثلاث مرات.

وأمره أن يُخرج من كلِّ حالمٍ دينارًا، هذا في الجزية؛ لأنَّ النبي وضع عليهم الجزية، كان في اليمن يهود، وفيه النصارى ذاك الوقت، قال: إنك تأتي قومًا أهل كتابٍ كما في الحديث المشهور، فالنبي ضرب عليهم الجزية، والدِّينار على كلِّ حالم، يعني: مُحتلم، أو عدله مَعافريًّا -بفتح الميم- والمعافري: ثياب من اليمن تُنسب لقبيلة يُقال لها: المعافر، كانوا ينسجونها، فنُسبت إليهم.

وهذا عند أهل العلم ليس على التَّحديد، بل ينظر الإمامُ في الجزية ويضع ما يُناسب؛ ولهذا اختلف علماءُ الخلفاء في ذلك.

فالحاصل أنَّ الجزية على قدر غناهم وتحملهم؛ فإن كانوا فقراء خفَّف عليهم الجزية، يعني: إن كان ليس غناهم ذا أهمية .....، لكن إذا كانوا لا يتحملون الكثير خفّف عليهم، وإذا كانوا أغنياء وأموالهم كثيرة زاد عليهم بعض الشيء، وهذا يرجع إلى ولي الأمر والهيئة التي يُعينها، ينظر في أمرهم، هذا هو الأرجح.

والحديث الثاني: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبيَّ ﷺ أمر أن تُخرج صدقات الناس على مياههم، وفي دورهم، وهكذا كان عمَّاله، كان يبعث الناس ويقصدون الناس على مياههم وفي منازلهم لأخذ الزكاة، فلا يجذبون إلى الناس ويؤمرون أن يحملوا زكواتهم إلى البلد، أو إلى المزكِّي في محلٍّ معينٍ، لا، بل هو الذي يرد عليهم، ويبعث البعوث إليهم، فلا يُكلفهم حملها إليه.

هكذا سنته عليه الصلاة والسلام: أن العمَّال يقصدون أهلَ الإبل والبقر والغنم على مياههم، وفي محلاتهم ودورهم، ويأخذون منهم الزكاة الوسطى، لا من كرائم أموالهم، ولا من .....، ولكن بين ذلك كما في حديث معاذ: واتَّقِ دعوة المظلوم، وإياك وكرائم أموالهم.

الحديث الثالث حديث أبي هريرة : أن النبي ﷺ قال: ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة، في رواية مسلم: إلا صدقة الفطر.

هذا يدل على أنَّ العبيد والخيل ليس فيها زكاة مالٍ، وإنما زكاة الفطر في العبيد خاصة، وهذا من لطف الله وتيسيره؛ لأنَّ الناس يحتاجون العبيد، ويحتاجون الخيل للجهاد، فليس عليهم فيها زكاة، إلا ما كان للتِّجارة، ما كان للتجارة فعند أهل العلم فيه زكاة، وما كان للقنية والنَّسل أو لرباط في الجهاد فلا زكاةَ فيه، إلا زكاة الفطر في العبيد، ذكورًا وإناثًا، والله أعلم.

س: الفقير من أهل الكتاب ما يُكلَّف بشيءٍ؟

ج: المعسر ما عليه شيء، الفقير عند أهل العلم ليس عليه جزية، والأنثى كذلك، والصغير الذي قبل الحلم، الصغير والفقير والأنثى لا جزيةَ عليهم؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال، وهي بدل القتال، فُرضت عليهم بدل إقرارهم وعدم قتالهم.

س: .............؟

ج: يُسامح في الحقوق المالية، تسقط عن الفقير، حتى الديون لا يُطالب بها.

س: ولا تبقى في ذمته؟

ج: لا.

604- وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ: فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهُ، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ؛ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى ثُبُوتِهِ.

605- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَانَتْ لَكَ مِئَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ.

606- وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: "مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ". وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ.

607- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ أَيْضًا.

608- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

609- وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

610- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: قال رحمه الله تعالى: وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ أنه قال: في كل سائمة إبلٍ: في أربعين بنت لبون، لا تُفرَّق إبل عن حسابها .. الحديث.

