71 باب ما جاء في الإقسام على الله

باب ما جاء في الإقسام على الله

عن جندب بن عبدالله قال: قال رسول الله ﷺ: قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له، وأحبطت عملك رواه مسلم.

وفي حديث أبي هريرة: أن القائل رجل عابد. قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.

الشيخ: يقول رحمه الله: باب ما جاء في الإقسام على الله، أي باب ما جاء فيه من الوعيد، فلما كان الإقسام على الله جرأة على الله، ونقصا في التوحيد، وضعفا في الإيمان، ذكره المؤلف هنا لأن المقصود فعل ما يكون فيه كمال الإيمان، وترك ما يكون فيه نقص الإيمان .

عن جندب بن عبدالله البجلي، يقال: جَندَب بفتح الدال، ويقال: جندُب بضم الدال لغتان، وهو جندب بن عبدالله بن سفيان البجلي رحمه الله، عن النبي ﷺ: أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان! يعني النبي ﷺ يخبر عمن قبلنا أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي يعني يحلف على، التألي الحلف، والألية اليمين، من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأحبطت عملك رواه مسلم في الصحيح.

هذا معناه التحذير من التألي على الله، والإقدام عليه، وأنه لا يفعل كذا ولا يفعل كذا، والله لا يغفر الله لفلان، والله لا يدخله الجنة، والله لا يوفق ونحو ذلك، هذا منكر لا يجوز، ليس عندك علم من الله، وليس عندك حق عليه، فالواجب حفظ اللسان والحذر من أخطاره، لأن اللسان خطره عظيم، قد يتكلم الإنسان بكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب نسأل الله العافية كما جاء في الحديث، وهذا من هذا الباب، ولو ساء ظنك به، ولو كان صاحب معاصي، لا تقل هذا الكلام، قل: أخشى عليه، أخاف عليه، اللهم اهده، تدعو له بالهداية، أما أن تقسم على الله أنه ما يدخله الجنة ولا يغفر له، هذا غلط منك، إن ربك حكيم عليم، قد يغفر الله له، قد يتوب الله عليه وأنت لا تدري، الحاصل أن هذا من ظلم اللسان، ومن جور اللسان، ومن خطر اللسان، فالواجب الحذر، وهذا نقص في التوحيد، نقص في الإيمان.

وفي حديث أبي هريرة أنه كان رجلا عابدا، الذي حمله غيرته، حملته عبادته التي كان يتعبدها على أن قال هذا الكلام السيئ، وهذا يفيد أن الإنسان قد يغار غيرة فاسدة قد يجترئ بها على الله، قد يكون عابدا غيورا لله لكن توقعه غيرته في الإثم، قد يكون غيورا فيتكلم بكلام لا ينبغي مثل هذا الكلام، قد يكون غيورا فيأمر بمنكر وينهى عن معروف على غير بصيرة، قد يكون غيورا فينكر منكرا على غير بصيرة، فلا بد من التقيد بالحدود الشرعية في الغيرة في إنكار المنكر، لا بد من الحدود التي حدها الله تلزمها ولا تتعداها.

قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، يعني هذه الكلمة أهلكت دنياه وآخرته لأنها خطيرة حيث قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: قد غفرت له وأحبطت عملك لما اجترأ على الله، هذا وعيد عظيم يفيد الحذر من الجرأة على الله، وأن الإنسان قد يتكلم بكلمة تهلكه كما في الحديث السابق، يقول النبي ﷺ: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، وفي اللفظ الآخر: يزل بها في النار سبعين خريفًا، وفي اللفظ الآخر: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يتبين فيها -يعني ما يتثبت فيها- يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه فالواجب على المؤمن، وعلى طالب العلم، وعلى الغيور لله أن يتثبت، وأن يحفظ لسانه، وأن لا يتكلم إلا عن بصيرة، وأن لا يعمل إلا عن بصيرة.