33 من حديث: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى)

بَابُ النَّحْرِ وَالْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ وَمَا يُبَاحُ عِنْدَهُمَا

2017- عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

2018- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2019- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَأَهْدَى، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ، قُلْنَ: مَا لَكَ أَنْتَ لَمْ تَحِلَّ؟! قَالَ: إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحلُّ حَتَّى أَحلَّ مِنْ حَجَّتِي وَأَحْلِقَ رَأْسِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَلْقِ.

2020- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

2021- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا رَمَيْتُم الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَالطِّيبُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ، أَفَطِيبٌ ذَلِكَ أَمْ لَا؟" رَوَاهُ أَحْمَدُ.

2022- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِلنَّسَائِيِّ: طُيِّبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالرمي والنَّحر والحلق والحلِّ.

ثبت عنه ﷺ أنه لما رمى الجمرة يوم العيد حلق رأسه، ونحر هديه، ثم طيَّبته عائشةُ رضي الله عنها قبل أن يتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة، وهذا هو المشروع: أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق، هذا هو الأفضل، كما فعله النبيُّ ﷺ؛ يرمى الجمرة بسبع حصيات يوم العيد ضُحًى، ثم ينحر هديه إن كان عنده هديه، ثم يحلق أو يُقصر، والحلق أفضل؛ لأنه ﷺ دعا للمُحلِّقين ثلاثًا، والمقصرين مرة: في رواية أبي هريرة: اللهم اغفر للمُحلقين، وفي رواية ابن عمر في "الصحيحين": اللهم ارحم المحلِّقين ثلاث مرات، وبعد الثالثة قال: والمقصرين، فدلَّ على أنَّ الحلق أفضل؛ لأنه أبلغ في الامتثال في إزالة الشعر؛ ولأنه هو الموافق لفعل النبي ﷺ في أنه حلق، يوم حجة الوداع حلق ولم يقصر، بل حلق، فهذا هو الأفضل، ومَن قصَّر أجزأه التقصير، كما قال تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27]، ثم طيَّبته عائشةُ رضي الله عنها، فتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة.

وفيه أنه ﷺ قال للحلاق: خذ الشقَّ الأيمن، ثم أخذ الشقَّ الأيسر، وقسم الشعر بين الناس، فهذا يدل على أنَّ الحلق أفضل، ويدل على أنَّ الأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن، الحلَّاق عند الحلق يبدأ بالشق الأيمن، ثم الأيسر، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث عائشة: "كان يُعجبه التَّيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله".

وفيه بيان ما جعل الله في شعره وعرقه من الفضل والخير والبركة؛ ولهذا وزَّع شعره على الناس، وفي الحديث الثاني أنه أعطى أبا طلحة النصف، وأمره أن يُوزِّع النصف الثاني بين الناس، وما ذاك إلا لما في شعره من البركة، قالت أم سليم: "فجعلتُ الشعرات في طيبٍ"، تدسُّه في طيبها، وهكذا عرقه، كانت تأخذ عرقه، وهكذا وضوؤه، كان الصحابةُ يأخذون من وضوئه عليه الصلاة والسلام، فهذا شيء خاصٌّ به ﷺ، لا يُقاس عليه غيره، بل هذا خاصٌّ به ﷺ؛ لما جعل الله فيما باشر جسده وما خرج منه من البركة والخير من عرقٍ وشعرٍ ووضوءٍ؛ ولهذا لم يفعل الصحابةُ ذلك مع الصديق، ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع غيرهم، فدلَّ على أنَّ هذا خاصٌّ به ﷺ، التَّبرك بعرقه وشعره هذا خاصٌّ به ﷺ، وهكذا وضوؤه، لا يُقاس عليه أحدٌ من الناس، والصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، ولم يفعلوا ذلك مع الخلفاء الراشدين.

وفيه من الفوائد: أن الرمي يكون قبل النحر وقبل الحلق وقبل الطواف، يبدأ بالرمي أولًا، ثم النحر كما يأتي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف كما يأتي إن شاء الله، هذا هو الترتيب الذي فعله النبيُّ ﷺ، وهذا هو الأفضل، الحاج يبدأ بالرمي: رمي الجمرة بعد طلوع الشمس، ثم النحر إن كان عنده هدي، ثم حلق الرأس أو التقصير، والحلق أفضل، ثم يتحلل، يلبس ملابسه إذا شاء، ويتطيب إذا شاء، ثم يكون الطواف هو الآخر، هذا هو فعله عليه الصلاة والسلام.

ومَن قدَّم بعضَها على بعضٍ فلا حرج، كما يأتي؛ لأنه ﷺ لما سُئل قال: لا حرج، لا حرج، فلو نحر قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يرمي، أو حلق أن يرمي فلا حرج، كل هذا قال: لا حرج، لا حرج عليه الصلاة والسلام، إلا أن الأفضل الترتيب: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، هذا هو الأفضل إذا تيسر ذلك.

وفي قوله ﷺ: إني لبَّدتُ رأسي فلا أحلّ حتى أنحر يفيد أنَّ الحاج لا يحلّ حتى ينحر إذا كان قد أهدى، فإنه ﷺ رمى ثم نحر هديه، ثلاثًا وستين نحرها بيده، ثم أمر عليًّا بنحر الباقي كما يأتي إن شاء الله.

وذهب قومٌ إلى أنه يكفي الرمي، وأنه يحلّ بعد الرمي؛ لأثر ابن عباس: أن الرسول حلَّ بعد أن رمى، ولكن في حديث ابن عباسٍ هذا انقطاع، لكن له شواهد، فمَن حلَّ بعد الرمي فلا حرج، لكن الأفضل والأحوط أن يصبر حتى يرمي ويحلق، هذا هو الأفضل؛ لحديث عائشة: إذا رميتُم وحلقتُم فقد حلَّ لكم كل شيء إلا النساء، وفيه ضعف؛ ولأنَّ عائشة طيَّبته بعدما حلق.

فالأفضل للحاج أن يرمي ثم يحلق، ويكون التَّحلل بعد ذلك، ملابسه والطيب يكون بعد ذلك، هذا هو الأحوط والأفضل.

أما الحلّ الكامل فيكون بعد الأربعة؛ بعد الطواف، يعني أن النحر لا يتعلق به شيء، لكن بعد الرمي، أو بعد الحلق أو التقصير، أو بعد الطواف، هذا الحلّ الكامل، متى رمى وحلق أو قصَّر وطاف طواف الإفاضة وسعى إن كان عليه سعيٌ تم الحلّ، وجاز له إتيان النساء، كما يأتي إن شاء الله.

س: حديث ابن عباسٍ هذا منقطع: إذا رميتُم الجمرة فقد حلَّ لكم كل شيء إلا النساء؟

ج: التَّحلل الأول بالرمي عند جمعٍ من أهل العلم، وهو قوي؛ لأنه جاء في حديث ابن عباسٍ، وجاء في حديث أم سلمة أيضًا.

س: ما فيه انقطاع؟

ج: حديث: إذا رميتُم وحلقتُم .. فيه بعض الضعف، وفعل النبي ﷺ إنما طيَّبته عائشةُ بعد الرمي، فإنه بعدما رمى أمر الحلاقَ بأن يحلق، قال: طيَّبته قبل أن يذهب إلى مكة.