تقدم في حديث أنسٍ الذي رواه البخاري في "الصحيح": أنَّ في ستٍّ وثلاثين إلى ستٍّ وأربعين بنت لبونٍ، فقوله هنا: في أربعين لا مفهومَ له، لكنه مطابق لما جاء في حديث أنسٍ في الأربعين، فلا مفهومَ له من جهة الفوق، ولا من جهة التحت، فبنت لبونٍ تجب في ستٍّ وثلاثين وفي أربعين و..... إلى ستٍّ وأربعين.

فقوله: "في أربعين" ليس له مفهوم، فحديث أنسٍ صريح في أنَّ بنت اللبون تجب في أقلّ من أربعين أيضًا .....، لا تُفرَّق إبلٌ عن حسابها.

قوله: "السائمة" احتج به العلماء أنه لا بدَّ من السّوم، وهو الرعي، كما جاء في ذكر الغنم في رواية البخاري، فالسوم لا بدَّ منه؛ لأنَّ به تتم النِّعمة، وتكثر النعمة، إذ لا مؤنة فيها، فبهذا تجب الزكاة؛ لأنه مال نامٍ عظيم نافع، ليس له مؤنة كبيرة، فمن نعم الله على العبد ومن شكر الله أن يُؤدي منه حقًّا للأصناف الثمانية، كما هو معروف. وألحق العلماءُ البقرَ كما تقدم بالإبل والغنم؛ لأنَّ المعنى واحد.

ثم قال: لا تُفرَّق إبلٌ عن حسابها يعني: لا تُفرق تفريقًا يضرّ الزكاة، بل تُترك على حالها حتى يُؤدَّى حقَّها، وليس لهم الفرار من الزكاة بالتَّفريق، كما أنهم ليس لهم الفرار بالجمع كما تقدم في حديث أنسٍ: ولا يُجمع بين متفرقٍ، ولا يُفرق بين مجتمعٍ خشية الصَّدقة.

فمن التَّفريق المجتمع: أن يكونا يملكان أربعين أو ستين، فعند قرب مجيء العامل يُفرقونها، كل واحدٍ يأخذ ثلاثين أو عشرين حتى لا تجب الزكاة؛ لأنَّ الزكاة نصيبها في الأربعين من الغنم، وهكذا في الإبل، لو كان عندهم ثمانٍ أو ستٌّ شركة فعند قُرب العامل يُفرقونها، كل واحدٍ يأخذ ثلاثًا أو أربعًا حتى لا تجب عليهم الزكاة، فلا تُفرق لإبطال الزكاة.

وهذا في الخُلطاء، كذلك لا تُجمع هذه الصَّدقة كما تقدم: كأن يكون عنده مثلًا مئة وخمسون كل واحدٍ، وهي ثلاثمئة اشتركا فيها، ثلاث شياه، فيُفرِّقونها حتى لا يجب أن يكون ثلاثة مثلًا، فيُفرقونها حتى لا تجب عليهم ..... أقلّ من هذا في مئةٍ وواحد وعشرين شاتان، فإذا كان عندهم مثلًا في مئتين وواحد ثلاث شياه، فإذا كان عندهم مئتان وواحدة أو أكثر فرَّقوها حتى لا يجب فيها ثلاث شياه، واحد عنده مئة، واحد عنده مئة، واحد ..... ثنتين حتى لا تجب فيها إلا شاتان، وهكذا ما أشبه ذلك.

المقصود أنه ليس لهم الجمع الذي يضرّ، وليس لهم التَّفريق الذي يضرّ.

ومَن أعطاها مُؤتجرًا بها فله أجرها، ومَن منعها فإنَّا آخذوها وشطر ماله.

شطر منصوب على المعية، مفعول مع، يعني: الواو واو المعية، مثل: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت:33]، الكاف مجرورة بالمضاف .....

وشطر ماله مفعول مع، مثل: قلتُ وزيدًا، واو المعية.

وقد أشكل هذا الأمر على كثيرٍ من أهل العلم، وعظم أخذ شطر المال عقوبةً؛ فلهذا تنوعت كلماتهم في هذا الحديث:

منهم مَن قال: الأصل "وشطر"، وضبطها بالضم وتخفيف الطاء: "وشطر ماله"؛ حتى تُؤخذ الزكاة من الشَّطر الجيد، هذا أخفّ العقوبة؛ من الشطر كونه يأخذ من الجيد عقوبةً له، أخفّ من كونه يأخذ الشطرَ كله.

