04 من قوله: (وبِنْتُ الابْنِ تأْخُذُ السُّدْسَ إذا)

 
وبِنْتُ الابْنِ تأْخُذُ السُّدْسَ إذا كانَتْ مَعَ البِنْتِ مِثالًا يُحْتَذَى
وهكَذا الأخْتُ معَ الأُخْتِ الَّتي بالأَبَوَيْنِ يا أُخَيَّ أَدْلَتِ
والسُّدْسُ فَرْضُ جَدَّةٍ في النَّسَبِ واحدةً كانَتْ لأُمٍّ أوْ لأبِ
ووَلَدُ الأمِّ يَنالُ السُّدْسَا والشَّرْطُ فِي إفْرادِهِ لا يُنْسَى
 

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، هؤلاء بقية أهل السدس، وتقدم أن أهل السدس سبعة، مر منهم الأبوان (الأم والأب) والجد وأن كل واحد يستحق السدس، فالأم تأخذه مع الولد ومع الجمع من الإخوة، والأب والجد يأخذانه مع الفرع الوارث، وعند انعدام الوارث، لا يعطيان السدس بل يعطيان تعصيبًا.

الرابع: بنت الابن تأخذ السدس إذا كان معها البنت، ولهذا قال المؤلف:
وبِنْتُ الابْنِ تأْخُذُ السُّدْسَ إذا كانَتْ مَعَ البِنْتِ مِثالًا يُحْتَذَى
يعني يحتذى حذوه ويقاس عليه ما أشبهه من بنت الابن الرفيعة على بنت الابن النازلة، فإذا هلك هالك عن بنت ابن، وعن بنت ابن ابن فالأولى لها النصف، والأخيرة لها السدس تكملة الثلثين كما لو كانت مع البنت مثالًا يحتذى، وهكذا لو نزلن، والأصل في هذا ما رواه البخاري في الصحيح أن النبي ﷺ قضى في البنت وبنت الابن وأخت للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فهو للأخت؛ رواه البخاري من حديث ابن مسعود .

والخامس من أهل السدس: الأخت لأب مع الأخت الشقيقة وهذا معنى قوله:
وهكَذا الأخْتُ معَ الأُخْتِ الَّتي بالأَبَوَيْنِ يا أُخَيَّ أَدْلَتِ

فإذا مات ميت عن أخت شقيقة وعن أخت لأب فأكثر فإن الشقيقة تعطى النصف، والأخت لأب فأكثر تعطى السدس قياسًا على بنت الابن مع البنت، ووجه ذلك أن الله جعل للبنات ثلثين وللأخوات ثلثين، فإذا أخذت البنت النصف بقي سدس من الثلثين فتعطاه بنت الابن فأكثر ولو كن جماعة كثيرة، وأعطى الأخوات الثلثين فإذا أخذت الشقيقة النصف بقي السدس، فتعطاه الأخت لأب الضعيفة لأنها كبنت الابن مع البنت فتأخذ السدس، وبهذا يكون قد سلم للأخوات الثلثين وانتهى الأمر.
الشرط الثالث: مثل ما تقدم في بنت الابن مع البنت أن تكون مع بنت تأخذ النصف وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منها، وعدم المعصب، فعند هذا تعطى السدس بنت الابن مع البنت، وهكذا بنت الابن النازل أبوها مع البنت العليا تعطى السدس بالشرط هذا عدم الفرع الوارث الأعلى منها وعدم المعصب وأن تكون مع بنت أعلى منها أو بنت ابن أعلى منها قد أخذت النصف.
والأخت لأب كذلك لها شروط أربعة أن تكون مع أخت شقيقة، ....... وعدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث. فتعطى السدس على هذا الوجه.
وإذا كن عددًا اشتركن بالسدس لو كن بنات ابن أو أخوات لأب يشتركن في السدس.

والسادس: الجدة مطلقًا تأخذ السدس بالإجماع؛ لأنها بمثابة الأم عند فقد الأم، لأن الرسول ﷺ أعطاها السدس كما ثبت في الحديث الصحيح.
فإذا مات ميت عن جدة وهي أم أم أو أم أب أو أم أب الأب تعطى السدس إذا كانت الأم مفقودة، أما إذا تعددت الجدات فيأتي البحث فيهن في الذي بعد هذا إن شاء الله، لكن إذا كانت الجدة موجودة والأم مفقودة والجدة وارثة مدلية بوارث تعطى السدس كأم الأب وأم الأم وأم أب الأب، وهكذا من كان أعلى منها على الصحيح كما يأتي إن شاء الله.

