1- من حديث: (أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت)

كتاب الجنائز

- عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: أكثروا ذكر هادم اللَّذات: الموت.

رواه الترمذي، والنَّسائي، وصحَّحه ابن حبَّان.

- وعن أنسٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزل به، فإن كان لا بدَّ مُتمنِّيًا فليقل: اللَّهم أحيني ما كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني ما كانت الوفاةُ خيرًا لي متَّفقٌ عليه.

- وعن بُريدة : أنَّ النبي ﷺ قال: المؤمنُ يموت بعَرق الجبين.

رواه الثَّلاثة، وصحَّحه ابن حبَّان.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالجنائز، يعني: بالموت وما بعده، والجنائز جمع جنازة -بكسر الجيم وفتحها- يُقال: جِنازة، وجَنازة، يعني: الميت، والموت لا بدّ منه، فقد كتبه الله على جميع العباد: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، ويُشرع للمؤمن أن يكون على باله حتى يعد العدَّة، قال جلَّ وعلا: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ [البقرة:223]، فالمؤمن يعدّ العدَّة لهذا الموت، لأجل ما بعده؛ لأنَّه يقطع العملَ، فهو هادم اللَّذات، ولهذا أكثر سبحانه من ذكر الآخرة والجنة والنار والحثّ على العمل؛ ليغنم ويسعد في تلك الدار: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۝ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:5- 6]، معناه: الحثّ على تذكر الموت وما بعده، وهكذا قوله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].

ولهذا جاء في هذا الحديث: أكثروا ذكر هادم اللَّذات الموت، يعني: اجعلوه على بالكم كثيرًا حتى تعدوا العدّة، والهادم: القاطع؛ لأنَّه يقطع اللَّذات في الدنيا، ولكنه يُدني من لذَّات الآخرة، ويُقرِّب من لذَّات الآخرة، وأولها ما يحصل له في قبره، ولروحه في الجنة، فهو يقطع لذَّات الدنيا، ولكنه في حقِّ المؤمن ينقله إلى لذَّات الآخرة ولذَّات الجنة وما يحصل فيها من الخير العظيم، فإنَّ روح المؤمن طائرٌ يعلق بشجر الجنة حتى يردَّه الله إلى جسده، كما جاء في الحديث الصَّحيح.

فالغفلة عن الموت وعمَّا بعد الموت من أسباب الطُّغيان والفساد والاستمرار في الشَّر، أمَّا تذكر الموت وما بعده فهو من أسباب التَّوبة والإقلاع والاستعداد للآخرة.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: لا يتمنين أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزل به، فإن كان لا بدّ مُتمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي يعني: إذا أصاب الإنسانَ ضرٌّ من مرضٍ أو شدَّةِ فقرٍ أو خوفٍ أو ما أشبه ذلك، فلا يقل: "ليتني أموت"، أو: "اللهم أمتني"، لا، ما يدري: لعلَّ الحياة خيرٌ له، لكن يقول: اللهم أحيني إذا كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي، فيجعل الأمر إلى الله، فهو أعلم بالعواقب ، ولا يقل: "اللهم أمتني، اللهم اختر لي الموت"، أو: "اللهم عجِّل موتي" أو ما أشبه ذلك، لا، يأتي بعبارةٍ أحسن: اللهم أحيني ما كانت الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي.

وخرَّج النَّسائي رحمه الله بإسنادٍ صحيحٍ عن عمَّار بن ياسرٍ: أن النبي ﷺ كان يقول: اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي، هذا مثل حديث أنس.

فهذا دعاءٌ عظيمٌ مختصرٌ، وكَّل فيه الأمرَ إلى الله وإلى علمه سبحانه وتعالى، وهذا هو الصواب، فإذا دعا يدعو بمثل هذا الدّعاء، ولا يقل: "اللهم عجّل موتي"، أو: "اللهم أمتني"، أو ما أشبه ذلك.

والحديث الثالث: يقول ﷺ: المؤمن يموت بعرق الجبين، اختلف العلماءُ في المعنى: فقال بعضُهم: معناه: أنه يموت وجبينه فيه عرق، وهذا يحتاج إلى تدبُّر أحوال الناس، وهل هذا واقعٌ أم لا؟!

