125 من حديث: ( أن عائشة قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة رضي الله عنها..)

 
4/344- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبيِّ ﷺ مَا غِرْتُ عَلَى خديجةَ رضي اللَّه عنها، ومَا رَأَيْتُهَا قَطُّ، ولَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّما ذَبح الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاء، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صدائِق خدِيجةَ، فَرُبَّما قلتُ لَهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا إِلَّا خديجةُ! فيقولُ: إِنَّها كَانَتْ، وكَانَتْ، وكَانَ لي مِنْهَا ولَدٌ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: وإنْ كَانَ لَيَذبحُ الشَّاءَ فَيُهْدِي في خَلائِلِهَا مِنْهَا مَا يسَعُهُنَّ.
وفي روايةٍ: كَانَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ يَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجةَ.
وفي روايةٍ قَالَت: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَديجَةَ عَلَى رَسُول اللَّه ﷺ، فَعَرفَ اسْتِئْذَانَ خَديجَةَ، فَارْتَاحَ لذَلِكَ، فقالَ: اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ.
5/345- وعن أَنس بن مالكٍ قَالَ: خَرجْتُ معَ جرير بن عبدِاللَّه الْبَجَلِيِّ في سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُني، فقلتُ لَهُ: لا تَفْعَلْ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيتُ الأَنصارَ تَصْنَعُ برسُول اللَّه ﷺ شَيْئًا آلَيْتُ عَلى نَفْسي أَنْ لا أَصْحَبَ أَحدًا مِنْهُمْ إِلَّا خَدَمْتُهُ. متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان والأحاديث قبلهما كلها تدل على الترغيب في برِّ أقارب الأبوين، والأرحام، والأصدقاء، والزوجة، والزوجات، وأنَّ الإحسان إليهم وإلى أصدقاء الوالد والوالدة وإلى أهل الخير وأهل السيرة الحميدة أمرٌ مطلوبٌ ومشروعٌ، ومن ذلك ما تقدَّم في أحاديث الحثِّ على صلة الأقارب، وصلة الأب، وصلة أقاربه، وحقّ الأب بعد وفاته، وأنَّ من حقِّ الوالد بعد وفاته صلة الرحم التي لا تُوصَل إلا به، وإكرام صديقه، وإنفاذ وصيته، وكما تقدَّم.
كذلك هنا ما جاء في حديث عائشة في قصة خديجة، وهي أم المؤمنين، وهي أول أزواج النبي ﷺ، وأم أكثر أولاده رضي الله عنها، كانت امرأةً صالحةً، وكانت تعتني بالنبي ﷺ، وإذا اشتدَّ به الكربُ تُنَفِّس عنه، وتقول له: "إنَّك، وإنَّك"، رضي الله عنها، فكانت من خير النساء، ومن أرجحهنَّ عقلًا، وأكملهنَّ دِينًا، ولما اشتدَّ عليه الأمر حين نزل عليه جبرائيلُ وجاءها ترجُف بوادرُه قالت له: "كلا والله، لا يُخزيك الله أبدًا، إنَّك لتصل الرحم، وتَقْرِي الضيف، وتصدق الحديثَ، وتحمِل الكَلَّ، وتُعين على نوائب الحقِّ"، يعني: مثلك لا يُخزى ولا يضرّه شيء؛ لأنَّ خصالك حميدة، فتُفَرِّج عنه رضي الله عنها، وتسلي عنه ما يُصيبه من الشَّدائد عليه الصلاة والسلام، ولهذا كان يُحبها كثيرًا، ويُهدي إلى أصدقائها من اللَّحم ويقول: أعطوا خلائلَ خديجة، فربما ذبح الشَّاة ثم يُوزِّعها بين أصدقائها.
فهذا يدل على أنَّ من كرم الأخلاق ومن طيب السَّجايا: الإحسان إلى الزوجة الصالحة وأقاربها وأصدقائها، كما فعل النبيُّ ﷺ، ولما استأذنت عليه هالةُ بنت خويلد أختها ارتاح لذلك، فلما سمع صوتَ هالة تذكر خديجة وفضلها وحُسن عشرتها، فقال: اللهم هالة.