والسابع ولد الأم، عبر بولد الأم؛ لأنه يشمل الذكر والأنثى، فإنه يعطى السدس بشروطه الثلاثة: إفراده، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث أم الجدة فشرطها عدم الأم فقط مثل ما تقدم.
فإذا وجد أخ لأم واحد أو أخت لأم واحدة تعطى السدس لقول الله سبحانه: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء: 12] أجمع العلماء على أنها في الإخوة لأم، فإذا وجد فرد من أولاد الأم أعطي السدس إذا كان ليس هناك وارث ولا أصل من الذكور وارث يعني إذا كانت كلالة ليس فيها فرع وارث ولا أصل من الذكور وارث، فإنه يعطى السدس فرضًا بالنص والإجماع، أما إن كان هناك فرع وارث أو أصل من الذكور وارث فإنه يسقط بالإجماع، فلا إرث للإخوة للأم مع الولد ولا مع الأب ولا مع الجد.
وبهذا عرفنا أصحاب السدس وأنهم سبعة كلهم يستحقون السدس بالنص والإجماع.
الأب، والأم، والجد، والجدة، وبنت الابن مع البنت، وبنت الابن النازلة مع بنت الابن العليا، والأخت لأب مع الشقيقة، وولد لأم؛ هؤلاء يرثون السدس بشروطه.
 
وإِنْ تَسَاوى نَسَبُ الجَدَّاتِ وكنَّ كُلُّهُنَّ وَارِثاَتِ
فالسُّدْسُ بيْنَهُنَّ بالسَّوِيَّهْ في القِسْمَةِ العادِلَةِ الشَّرْعِيَّهْ
وإنْ تكُنْ قُرْبَى لأُمٍّ حَجَبَتْ أُمَّ أبٍ بُعْدَى وَسُدْسًا سَلَبَتْ
وإنْ تَكُنْ بِالعَكْسِ فالْقَوْلانِ فِي كُتْبِ أهْلِ العِلْمِ مَنْصوصَانِ
لا تَسْقُطُ البُعْدَى عَلَى الصَّحيحِ واتَّفَقَ الْجُلُّ عَلَى التَّصْحيحِ
وكلُّ مَنْ أَدْلَتْ بِغَيْرِ وَارِثِ فَما لَها حَظٌّ مِنَ الْمَوارِثِ
وتَسْقُطُ البُعْدَى بِذاتِ القُرْبِ فِي الْمَذْهَبِ الأَوْلَى فَقُلْ لِي حَسْبِي
وقدْ تَنَاهَتْ قِسْمَةُ الفُروضِ مِنْ غِيْرِ إِشْكالٍ وَلا غُمُوضِ

الشيخ:
يقول المؤلف رحمه الله لما ذكر أهل السدس، وأنهم سبعة كما تقدم ومن جملتهم الجدة، يقول رحمه الله: "وإِنْ تَسَاوى نَسَبُ الجَدَّاتِ" لما كانت الجدة تتعدد والأم واحدة لكن الجدات قد يتعددن، وبين حكم الجدات إذا تعددن، وأنهن قد يرثن جميعًا وقد لا يرث إلا واحدة، فإن تساوى النسب وكن كلهن وارثات جميعًا اشتركن في السدس، ليس لهن إلا السدس مثل الإخوة لأم ليس لهم إلا الثلث ولو كثروا، ومثل بنات الابن مع البنت يرثن السدس وإن كثرن، ومثل الأخوات لأب مع الشقيقة ليس لهن إلا السدس وإن كثرن، فهكذا الجدات ليس لهن إلا السدس وإن كثرن.