والمعنى الثاني -وهو أظهر وأقرب- أنه يموت بعرق الجبين، يعني: يعمل ويكدح ويطلب الرزق الحلال، ولا يتساهل ويخرج لسؤال الناس والحاجة إليهم، بل يعمل ويطلب الرزق، والمؤمن هكذا إلى أن يموت وهو في طلب الرزق، والعادة أن التَّعب يعرق به الجبين، فيحصل العرقُ من آثار التَّعب.

وقد يأتي في أول البيع: يقول المؤلفُ رحمه الله: عن النبيِّ ﷺ أنه سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور.

وفي "صحيح البخاري" رحمه الله: عن المقدام: أنَّ النبي ﷺ قال: ما أكل أحدٌ طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود كان يأكل من عمل يده كان يعمل الدّروع.

فالمقصود أن العمل هو من طبيعة المؤمن: نجار، حداد، بناء، مزارع، مثلما فعل الأنصار، تاجر، مثلما فعل المهاجرون، فينظر حرفةً يتعب فيها، ويطلب فيها الرزق، ويستغني عمَّا في أيدي الناس، ومعلومٌ أن الحرفة يترتب عليها بعضُ التَّعب وعرق الجبين.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: ما يُقال: إنَّ معناه أنَّ المؤمن من شدَّة ........... يعرق جبينه؟

ج: هذا يحتاج إلى نظرٍ وتأمُّلٍ، فقد يقع لهذا ولهذا، قد يقع له ولغيره، مثلًا: يحتاج إلى عنايةٍ بالموتى، وصفاتهم، وأعمالهم، وإيمانهم، وعدم إيمانهم؛ حتى يتبين المراد، لكن الأقرب قولُ مَن قال أنَّ المراد أنه إشارة إلى العمل والجد والنَّشاط، وعدم الرُّضوخ للكسل وترك العمل والحاجة إلى الناس.

س: القول الأول ألا يُخالف حديثَ البراء بن عازب أنَّ المؤمن تخرج روحُه هينةً سهلةً، والكافر كأنه سفّود؟

ج: ما يلزم من عرق الجبين هذا لو صحَّ أنه المراد به، فقد يكون الأمرُ من إرادة الله وخلقته، من غير حاجةٍ إلى تعبٍ، ولكن لو صحَّ المعنى.

س: إيراد المؤلف له في هذا الباب يؤيد القول أنَّه من علامات .............؟

ج: هذا يظهر نعم.

س: الصلاة على الجنازة بعد دفنها؟

ج: سنة، إذا ما صلَّى عليها يُصلِّي على القبر؛ فقد صلَّى النبيُّ ﷺ على جنازةٍ بعد الدفن، فالذي ما حضر يُصلِّي عليها بعد الدفن.

س: والذي حضر؟

ج: والذي حضر يُصلِّي معهم، ولو أعاد الصلاةَ مرتين أو ثلاثًا ما يضرّ.

س: الصلاة تُحَدُّ إلى الشهر؟

ج: المشهور عند العلماء إلى شهرٍ تقريبًا.

س: الحثيات الثلاث كانت من النبيِّ ﷺ مشاركةً في الدَّفن، أو أنَّها الآن العمل؟

ج: مشاركةً في الدَّفن.

س: إذا انتهى الدَّفنُ ما يأتي شخصٌ ويضع ..؟

ج: لا، مشاركةً في الدَّفن فقط، ثلاثًا أو أكثر.

س: والذي شارك في الدفن ما يفعلها؟

ج: يُشارك في الدَّفن بما تيسَّر، وإذا حثى حثيات صحَّ أنه شارك.

س: تكبيرات صلاة الجنائز تُقْضَى إذا فاتت؟

ج: يقضيها في الحال، يعني: إذا أدرك واحدةً يقرأ الفاتحة، وإذا كبَّر من الثانية يقرأ الصلاة على النبي، وإذا سلَّم الإمامُ يقول هو: الله أكبر، اللهم اغفر له، ثم يُكبِّر ويُسلِّم.

