43 من حديث: (عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدةً إلاَّ رفعك الله بها درجة..)

 
13/107-الحديث الثالث عشر: عن أبي عبداللَّه ويُقَالُ: أبُو عبْدِالرَّحمنِ ثَوْبانَ موْلى رسولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: عليكَ بِكَثْرةِ السُّجُودِ، فإِنَّك لَنْ تَسْجُد للَّهِ سجْدةً إلاَّ رفَعكَ اللَّهُ بِهَا دَرجَةً، وحطَّ عنْكَ بِهَا خَطِيئَةً رواه مسلم.
14/108- الرابع عشر: عن أَبي صَفْوانَ عبدِاللَّه بنِ بُسْرٍ الأسلَمِيِّ، ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: خَيْرُ النَّاسِ مَن طالَ عمُرُه وَحَسُنَ عملُه رواه الترمذي، وَقالَ حديثٌ حسنٌ.
15/109- الخامس عشر: عن أنسٍ ، قَالَ: غَاب عمِّي أَنَسُ بنُ النَّضْرِ ، عن قِتالِ بدرٍ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّه غِبْت عَنْ أوَّلِ قِتالٍ قَاتلْتَ المُشرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أشْهَدَنِي قتالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللَّهُ مَا أصنعُ، فَلَمَّا كانَ يومُ أُحدٍ انْكشَفَ المُسْلِمُون فَقَالَ: اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إليْكَ مِمَّا صنَع هَؤُلاءِ يَعْني أصْحَابَه وأبرأُ إلَيْكَ مِمَّا صنعَ هَؤُلاَءِ يَعني المُشْرِكِينَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سعْدُ بْنُ مُعاذٍ، فَقالَ: يَا سعْدُ بْنَ معُاذٍ الْجنَّةُ ورَبِّ الكعْبةِ، إِنِى أجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سعْدٌ: فَمَا اسْتَطعْتُ يا رسول اللَّه ما صنَعَ، قَالَ أنسٌ: فَوجدْنَا بِهِ بِضْعاً وثمانِينَ ضَرْبةً بِالسَّيفِ، أوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رمْيةً بِسهْمٍ، ووجدْناهُ قَد قُتِلَ وَمثَّلَ بِهِ المُشرِكُونَ فَما عرفَهُ أَحدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبنَانِهِ. قَالَ أنسٌ: كُنَّا نَرى أوْ نَظُنُّ أنَّ هَذِهِ الآيَة نزلَتْ فيهِ وَفِي أشْباهِهِ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23] إِلَى آخِرها. متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالمجاهدة، وتقدم أن المشروع للمؤمن المجاهدة للنفس والعناية بما أمر الله والحذر مما حرم الله والصبر وعدم التساهل فهذه دار العمل ودار المجاهدة ولهذا قال : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، وقال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ أي: لنختبرنكم في السراء والضراء حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] وقال تعالى: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6]، فهذه الدار دار المجاهدة والعمل والجد والنشاط حتى تلقى ربك.
الحديث الأول
الحديث الأول: حديث ثوبان سأل النبي ﷺ عن عمل يدخله الجنة قال: عليك بكثرة السجود، وفي حديث ربيعة بن كعب  الأسلمي كذلك قال: يا رسول الله، لما قال سل، قال: أسألك مرافقتك في الجنة وفي اللفظ الآخر: أسألك أن تشفع لي، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود. وفي حديث ثوبان: إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة فالمعنى أعني بكثرة الصلاة؛ لأن السجود من أجزاء الصلاة، ومن أهم أجزاء الصلاة، فالمعنى أعني على نفسك بكثرة الصلاة، بكثرة التعبد غير الفريضة كصلاة الضحى والتهجد بالليل وما بعد الفرائض من الرواتب وما قبلها، فالمؤمن يكثر من التنفل فذلك من أسباب دخول الجنة ومن أسباب مرافقة النبي ﷺ في الجنة ومن أسباب شفاعته عليه الصلاة والسلام.
الحديث الثاني
ويقول ﷺ: خيركم من طال عمره وحسن عمله يعني وشر الناس من طال عمره وساء عمله نسأل الله العافية، فخيار الناس من حسنت أعمالهم وطالت أعمارهم وشرهم بضد ذلك، فالإنسان يسأل ربه أن يطيل عمره في خير وطاعة واستقامة فكلما طال العمر على الخير والسعادة والأعمال الصالحة زاد الأجر زادت الأعمال الصالحة، تقدم حديث أن رجلاً قتل في سبيل الله أخوان أحدهما قتل في سبيل الله والثاني تأخر بعده مدة ثم مات ورؤي سابقًا له في الدرجة هذا المتأخر فسألوا النبي ﷺ عن ذلك، فقال: أليس صلى بعده كذا صلاة، أليس صام بعده رمضان، والذي نفسي بيده لما بينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب بسبب ما زاد من الأعمال الصالحة، بسبب ما حصل له من الأعمال الصالحات والاجتهاد في الطاعات.