فذهب الإمام أحمد رحمه الله وجماعة إلى أنهن لا يرث إلا ثلاث: أم الأم وأم الأب وأم أب الأب الثلاث فقط، وذهب جماعة من الشافعية والمالكية وغيرهم إلى أنهن قد يزدن فكل من أدلت بوارث فهي وراثة ولا ينحصرن في ثلاث وهذا هو الصواب، وأم الأم وارثة، وأم الأب وارثة، وإن علتا أم أب الأب أم أب أب الأب وهكذا، ولهذا قال المؤلف كما يأتي:
وكلُّ مَنْ أَدْلَتْ بِغَيْرِ وَارِثِ فَما لَها حَظٌّ مِنَ الْمَوارِثِ

 وإن تجمعن: وصار الدرجة واحدة فيقسم السدس بينهن، وإن اختلفن فصارت واحدة أقرب من واحدة فهو للقريبة والبعيدة تسقط كالعصبة، وكالأجداد القريب يسقط البعيد، قال النبي ﷺ: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر فإذا كان العصبة مع قوتهم يسقطون بالقريب فالجدات وأشباههن كذلك.
فإذا هلك هالك عن أم أم وأم أب الأب فالسدس لأم الأم لأنها أقرب، وإن هلك هالك عن أم أب وأم أب الأب فالسدس لأم الأب لأنها أقرب دون أم أب الأب.
واختلفوا فيما إذا كانت القربى من جهة الأب والبعدى من جهة الأم فهل تسقط البعدى وهي من جهة الأم أم لا؟
على قولين، والمؤلف رجح عدم سقوطها لقوتها في الأم، والصواب سقوطها ولو كانت من جهة الأم وهذا معنى قوله:
لا تَسْقُطُ البُعْدَى عَلَى الصَّحيحِ واتَّفَقَ الْجُلُّ عَلَى التَّصْحيحِ
من المالكية والشافعية على التصحيح، الجل الكثير، ولكنه ليس بصواب، الصواب أن من قربت فلها السدس، ومن بعدت فهي ساقطة مطلقًا على القاعدة المعروفة في هذا العلم.
وإن تساوى نسب الجدات: تساوى في القرابة.
وكن كلهن وارثات: كل مؤكد لضمير كن، وارثات: خبر كان.
فالسدس بينهن بالسوية.
شرطان: أحدهما: التساوي، والثاني: أن يكن وارثات، فإذا توافر الشرطان اشتركن في السدس، فإذا اختل الشرط الأول وهو عدم التساوي في النسب، أعطيت القريبة وسقطت البعيدة، وإذا اختل الثاني، فإن كان بعضهن وارثًا وبعضهن غير وارث سقطت التي ليست بوارثة لإدلائها بغير وارث، والوارثة تعطى السدس.
 
وإنْ تكُنْ قُرْبَى لأُمٍّ حَجَبَتْ أُمَّ أبٍ بُعْدَى وَسُدْسًا سَلَبَتْ
هذا محل اتفاق لقوتها وقربها.
وإن تكن بالعكس فالقولان: التي تكون القريبة من جهة الأب.
..................
وتَسْقُطُ البُعْدَى بِذاتِ القُرْبِ
هذا إذا كن في جهة واحدة، البعدى تسقط بالقريبة أم أم وأم أم أم، أم الأم هي التي ترث والبعيدة تسقط، أم أب وأم أب الأب تسقط البعيدة وترث القريبة.
في المذاهب الأولى: أي الأحق.
فقل لي حسبي: قل لي يكفيني ما بينته؛ لأن الأمر قد وضح وحصل به المقصود فلا حاجة إلى الزيادة.
ثم قال رحمه الله:
وقدْ تَنَاهَتْ: يعني انتهت، قِسْمَةُ الفُروضِ: يعني بين الورثة في كلام المؤلف.
مِنْ غِيْرِ إِشْكالٍ: في ذلك، وَلا غُمُوضِ: ولا خفاء، وقد صدق رحمه الله فقد أوضحها وبينها بأسلوب حسن وبكلمات واضحة، فرحمه الله، وجزاه الله خيرًا.
فاتضح لكم بهذا أن أهل السدس سبعة: الأم والأب والجد والجدة وبنت الابن مع البنت، وبنت ابن الابن مع بنت الابن، والأخت لأب فأكثر مع الأخت الشقيقة، وولد الأم ذكرًا كان أو أنثى هؤلاء سبعة. وتقدمت شروطهم.
الأب يأخذ السدس بشرط وجود الفرع الوارث، والأم تأخذه بشرط وجود الفرع الوارث أو الجمع من الإخوة، والجد يأخذ السدس بوجود الفرع الوارث مع عدم الأب، وكل جد قريب يحجب الجد البعيد ويأخذ السدس مع وجود الفرع الوارث، وعدم وجود من هو أقرب منه من الأجداد.