س: وإذا أُخِذَت الجنازةُ وذهبوا؟

ج: لا، يُكبِّر في الحال ولا يُطيل، يعني: الله أكبر، اللهم اغفر له، ويُسلِّم قبل أن تُحْمَل.

س: هل يُشرع الصفُّ عن يمين الإمام؟

ج: عن يمينه وشماله إذا دعت الحاجةُ، وإلا فالسنة خلفه، لكن لو كان المكانُ ضيِّقًا يصُفُّ عن يمينه وعن شماله.

س: إيراد "كتاب الجنائز" بعد "كتاب اللباس" و"الصلاة" ما المناسبة؟

ج: لأنَّ له تعلُّقًا بالصلاة، يعني: بين الصلاة والزكاة، من أجل الصلاة على الميت.

س: بالنسبة لدعاء الأمهات على أولادهم بالموت إذا ضربوهم: هل يأثمون على هذا الدعاء؟

ج: قد يكون من شدَّة الغضب، وعن غير قدرةٍ من شدَّة الغضب، فينبغي للمؤمن -للأب والأم- عدم العجلة في الدعاء، فقد يُصادف ساعةَ إجابةٍ، فينبغي عدم العجلة في الدّعاء، وقد لا يُستجاب لهم من أجل ما قد يقع من شدَّة الغضب.

س: في حديث أنسٍ: فإن كان لابدّ مُتمنِّيًا فليقل .. ألا يدل على الكراهة؟

ج: لا، فعل النبي ﷺ يدل على أنَّه لا بأس به، فحديث عمار يدل على أنَّ الدعاء لا بأس به، بل مُستحبّ، ولا سيَّما عند الفتن.

س: الوظيفة من عمل اليد؟

ج: نعم، كتابة، أو بناء، أو غير ذلك.

س: إذا كان على المكتب؟

ج: الذي يكتب ما معه يد؟!

س: يعني: لا بدّ أن تكون حرفةً؟

ج: الحرفة عملٌ باليد، سواء كان حارسًا، أو مزارعًا، أو بائعًا، أو مُشْتَرِيًا، أو كاتبًا، أو نجَّارًا، أو حدَّادًا، كلها عمل يد.

س: الأصل في النِّساء لبس القُفَّازات، فهل مَن لم تلبس تأثم؟

ج: لا، ما هو بلازمٍ، قفَّاز أو غيره، تستر يديها بما تيسر.

س: وإذا رُئِيَتْ يداها هل تأثم؟

ج: هذا قولٌ للعلماء رحمة الله عليهم، أنَّه كالوجه.

س: وضع الحصباء على القبر؟

ج: أفضل حتى يُثبِّته، يُروى أنَّ النبي ﷺ وُضِعَ على قبره بطحاء؛ لتثبيت التراب، ثم يرشّ.

س: أنا امرأةٌ أرضعت طفلًا يزيد عمره على أربع سنوات أكثر من خمس رضعات، وهذا الطفل كبر، وجاء له الولد، وأنا جاءتني بنتٌ، والسؤال: هل يجوز لابني الرَّضيع الذي رضع مني أن يتزوَّج من ابنتي؟

ج: هذا الرضاع ما يُؤثِّر، فالرضاع المؤثر يكون في الحولين قبل الفطام، ولكن هذه شُبهة، فعدم تزويجه أولى؛ لأنَّ بعض أهل العلم يرى جواز إرضاع الكبير، فعدم تزويجه بها أحسن وأحوط وأبعد عن الشُّبهة، وإلا فالرضاع ما يُحرِّم إلا في الحولين، مثلما قال ﷺ: لا رضاعَ إلَّا في الحولين.

- وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسولُ الله ﷺ: لَقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله.

رواه مسلمٌ، والأربعة.

- وعن معقل بن يسار: أن النبيَّ ﷺ قال: اقرؤوا على موتاكم يس.

رواه أبو داود، والنَّسائي، وصحَّحه ابنُ حبان.

- وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسولُ الله ﷺ على أبي سلمة وقد شُقَّ بصرُه، فأغمضه، ثم قال: إنَّ الروح إذا قُبِضَ اتَّبَعه البصرُ، فضجَّ ناسٌ من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلَّا بخيرٍ؛ فإنَّ الملائكة تُؤَمِّنُ على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجتَه في المَهديين، وأفسح له في قبره، ونوّر له فيه، واخلفه في عقبه رواه مسلم.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة فيما يتعلق بالموتى وتلقينهم والدّعاء لهم:

حديث أبي سعيدٍ وأبي هريرة يدل على شرعية تلقين الميت، يعني: المحتضر الذي يُظَنُّ أنه قد دنا أجلُه، فيُلَقَّن كلمةَ التوحيد "لا إله إلا الله"؛ حتى يكون آخر كلامه النُّطق بها، فيُشرع لمن حضر أن يقول عنده: "لا إله إلا الله"؛ حتى يقولها، هذا المراد من الموتى، يعني: المحتضرين، حتى يكون آخر كلامه هذه الكلمة؛ فيُرجى له بها الجنة والعاقبة الحميدة.

ويُستحبُّ للحاضرين عند الميت أن يجتهدوا فيما ينفعه: بتذكيره بالتَّسبيح، والتهليل، والتحميد، وقراءة القرآن، والاستغفار، والتوبة، فيكون الحاضرون فاتحة خيرٍ، حتى يُذكِّرونه ما ينفعه، ومن ذلك تلقينه هذه الكلمة "لا إله إلا الله".

وهكذا قراءة يس عند المحتضر من أسباب تذكيره بالآخرة، وتوبته، وإقلاعه عن الذنوب، والرجوع إلى الله جلَّ وعلا، وتسهيل الموت عليه.

والحديث رواه أبو داود، والنَّسائي، وصحَّحه ابنُ حبان، وأقرَّ المؤلفُ تصحيحَ ابن حبان، ولم يعترض عليه، فدلَّ ذلك على حسنه عنده.

وقد تكلَّم بعضُ أهل العلم في إسناده وقال: إنه مضطرب، وبعضهم قال: إنَّ أبا عثمان في إسناده مجهولٌ.

وعلى كلِّ حالٍ، هو من أحاديث الفضائل، فإذا استُعمل فهو أولى، ولهذا صحَّحه ابنُ حبان، وسكت عنه أبو دواد، وأبو داود يسكت إذا رأى أنَّه صالحٌ، فاستعمال هذا عند المحتضر -قراءة يس- ينفعه الله به.

الحديث الثالث حديث أم سلمة رضي الله عنها: أنَّ النبي ﷺ دخل على أبي سلمة زوجها ابن عبد الأسد المخزومي وقد شُقَّ بصرُه، يعني: ارتفع بصره إلى السَّماء، فقال ﷺ: إنَّ الروحَ إذا قُبِضَ تبعه البصرُ، الروح تُذكَّر، وتُؤَنَّث فيُقال: الروح إذا قبضت، ولكن الأكثر فيه التَّذكير، "فضجَّ ناسٌ من أهله" يعني: ارتاعوا من أنه تُوفي، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخيرٍ؛ فإنَّ الملائكة تُؤَمِّن على ما تقولون يعني: لا تتكلموا إلا بكلامٍ طيِّبٍ، ودعواتٍ صالحةٍ؛ لأنَّ الملائكة تُؤمِّن على دعائكم الآن، فاحرصوا على الكلام الطيب الذي ينفع الميت، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجتَه في المهديين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه، واخلفه في عقبه، دعوات عظيمة من النبي ﷺ لأبي سلمة، وهذا الدّعاء العظيم تُؤَمِّن عليه الملائكة.

وأبو سلمة كان ممن حضر أُحُدًا وأصيب يومها، ولكنه لم يمت في وقت الواقعة، بل تأخَّر، ثم انفتق عليه جرحُه وانتقض عليه فتُوفي بعد ذلك في السنة الرابعة للهجرة، فلما خرجت أمُّ سلمة من العدة خطبها النبيُّ ﷺ، وكانت قبل ذلك تقول: "مَن خيرٍ من أبي سلمة؟!"، وقد كانت سمعت النبيَّ ﷺ يقول: ما من عبدٍ يُصاب بمصيبةٍ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مُصيبتي، واخلفني خيرًا منها؛ إلا آجره الله في مُصيبته، وأخلفه خيرًا منها، فلما سمعت مثلَ هذا قالت: "مَن خيرٌ من أبي سلمة؟!"، فخطبها النبيُّ ﷺ، وخلف الله عليها مَن هو خيرٌ منه، فأجابت وتزوَّجها عليه الصلاة والسلام بعد أبي سلمة.