هذا من باب الاحتياط: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، كونه يُؤجل الحلَّ حتى يرمي ويحلق جميعًا أحوط، ومَن حلَّ بعد الرمي فلا شيء عليه إن شاء الله، ما عدا الجماع، فالجماع يكون بعد الرمي وبعد الحلق أو التقصير وبعد الطواف، الحل الكامل يكون بعد الثلاثة: بعد الرمي وبعد الحلق أو التقصير وبعد الطواف، ما أعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم، بإجماعهم الحل الكامل يكون بعد الثلاث.

س: ....... عائشة للرسول ﷺ ما يدل على أنه بعد التَّحلل الأول؟

ج: بعدما رمى وحلق.

س: في آخر حديث ابن عمر قال المؤلف: وهو دليل على وجوب الحلق؟

ج: لأنَّ الرسول ﷺ أمر بالحلق، أمر الصحابة أن يحلقوا، أمرهم أن يرموا ويحلقوا، فدلَّ على وجوب الحلق، فمن واجبات الحج أو العمرة الحلق أو التَّقصير.

س: الدَّعوة من النبي ﷺ للحالق يعمّ الحج والعمرة أو الحج فقط؟

ج: ظاهره العموم، إلا إذا كانت العمرةُ قريبةً من الحجِّ فالسنة فيها التقصير؛ لأنَّ الرسول ﷺ أمر الصحابة أن يُقصروا، لما حلّوا في رابع ذي الحجة أمرهم أن يُقصروا، هذا هو الأفضل؛ حتى يبقى الحلقُ للحج، أما إذا قدموا عمرةً في رمضان أو في شوال فالحلق أفضل.

س: بعض الناس يأخذ شعرات من الرأس؟

ج: يعمُّه بالتقصير، الواجب التعميم، يعمُّه بالتقصير كما يعمُّه بالتَّحليق.

س: مَن رمى وطاف هل يحلّ له كل شيء؟

ج: لا، حتى يُقصر أو يحلق، لا بد من الثلاثة.

س: مَن قدَّم وأخَّر مُتعمدًا؟

ج: ما في بأس، لا حرج.

س: مَن طاف ولم يحلق ولم يرمِ هل يحلّ أو لا؟

ج: لا، ما يحل حتى يرمي ويحلق مع الطواف، قد يقال: إذا حلَّ بعد الرمي فالطواف من باب أولى، لكن كونه يصبر حتى يفعل الثاني أحوط، حتى يرمي أو يحلق، فإذا فعل الثلاثة حصل التَّحلل الكامل.

س: يستقبل القبلة في حال الحلق؟

ج: ما أعلم في هذا شيئًا.

س: حديث عائشة فيه أنَّه نحر ثم رجم ثم نحر؟

ج: رمى ثم نحر، ثابت في الأحاديث الصحيحة، ثم حلق بعد ذلك.

س: ....... انصرف من مُزدلفة، ما ذهب إلى منًى يرمي، ذهب إلى الحرم لأنَّ معه نسوانًا؟

ج: لا حرج، بدأ بالطواف لا حرج، قال رجلٌ: يا رسول الله، ....... قبل أن أرمي، قال: لا حرج، فإذا انصرف من مُزدلفة ونزل مكة وطاف لا حرج، ثم يرمي بعد ذلك.

بَابُ الْإِفَاضَةِ مِنْ مِنًى لِلطَّوَافِ يَوْم النَّحْرِ

2023- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2024- وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِمٍ.

الشيخ: ورد هذا وهذا: أن النبي ﷺ لما رمى ونحر وحلق رأسه ركب إلى مكة للطواف وطيَّبته عائشةُ رضي الله عنها، ثم صلى بمكة الظهر، ثم رجع فصلى بالموجودين في منًى الظهر أيضًا، ولا مُنافاة في حديث أنه صلَّى في مكة الظهر، وفي حديث ابن عمر أنه صلَّى بمنى الظهر، والجمع بينهما أنه صلَّى في مكة الظهر أولًا، ثم رجع فوجدهم ينتظرونه، وجد مَن لم يتوجه إلى مكة ينتظرونه، فصلَّى بهم الظهر، فهي له نافلة، ولهم فريضة، وصلاته الفريضة وقعت في مكة، ولا منافاة بين الروايتين.

بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقْدِيمِ النَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالْإِفَاضَةِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ

2025- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَى آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْتُ إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَهُنَّ كُلّهنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

الشيخ: وهذا من رحمة الله وفضله جلَّ وعلا؛ لأنَّ المقام مقام يغلط فيه الناس، يذهلون، ينسون، فمن رحمة الله أن جعل الأمر واسعًا، والحجاج لا يُحصيهم إلا الله، فقد يكثرون، وفيهم الجاهل، وفيهم الصغير، وفيهم الكبير، فمن رحمة الله أن جعل هذا الأمر واسعًا.

وقد وقف بعد رمي الجمرة ﷺ بين الجمار والناس يسألونه، هذا يقول: نحرتُ قبل أن أرمي، فيقول: لا حرج، وهذا يقول: حلقتُ قبل أن أذبح، وهو يقول: لا حرج، وهذا يقول: طفتُ قبل أن أرمي، فيقول: لا حرج، كل هذا من تيسير الله، فما سُئل يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر -يعني يوم النحر- إلا قال: افعل ولا حرج.

فيدخل في هذا السعي، مَن سعى قبل أن يطوف فالصواب أنه يُجزئه، وإن كان الأكثرون على أنه يُعيد، لكن الصواب أنه يُجزئه، وقد صحَّ عن النبي ﷺ أنه سأله سائلٌ قال: يا رسول الله، سعيتُ قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج، هذا مما تعمُّ به البلوى أيضًا، يقع فيه الغلط من بعض الجهَّال، فإذا سعى ثم طاف في عُمرته أو في حجِّه أجزأه، وإنما السنة أن يطوف أولًا ثم يسعى في الحجِّ والعمرة، لكن قد يجهل، قد يغلط، من النساء، أو من الأعراب، أو من الجهلة، فإذا سعى ثم طاف ثم قصَّر أجزأه ذلك.

س: ولو تعمَّد؟

ج: ولو تعمَّد؛ لأنه ما استفصله، قال: لا حرج، قال: يا رسول الله، سعيتُ قبل أن أطوف، قال: لا حرج، خرجه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ، ولم يسأله: هل أنت ناسٍ أو عامد أو جاهل.

س: في غير الحج يصح تقديم السَّعي؟

ج: الصواب يعمُّ حتى العمرة في الجاهل والنَّاسي، لكن لا يتعمد، لا يُخالف السنة، لا ينبغي له أن يتعمَّد، لكن إذا وقعت من الجاهل والنَّاسي ينبغي أن لا حرج، يتأسَّى بالنبي ﷺ ويتحرى السنة في كل شيءٍ.

س: السؤال ورد في الحجِّ، فكيف يُقال في العُمرة؟

ج: الباب واحد: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196].

س: هل القوي القادر الذي ينصرف مع النساء من مُزدلفة بعد منتصف الليل له أن يرمي مباشرةً مع ..؟

ج: معهم، تبعهم، قوي تبعهم، وإن صبر حتى يرمي الضُّحى فأفضل.

وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا، إلَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ.

2026- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ قَالَ: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ، قَالَ: احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ وَلَا حَرَجَ رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: إنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ، قَالَ: احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ وَلَا حَرَجَ، قَالَ: وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

2027- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: لَا حَرَجَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: لَا حَرَجَ، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: لَا حَرَجَ، قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: لَا حَرَجَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: وهكذا لو رمى بعد الظهر أو بعد العصر –تأخَّر- لا حرج، أو بعد المساء بعدما غابت الشمسُ على الصحيح لا حرج إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجرُ أخَّر الرمي إلى بعد الزوال في اليوم الآتي.