وبنت الابن تأخذ السدس مع البنت إذا كانت ليس معها معصب وليس هناك وارث أعلى منها ......
وهكذا بنت الابن النازلة مع بنت الابن العليا، الحكم واحد.
والأخت لأب تأخذ السدس بشرطين، أن تكون مع أخت شقيقة تأخذ النصف، والثاني عدم المعصب؛ لأن الأخت الشقيقة تأخذ النصف لعدم الفرع الوارث وعدم الأصل من الذكور الوارث، وعدم الأشقاء وعدم الشقائق .........
والجدة تأخذ السدس بشرط أن تكون وارثة وأدلت بوارث وعدم الأم .........، فكل قريبة تأخذ السدس بهذا الشرط وهي مدلية بوارث وألا يكون جدة أقرب منها.
وولد الأم يأخذ السدس بشروط ثلاثة أن يكون فردًا ليس معه أحد، الثاني عدم الفرع وارث الثالث عدم الأصل الوارث من الذكور.
وإذا اجتمعت جدتان فأكثر اشتركت في السدس بشرطين، أن يكن وارثات وأن يكن متساويات ........ فإن كانت واحدة وارثة والأخرى مدلية بغير وارث سقطت المدلية بغير وارث، وصارت الوارثة هي المدلية بوارث، ........ وإن كن وارثات جميعًا ولكن بعضهن أقرب من بعض فالسدس للقريبة مطلقًا سواء من جهة الأب أو من جهة الأم والبعيدة تسقط مطلقًا هذا هو خلاصة هذا الباب.
...............
والعصبة في اللغة هم قرابة الرجل الذكور، يقال لهم عصبة ويستثنى منهم الإخوة لأم فليسوا بعصبة، وإن كانوا ذكورًا ويستثنى منهم أعمامه لأم وبنو عمه لأم، فالعصبة الذكور من جهة أبيه أو من جهة نسله عقبه فهؤلاء هم العصبة بخلاف قرابته من جهة الأم فليسوا عصبة.
ولهم أحكام ولهم جهات ولهم درجات ولهم صفة في القوة والضعف يقدم بها بعضهم على بعض ويأتي بيانها إن شاء الله.
قال المؤلف:
وَحُقَّ أنْ نَشْرَعَ فِي التَّعْصِيبِ: حق يعني استحق، وحق بمعنى وجب، يعني حق علينا بعدما بينا الفرائض أن نبين التعصيب.
وَحُقَّ أنْ نَشْرَعَ فِي التَّعْصِيبِ: يعني لنبين أحكامه.
بِكُلِّ قَوْلٍ مُوجَزٍ مُصِيبِ: بكل قول مختصر مفيد للحق بأي فائدة تحصل بذلك ولا حاجة للإكثار. فخير الكلام ما قل ودل.
ثم بين أحكامه فقال:
فَكُلُّ مَنْ أحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ: بين تعريف التعصيب، مِنَ الْقَرَاباتِ أوِ الْمَوَالِي.
أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ لَهْ فَهُوَ أَخُو العُصُوبَةِ الْمُفَضَّلَهْ
هذا تعريف العاصب، وهو الذي يحرز كل المال عند انفراده أو يخذ ما بقي عند وجود الفروض فهذا يسمى عاصبًا معه، هذا تعريف عند أهل الفرائض.
وأما في اللغة: فهو مثل ما تقدم هو قرابة الرجل من الذكور من جهة أبيه ومن جهة ذريته.
أما في اصطلاح الفرضيين: فهو كل شخص يحرز المال كله عند انفراده، أو يأخذ ما بقي عند وجود أهل الفروض فهذا يسمى عاصبًا.
ويدخل فيهم الأب والجد وإن علا بمحض الذكور، الابن وابن الابن وإن نزل، والإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم إلا لإم. ويدخل في هذا المعتق وعصبته، والمعتقة وعصبتها.
فَكُلُّ مَنْ أحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ ... مِنَ الْقَرَاباتِ ....
القرابات أبيه وابنه ونحو ذلك.
أوِ الْمَوَالِي: المعتقين، يعني الموالين من أعلى وهم المعتقون؛ لأن الموالي قسمان: موالي من أعلى وهم المعتقون، وموالي من أسفل وهم العتقاء، والموالي هنا الموالي من أعلى وهم المعتقون وعصبتهم.