وقال آخرون: بل يُحمل على ما إذا كانت عليه زكاة كبيرة، ثم تلف ماله ولم يبقَ إلا مقدار الزكاة مرتين، فإنه إذا أُخذت الزكاة صارت شطر ماله.

وهذان التأويلان بعيدان عن ظاهر الحديث، قد ضعَّفها ابنُ القيم رحمة الله عليه وردَّها وشنَّع على القائلين بها، وقال: إنَّ لفظ الحديث واضح في أنه يُؤخذ الشطر عقوبةً، ونصف المال عقوبةً له على منعه، وذكر أنه لا مانعَ مما دلَّ عليه الحديث، وأن ..... لا بأس به في كلامه على اختصار المنذري للحديث.

وآخرون طعنوا في الحديث وقالوا: لا يُعتمد. وضعَّفه الشَّافعي رحمه الله، ولو ثبت لقلنا به في قوله الأخير.

قال أبو حاتم في بهز: إنه يُكتب حديثه ولا يُحتج به. ووثَّقه الأكثر: كابن معين والنَّسائي وآخرين، وثَّقوه قالوا: إنه لا بأس به. وقال صاحب "التقريب": إنه صدوق.

وبكل حالٍ، ظاهر الحديث العقوبة الشَّديدة بالشَّطر لمن منع الزكاة، وأُخذت منه بقوةٍ، فإنه يُعاقب مع أخذها بقوةٍ، يُعاقب بالمال، إذا كان ماله مثلًا مئةً من الإبل ومنع الزكاة، فإنه تُؤخذ منه الزكاة الواجبة، ومع ذلك يُؤخذ شطر المال عقوبةً له. وهكذا لو كان ماله أكثر من ذلك، وبهذا كلما عظم المال عظمت المصيبة على المانع.

وقال العلماء المانعون من أخذ الشطر والمنكرون لهذا الحديث: إنَّ الأصل تحريم دماء المسلمين وأموالهم، وهذا أمر متواتر مقطوع به وثابت بالنص من الكتاب والسنة: تحريم الدماء والأموال، فليس لنا أن نأخذ شطر ماله إلا بحجةٍ لا شُبهةَ فيها ولا ضعفَ فيها ولا مطعن فيها؛ لأنَّ عندنا أصل مقطوع به وهو تحريم المال إلا بحقِّه، فلا نأخذ شطر ماله إلا بدليلٍ لا شبهةَ فيه.

وهذا قول الجمهور والأكثر: أنه لا يُؤخذ مثل العقوبة هذه، والحديث عندهم لا يُعتمد عليه في هذا المقام، وإن كان وثَّقه جماعة -بهز- لكن هذا المقام مقام عظيم، ومخالف للأصول العظيمة، ولم يكن له متابعة، لم يأتِ مَن يُتابع بهزًا في هذا حتى يقوى أمره.

وهذا القول عندي جيد، وإن كان ابنُ القيم رحمة الله عليه قوَّى القول الثاني: وهو أخذ الشَّطر؛ لما ذهب الأكثرون إليه من تقوية بهزٍ، لكن مراعاة الأصول العظيمة في تحريم مال المسلم تجعل طالبَ العلم يتوقف بعض الشيء في هذا، قد يكون المال كبيرًا عظيمًا فيُؤخذ بهذا الحديث، فيه شيء من الشُّبهة.

والأقرب والله أعلم أنه يُعاقَب بما يراه وليُّ الأمر من العقوبات التي تُقارب الردع، وأما الأخذ من شطر المال فالورع ألا يُفعل؛ أخذًا بالأصول والقواعد العظيمة في تحريم مال المسلم إلا بحقِّه، ومما يدل على شيءٍ من الضَّعف في هذه الرواية قوله: في أربعين، والحديث الصحيح: في ستٍّ وثلاثين، فهذا قد يُؤيد مَن يقول فيه: إنه شاذٌّ؛ لأنه خالف الصحيح من هذه الحيثية.

وقد يقال: لا شذوذَ؛ لأنَّ مفهوم العدد ضعيف لا يُحتج به، فكما قال الجمهور شرط العدد معروف، ولكن بكلِّ حالٍ، يجعل في النفس شيئًا من هذا المتن، لا من جهة أوله، ولا من جهة آخره، والله أعلم.