س: مَن أخرج الحديثَ عندما قدَّم السعي على الطَّواف؟

ج: رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ عن المليح بن أسامة، عن أبيه.

س: التحلل الأول يحصل بفعلٍ واحدٍ من الثلاثة؟

ج: لا، بالرمي فقط، لكن إذا ألحق به الطواف له وجه؛ لأنَّ الطواف أهم من الرمي، الأفضل في هذا أنه لا يحل حتى يفعل الاثنين: الرمي والحلق أو التقصير، أو الرمي والطواف، أو الطواف والحلق أو التقصير، اثنان من ثلاثةٍ، هذا هو الأحوط، وقد أوضحنا في التحقيق والإيضاح كما أوضحه العلماء.

س: لو حلق فقط أو طاف؟

ج: لا، ما يكفي الحلق، الحلق أمره أسهل من الطواف والرمي.

س: ما الدليل على تحلل في اثنين من ثلاثةٍ من دون الرمي؟

ج: لأنَّ الطواف أهم من الرمي، أعظم من الرمي، ركن، فإذا فعله فهو أهم من الرمي.

س: مَن فعل الثلاثة: الرمي والطواف والحلق ولم يسعَ يحلّ؟

ج: لا بدَّ من السعي، السعي تبع الطواف في الحجِّ والعمرة، لا بدّ من السعي.

س: لكن ما يتحلل؟

ج: ما يتحلل حتى يسعى.

س: دليل إدخال طواف الوداع مع طواف الإفاضة؟

ج: قوله ﷺ: لا ينفرن أحدُكم حتى يكون آخر عهده بالبيت، إذا كان آخر عهده بالبيت كفى، سواء طواف الإفاضة، أو طواف الوداع، يعمّهما الحديث، إن طاف طواف الإفاضة عند سفره سدَّ عن الوداع، وإن نواهما جميعًا سدَّ.

س: لكن ما يُقدم الطواف على السعي؟

ج: ما هو بلزومٍ، لا يُقدم الطواف على السعي، على السنة، والسعي تابع للطواف، ما يمنع: آخر عهده بالبيت، ولو كان السعي بعده؛ لأنه تابع، مثل: جلوسه للأكل أو تغدَّى ما يضرّ.

س: الحديث الذي أخرجه أبو داود: ارمِ ولا حرج في درجة الحسن؟

ج: رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.

س: المبالغة في القصِّ حتى ترى البشرة هل تُغني عن الحلق؟

ج: لا، الظاهر والله أعلم أنَّ الأفضل الحلق؛ لأنَّ الحلق يُزيل آثار الشعر، فيكون أكمل في العبادة، والتقصير أقل، وهو مجزئ، لكن من جهة الفضيلة الحلق أفضل.

س: لا يقع إلا بالموس؟

ج: نعم.

س: بعض الناس ....... طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر الأيام؟

ج: ما في بأس.

س: ...........؟

ج: لا حرج؛ لأنَّ السعي تابع للطواف، ما يضرُّ، مثل: لو طفت وجلست تأكل وتشرب، أو تشتري حاجات أو شيء، نعم ما يضرُّ.

بَابُ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ

2028- عَنِ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

2029- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

2030- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ بِمِنًى، فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ بِحَصَى الْخَذْفِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.

2031- وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتِ الْبَلْدَةُ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بخطبة النبي ﷺ يوم النحر، جاءت الأحاديث الكثيرة دالة على أنه خطب الناس يوم النحر عليه الصلاة والسلام بعدما رمى الجمرة ليلة العقبة، خطبهم بين الجمار، وذكَّرهم بالله ، وقال في خُطبته: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغتُ؟ قالوا: نعم، شهدوا له بالبلاغ، وهكذا قال لهم في عرفات، قال: ليبلغ الشاهد الغائب، فرُبَّ مبلغٍ أوعى من سامعٍ، رُبَّ مُبلَّغٍ أوعى للفائدة ممن سمعها.

وفي يوم عرفة رفع أصبعه إلى السماء قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، رفع يده إلى السماء، ثم جعل ينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد.

وفي هذا دلالة على شرعية الخطبة يوم النحر من ولي الأمر أو من نائبه، يُذكِّر الناس ويُحذِّرهم، فإن النبي وقف على راحلته، والحجاج ليس لهم صلاة عيدٍ، فرمي الجمرة يوم العيد يقوم مقام صلاة العيد للحجاج، لكن لما رمى الجمرة ذكَّر الناس على بعيره عليه الصلاة والسلام، فيُشرع لولي الأمر أن يُذكر الناس أيضًا على البعير أو على غيره؛ حتى يُبلغ الناس أحكام الله، ويُحذر الناس من نقمة الله، ويُبين لهم أحكام هذا اليوم، فإن الناس سألوه في هذا اليوم، أحدهم يقول: حلقتُ قبل أن أذبح، وهذا يقول: رميتُ قبل كذا، وهذا يقول: كذا، سألوه وهو يُجيب: لا حرج، لا حرج كما يأتي.

المقصود أنَّ الواجب على المؤمن التوبة إلى الله، والرجوع إليه، والتَّفقه في الدين والتَّبصر؛ لأنَّ الله أمره أن يستفيد، قال ﷺ: رُبَّ مُبَلَّغٍ أوعى من سامعٍ، فالقرآن مُبَلِّغ، والرسول مُبَلِّغ، والعلماء مُبَلِّغون، خلفاء الرسل، وكل مؤمنٍ حفظ فائدةً يُبلغها بين قومه، في أهل بيته، في جلسائه، إذا علم أنها حقٌّ: قال الله، وقال رسوله، إذا علم أنها حقٌّ وفهم المعنى فليُبلغ، ولا يقل على الله بغير علمٍ، ليُبلغ ما يسمع عن يقينٍ وعن بصيرةٍ؛ لأنَّ هذه الدار دار العمل، دار العلم، دار التبليغ، ودار التَّفقيه، دار التَّكاتف على الخير، ودار التواصي بالحقِّ، ودار التعاون على البرِّ والتقوى، وأحق الناس بهذا أهل العلم، ثم عموم المؤمنين، كلٌّ على قدر طاقته.

قال: ففتح الله أسماع أهل منًى حتى سمعوا خُطبته عليه الصلاة والسلام. وقال مُؤكدًا لهم: أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، وظنوا أنه سيُسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قالوا: بلى، فأي شهرٍ هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس ذا الحجة؟ قالوا: بلى، قال: أي بلدٍ هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليست البلدة؟ يعني مكة، قالوا: بلى، قال: فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم، وفي الرواية الأخرى: وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا يوم النحر في شهركم هذا شهر ذي الحجة في بلدكم هذا مكة.

المقصود من هذا التَّغليظ وشدة التحريم، وأنه لا يجوز للمسلم أن يتعدَّى على أخيه بضربٍ أو جرحٍ أو قتلٍ، حرام عليه دمه وماله، وهكذا أخذ ماله بالسرقة أو بالمكابرة أو بالخيانة أو بالاختلاس أو بأي شيءٍ، يجب الحذر، فماله عليه حرام، مال أخيه عليه حرام، دمه عليه حرام، ولو بأقل ضربةٍ أو نخسةٍ بأي عودٍ: كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه، ثم قال: لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا، يضرب بعضُكم رقاب بعضٍ حذَّرهم من الرجوع إلى الجاهلية والتَّقاتل والفتنة.