فَكُلُّ مَنْ أحْرَزَ كُلَّ الْمَالِ مِنَ الْقَرَاباتِ أوِ الْمَوَالِي
أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ لَهْ: كزوج وابن يأخذ الباقي الابن، وزوج وأب يأخذ الباقي الأب، أم وأب يأخذ الباقي الأب، وأم وأخ يأخذ الباقي الأخ، وأشباه ذلك.
فَهُوَ أَخُو العُصُوبَةِ الْمُفَضَّلَهْ: أخوها أي صاحبه. أخو الشيء صاحبه والملازم له، والمفضلة يعني على الفرض من جهة أن صاحب الفرض مقيد ليس له زيادة إلا بالرد عند من قال بالرد في حالة مخصوصة، أما صاحب العصوبة فقد يحوز المال كلها عند عدم الفروض، ولهذا قال أخو العصوبة المفضلة؛ لأن التعصيب قد يكثر حتى يحرز المال كله، ولهذا قال: المفضلة من هذا الجانب، وصاحب الفرض مفضل من جهة أخرى، وهو أنه ليس عليه خطر السقوط بل يفرض له ولو عالت المسائل بخلاف العاصب؛ فإنه قد يسقط فيكون مرجوحًا من هذه الحيثية مفضولًا من هذه الحيثية، وعلى هذا فيقال أن صاحب الفرض مفضل من جانب، وصاحب العصوبة مفضل من جانب، وكل واحد منهما له ميزة.
ثم شرع يبين أفراد العصبة وأجناسهم قال:
كالأَبِ والْجَدِّ وَجَدِّ الْجَدِّ: هذا العصبة من أعلى، الجد أب الأب وإن علا بمحض الذكور، وجد الجد وإن علا بمحض الذكور.
والابْنِ عِنْدَ قُرْبِهِ والْبُعْدِ: ابن الميت وابن ابنه وإن نزل كلهم عصبة.
والأَخِ وَابْنِ الأَخِ والأَعْمَامِ: كذلك عصبة الأخ وبنوه سواء كان شقيقًا أو لأب والعم الشقيق أو لأب وبنوهم كذلك كلهم عصبة.
والسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ ذِي الإنْعامِ: كذلك عصبة، وهكذا بنوه.
وكذا بقية عصبته بالنفس وبالإخوة وأعمام وبني عم ومعتقين كلهم داخلون في هذا.
وذي الإنعام: يعني ذو الفضل والإحسان؛ لأن العتق إنعام فهو محسن في هذا إذا أعتق له فضل لأداء ......... الصحيح، ومن أعتق مسلمًا أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار حتى فرجه بفرجه؛ فالعتاق فيه فضل عظيم وهو من أسباب النجاة من النار.
وهَكَذا بَنُوهُمُ جَمِيعَا: هكذا بنو هؤلاء، فكُنْ لِما أَذْكُرُهُ سَمِيعَا: سمع قبول وفهم واستفادة لا سمع الأذن فقط، بل الواجب على طالب العلم أن يكون سمعه سمع قبول وعناية وإنصات وتفهم وتعقل حتى يستفيد.
ويدخل في البنين من تقدم أبناء الأخ، وأبناء ابن الأخ، وأبناء العم، وأبناء ابن العم، أبناء الجد وهم الأعمام، وأبناء الأب وهم الإخوة، وهكذا كل داخل في العصبة، وهكذا بنوهم جميعًا، وأبناء المعتقين وأبناء المعتقات كلهم داخلون في هذا.
والعصبة لهم جهات، ولهم أحكام، ولهم درجات يفضل بعضها على بعض في القوة يفضل بها صاحبها على الضعيف.
أما جهاتهم فست -عند ورثة الإخوة مع الجد- كما هو معروف عند الإمام أحمد والشافعي ومالك رحمه الله لأسباب يأتي بيانها في الجد مع الإخوة.
وخمس -عند من أسقط الإخوة مع الجد وجعله أبًا- كما هو الراجح، والأظهر في الدليل كما هو عند أبي حنيفة وجماعة وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وفيها جمع من أهل العلم كما يأتي بيانها إن شاء الله. هؤلاء الجهات ست خمس على هذا القول المختار أن الجد أب له أحكام الأب في إسقاط الإخوة.
