21 من حديث ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله..)

 
25/49- وَعَنْ أَبي هُرَيْرةَ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ رواه التِّرْمِذيُّ وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ.
26/50- وَعَنْ ابْن عَبَاسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَة بْنُ حِصْنٍ فَنَزلَ عَلَى ابْنِ أَخيِهِ الْحُر بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِن النَّفَرِ الَّذِين يُدْنِيهِمْ عُمرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشاوَرَتِهِ كُهولاً كَانُوا أَوْ شُبَّاناً، فَقَالَ عُييْنَةُ لابْنِ أَخيِهِ: يَا ابْنَ أَخِى لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، فاستَأذنَ فَأَذِنَ لَهُ عُمرُ. فَلَمَّا دخَلَ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّاب، فَوَاللَّه مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالْعَدْل، فَغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّه تعَالى قَال لِنبِيِّهِ ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:198] وإنَّ هَذَا مِنَ الجاهلينَ، وَاللَّه مَا جاوَزَها عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا، وكَانَ وَقَّافاً عِنْد كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رواه البخاري.
27/51- وعَن ابْنِ مسْعُودٍ أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّهَا سَتكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ  وَأُمُورٌ تُنْكِرونَها، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ فَما تَأمرُنا؟ قالَ: تُؤَدُّونَ الْحقَّ الَّذي عَلَيْكُمْ وتَسْألونَ اللَّه الَّذِي لكُمْ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحث على الصبر وكظم الغيظ وعدم المسارعة في الانتقام؛ فإن الإنسان قد يغضب وقد يغضبه غيره، فالواجب النظر في العواقب والصبر حتى لا يقع فيما حرم الله عليه، والله يقول: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، ويقول سبحانه:  وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، ويقول جل وعلا: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، فالمؤمن من صفاته الصبر، ويقول ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.

وفي هذا الحديث يقول ﷺ: لا يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة فالإنسان يبتلى تارة في نفسه بالمرض ونحوه وتارة بالولد وتارة بالمال فلا بدّ من الصبر.
والحديث الآخر: ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه فلا بدّ من الصبر في جميع الأمور عندما يحب وعندما يكره، يصبر حتى يؤدي ما أوجب الله ويصبر حتى يبتعد عما حرم الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه .

الحديث الثاني أن عيينة بن حصن الفزاري رئيس فزارة وهي قبيلة من العرب قدم على عمر في زمن خلافته وكان ابن أخيه الحر بن قيس من جلساء عمر ومن أهل العلم، فقال للحر: استئذن لي على هذا الأمير، فاستأذن له الحر وأخبره بحاله، فلما دخل على عمر وسلم عليه، قال: هيه يا ابن الخطاب، إنك لا تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! وهذه كلمة جافية قد كذب فيها وأخطأ فيها؛ فإن عدل عمر يضرب به المثل وتحريه للحق وحرصه على نفع الرعية وإلزامهم بالحق ومنعهم من كل ما حرم الله، فغضب عمر عند ذلك وهم به يعني أن يوقع به تأديبًا فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله يقول لنبيه ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، فوالله إن هذا من الجاهلين، فما جاوزها عمر، وسمح وعفا وصفح عن كلمته القبيحة.
ففي هذا منقبة لعمر وحث على التأسي به عندما يتكلم الجهال بما يغضب المسئول من الأمراء أو القضاة لا بدّ من الصبر والتحمل واحتساب الأجر، وقد كان كثير من الأعراب وغير الأعراب يغضبون النبي ﷺ ويتحمل ويصبر عليه الصلاة والسلام، وقد كان في بعض الطرقات فصادفه أعرابي وأمسك رداءه وجره بعنف حتى أثر في رقبته عليه الصلاة والسلام وقال: أعطنا من مال الله الذي عندك؛ فإنك لا تعطينا من مالك ولا من مال أبيك! فتبسم عليه الصلاة والسلام ولم يقل له شيئًا وعفا عنه وأمر بإعطائه بعض الشيء.
فالمقصود أن الصفح والصبر من ولاة الأمور ومن المسؤولين منقبة عظيمة فينبغي للمسئول من أمير أو قاض أو غيرهما ولكل مسلم تحمل والصبر وعدم العجلة في الانتقام، وتقدم قوله جل وعلا في وصف المتقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ والعافين عن الناس [آل عمران:134]، وقوله جل وعلا: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، وقوله سبحانه: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، وقوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85].

والحديث الثالث لابن مسعود يقول عليه الصلاة والسلام: أنه سيلي عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون يعني أمراء فيهم الطيب وفيهم الخبيث فيهم الظالم وفيهم غيره، قال ابن مسعود: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله الذي لكم، يعني اسمعوا وأطيعوا أدوا إليهم حقهم بالسمع والطاعة وإذا قصروا في حقكم فاسألوا الله الذي لكم، ولا تنزعوا يدًا من طاعة ولا تفتحوا باب الفتنة اصبروا إن أدوا إليكم حقوقكم، فالحمد لله وإلا فلا تنزعوا يدًا من طاعة اصبروا؛ ولهذا قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله الذي لكم سلوا الله أن الله يهديهم حتى يعطوكم حقوقكم، حتى ينفقوا بيت المال في وجهه، حتى يسوسوا الرعية بما ينبغي لا بدّ من الصبر فالعبد عليه السمع والطاعة فيما أحب وكره سدًا لباب الفتن وحسمًا للشرور التي قد تترتب عليه المعصية. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: أحسن الله إليك يا شيخ الأثرة خاصة بالأنصار؟
ج: هم وغيرهم، ولكن الأنصار وقع لهم هذا الشيء، ولكن أوصاهم بالصبر، لأن الناس يكثرون والناس يقلون فأوصاهم بالصبر؛ لأن الأمراء من قريش وغيرهم قد يفضلون عليهم غيرهم والله المستعان.
س: حديث أبي هريرة : ما يزال البلاء بالمؤمن..  يدل أنه ما يقع بلاء إلا بذنب؟
ج: الأبلغ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، أسبابها نفسه.
س: بالنسبة للأمراض البدنية هل الأولى الصبر أم المبادرة إلى الدواء؟
ج: لا، العلاج هو الأفضل كما عالج الصحابة وعالج النبي ﷺ فالعلاج أولى؛ لأن العلاج يعين على طاعة الله وعلى كشف البلاء، فالعلاج مستحب ومن الأمور الجائزة ومن الأمور المستحبة، ومن ذلك الرقية النبي ﷺ رقى ورقي عليه.
س: أحسن الله إليك بالنسبة لتكرار العلاج على نفس المريض من شخص إلى شخص من القراء هل ينبغي ذلك أحسن الله عملك؟
ج: لا مانع، والحمد لله عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام، ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله.
س: يعني مثلاً أحسن الله عملك هل يكرر على شخص واحد أو يكرر على عدة أشخاص؟
ج: يعلم ما يراه نافعًا ويجتهد لعل الله ينفع بالأسباب من طبيب إلى طبيب حسب التيسير.