153 من حديث: (إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا..)

 
17/428- وعن أَنسٍ ، عن رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً في الدُّنيَا، وَأَمَّا المُؤمِن فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ.
وفي روايةٍ: إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تَعَالَى في الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا رواه مسلم.
18/429- وعن جابرٍ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ رواه مسلم.
19/430- وعن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جنازتِه أَرْبَعُونَ رَجُلًا لا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها تُبين سعة فضل الله وجوده على أوليائه المؤمنين، وأنه سبحانه لا يضيع عملَ عاملٍ، بل يأجره عليه إذا كان مؤمنًا، مع ما يدَّخر له في الآخرة، وإذا كان كافرًا جازاه به في الدنيا، يقول ﷺ: إنَّ الكافر إذا عمل حسنةً أُطْعِمَ بها طعمةً في الدنيا، مثل: الصَّدقة على أقاربه، ومثل: التيسير على معسرٍ، وما أشبه ذلك، أما المؤمن فيجمع الله له الأمرين: يأجره في الدنيا وفي الآخرة جميعًا، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2- 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29].
فأنت يا عبدالله المؤمن على خيرٍ عظيمٍ، فاجتهد في الخيرات، وفي الطاعات، وربك سبحانه جواد كريم، يُعطيك في الدنيا من رزقه وفضله على طاعته، ومع ذلك يأجرك في الآخرة على حسناتك: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمئة ضعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وهذا من جوده وكرمه وإحسانه إلى عباده، فجديرٌ بالمؤمن أن يُنافس في الخيرات، وأن يُسارع في الطاعات، يرجو ما عند الله من المثوبة.
ويقول ﷺ: مثل الصَّلوات الخمس كمثل نهر غمرٍ على باب أحدكم، يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ، قال في الرواية الأخرى: فهل يُبْقِي ذلك من دَرَنِه شيئًا؟ يعني: أنها تغسل الذنوبَ والخطايا لمن لم يُصرّ على السيئات، كما في الرواية الأخرى: الصّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر أخرجه مسلم في "الصحيح".
فالروايات المطلقة تُفَسَّر بالروايات المُقَيَّدة، فالمؤمن صلواته يُكَفِّر اللهُ بها سيئاته، ويغفرُ بها خطاياه، إذا لم يأتِ الكبائر.
فجديرٌ بالمؤمن أن يتَّقي الله، وأن يراقب الله، وأن يحرص على أسباب النجاة، يحرص على كلِّ خيرٍ، يرجو ثوابَه من عند ربِّه جلَّ وعلا.
كذلك فضل كثرة الجمع على الجنائز، يقول ﷺ: ما من رجلٍ يقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا إلا شفَّعهم الله فيه، وفي حديث عائشة: يبلغون مئةً إلا شفَّعهم الله فيه، لكن فضله جلَّ وعلا جعل أربعين بدل مئة، وهذا يدل على أنَّ كثرة الجمع على الجنازة من أسباب الخير للميت؛ لأنهم يُشَفَّعون فيه، ويدعون الله له، فهذا فضلٌ عظيمٌ، وكلما زاد الجمعُ كان خيرًا للميت المسلم؛ لأنَّ إخوانه يدعون له، ويشفعون فيه أن يغفر الله له.
هذه الأشياء كلها تدل على حُسن الرجاء، وعظم الرجاء، وأن المؤمن لا يقنط، ولا ييأس؛ لأنَّ الله يقول: لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87]، فأسبابُ الخير كثيرة، ولكن عليه أن يحذر من الإصرار على السيئات، عليه أن يُبادر بالتوبة من سيئاته، وألا يُصِرَّ عليها؛ لأن الله يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135- 136]، ويقول جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فالجدير بالعاقل، والجدير بالحازم أن يحذر السيئات، وأن يبادر بالتوبة إلى الله منها، وألا يُصرَّ على سيئةٍ، لا قليلة، ولا كثيرة، يكون دائم الحذر من السيئات، دائم التوبة، دائم الاستغفار، يرجو ثواب ربه، ويخشاه، مع حُسن ظنه بربه، ومع الرجاء العظيم وحُسن الظن يعمل بالطاعات، ويحذر السيئات، ويلزم التوبة دائمًا، يرجو ثواب ربه، ويخشى عقابه، هكذا المؤمن.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: ما معنى نهر غمر؟
ج: كثير، فالغمر هو الكثير.
س: هل الإصرار على حلق اللِّحَى يُعدّ من الكبائر؟
ج: يُخْشَى أن يُعَدَّ من الكبائر؛ لأنَّ بعض أهل العلم ذكر أنَّ الإصرار على السيئة ولو كانت صغيرةً يجعلها كبيرةً، والله يقول: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا، فيه الحذر من الإصرار.
س: ................
س: في قوله: لا يُشركون بالله شيئًا هل يدخل الشّرك الأصغر؟
ج: يُخْشَى أن يدخل في ذلك.
س: .................