ففي هذا شرعية الدّعاء بالخير لمن حضر الميت، وأن الحاضرين عنده يُستحبُّ لهم أن يدعوا له بالخير، وألا يدعوا بكلامٍ غير صالحٍ، وأن يصبروا ويحتسبوا، ولا ينوحوا، بل يتكلَّمون بالكلام الطيب، والدَّعوات الطيبة، مثلما فعل النبيُّ ﷺ حيث قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه، واخلفه في عقبه، فعلى مَن حضره أن يدعو له بالمغفرة والرحمة، ولا يقل إلَّا خيرًا، كما فعل الرسولُ ﷺ حين حضر أبا سلمة.

وفي اللفظ الآخر من الحديث: أنه أغمضه، فالسنة إغماض الميت، فإذا حضره المسلم وشُقَّ بصره يُغمضه؛ لأنَّ المنظر قد يكون غير مناسبٍ في حالة ما إذا شُقَّ بصره، فيُغمضه مَن حضر من أقاربه وغيرهم، كما أغمض النبيُّ ﷺ أبا سلمة.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: تكرار قول "لا إله إلا الله" عند الميت؟

ج: إذا قالها كفى.

س: حضور المُحْتضر الكافر وتلقينه؟

ج: إذا تيسَّر هذا فطيِّبٌ، فالنبي ﷺ كان عنده خادمٌ يهوديٌّ، فمرض، فذهب إليه النبيُّ ﷺ يعوده، فلقَّنه فقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فنظر اليهوديُّ إلى أبيه فقال له: "أطع أبا القاسم"، فأطاعه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فقال ﷺ بعد ذلك: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار.

س: مَن استدلَّ بهذا الحديث على جواز الإتيان بالخادم الكافر؟

ج: هذا قبل الأمر بإخراجهم من الجزيرة؛ لأنَّ الرسول ﷺ أمر في آخر حياته بإخراجهم من الجزيرة، وأوصى بذلك عليه الصلاة والسلام.

س: ما درجة حديث: اقْرَؤُوا على موتاكم يس؟

ج: فيه خلاف، لكن لا بأس به، له شواهد، ولهذا صحَّحه ابنُ حبان، وأقرَّه الحافظُ.

س: هل تكون القراءةُ بعد الدفن؟

ج: لا، وهو يحتضر، وليس بعد الدفن قراءة، فالقراءة تكون حال الاحتضار قبل أن تخرج الروح.

س: لا تُقرأ عليه بعد الدَّفن؟

ج: نعم، فالمحتضر هو الذي يُظَنُّ أنَّه حضره الأجل، يعني: المريض.

س: ...................؟

ج: لا بأس، تُقرأ عنده في المجلس فقط.

س: هل الأمر في الحديث الأول للوجوب؟

ج: للاستحباب، على فرض صحة الحديث.

س: التَّلقين الذي يكون عند القبر من بعض العامَّة؟

ج: هذا بدعة، ما لها أصل، فيها أحاديث ضعيفة موضوعة ما لها أصل، فالميت لا يُلَقَّن بعد الموت.

س: فإنَّ الملائكة تُؤَمِّن على ما تقولون هذا عامٌّ أو لمَن حضر الميت؟

ج: عند الميت، ظاهره أنه ما يقوله عند الميت.

س: بعض الصُّحف يكتبون: "انتقل إلى مثواه الأخير"؟

ج: مثواه الأخير بالنسبة إلى الدنيا، وإلا ............ سوف يُخْرَج، فمقرّه الأخير كلمة عامية.

س: يكتبون: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27]؟

ج: كل هذا غلط، ما يُدريهم؟! فالمشروع الدعاء له بالمغفرة والرحمة فقط.