الحديث الثاني: حديث عليٍّ في زكاة الذهب والفضة، وأن الفضة نصابها مئتا درهم، وهذا تقدم في حديث أنسٍ، وهذا مُجمع عليه، ليس فيه خلافٌ، وما زاد على المئتين فبحساب ذلك، وضبطه بالمثاقيل مئة وأربعون مثقالًا من الفضة، أما الذهب فنصابه عشرون مثقالًا، والدينار مثقال. فإذا كان للإنسان عشرون دينارًا وجب فيه نصف الدينار، ربع العشر، وما زاد فبحساب ذلك.

وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول، وهذا هو قول الأكثرين: أنَّ نصاب الذهب هو عشرون مثقالًا.

وقال بعضُ أهل العلم: نصابه إذا بلغ مئتي درهم من الفضة.

والأول هو الأشهر، قول الجمهور.

والحديث هذا حسن؛ قد صححه جماعةٌ منهم ابن حزم رحمه الله، وسنده لا بأس به، وقد ضعَّفه بعضُ الناس ظنًّا أنه من رواية الحارث الأعور، فقالوا: الحارث ضعيف. والصواب أنه ليس من روايته وحده، بل روى الحديث عاصم بن ضمرة السَّدوسي، وعاصم لا بأس به؛ ولهذا صحَّحه ابن حزم من هذه الحيثية وجماعة، والمؤلف قال: حسن، من أجل هذا؛ لأنه من رواية عاصم، لم ينفرد به الحارث الأعور.

وفيه من الفوائد: أنَّ المال لا زكاةَ فيه حتى يحول عليه الحول، وهكذا قال ابن عمر، وهكذا جاء عن عائشة وجماعة: أنَّ الزكاة لا بدَّ فيها من الحول؛ رفقًا بالملَّاك ورحمةً لهم: أن لا زكاةَ عليهم حتى يحول المالُ، فإذا حال المال فقد وجبت الزكاة: كالإبل والبقر والغنم.

وقال جماعة من السَّلف: إن المستفاد يُزكَّى وقت استفادته، فإذا ..... عليه مال، أو استفاد مالًا بأي جهةٍ من الجهات: من وجوه الدار، ومن وجوه الأرضين، ومن وجوه الدَّواب، فإنه يُزكيه حالًّا كالثمرة إذا حصلت.

والأول أظهر وأقوى، وهو مشهور عند أهل العلم: أنه لا زكاةَ في المال، وإن كان زكاة بيت، وإن كان أجرة عوامل، وإن كان أجرة أرضٍ لا زكاةَ فيها حتى يحول عليه الحول ويكون عنده، فإذا أنفقه قبل الحول فلا زكاةَ فيه.

ثم الأصل العصمة وبراءة الذِّمة إلا بدليلٍ، فلم يثبت عنه ﷺ ما يدل على أنَّ المال المستفاد فيه زكاة قبل الحول، وثبت عن أصحابه ما يدل على أنه لا زكاةَ فيه إلا بعد الحول، فوجب الأخذ بالعصمة والبراءة الأولى الأصلية.

وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص في مال اليتيم، وأيضًا حديث عليٍّ في البقر العوامل ليس فيها زكاة، هو أيضًا جيد؛ جاء من طريق عاصم، عن عليٍّ، فلا زكاةَ في العوامل التي تحرث، ولا سامت، ولو أطلقت تسوم لا زكاةَ فيها؛ لأن العمل يُضعفها ويُنقصها ولا ينميها، والزكاة مواساة، والعوامل يعتريها النقص والضعف وخطر التلف، فمن رحمة الله أن أسقط عنها الزكاة، كما سقطت عن غير السَّائمة بمشقة العلف.

والحديث الرابع حديث عبدالله بن عمرو: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: مَن ولي مال يتيمٍ فليتَّجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقةُ.

الحديث مثلما قال المؤلفُ ضعيف، وله شاهد مرسل عند الشافعي، وله أيضًا ما يُقويه، وهو موقوف على عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومعناه صحيح، يعني: لا ينبغي لولي اليتيم أن يتساهل ويدع أموال اليتامى مجمدة، بل ينبغي أن يعمل لهم بنفسه أو بغيره من الثِّقات، فإنها متى تُركت وصارت منهم الزكاة كل سنةٍ ضعفت كثيرًا، فينبغي له أن يتولى تنميتها بالتِّجارة، أو يدفعها إلى مَن يقوم بذلك، وهذا من العمل الطيب لليتيم، والله يقول: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، والأحسن هو التجارة فيها وتنميتها؛ حتى تسلم لأربابها، وهذا من باب الإحسان والنُّصح لليتيم، اللهم إلا أن يخشى تلفها؛ لأنه لم يجد الثقةَ الذي يعتمد عليه في التِّجارة، فهذا معذور؛ لأنه ينبغي له أن يُحسن للصبي ويجتهد في تنمية ماله.