وهكذا قال لهم في يوم عرفة، يوم المجمع العظيم، وأوصاهم يوم عرفة بالقرآن والسنة، قال: إني تاركٌ فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتُم به: كتاب الله، وفي اللفظ الآخر: وسنتي، وكتاب الله فيه الأمر بالسنة، فيه الأمر بطاعة الرسول ﷺ، ثم قال: وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغتَ وأديتَ ونصحتَ، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها للناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد.

س: الأعراض تشمل الغيبة؟

ج: نعم، العرض: الكلام في عرضه بما يكره، هذا العرض: الغيبة والنميمة وغير ذلك.

س: ............؟

ج: إذا كان فيهم طالبُ علمٍ يُذكرهم بالله، وإذا كان ما فيهم طالبُ العلم هم يتذاكرون ويتناصحون فيما بينهم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، يقول سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر] يعمُّ المؤمنين جميعًا فيما بينهم: يا فلان، تراك تخلَّفتَ عن الصلاة بعض المرات، يا فلان، تتساهل أنت في الغيبة، يا فلان، سمعتُك تقول كذا، فيما بينهم يتناصحون: ترى كذا، ترى كذا، ترى كذا، كل واحدٍ يحرص على الفائدة لأخيه؛ لأنَّ هذه الدار دار العمل، دار التواصي، دار التناصح، دار الاستعداد، ما هي بدار الجزاء، هذه دار العمل، دار الاستعداد للآخرة، فإذا تناصح الناسُ سعدوا وربحوا، وإذا غفلوا تساهلوا وأعرضوا، لعب بهم الشيطان، وطمع فيهم الشيطان وجُلساء السوء ودعاة الباطل، لكن إذا كانت كلمتهم واحدةً، متساعدين، متواصين، متناصحين؛ صار ذلك أبعد لهم عن الشيطان وعن نواب الشيطان.

س: ...........؟

ج: لأنه وقت اجتماع الناس، يفدون الجمرة؛ حتى يسمعوا.

س: يقوم طالبُ علمٍ بعد رمي جمرة العقبة يتكلم مع زملائه؟

ج: إذا تيسر هذا طيب.

س: قوله: كحُرمة شهركم هذا فيه تمسك لمَن قال: أن الأشهر الحرم لم تُنسخ؟

ج: فيه حجة لمن قال من العلماء أنَّ الأشهر الحرم باقية، وهي المحرم وذو القعدة وذو الحجة، ثلاثة، والرابع رجب الفرد، هذه الأربعة، الجمهور على أنه نُسخ فيها القتال، وأنه لا بأس، وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه باقٍ؛ قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ في سورة البقرة [217].

بَابُ اكْتِفَاءِ الْقَارِنِ لِنُسُكَيْهِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ

2032- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ وَوُقُوفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ.

2033- وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَقَدِمْتُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَيْهِ، فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ، قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2034- وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِالْعُمْرَةِ، فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حاضت، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّفْرِ: يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ، فَأَبَتْ، فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

2035- وَعَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِف، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُجْزِئ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وفيه تنبيه على وجوب السَّعي.

الشيخ: وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أنَّ القارن والمفرد يكفيه سعي واحد وطواف واحد، وهكذا جابر في "صحيح مسلم" يقول : "لم يطف النبيُّ ﷺ ولا أصحابه بين الصفا إلا طوافًا واحدًا" يعني أصحاب النبي الذين قرنوا وساقوا الهدي، أما الذين حلوا بعُمرتهم فمثلما قالت عائشة: فإنهم طافوا وسعوا وحلّوا بالتقصير في رابع ذي الحجة، ثم أحرموا بالحج اليوم الثامن وطافوا وسعوا لحجِّهم بعد ذلك؛ لأنَّ الحج صار مُستقلًّا، والعمرة صارت مستقلةً، فالذين دخلوا بالعمرة عليهم طواف وسعي لعُمرتهم ثم التقصير، ثم عليهم الإحرام بالحجِّ اليوم الثامن، وعليهم طواف آخر وسعي آخر للحج بعد ذلك، كما فعل النبيُّ ﷺ وأصحابه.

وكانت عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة مع أزواج النبي ﷺ، كلهم أحرموا بالعمرة، وكان الرسول خيَّرهم عند الميقات بين الإحرام بالحجِّ مفردًا، وبالعمرة مفردة، وبالحج والعمرة جميعًا في الميقات، ثم في أثناء الطريق قال لهم: مَن كان أحرم بالعمرة أو بالحج أو بالحج والعمرة فليطف بالبيت والصفا والمروة ثم يتحلل، إلا مَن كان معه الهدي، فلما وصلت إلى سرف -موضع قريب من مكة- نزل بها الحيض، فلم تطف، ولم تسعَ، فبقيت، وأمرها النبيُّ ﷺ أن لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر، فاشتكت إلى النبي ﷺ أن الحجَّ وصل وهي لم تطهر، فقال: انقضي رأسك واغتسلي ولبِّي بالحجِّ.

فدلَّ ذلك على أن الإنسان إذا أحرم بالعمرة ومنعه مانعٌ من أدائها يُلبي بالحج، كأن يكون ضلَّ الطريق أو أصابه مرضٌ، فإنه يُلبي بالحجِّ، وهكذا الحائض والنفساء إذا لبَّت بالعمرة ثم نزل بها النفاس أو الحيض تُلبي بالحجِّ، سواء يوم الثامن أو بعده، تُلبي بالحج وتكون قارنةً، وتعمل أعمال القارن: طواف وسعي، بعد النزول من مُزدلفة طواف وسعي، وتكون بذلك قارنةً؛ ولهذا لما طافت بعد الحجِّ قال لها النبيُّ ﷺ: طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك عن حجِّك وعمرتك، وهذا يُبين معنى قوله لما أمرها في الإحرام قال: دعي العُمرة يعني: دعي أعمالها من أجل الحيض، دعي أعمالها وأحرمي بالحج، ثم أمرها بأعمال القارن بعد نزولها من منى، فطافت وسعت وقصرت وحلَّت، وصار في نفسها شيء لأنها لم تطف مع صواحباتها لما قدموا، صار في نفسها شيء وقالت: يا رسول الله، ترجعون بعمرةٍ، وأنا أرجع بحجٍّ! فأمرها أن تعتمر من التنعيم، وأرسل معها أخاها عبدالرحمن، فاعتمرت من التنعيم عمرةً مستقلةً ليلة أربع عشرة، فلما فرغت من عمرتها ليلة أربع عشرة ليلة الأربعاء -لأنَّ الحج صار يوم الجمعة- نزل النبيُّ ﷺ آخر الليل والصحابة وطافوا طواف الوداع، وصلَّى بالناس يوم النحر صلاة الفجر في المسجد الحرام عليه الصلاة والسلام، صلَّى بهم صلاة الفجر، وقرأ فيها بسورة الطور كما قالت أم سلمة، وكانت أم سلمة شاكيةً مريضةً؛ فأمرها النبي ﷺ أن تطوف طواف الوداع من وراء الناس على بعيرها وهم يُصلون الفجر، قالت: فسمعتُه يُصلي بالناس ويقرأ بسورة: وَالطُّورِ ۝ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [الطور].

