191 من حديث: (ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا..)

 
13/556- وعن أبي هُريرة : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ رواه مسلم.
14/557- وعن أَبي كَبْشَةَ عمرو بن سَعدٍ الأَنْمَاريِّ : أَنه سمع رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:
عَبدٍ رَزَقَه اللَّه مَالًا وَعِلْمًا، فَهُو يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهذَا بأَفضَل المَنازل.
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّه عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَو أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ بنِيَّته، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَير عِلمٍ، لا يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ، وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ.
وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّه مَالًا وَلا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ بنِيَّته، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ
رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
15/558- وعن عائشة رضي اللَّه عنها: أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فقالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا بَقِيَ مِنها؟ قالت: مَا بَقِيَ مِنها إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا رواه الترمذي وقال: حديثٌ صحيحٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة فيها الحثّ على الإنفاق والإحسان والجود والكرم في وجوه الخير، وأن الله يُخلف على المنفق.
يقول ﷺ: ما نقص مالٌ من صدقةٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه، فالصَّدقات يزيد الله بها الأموال، ويُنزل بها البركة، ويُعَوِّض الله فيها صاحبها الخير العظيم، والتواضع لله وعدم التَّكبر من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرة، والعفو عن المظالم، والصّفح والعفو عن أخيه إذا أساء إليه فيه خيرٌ عظيمٌ: ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، ومَن ظُلِمَ مظلمةً فله أجرٌ عظيمٌ.
ثم بيَّن لهم ﷺ كذلك: ما فتح ابنُ آدم على نفسه بابَ مسألةٍ إلا فتح الله عليه بابَ فقرٍ، كما في حديث أبي كبشة الأنماري، فينبغي للإنسان البعد عن المسألة إلا عند الضَّرورة، وعليه أن يتحرَّى الكسب الحلال الطيب حتى يستغني عمَّا في أيدي الناس، كما في الحديث: لأن يأخذ أحدُكم حبلَه فيأتي بحزمةٍ من الحطب، فيبيعها، فيكفّ الله بها وجهه؛ خيرٌ له من سؤال الناس: أعطوه، أو منعوه، وهكذا قوله ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن الله.
والدنيا لأربعةٍ كما قال ﷺ: رجل أعطاه الله علمًا ومالًا، فهو يعمل بعلمه في هذا المال، فيتَّقي فيه ربَّه، ويصل فيه رحمه، فهذا في أفضل المنازل، ورجل أعطاه الله علمًا، ولم يُعطه مالًا، فهو صادق النية، يقول: لو كان لي مثل فلانٍ لعملتُ مثلَ عمله في المال، فهما في الأجر سواء، ورجل أعطاه الله مالًا، ولم يُعطه علمًا، فهو يتصرف فيه تصرفًا غير صالحٍ: لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رحمه، بل يخبط فيه خبط عَشْواء، ما عنده بصيرة، فهذا في شرِّ المنازل، ورجل لم يُعطه الله مالًا ولا علمًا، فهو بنيَّته، يقول: لو كان لي مثل فلانٍ لعملتُ مثل عمله، فهو مثله في الوِزْر سواء -نسأل الله العافية.
فهذا فيه الحثّ على إصلاح النية، والاستقامة في العمل، والحذر من النية الباطلة وسُوء العمل.
وكذلك حديث عائشة في قصة الشَّاة: قال: ماذا بقي منها؟ قالت: بقي كتفُها، فقال: بقيت كلُّها إلا كتفها يعني: أنها أُنفقت في وجوه الخير -تُصُدِّق بها- فهي الباقية، والكتف التي في البيت ليست باقية، يعني: أنَّ ما أُنفق وتُصدّق به على الفقراء هو الذي بقي في ميزان الحسنات؛ لأنَّه تصدّق به في وجوه الخير.
فالمقصود من هذا كله الحثّ على الصدقة، والترغيب فيها، وعدم البخل والشّح.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: ما المراد بصلة الرّحم في هذه الأحاديث؟
ج: صلة الرحم تعني: القرابات، فكل القرابات رحم، وأقربهم: الآباء، والأمهات، والأولاد، وأولادهم.
س: لو أنَّ أهله في بلدٍ آخر بعيدٍ وأراد أن يصلهم؟
ج: يصلهم ولو في بلدٍ آخر، يصلهم بالمكاتبة وإرسال الهدية والمساعدة.
س: يعني: يكفي أن يُرسِل لهم؟
ج: البُرُد موجودة.
س: هل يُشرع أن نعفو عن الكافر إذا كنا لا نرجو إسلامه؟
ج: ولو، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ .. [الشورى:40]، قد ينفعه الله ويهديه ويرى أن هذا من أخلاق الإسلام، وقد يُؤثِّر هذا في قلبه.
س: ما الأفضل: التّصدق بثلث المال أم بالمال كله؟
ج: لا بدّ أن يُبقي له ما ينفعه ولا يتصدّق به كله، مثلما قال ﷺ لكعبٍ: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك، فيتصدّق بما تيسَّر، ويُبقي ما يُعينه على طاعة الله، ويُنفق على أهله.
س: هل يكون الخُلْعُ بلا مالٍ؟
ج: لا، ليس هناك خلعٌ إلا بمالٍ.
س: وإذا قال الزوج: لا أُريد؟
ج: يصير طلاقًا وليس خلعًا، وتكون له الرجعة.
س: والخلع ليس له رجعة إذا راجعها في عدَّتها؟
ج: لا، ما له رجعة إلا بعقدٍ جديدٍ، إذا كان على مالٍ فلا بد من عقدٍ جديدٍ.
س: بمُوافقتهما؟
ج: نعم.
س: هل تحية المسجد سنة مؤكَّدة بإجماع؟
ج: هي سنة مؤكدة.
س: بالإجماع؟
ج: ما أدري، الله أعلم.
س: في مُعلَّقات البخاري: أن الصحابة كان يلصق أحدُهم في الصلاة كعبَه بكعب أخيه .. إلى آخر الحديث، فهل ..؟
ج: يعني: يسدّ الخلل، وليس معناه أنه يُؤذيه، بل يسدّ الخلل، فيكون كعبه بجوار كعبه، بلا فُرَجٍ بينهم.
س: بملامسة؟
ج: ما فيه إلا هذا، لكن بدون إيذاء.
س: جاء في الحديث: وعبد لم يُعطه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيه بعمل فلانٍ، فهو بنيَّته هل يأثم الرجلُ بنيته فقط؟
ج: بنيَّته الخبيثة.
س: يأثم؟
ج: نعم بنيَّته الخبيثة، هذا ظاهر الحديث، يقول: لو أنَّ لي مالًا مثل فلانٍ لعملتُ مثل عمله.
س: وكيف نقول في الحديث الآخر، وهو قول الرسول ﷺ ..؟
ج: إذا همَّ بسيئةٍ فلم يعملها لم تكتب، هذا له نيَّة صادقة أو قويّة –نسأل الله العافية.