الحديث الخامس حديث عبدالله بن أبي أوفى: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أتوه بصدقتهم قال: اللهم صلِّ عليهم أي: دعا لهم، قال: فجاء أبي. كما في الرواية الأخرى، قال: فجاء أبي بصدقته، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى.

هذا يدل على أنه ينبغي لمن دفع إليه الزكاة أو لولي الأمر إذا جاء بمال الزكاة أن يدعو للمُزكي في مثل هذا: اللهم صلِّ على آل فلان، اللهم بارك لهم فيما أعطيتهم، اللهم أعنهم على طاعتك، بكلمات طيبة، دعوات طيبة يدعو بها للمُزكي، وليس في هذا شيء محدود، فإذا قال: اللهم صلِّ عليه، هذا شيء عارض، ليس بشيءٍ دائم، السلام والصلاة يعني: أثنِ عليهم وارحمهم، فإنَّ الصلاة تُطلق على الرحمة وعلى الثناء، المعنى: اللهم أثنِ عليهم في الملأ الأعلى وارحمهم برحمتك مثلما رحموا الفقراء وأدّوا الزكاة، يُدعا لهم بالرحمة والمغفرة على إحسانهم، على قيامهم بالواجب، والله أعلم.

س: مُعاملة أبي بكر لمانعي الزكاة ما يدل على حديث بهز بن حكيم؟

ج: أبو بكر جعلهم مُرتدين، أخذ أموالهم كلها، وعاملهم معاملة المرتدين؛ لأنهم قاتلوا عليها، فصار حكمهم حكم مَن جحدها، هذا معروف من سيرة الصحابة معهم؛ قاتلوهم جميعًا.

.............

س: ............؟

ج: لا بأس، يجوز تقديمها؛ لأنه عجله بالخير إلى الفقراء والمساكين إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك.

س: تقدير الفضة والذهب بالوقت الحاضر، يكون الريال بالفضة ..؟

ج: حسب المثاقيل ..... والذهب أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع جنيه؛ لأنَّ المعروف الآن أن الجنيه السعودي والإفرنجي مثقالان إلا ربع، فإذا جمعتها صارت أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع جنيه، هذا النصاب، وذكروا أنه بالغرام اثنان وتسعون غرامًا ..... مثلما ذكر أهل التَّخصص في هذا.

والفضة مئة وأربعون مثقالًا ......

611- وَعَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ.

612- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

613- وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ.

وَأَصْلُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

614- وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا: الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ: نِصْفُ الْعُشْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: أَوْ كَانَ بَعْلًا: الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ: نِصْفُ الْعُشْرِ.

الشيخ: هذه الأحاديث: حديث علي، وحدث جابر، وأبي سعيد، وابن عمر، كلها متعلقة بالزكاة وأحكامها.

حديث عليٍّ: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام تعجل من العباس صدقة عامين في الرواية المشهورة عنه عليه الصلاة والسلام. في هذا أنه تعجل، أن العباس سأل النبيَّ ﷺ أن يعجل صدقته فأذن له.

هذا احتجَّ به العلماء على أنه لا بأس بتعجيل الزكاة قبل تمام الحول إذا اقتضت المصلحة ذلك، وقد حمل بعضُ أهل العلم قول النبي ﷺ في حديث ابن عمر ..... في قصة بعث النبي ﷺ عمر قابضًا للزكاة، حين قال: إنه منع ابن جميل، ومنع خالد والعباس -عم النبي ﷺ- فقال في حقِّ العباس: إنها عليَّ ومثلها، حمل بعضُ الناس أنَّ هذا على أنه تعجلها منه عليه الصلاة والسلام، والمشهور أنَّ ذلك تبرع منه عليه الصلاة والسلام، لا أنه حملها؛ لأنه قال: يا عمر، أما علمتَ أن عمَّ الرجل صنو أبيه؟ فهذا ظاهر في أنه ﷺ أراد أنه يُسلمها عنه ويبذلها عنه عليه الصلاة والسلام.