س: ما رأيكم في طريقة العزاء الموجودة في الجرائد؟

ج: تركه أولى؛ لأنَّه يُكلِّفهم مالًا كثيرًا، فلو تركوه كان أحسن من التَّكلُّف، وإلا فلا يضرُّ إن شاء الله، وليس هو من النَّعْي.

س: لو قُرئ على الميت غير يس؟

ج: لا مانع، فلو قرأ عنده بعضَ القرآن لعلَّ الله ينفعه بذلك فلا بأس، فيقرأ عنده من السور الأخرى والحمد لله، فعمارة المساجد بالقرآن كلها خير.

س: ما الطَّريقة السَّليمة للتَّلقين؟

ج: قل: "لا إله إلا الله"، "اذكر ربَّك يا فلان"، وإذا ذكر الله فقط يكفي، ولا تُكرر عليه.

س: بعض الناس يُكثر من هذه الكلمة "قل: لا إله إلا الله" فيضجر المريض؟

ج: لا، فقط إذا قالها يكفي، ولا يُعيدوا عليه فيُزعجونه، فإذا قالها كفى ويُسْكَت حتى يبقى عليها.

س: بعضهم يُنَبِّه أنَّها تُذْكَر بدون "قل"، فذكر الله عام؟

ج: إذا ذكر الله عنده وقلَّده وقال مثله كفى والحمد لله.

س: ماذا يقول مَن سمع بوفاة أحدٍ؟ هل مثلًا يقول: "اللَّهم اغفر له، وارحمه"؟ ما الصيغة المناسبة؟

ج: إذا تيسر: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أدخله الجنة، اللهم أنجه من النار" ونحو هذه الكلمات.

س: لأنَّ بعضَهم أحيانًا يقول: هذه مصيبة ..؟

ج: مثلما قال ﷺ: اللهم اغفر لأبي سلمة.

س: توجيه المحتضر تجاه القبلة؟

ج: هذا أفضل عند أهل العلم؛ لقوله ﷺ: الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتًا.

س: في المُستشفيات الآن يحصل لبعض المرضى ما يُسمَّى بالموت الدِّماغي -توقّف الدماغ- ولكن يظل القلب وكذا التنفس مستمرين؟

ج: لا يستعجل حتى يموت.

س: هل يُحْكَم بموته؟

ج: لا، لا يُحكم بموته، هذه عجلة من بعض الأطباء حتى يأخذوا منه قِطَعًا، فيقولون لأهله: أعطونا قلبه، أو: أعطونا لسانه، أو: أعطونا كذا، يلعبون بالموتى، نعوذ بالله، لا، ما يجوز هذا حتى يتحقق أنه مات الموت الطبيعي الحقيقي.

س: بأن يتوقَّف تنفسه؟

ج: اترك هذا، إذا عُرِفَ أنه مات الموت الطَّبيعي، والموت الطبيعي معروف، فعليه أن يتبيَّن ولا يعجل.

س: يقولون: إذا نُزعت الأجهزةُ مات؟

ج: تُنْزَع إذا كان ميتًا.

س: علمهم يقول أنه إذا مات الدِّماغُ فمن المُستحيل أن ترجع له الحياة؟

ج: اتركهم، يتحيَّلون بهذا حتى يأخذوا قطعًا من الميت.

س: قوله: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55] عند الدَّفن؟

ج: هذا سنة.

س: أحيانًا يضعون على بعض الجنائز كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"؟

ج: وأيش ينفعه؟! لا، ما يصلح، التَّلقين يكون فقط في حياته، ما دام أنه ينتفع به.

س: حضور مجالس العزاء والجلوس معهم؟

ج: إذا عزَّاهم وأخذ فنجان قهوةٍ فطيِّبٌ، ولا يضرُّ إن شاء الله، إذا لم تكن هناك منكرات ولا ملاهٍ ولا شيء والحمد لله.

س: يجلسون أحيانًا ثلاثة أيام؟

ج: إذا جلس حتى يُعزيه الناسُ فلا حرج إن شاء الله؛ حتى لا يُتْعِب الناسَ ولا يتكلَّفوا.

س: ما لها حدٌّ؟

ج: ما أعرف فيها حدًّا محدودًا، لكن حتى لا يتكلَّف الناسُ.