وكل جهة مقدمة على الجهة التي بعدها بنوة وأبوة وإخوة وبنوهم وعمومة وبنوهم وولاء هذه جهاتهم على الراجح خمسة، وقيل ست على دخول الإخوة مع الجد فيقال بنوة وأبوة وجدودة وإخوة ثم بنو إخوة ثم عمومة وبنوهم ثم ولاء، فإذا جعلنا الإخوة مع الجد يرثون جعلنا بني الإخوة جهة مستقلة، وإذا أسقطنا الإخوة بالجد جعلنا بني الإخوة مع آبائهم بجهة واحدة فصارت خمسة.
والبنوة يدخل بها البنون وأبناء البنين وإن نزلوا.
وأبوة يدخل فيها الأب، والجد وإن علا بمحض الذكور.
وإخوة وبنوهم وهي الثالثة، وعمومة وبنوهم وهي الرابعة، ثم الولاء.
وكل جهة تحجب التي بعدها باستقراء الأدلة الشرعية، بالاستقراء تستوضح من ذلك أن كل جهة حاجبة التي بعدها، فجهة البنوة تحجب الأبوة بالعصب، وجهة الأبوة تحجب الأخوة بالعصب، وجهة الأخوة تحجب العمومة بالعصب، وجهة العمومة وبنيهم وإن نزلوا تحجب الولاء، والولاء هو الآخر؛ لأنه أضعف من النسب، وهو مشبه بالنسب كما في الحديث: الولاء لحمة كلحمة النسب وليس كالنسب.
وأحكام العصبة ثلاثة:
الأول: أن من انفرد من العصبة حاز جميع المال.
والثاني: أنه يأخذ ما أبقته الفروض.
والثالث: يسقط إذا استوفت الفروض هذه أحكامهم.
الأول: أن من انفرد من العصبة حاز جميع المال كالأب يأخذ المال كله، الابن، الأخ، العم، إذا مات ميت عن أبيه فله المال كله، مات ابنه له المال كله، عن أخيه له المال كله، بالعصب، لقوله جل وعلا في الإخوة: وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء: 176].
الثاني: يأخذ ما أبقته الفروض؛ لقوله ﷺ: ألحقوا الفرائض بأهلها؛ فما بقي فلأولى رجل ذكر.
الثالث: أنه يسقط، وهذا مأخوذ من هذا الحديث، مفهومه إنه إذا لم يبقَ شيء فلا شيء له ...... فمتى أخذ المقدر لهم حقهم ........ ما بقي شيء فيسقط العاصب إلا ثلاثة لا ........ سقطوهم لقوة إرثهم، وهم: الأب، والجد، والابن، ........ لأن فرضهم قوي والفروض معهم تقل فلا يتصور ..........
فالابن يكون مع الأبوان ومع الزوجان والجدات والأجداد ولا يستهلون الفروض معه، وهكذا الجدات وهكذا الأب والجد لا يتصور ....... الفروض في مسألة .......
ولأنه عند الضيق يفرض لهم الأب والجد، إذا ........ المسألة، والفروض معهم كثيرة يفرض لهم ولا يضيعون، فهم على كل حال وارثون إما فرضًا وإما تعصيبًا ولا يستوي معهم سقوطهم؛ لأنهم متى فقدوا التعصيب أخذوا بالفرض كبنتين وأبوين فإنهم يأخذون الثلثين مع البنتين، وكزوج وبنتين وأبوين يعطى الأبوان السدسين فتعول المسألة وهكذا، لكن لا يتصور معهم وجود ورثة يحجبونهم أو يسقطونهم باستيفاء الفروض، فالأب والجد والابن لا يعتبر سقوطهم ......... الفروض، وأما الابن هو عاصب لكن لا يتصور معه فرائض تحجبه لا بد أن يبقى معه شيء كأبوين وابن وزوج وابن، وأم وأب، فلا بدّ يبقى له شيء زوجة كذلك بدل الزوج، جدة بدل الأم، جد بدل الأب لا يسقطون الابن.
أما كيفية تقديم بعضهم على بعض عند اجتماع العصبة فقد سبق أنه يقدم في الجهة، وعند اتحاد الجهة يقدم في الدرجة، وسيأتي هذا إن شاء الله في الدرس الذي بعد هذا، وعند استوائهم في الدرجة يقدم القوة، وعند اتحادهم في الجهة والدرجة والقوة يشتركون ..........