والحاصل أنَّ هذا الحديث في تعجيل الزكاة، وهو حديث جيد لا بأس بإسناده، وقد رواه أحمد وجماعة، وجاء من طرقٍ كثيرةٍ، وهو يدل على جواز تعجيل الزكاة، وأنه لا حرج في ذلك، وهو في الحقيقة إحسان من المعجل، ومعروف من المعجل، فهو جدير بأن يكون جائزًا ومقبولًا؛ لما فيه من الجود والكرم ومُراعاة المصالح التي تعمّ المسلمين؛ من حيث حاجة الفقراء، فهذا شيء جيد، وصاحبه مشكور على عمله.

ولا بدع أن تأتي الشريعة بجواز ذلك؛ لما فيه من الخير العظيم والجود والكرم وطيب النفس في تقديم المال قبل وجوبه.

فإذا اقتضت المصلحةُ أن يُعجل زكاته في الفقراء والمحاويج بعد وجود السبب ووجود النِّصاب فقد أحسن، أما إذا كان ما هناك وجود نصابٍ، فإنما هو تطوع محض، فإذا كان من النِّصاب وأراد فيه الزكاة عن هذا النِّصاب أو الأنصبة الموجودة فقد أحسن، ولا محذور في ذلك، هذا يقع كثيرًا، فإنه قد يوجد فقراء محتاجون، أو سنة مُجدبة شديدة؛ فيحتاج الناس فيها إلى أن يُقدَّم لهم ما يُعينهم ويسدّ فاقتهم، وقد يكون الإنسانُ ما عنده الشيء الكافي لهذا الأمر، فيبذل الزكاة ويجمع بين المصلحتين: أداء الواجب، والإحسان إلى هؤلاء المحاويج في وقت عسرتهم وحاجتهم، وهكذا قد تدعو الحاجة إلى الجهاد وليس عند المجاهد ما يكفي، فيبذل الزكاة لينفع المجاهدين، ويؤدي الواجب في هذا الوقت الشديد الحاجة.

والحديث الثاني والثالث: حديث جابر وأبي سعيدٍ رضي الله عنهما في بيان أنصباء الفضة والإبل والحبوب والثمار، بينا فيها جميعًا: أما حديث جابر ففي "صحيح مسلم"، وأما حديث أبي سعيدٍ ففي "الصحيحين".

وفيهما جميعًا: ليس دون خمسة ذودٍ صدقة، وليس ما دون خمسة أواقٍ صدقة هذا يدل على أنَّ نصاب الإبل أقلّه خمس من الإبل، كما تقدم في حديث أنسٍ، وتُسمَّى: ذودًا. ونصاب الفضة خمس أواقٍ، وما نقص عن ذلك فليس فيه شيء كما تقدم في حديث أنسٍ، ومقدارها مئتا درهمٍ؛ لأنَّ الأوقية أربعون، والخمس مئتا درهمٍ كما تقدم في حديث أنسٍ، فما كان أقلَّ من هذا فليس فيه زكاة، وإن تصدق بشيءٍ فهو تطوع.

وهكذا في الحبوب لا بدَّ من خمسة أوسقٍ، ويقال: أوساق، والوسق: ستون صاعًا من صاع النبي ﷺ، وهو أربع حفنات باليدين المعتدلتين المملوءتين، كما ذكر في "القاموس" وغيره، وهو بالرطل العراقي: خمسمئة وعشرون مثقالًا ..... أربعمئة وثمانون مثقالًا، والمد مئة وعشرون مثقالًا.

والحاصل أنه في الحدِّ المضبوط أربع حفنات؛ لأنَّ الوزن يختلف.

فالحاصل أنَّ صاع النبي ﷺ أربع حفنات باليدين المعتدلتين المملوءتين، فإذا بلغ عند الرجل حبوبه وثمرته خمسة أوسقٍ وجبت فيها الزكاة، وما كان أقلّ من ذلك ليس فيه زكاة، يعني: ثلاثمئة صاع من صاع النبي ﷺ، فإذا كان الطعام أقلَّ من ذلك فلا زكاةَ فيه، وهذا من رحمة الله ورفقه بعباده؛ فإن الثلاثمئة صاع بحدّه كثرة، فإذا كانت أقلَّ من ذلك فقد تكون حاجته ماسةً إليها، وليس مما يحتمل فيه المواساة لقلته.