فلما فرغ من الصلاة ارتحل وأصحابه من مكة في اليوم الرابع عشر إلى المدينة، فهذا هو الحكم في مثل هذا القارن والمفرد، عليهما سعي واحد، الذي أفرد الحجَّ وحده وبقي على إحرامه، أو بالحجِّ والعمرة وبقي على إحرامه لأنَّ معه الهدي، فقد طاف بالبيت، وسعى بعد الحج، يكفيه طواف الإفاضة فقط، والسعي الأول كفى في حقِّ القارن والمفرد، أما الذي حلَّ من العمرة وطاف لها وسعى وقصَّر ثم أحرم بالحجِّ بعد ذلك فهذا يُسمَّى المتمتع، وهو عليه سعي ثانٍ، يعني: يطوف ويسعى لحجِّه بعد ذلك، فهذا الذي عليه جمهور أهل العلم -الأئمة الأربعة والجمهور- أنه لا بدَّ من سعيٍ ثانٍ لحجِّه، والسعي الأول لعُمرته، وهذا الذي أرادته عائشةُ بقولها: "وأما الذين حلّوا من العمرة فطافوا وسعوا لعُمرتهم، ثم طافوا طوافًا آخر لحجِّهم" يعني بين الصفا والمروة، وهكذا قال ابنُ عباسٍ: أنهم طافوا وسعوا لعُمرتهم، ثم طافوا وسعوا يوم النحر لحجِّهم، يعني الذين حلّوا.

س: ............؟

ج: نحر عنهم النبيُّ ﷺ.

س: صلى الفجر قبل الوداع أو بعد الوداع؟

ج: طواف الوداع قبل الصلاة، ثم صلَّى بالناس، ثم ركب بعد الوداع بعد الصلاة، طاف آخر الليل.

س: مَن أحرم مُتمتعًا فلما انتهى من العمرة بدا له أن لا يحجَّ، فهل له ذلك؟

ج: الظاهر لا حرج عليه إذا كان قد أدَّى الفريضة سابقًا، أما إذا كان قد أحرم بالحجِّ ثم فسخ، فهذا يبقى حتى يُكمل الحجَّ؛ لئلا يتّخذ حيلةً على التَّملص من الحجِّ، أما الذي أحرم بالعمرة أصلًا ونيته أن يحجَّ، ثم بدا له أن لا يحجَّ لا حرج عليه إذا كان قد أدَّى الفريضة سابقًا.

س: ما يلزمه شيء أبدًا؟

ج: إن كان قد أحرم بالعمرة وحدها ما يلزم أن يبقى إلى الحجِّ، إن بقي فلا بأس، وإلا ما هو بلازم ما دام قد حجَّ الفريضة؛ لأنَّ الحج لا يلزم إلا بالشروع فيه، لا بدَّ من نيةٍ قبل الشروع.

س: .............؟

ج: لا، تأجل السعي مع الطواف، هذا السنة، مثلما أجَّلت عائشةُ، نعم.

س: مَن كان مُتمتعًا وأُفتي بأنه يُجزئه سعي واحد؟

ج: قول ضعيف، هذا قول قاله بعضُ أهل العلم، قول ضعيف، والصواب أنه لا بدَّ من سعي ثانٍ.

س: .............؟

ج: لا، خطبة واحدة يوم عرفة ويوم النحر، كلها خطبة واحدة.

بَابُ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالي مِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِهَا

2036- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، كُلّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى، وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

2037- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَهُمْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

2038- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "رَمَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْجِمَارَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

2039- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

2040- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا رَمَى الْجِمَارَ مَشَى إلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَسَائِرَ ذَلِكَ مَاشِيًا، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

2041- وَعَنْ سَالِمٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَيَقُولُ: "هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

2042- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ لِرُعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَاةَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ ليَوْم النَّفْرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ: رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

2043- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "رَجَعْنَا فِي الْحَجَّةِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسِتِّ حَصَيَاتٍ، وَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث المتعددة -حديث عائشة وابن عمر وغيرهما- كلها تدل على شرعية الرمي يوم العيد جمرة العقبة بسبع حصيات، وكل يوم العيد رمي، وقد رماها راكبًا عليه الصلاة والسلام، ثم وقف للناس وخطبهم وذكَّرهم، وسأله الناس عن أعمال يوم العيد، فهذا يقول: حلقتُ قبل أن أذبح، وهذا يقول: نحرتُ قبل أن أرمي، وهذا يقول: أفضتُ قبل أن أرمي، فيقول: افعل ولا حرج، افعل ولا حرج، كما تقدم.

وفي هذا أنه رمى أيام منى بعد الزوال، يوم العيد رماها ضُحًى، وأما في الأيام الثلاث فرماها بعد الزوال، فهذا هو السنة: أن تُرمى الجمار يوم العيد ضُحًى، وإذا رُميت ظهرًا أو عصرًا أو في آخر الليل من ليلة النحر كل ذلك لا بأس.

وقد رخَّص للضعفة أن يرموا في آخر الليل -ليلة النحر- وأن ينصرفوا من مُزدلفة قبل حطمة الناس كما تقدم، أما الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فهذا يكون بعد الزوال، قد رماها بعد الزوال عليه الصلاة والسلام في الأيام الثلاثة، فلا يجوز لأحدٍ أن يرميها قبل الزوال، بل يجب أن يكون رميها بعد الزوال.

قال ابن عمر: "كنا نتحيل، فيرمونها بعد الصلاة، ثم يُصلون الظهر"، فإذا تيسر هذا تُرمى بعد الزوال، ثم صلاة الظهر بعد ذلك.

وفيه أنه صلى الظهر يوم النحر بمكة، وفي حديث ابن عمر أنه صلَّاها بمنى، ولا منافاة، وهكذا في حديث عائشة لا منافاة؛ فإنه صلَّى الظهر بمكة كما قال جابر، ثم صلَّاها بمنى لما رجع والناس لم يُصلوا، صلَّى بهم، فكانت له نافلة ولهم فريضة، وكانت فريضته في مكة، صلَّاها في مكة -الظهر لما نزل- ورجع وصلَّى بالناس في منى.

وفيه من الفوائد: أنه يُشرع الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية وقوفًا طويلًا مع الدعاء؛ لأنه ﷺ لما رمى الجمرة يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر تقدم وأسهل، وجعلها عن يساره، واستقبل القبلة، ورفع يديه يدعو طويلًا وهو يتضرع إلى الله ، ثم أتى الجمرة الوسطى فرماها بسبعٍ، يُكبر مع كل حصاةٍ، ثم أخذ عن يساره وجعلها عن يمينه واستقبل القبلة ودعا، ورفع يديه طويلًا، ثم أتى جمرة العقبة فرماها ولم يقف، رماها بسبعٍ ولم يقف، هذا هو السنة في أيام منى الثلاثة؛ أن يقف عند الأولى والثانية، ويرفع يديه ويدعو طويلًا، ويجعل الأولى عن يساره، والثانية عن يمينه، ويرفع يديه ويستقبل القبلة، ويُلح في الدعاء، أما الأخيرة فلا يقف عندها، السنة أن لا يقف عندها.

وصلاة الظهر إذا تيسر تكون في مكة، إن تيسر، فإن لم يتيسر صلَّاها في منى.