الحديث الثالث
وفي الحديث الثالث: حديث أنس بن النضر عم أنس بن مالك خادم النبي ﷺ أنس بن مالك بن النضر وهذا عمه أنس بن النضر الأنصاري تغيب عن بدر ولم يحضرها التي فيها أعز الله الإسلام وأهله ونصر جنده وهزم الأحزاب فقال أنس: تغيبت عن أول جهاد جاهدت فيه المشركين يعني قتالاً باشره، لئن أشهدني الله قتالاً ليرين الله ما أصنع يعني لأجتهدن في جهاد المشركين، فلما وقعت أحد وانكشف الناس وانهزم من انهزم من المسلمين استقبلهم أنس متقدمًا إلى المشركين، وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني إخوانه المنهزمين، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم يقاتل يوم أحد حتى قتل وصادفه سعد بن معاذ في الطريق هو متقدم إلى المشركين فقال: يا سعد إني أجد ريح الجنة وراء أحد، قال سعد: فما استطعت أن أعمل عمله، فتقدم أنس ولم يزل يقاتل حتى قتل فوجدوا فيه بضع وثمانين ضربة من المشركين في جسمه بعضها بالسيف وبعضها بحد الرمح وبعضها بالنبل قال الراوي: نرى أن الله أنزل في ذلك وفي أشباهه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، يعني في أنس بن النضر وفي أشباهه ممن صدقوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ مثل أنس بن النضر وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ فالصحابة منهم من قتل ومنهم أصابته الجراح، ومنهم من سلم وعافاه الله ابتلاء وامتحانًا، وهذه دار الامتحان ودار الابتلاء والاجتهاد فيه، منهم من يستشهد ومنهم من يجرح فلا بدّ من الصبر مثل ما قال جل وعلا: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140]، وهو سبحانه يبتلي هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء حتى يضاعف الأجر للمؤمنين بصبرهم وصدقهم وحتى يضاعف العذاب على الكافرين لعدوانهم وظلمهم وكفرهم نسأل الله العافية.
فالمؤمن في هذه الأمة له أسوة بمن سبقه من الأخيار من الصحابة في الجهاد وفي الصبر وفي الأعمال الصالحات له أسوة كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، فالمسلمون المتأخرون لهم أسوة وقدوة بالماضين وفي نبيهم ﷺ وهو أفضل الخلق، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وقد صبر وقد جرح يوم أحد فأصابه ما أصابه كما أصاب غيره فصبر كما قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]، وقال جل وعلا: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] فهذه دار الفتن والملاحم ودار الابتلاء والامتحان والابتلاء بالشدة والرخاء بالغنى والفقر بالجراح بالأمراض بغير هذا فلا بدّ من الصبر على ما يقضيه الله ويقدره والعاقبة لأهل التقوى فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: الصحيح في السجود هل كثرة الركعات أو طول السجود؟
ج: ظاهر الحديث يقتضي كثرة الركعات، وبعض أهل العلم فضل طول القيام؛ ولأنه في بعض الليالي طول في صلاته ﷺ، لكن الأفضل أن تكون معتدلة صلاة معتدلة ركوعها وسجودها وقيامها متقارب حتى لا يشق على نفسه وحتى يكثر من الركعات.
س: إذا التقى المسلمون كفارًا في الجهاد في الصف وعلم المسلمون أن الكفار أكثر منهم عدة وعتاد فرجعوا هل هذا يعتبر فرارًا؟
ج: إذا كانوا أكثر من الضعفين فلا بأس، أما إن كانوا مثلهم مرتين أو أقل فليس لهم الرجوع عليهم الصبر الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:66] فإذا كانوا ضعفهم فالواجب المصابرة، وإن كانوا أكثر من الضعف يعني ثلاثة فأكثر جاز لهم التحيز والتأخر.
س: بعض العوام إذا شاهد بعضهم بعضًا قال له: أطال الله عمرك أو الله يطول عمرك ورد عليه الآخر قال: لا تقول هذا الدعاء إنما هذا للشيطان؟
ج: إذا قال في طاعة الله ما يخالف يزيد فيه: في طاعة الله ولا بأس. أطال الله عمرك في طاعة الله في الخير، خير الناس من طال عمره وحسن عمله.
س: من سلك طريقًا إلى طلب العلم هل يسمى جهادًا؟
ج: طلب العلم جهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله جهاد.
س: معنى قوله: إني أجد ريحها من دون أحد؟ يعني ريحًا معنوية أو حسية؟
ج: الله أعلم ظاهر نصه أنه وجد ريحًا طيبة ظاهر نصه أن الله جل وعلا ألقى في  أنفه شيء من هذا.