س: ...................
تقدم البحث في العصبة وتعريفهم في اللغة والاصطلاح عند الفرضيين وتقدمت جهاتهم، ...... وهنا يبين حكم ما إذا اجتمعوا من يقدم قال:
ومَا لِذِي البُعْدَى مَعَ القَرِيبِ: يعني العصبة.
فِي الإرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلا نَصِيبِ: يعني ليس له نصيب في الإرث البعيد والقريب هو الذي يرثه لقول النبي ﷺ: ألحقوا الفرائض بأهلها؛ فما بقي فهو لأولى رجل ذكر وهذا محل وفاق بين أهل العلم يقدم القريب، والبعيد يسقط، فإذا هلك هالك عن ابن وابن ابن فالوارث الابن لأنه الأقرب، وإذا هلك هالك عن أخ وابن أخ فالإرث للأخ، وإذا هلك هالك عن عم وابن عم فالميراث للعم وهكذا، فالمقدم هو القريب والبعيد يسقط للحديث المذكور.
والبيت يشمل تقديم الدرجة ويشمل الجهة كما تقدم فإن البعدى أي الجهة البعدى أو الدرجة البعدى، وعلى هذا يكون البيت شاملًا للأمرين من بعدت جهته محجوب، ومن قربت فهو الوارث، وهكذا درجته.
ثم قال:
والأخُ والعَمُّ لأُمٍّ وَأبِ أَوْلى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ
هذا بين أمر ثالث وهو التقديم بالقوة؛ فإن الورثة يختلفون قوة وضعفا، فالذي يدلي بالشطرين أقوى من الذي يدلي بالشطر الواحد بالنسبة للعصوبة.
فالشقيق من الإخوة وأبنائهم أولى من الأخ لأب؛ لأنه أقوى وقد أدلى إلى الميت بشطرين بأمه وأبيه، والأخ لأب ما أدلى إلا بشطر واحد فيكون ذاك أقوى لقرابته وأقرب في المعنى فيقدم.
وهكذا العم وابن العم لأبوين فهو المقدم على الذي لأب.
وهذا معنى والأخ والعم لأم وأب.. أولى أي أحق بالميراث أو أقرب من المدلي بشطر النسب.
فيكون داخلًا في قوله: (فهو لأولى رجل) لأن من أدلى بشطرين أولى من جهة الحقية ومن جهة القرابة، فاتضح من هذا أن العصبة إذا اجتمعوا يقدم بعضهم على بعض أولًا في الجهة ثم بالدرجة ثم في القوة، وفي هذا معنى يقول الجعبري الشافعي:
فبالجهة التقديم ثم بقربه .. وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
وهذا الترتيب الذي قاله في هذا البيت هو مراد المؤلف هنا، وهو المراد بالحديث الكريم: فما بقي فلأولى رجل ذكر يعني أقرب رجل لو كانت قرابته من جهة الجهة، أو قرابته من جهة الدرجة، أو قرابته من جهة القوة فهو المقدم على من كان دونه.
ثم قال:
والأَخَواتُ إنْ تَكُنْ بَنَاتُ فَهُنَّ مَعْهُنَّ مُعَصَّبَاتُ
انتقل من العصبة في النسب إلى العصبة بالغير، وهنا قسم العلماء العصبة إلى ثلاثة أقسام:
عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير، فالعصبة بالنفس هم الذكور العاصبون بأنفسهم وتلحق بهم المعتقة ....... وهم العصبة بالنفس، وهم ثلاثة عشر وإن شئت قلت أربعة عشر:
الابن، وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق والأخ لأب وأبناؤهما، والعم الشقيق والعم لأب وأبناؤهما هذه عشرة، والمعتق والمعتقة كلهم عصبة بالنفس اثنا عشر. والأب والجد ............
كلهم رجال ما عدا المعتقة.
وأما العصبة بالغير فهم أربعة: بنت مع الابن، وبنتي ابن مع ابن ابن، وشقيقة مع شقيق، وأخت لأب مع الأخ لأب؛ هؤلاء عصبة بالغير بعصبتهم بإخوانهم هم عصبتهم بغيرهم أي بإخوانهم لا بأنفسهم.