وفيه أنه رخَّص للسقاة بترك البيتوتة في منى؛ لأن السقاة يحتاجون إلى أن يسقوا الناس، فرخَّص للعباس والسقاة بترك البيتوتة في منى، وهكذا الرعاة لحاجتهم لرعي الإبل، ورخَّص للرعاة أن يُؤخِّروا رمي الحادي عشر إلى الثاني عشر، وهذا يدل على جواز ترك المبيت في منًى لمن له شغل مهم: كالسقاة والرعاة والمريض والطبيب الذي يحتاجه الناس في تلك الليالي، فإنه معذور إذا دعت الحاجةُ كالسقاة، أما مَن لا عذرَ له فيبيت في منًى ليلة إحدى عشر، وليلة الثاني عشر، ثم يتعجل إن شاء، فإن لم يتعجل وغابت عليه الشمسُ بات في ليلة الثالث عشر ورمى الجمرة ليلة الثالث عشر بعد الزوال.

وفي الحديثين الأخيرين أنَّ بعض الصحابة شكَّ: هل أكمل السبع أو ما أكمل؟ فيه أنه إذا شكوا في سقوط واحدةٍ لا يضر، الواجب أن يُحافظ على السبع، فلو شكَّ هل سقطت واحدة في آخر الرمي أجزأه؛ لكن ينبغي له أن يُحافظ ويعتني؛ حتى يكمل كما كمل النبيُّ ﷺ.

س: الشرطة ورجال الأمن يُقاسون على السُّقاة والرُّعاة؟

ج: هو الظاهر إذا دعت الحاجةُ.

س: الرمي يكون بعد أداء صلاة الظهر أو قبلها؟

ج: الأمر واسع، لكن إذا تيسر قبلها أولى، وإن لم تيسر صلَّى الفرض ورمى.

س: ما يلزمهم المبيت والرمي؟

ج: إذا دعت الحاجةُ إلى أنهم يلزمون الطرق في غير منًى فلا بأس، أما في منى فالحمد لله، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى خروجهم عن منًى لمصلحة المسلمين فهم كالسقاة والرعاة.

س: حديث عاصم قوله: "ثم يرمون الغداة ومن بعد الغد اليومين" ظاهره أنه قدَّم الرمي؟

ج: لا، هو أخَّره، المعروف أنهم يتأخَّرون في الرعي يوم الحادي عشر، ثم يأتون في اليوم الثاني عشر ويرمون لليومين، يقضونها.

س: في الرواية الأخرى: يرمي يومًا ويدع، لكن هنا في حديث عاصم: "ثم يرمون الغداة ومن بعد الغد ليومين"؟

ج: ......... العبادة الأصل عدم تقديمها على وقتها، ولكن تُؤخر، فهم أخَّروا ورموا في يوم الثاني عشر عن اليومين.

بَابُ الْخُطْبَةِ أَوْسَطُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

2044- عَنْ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الرُّؤوسِ، فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ عَمُّ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيُّ: إنَّهُ خَطَبَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

2045- وَعَن ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَالَا: رَأَيْنَا رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺمَ يَخْطُبُ بَيْنَ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ، وَهِيَ خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي خَطَبَ بِمِنًى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

2046- وَعَنْ أَبِي نَضرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: وهذا يدل على أنه ﷺ خطب في أيام التَّشريق، يعني: يوم الحادي عشر، وفي اللفظ ما يقتضي أنه الثاني عشر، خطب الناس يوم النحر خطبةً عظيمةً، وقال: إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغْتُ؟ مكان هذا بعد رمي الجمرة صباح العيد، وصار الناس يسألونه بعد ذلك عن أمور حجِّهم، وخطبهم في أيام التشريق، قيل: في الحادي عشر، وقيل: في الثاني عشر، والأقرب والله أعلم أنه الحادي عشر بين يوم العيد وبين أوسط أيام التشريق، فإن أوسطها الثاني عشر، والذي بين الأوسط وبين العادي هو الحادي عشر، هو يوم العيد، بيَّن لهم أحكام الرمي.

وكان يُسمَّى: يوم الرؤوس؛ لأنَّ رؤوس الهدايا في ذبيحة يوم العيد بقيت ينتفعون بها في الحادي عشر وما بعده، بقيت تلك الليلة ويستمتعون بها، وأكثر الرمي يكون يوم العيد، فهذا يُؤيد أن يوم الرؤوس هو يوم الحادي عشر، وهو بين يوم العيد وبين أوسط أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر، خطبة ثانية للتذكير والبلاغ وإيضاح أحكام الرمي، وأحكام النفير.

وهذا يدل على أنه ينبغي لولي الأمر أن يعتني بهذا الأمر؛ لأن الناس في حاجةٍ إلى البيان والإيضاح في أيام منى، كما أوضح لهم ﷺ في يوم النحر في "الصحيحين"، خطبة يوم النحر في "الصحيحين"، وخطبة يوم عرفة، وأما خطبته في أيام التشريق فجاءت بها بعضُ الأحاديث المذكورة هنا، وذلك من تمام الإيضاح وتمام البيان والبلاغ، والناس في حاجةٍ إلى البيان.

فينبغي للدعاة والوعاظ في أيام منى أن يُكثروا من الوعظ في خيامهم، وفي المسجد حتى ينتشر العلم، في مسجد منى، مسجد الخيف، وفي غيرها، أهل العلم ينبغي لهم أن تكون لهم عناية في مخيماتهم، وفي وقت الصلاة، وفي مسجد الخيف؛ لأنَّ هذا الاجتماع له شأن عظيم من أقطار الدنيا، والناس في حاجةٍ إلى البلاغ والبيان، وبيان أحكام الإسلام، فيكون على أهل العلم البيان فيما يتعلق بالتوحيد وشرائع الإسلام وما يتعلق بالحجِّ وأحكامه، فرصة لأهل العلم اجتماع هذا الجمّ الغفير من أقطار الدنيا.

س: مُزدلفة مَن تركها لعذرٍ هل تُقاس على أيام منى؟

ج: مَن تركها عليه دمٌ، إلا إذا كان عذر شرعي: كزحمةٍ وما وصل إليها، وإلا فليبيت بها غالب الليل.

س: .........؟

ج: مثل غيره، إذا كان عذر شرعي سقطت عنه مثل أيام منى، مثل: لو تأخَّر في الطريق ....... عرفات، وحصل زحام وتعطَّلوا، ولم يصلوا؛ سقط عنه.

س: شخص جلس في مُزدلفة إلى منتصف الليل إلى أن غاب القمرُ ثم دفع؟

ج: لا حرج، لكن ترك الأفضل، الأفضل أن يبيت ويرمي الضُّحى، هذا هو الأفضل لمن كانت عنده قوة.

س: مَن لم يجد مكانًا في منًى هل يسقط عنه المبيت؟

ج: يسقط عنه، مَن لم يجد مكانًا في منى سقط عنه؛ لأنه عاجز، ولا دم عليه.

س: ما حكم مَن رمى جمرة العقبة من جهة غير الجهة التي رمى منها الرسولُ ﷺ؟

ج: لا بأس، إذا وقعت في الحوض من أي جهةٍ، المهم أن تقع في الحوض.