فالمقصود أنَّ الرجل طيب الأخلاق الذي لا ينسى فضلَ العِشْرَة يُكْرِم أقاربَ زوجته الصَّادقة الطيبة وأصدقاءها؛ لكرمها وحُسن سيرتها، كما فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام.
ومن هذا قصة جرير مع أنسٍ ، فأنسٌ رضي الله عنه كان يخدم النبيَّ ﷺ، فحين قدم النبيُّ ﷺ المدينة جاءه أبو طلحة بأنسٍ وقال له: "هذا شابٌّ صالحٌ يحبّ أن يخدمك يا رسول الله"، فوافق عليه النبيُّ ﷺ، وكان ابن عشرٍ حين جاء به إلى النبيِّ ﷺ، فخدمه عشر سنين، فقد تُوفي النبيُّ ﷺ وأنس في العشرين من عمره، ولهذا اشتهر بخادم النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان جرير يخدم أنسًا لما صحبه في السفر، فقال له أنسٌ: دَعْ هذا، فقال: لا، إنِّي آلَيْتُ على نفسي ألَّا أكون مع أحدٍ من الأنصار إلا خدمتُه؛ لما رأيتُ من عنايتهم بالرسول وخدمتهم له عليه الصلاة والسلام، فكان جرير يخدمهم لما رأى من خدمتهم وحُسن سيرتهم مع نبي الله عليه الصلاة والسلام، ومن أخصِّهم أنس، فقد كان أنصاريًّا، وكان خادمًا للنبي عليه الصلاة والسلام، فلهذا لما كان معه في السفر خدمه جرير، مع أنَّ جريرًا من خِيرة الصحابة، ومن عُظمائهم وكبارهم رضي الله عنه وأرضاه، وله شأنٌ في قبيلته، ولكنَّه أراد بخدمة أنسٍ التَّقرب إلى الله؛ لخدمته للنبي عليه الصلاة والسلام.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: يقول أنس بن مالك: "خرجتُ مع جرير بن عبدالله البجلي في سفرٍ فكان يخدمني" فهل كان جرير يخدمه أم كان أنس هو الذي يخدمه؟
ج: جرير يخدم أنسًا.
س: هل يقال: خديجة أفضل نساء العالم؟
ج: فيه خلاف، أفضل النساء: خديجة، وعائشة، وفاطمة بنت النبي ﷺ، وآسيا امرأة فرعون، ومريم، هؤلاء الخمس هنَّ أفضل النساء، واختلف الناسُ في تقديم بعضهن على بعضٍ، والأرجح تقديم عائشة؛ لقوله ﷺ: فضلُ عائشة على النساء كفضل الثَّرِيد على سائر الطعام رضي الله عنهن جميعًا، فأفضل النساء خمس: خديجة، وعائشة، وآسيا ابنة مزاحم زوجة فرعون، ومريم ابنة عمران أم عيسى، وفاطمة بنت النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء الخمس أفضل النساء، وأفضلهن على الإطلاق عائشة.
س: يعني: شرط أن تكون امرأةً صالحةً؟
ج: في إكرامها ما ينسى فضلها، وإن كان عندها نقصٌ لكن لا ينسى فضلها، وفضل أهلها، إذا كانوا أهلَ إحسانٍ وأهل خيرٍ.
س: ما ضابط البدعة؟
ج: كل عبادةٍ تُخترع على خلاف الشرع فهي بدعة، فالعبادات المخترعة التي لا أصل لها في الشرع يقال لها: بدعة، مثل: بدعة الاحتفال بالموالد، والبناء على القبور، وإسراجها، واتِّخاذ المساجد عليها، فهذه تُسَمَّى بِدَعًا.
س: إدراج بعض الأمور مثل: السِّبْحَة؟
ج: لا، السبحة أمرها سهل، كان بعض الصحابة يُسبِّح بالحصى في عهد النبي ﷺ، ويُسبِّحون بالعقد، لكن بالأصابع أفضل ..............