وبنت الابن مع ابن الابن الذي في درجتها يعصبها وإن كان ليس أخًا له كابن العم، فهو عصبة لها أيضًا للعموم لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11] لأنهما أولاده، فإذا هلك هالك عن ابن ابن وعن بنت ابن آخر فهو عاصب لها، وإن كانت ليست أخته، وهكذا لو كثروا.
والعصبة مع الغير الأخوات الشقائق والأخوات لأب صنفان مع البنات ومع بنات الابن، ولهذا قال:
والأَخَواتُ إنْ تَكُنْ بَنَاتُ فَهُنَّ مَعْهُنَّ مُعَصَّبَاتُ
فهن أي الأخوات معهن أي مع البنات معصبات ....... وهي بالعكس وهن أي البنات معهن أي مع الأخوات معصبات ...........
هذه أقسام العصبة:
عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
أما العصبة بالنفس فهم الأصل عند الإطلاق، هم العصبة الكاملة، والواحد منهم يأخذ المال كله إذا انفرد، والحكم الثاني أنه يأخذ ما أبقته الفروض، والثالث أنه يسقط إذا استوفت الفروض إلا ثلاثة وهم الأب والجد والابن فهؤلاء عصبة بالنفس وهم أربعة عشر كما تقدم.
الابن وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق والأخ لأب وأبناؤهما وإن نزلا، والعم والعم لأب وإن عليا، يعني أعمامك وأعمام أبيك وأعمام جدك وأبناؤهما وإن نزلا أبناء العم الشقيق وأبناء العم لأب، وابن ابن العم الشقيق وابن ابن العم لأب، وهكذا وإن نزلا كلهم عصبة، والثالث عشر والرابع عشر المعتق والمعتقة يعني أصحاب الولاء من جهة الذكر وأصحاب الولاء من جهة الأنثى ...........
القسم الثاني: عصبة بالغير وهم أربعة، كلهن إناث، بنت مع الابن، بنت ابن مع ابن ابن وإن نزل سواء كان أخاها أو ابن عمها، الشقيقة مع الشقيق، الأخت لأب مع الأخ لأب، ومعناها أنه يمنعها من الفرض ........ تأخذ معه تعصيبًا، وهكذا بنت الابن مع ابن الابن في درجتها يمنعها من الفرض وتأخذ معه تعصيبا، وهكذا الشقيقة مع الأخ الشقيق يمنعها من الفرض وتأخذ تعصيبًا ..........
قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11] الآية.
وفي الإخوة الله تعالى يقول: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 176] فجعلهم عصبة.
أما الأخوات مع البنات فيسمون عصبة مع الغير مع غيرهن ......... عند الصحبة المعية تقتضي الصحبة عند صحبتهن للبنات؛ فهن معهن معصبات؛ ولهذا قد توجد الأخت ولا تعصب إذا وجد المانع.
والمقصود أن الأخوات مع صحبة البنات ووجود فضل في المال تعصب مع البنات، والحجة في هذا حديث ابن مسعود أن الرسول ﷺ قضى لبنت وبنت ابن وأخت البنت لها النصف وبنت الابن السدس والباقي للأخت فجعلها عصبة مع بنت الابن، وحديث معاذ لما سئل عن بنت وأخت جعل البنت لها النصف والأخت لها الباقي وقد رواه البخاري في الصحيح.
وَلَيْسَ فِي النِّساءِ طُرًّا عَصَبَهْ إلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ
ليس في النساء طرًا يعني جميعًا أو قطعًا عصبة.. إلا التي منت بعتق الرقبة، إلا التي تفضلت وأحسنت بعتق الرقبة يعني هي المعتقة فقط وهي عصبة بالنفس، وإلا القاعدة أن المرأة لا تكون عصبة بالنفس وإنما عصبة بغيرها أو مع غيرها، وإنما العصبة بالنفس الذكور كلهم ذكور ما عدا المعتقة، والحجة في هذا قول النبي ﷺ: إنما الولاء لمن أعتق وهو عام للذكر والأنثى. فدل ذلك على أن المعتقة داخلة في هذا الحديث وأنها عصبة بنفسها.
وأما بقية الوارثات من النساء فليس فيهن عصبة لا بنت ولا أخت ولا غير ذلك، بل هن من أصحاب الفروض إلا إذا وجد ما يقتضي تعصيبهن بغيرهن أو مع الغير.
والله أعلم.