س: مَن رمى جمرة العقبة يوم العيد هل يحلّ؟

ج: نعم، لكن الأفضل بعد الحلق أو التقصير أو الطواف، وإن حلَّ بعد الرمي أجزأ؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، لكن الأحوط والأفضل أن يكون بعد اثنين: بعد الرمي والحلق أو التقصير، أو بعد الرمي والطواف، أو بعد الطواف والتقصير، اثنان من الثلاثة؛ لأنَّ التَّحلل يكون يوم العيد بثلاثة: الرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي، هذا الحلّ الكامل، وإذا فعل اثنين صار التَّحلل الأول: رمى وحلق أو قصَّر، فهذا يُسمَّى: التحلل الأول، أو رمى وطاف، أو طاف وقصَّر أو حلق، يكون هذا الحلّ الأول، وإذا رمى وحلق رأسه أو قصَّر هذا التَّحلل الأول، يبقى عليه تحريم النساء، فإذا طاف ورمى ولم يحلق بقي عليه الحلق، وهكذا حتى يُكمل الثلاث، وإذا كان عليه سعيٌ لا يتم حلّه حتى يسعى: كالمتمتع وكالقارن، المفرد الذي لم يسعَ مع طواف القدوم يبقى عليه السعي حتى يسعى بعد الطواف، وبهذا يكمل الحلّ.

س: ما حكم الرمي في الليل؟

ج: لا بأس به، مَن لم يتيسر له الرمي بالنهار رمى في الليل عن اليوم الماضي، ليلة إحدى عشر عن يوم العيد، وليلة اثني عشر عن يوم أحد عشر، وليلة ثلاث عشرة عن يوم اثنا عشر، أما يوم الثالث عشر فينتهي الرمي بغروب الشمس، اليوم الأخير الثالث عشر ينتهي الرمي بغروب الشمس، لكن لو فاته رمي يوم العيد ورمى ليلة إحدى عشر أجزأ إلى طلوع الفجر، وهكذا مَن لم يرمِ يوم الحادي عشر ورمى في ليلة اثني عشر أجزأ، وهكذا مَن لم يرم في الثاني عشر ورمى في ليلة الثالث عشر أجزأ، هذا الصواب، أما اليوم الثالث عشر فينتهي بغروب الشمس.

س: ............؟

ج: للظعن: جمع ظعينة، النساء.

س: ............؟

ج: الأمر واسع ........ أتباع الظعن كذلك تبعهم، لما رخَّص للضَّعفة وأتباعهم دلَّ على التوسعة؛ لأنَّ الظعن لا يذهبون وحدهم، معهم رجال.

س: يقول الشارحُ عن المبيت: وقد اختلف في وجوب الدم وتركه: فقيل: يجب عن كل ليلةٍ دم، رُوي ذلك عن المالكية، وقيل: صدقة بدرهم، وقيل: إطعام، وعن الثلاث دم، هكذا رُوي عن الشافعي، وهو رواية عن أحمد، والمشهور عنه وعن الحنفية: لا شيء عليه؟

ج: الأحوط له أن يفدي إذا ترك ليلة، أما إذا ترك ليلتين أو ثلاثًا يفديه بدمٍ؛ لأنه واجب، أما إذا ترك ليلةً واحدةً فالأحوط فيها الدم، هو أحوط خروجًا من الخلاف، وإن تصدَّق بشيءٍ فحسن، لكن الدم أحوط، وفيه خروج من الخلاف: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

س: إذا قال الحاجُّ عند الميقات: "لبيك عمرةً مُتمتعًا بها إلى الحجِّ"، وأتم العمرة، ماذا يلزمه إذا ترك الحجَّ؟

ج: لا يلزمه شيء، إذا كان قد حجَّ الفريضة ما يلزمه، لكن إن بقي فهو أفضل.

س: حديث عائشة: "أفاض من آخر اليوم حين صلَّى الظهر"؟

ج: جاء في حديث جابرٍ، وحديث ابن عمر، وحديث عائشة، والجمع بينها أنه صلى الظهر في مكة ورجع إلى منًى، وصلى بالبقية في منًى نافلةً له عليه الصلاة والسلام.

س: في حديث عائشة: أفاض من آخر اليوم؟

ج: الظاهر أنه وهمٌ من بعض الرواة، أفاض قبل صلاة الظهر، صلَّى في مكة الظهر كما قال جابر، جابر حفظ أعمال الحج ....... ابن عم: أنه صلَّى في مكة الظهر بعدما رجع.

س: الحديث في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار؟

ج: إذا كان عنعن فهو ضعيف، المقصود أن الصواب أنه صلَّى في مكة، ولما عاد صلَّى بمن بقي من الصحابة في منًى، فهم ينتظرونه وصلَّى بهم.

س: مَن أخَّر رمي يوم العيد إلى الحادي عشر أو الثاني عشر؟

ج: لا بأس، يرمي بعد الزوال أولًا، ثم يرمي اليوم الثاني بعده.

س: هل يجوز له أن يأتي أهله؟

ج: إذا رمى وحلق وطاف وسعى .......

س: أخَّر الرمي يوم العيد، لكن حلق وقصَّر وطاف وسعى؟

ج: حتى يكمل الرمي.

س: لا يجوز له أن يأتي أهله حتى يكمل الرمي؟

ج: يوم العيد لا بدَّ أن يرمي، لا يجوز أن يرمي في الأيام الأخيرة إلا بعد رمي يوم العيد، يبدأ برمي العيد، ثم يرمي الجمار بعده، كل يوم مُرتَّب.

س: يوم الرؤوس يوم الحادي عشر أو الثاني عشر؟

ج: الأقرب أنه يوم الحادي عشر؛ لأن الرؤوس الكثيرة يوم العيد، قد تبقى رؤوس قد تكون من ذبح يوم الحادي عشر، تبقى إلى الثاني عشر، وقد تبقى رؤوس في الثالث عشر أيضًا، لكن أغلب الرؤوس تكون يوم العيد.

بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ إذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى

2047- عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

2048- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْبَطْحَاءِ، ثُمَّ هَجَعَ هَجْعَةً، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ.

2049- وَعَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: "إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْزِلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

2050- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ".

2051- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تدل على أنَّ السنة للحجاج إذا فرغوا من الرمي في اليوم الثاني عشر إن تعجَّلوا أو في الثالث عشر إن لم يتعجَّلوا الانتقال من منًى إلى مكة، وأن تكون الصلاة في مكة، صلاة الظهر والعصر في مكة؛ لأنَّ الرسول ﷺ لما رمى الجمرة في اليوم الثالث عشر -لأنه لم يتعجَّل- انتقل من منى، ولم يُصلِّ بها الظهر، بل انتقل وصلَّى في الأبطح، وهو خيف بني كنانة، مجرى السيل، قرب مكة، نزل به وصلَّى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدةً خفيفةً، ثم توجَّه إلى مكة، وطاف طواف الوداع في آخر الليل من ليلة أربع عشرة، ليلة الأربعاء، ثم صلَّى بالناس الفجر، وقرأ بالطور، سورة: وَالطُّورِ ۝ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ كما روت أمُّ سلمة ذلك.

وكان الصديقُ وعمر رضي الله عنهما ينزلان في الأبطح تأسيًا بالنبي ﷺ إذا فرغوا.

وقالت عائشة وابن عباس أنه ليس بمشروعٍ، وإنما نزله النبيُّ ﷺ لأنه كان أسمح لخروجه.

والتأسي بالنبي ﷺ وبالصديق وعمر أولى، إذا تيسر النزول فيه فحسن، في اليوم الثالث عشر لمن لم يتعجل، أو في الثاني عشر لمن تعجَّل، إذا نزل بالأبطح وصلَّى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء فهذا حسنٌ، وإن صلَّى في منزله أو في أي مكانٍ فلا حرج، والأمر واسع، لكن المهم أن الصلاة تكون في مكة، لا في منى في اليوم الأخير، يوم النفر، النفر الأول والنفر الثاني تكون الصلاةُ في داخل مكة كما فعله النبيُّ ﷺ، فإنه ارتحل من منًى بعد الرمي وصلَّى بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وفيه أنه لا بأس بالفصل بين الوداع وبين السفر في الصلاة أو غيرها، فإنه ودع آخر الليل، ثم صلى الفجر، ثم ركب إلى المدينة، وهكذا لو ودع بعد الظهر ثم صلَّى العصر، أو بعد العصر ثم المغرب، أو بعد المغرب ثم صلَّى العشاء، أو تأخَّر لتناول طعام أو حاجات أخرى لا حرج في هذا، الأمر في هذا واسع.