قوله: من تمرٍ ولا حبٍّ يدل على أنَّ الزكاة في الحبوب وفي التمور.

وفي روايةٍ: من ثمرٍ ولا حبٍّ فيعمّ التمر وغيره كالزبيب، ويأتي في هذا ما يدل عليه.

الحاصل أنَّ التمور والحبوب وهكذا الزبيب لا بدَّ فيها من خمسة أوسق، أما ما يتعلق بتفصيل الحبوب وتفصيل الثمار فيأتي في الحديث الذي وقفتُم عليه عن أبي موسى ومعاذ، والبحث في ذلك، لكن هذا يُفيدنا أنَّ الحبوب والثِّمار نصابها خمسة أوسقٍ، ما نقص عن ذلك فليس فيه زكاة.

ثم بيَّن حديث ابن عمر رضي الله عنهما ما هي الزكاة، فقال: فيما سقت السَّماء والعيون أو كان عثريًّا، في رواية أبي داود: أو كان بعلًا: العشر، فما سُقي بغير مؤنةٍ: من مطرٍ أو من ماء العيون أو بعروقه، فهذا فيه العشر، وما كان بالسَّواني والنَّضح والكُلفة ففيه نصف العشر.

ومنها المكائن فيها كلفة: كالإبل والبقر والحمير، كان يُسنى عليها سابقًا، ثم جاءت الآلات الحديدية هذه والمكائن، فكان يسقي الناس بها، وهكذا ما كان الآن من الرش، كله دربه واحد، كله يُسقى بالكلفة، فهذا فيه نصف العشر، وهذا من لطف الله ورحمته سبحانه، فإنه جلَّ وعلا وزَّع وقسم الزكاة وجعلها أنواعًا متعددةً بسبب تنوع اكتساب الأموال وتحصيل الأموال، فكلما كان اكتسابها أسهل صار الواجبُ أكثر، وفي الرِّكاز الخمس؛ لأنه مُيسر مجموع مدفون، يأخذه بسهولةٍ، ففيه الخمس، وما كان بالأمطار والعيون أسهل مما كان من السَّواني ونحوها، وكان فيه العشر -نصف الخمس- لأنَّ فيه كلفة العمال والبذر والحصاد والذري وجزّ الثمار، فيه بعض الكلفة، فكان فيه العشر لا الخمس، فإن تحصيل هذه الأمور أشدّ كلفةً من تحصيل الركاز، أما ما كان بالسَّواني والمكائن وأشباه ذلك فهو أشد كلفةً، ففيه نصف العشر؛ رفقًا بالأغنياء ورحمةً لهم.

وفي النقود لما كان تحصيلها متعبًا، وقد تلحقه الخسارة، وقد يقلّ الربح، جعل ربع العشر؛ رحمةً من الله ، في المئة اثنان ونصف، وفي المئتين خمسة دراهم، فهذا من رحمة الله؛ لأنَّ التِّجارة تعتريها الخسائر، ويعتريها الركود، وفيها نفقات الإنسان وحاجته، فجعل فيها سبحانه ربع العشر؛ رفقًا بالعباد ورحمةً لهم.

أما الإبل والبقر والغنم فأحوالها مختلفة: فالإبل أقلّ آفات، وأصبر على النَّوائب والجدب، فصارت زكاتها أكبر من ..... خمس منها زكاة، والغنم آفاتها أكثر، والحاجة إلى ذبحها والانتفاع بها أكثر، فجعل زكاتها أخفَّ وأقلَّ من زكاة الإبل، والبقر بين ذلك؛ ليست مثل الإبل من كل وجهٍ، وليست مثل الغنم من كل وجهٍ، بل هي فوق الغنم، ودون الإبل، فجعل زكاتها دون الإبل، وجعلها فوق الغنم، جعل في كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعةً، والغنم لا بدَّ من أربعين.

وهذه من حكمة الله ، ومن الدلائل على حكمته سبحانه العظيمة، ورفقه بالعباد، ورحمته لهم ، وأنه جلَّ وعلا حكيم عليم فيما يُشرع لعباده، وفيما يُقدره لهم مما يكون في الكون، فهو الحكيم العليم ، والله أعلم.