س: ...........؟

ج: ما له حد محدود، لكن خفيف، ما يعدي قامة.

بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا

2052- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النبيُّ ﷺ مِنْ عِنْدِي وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ، طَيِّبُ النَّفْسِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ وَهُوَ حَزِينٌ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: إنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ، وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ، إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ أَتْعَبْتُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

2053- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، ثُمَّ قَامَ إلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِن الْبَيْتِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ عَلَيْهِ وَخَدَّهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ هَلَّلَ وَكَبَّرَ وَدَعَا، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْأَرْكَانِ كُلِّهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، هَذِهِ الْقِبْلَةُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

2054- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ انْطَلَقْتُ فَوَافَقْتُهُ قَدْ خَرَجَ مِن الْكَعْبَةِ، وَأَصْحَابُهُ قَد اسْتَلَمُوا الكعبةَ مِن الْبَابِ إلَى الْحَطِيمِ، وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَسْطَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

2055- وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ؟ قَالَ: لَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: وهذا يتعلق بدخول الكعبة، النبي ﷺ دخلها عام الفتح، وكبَّر في نواحيها كما قال ابن عباس، ودعا وصلَّى ركعتين كما في حديث ابن عمر، أمام الداخل بينه وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع، ولم يدخلها في عمرة القضاء، ولا في حجَّة الوداع، ولا في عمرة الجعرانة.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: أنه ﷺ تألم من ذلك، وخاف أن يشقَّ على أمته لما دخلها؛ لأنَّ دخولها قد يكون لزحام ومشقَّة، فلهذا ترك الدخول، ولما قالت له عائشةُ في حجة الوداع: يا رسول الله، أرأيتَ الصلاة في الكعبة؟ قال: صلِّي في الحجر؛ فإنه من البيت؛ دفعًا للمشقة، فالحجر من البيت، يعني معظمه أو أكثره.

وقول المؤلف: (والتَّبرك بها) إطلاق العبارة فيها نظر، المراد التَّبرك بالدعاء فيها والاستلام وطلب البركة من الله، ما هو منها هي، فعبارته فيها نظر، وفيها نقص؛ ولهذا لما قبَّل عمر  الحجر قال: "إني أعلم أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ النبي ﷺ يُقبلك ما قبَّلتُك".

فاستلام الحجر والركن اليماني، وكذلك مَن داخل الكعبة إذا وضع صدره عليه ويديه، كل ذلك يطلب البركة من الله؛ لأنها عبادة يُتقرب إلى الله بها، والبركة تُطلب من الله ، وإنما هذا الذي يفعله المسلم من باب التأسي والاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإذا دخلها كبَّر في نواحيها، أو وضع صدره عليها ودعا، كل ذلك من باب التأسي وطلب الفضل والبركة من الله عز وجل.

أما ما رُوي من حديث أنهم استلموا ظاهر الكعبة: فهو حديث في سنده ضعف، في الملتزم؛ لأنه من رواية يزيد بن زياد، وهو يضعف في الرواية، لكن لا بأس في الملتزم، فعله بعضُ الصحابة، فإذا التزم بين الركن والباب ودعا فلا حرج في ذلك، فعله مَن فعله من الصحابة كابن عباس وغيره، ولا حرج في ذلك.

س: الصلاة في مواطن الإبل؟

ج: لا يُصلَّى في مواطن الإبل، معاطن الإبل لا يُصلَّى فيها، الرسول نهى عن الصلاة في معاطن الإبل، يُصلَّى في مرابض الغنم.

س: حديث أسامة لما دخل وألصق صدره؟

ج: هذا الحديث لا بأس به في داخلها، أما في الظاهر فالحجر الأسود فقط واليماني فقط، أما الوقوف في الملتزم كما فعل بعضُ الصحابة.

س: وداخل الكعبة لا بأس به؟

ج: لا بأس به، أو في الملتزم كما فعل جماعةٌ من الصحابة.

س: لكن التَّبرك بالدعاء والصلاة فيها؟

ج: يطلب البركة من الله، ما هو منها هي.

س: بالدعاء والصلاة؟

ج: مثلما يستلم الحجر الأسود واليماني كذلك؛ لأن الله شرع ذلك، فله فيه الأجر العظيم، يعني يطلب البركة من الله بسبب الدعاء والعبادة.

س: الصحابة التصقوا بصدورهم أم بأيديهم؟

ج: هذا ضعيف، رواية الصحابة ضعيفة، إنما الثابت فعل النبي ﷺ من داخل الكعبة.

س: قول بعض الناس لبعض الناس: "هذا بركة" يصح هذا؟

ج: إذا حصلت له بركة من الله، إذا ربح في تجارةٍ أو نخلةٍ صارت ثمرةً طيبةً، كله من الله، البركة كلها من الله، وزمزم قال فيها أنها مُباركة.

بَابُ مَا جَاءَ فِي مَاءِ زَمْزَمَ

2056- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

2057- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَحْمِلُهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

2058- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَاءَ إلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَقَالَ: اسْقِنِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، قَالَ: اسْقِنِي، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْتَقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ يَعْنِي: عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَشَارَ إلَى عَاتِقِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

2059- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ: لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

2060- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، إنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ يُشْبِعُكَ أَشْبَعَكَ اللَّهُ بِهِ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِقَطْعِ ظَمَئِكَ قَطَعَهُ اللَّهُ، وَهِيَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، وَسُقْيَا الله إسْمَاعِيلَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث في ماء زمزم، وهو ماء مبارك، قال فيه النبيُّ ﷺ كما في "صحيح مسلم": إنها مباركة، وإنها طعام طعم، زاد أبو داود: وشفاء سقم، وجاءها ﷺ وشرب منها عليه الصلاة والسلام مما يشرب الناس، وقال: لولا أن أشقَّ على أمتي لنزعتُ معكم يعني خاف أن ينزع فكل الناس يقولون: ننزع، فتحصل مشقة، وترك ذلك، وأذن للسُّقاة أن يدعو المبيت في منًى لمصلحة الحجاج يسقونهم، فماء زمزم ماء مبارك.

أما حديث: ماء زمزم لما شُرِبَ له فهو جاء عن طرقٍ، وفيها ضعف، كلها لا تخلو من ضعفٍ، لكن يشهد له بالمعنى أنها مباركة، وأنها طعام طعم، وشفاء سقم، وما ذكر ابن عباس أيضًا شاهد لحديث جابر، وهو ماء مبارك، يُشرب لما جعل الله فيه من البركة، وكذلك التَّروش به، ولا بأس بالوضوء منه، والاستنجاء عند الحاجة، كل هذا لا بأس به، هو مبارك، ولا بأس أن يستنجي منه الإنسان، ولا بأس أن يتروش، ولا بأس أن يتوضأ، مثلما أنَّ الصحابة توضؤوا من الماء الذي نبع من بين أصابع النبي ﷺ، توضؤوا منه وهو ماء مبارك نبع من بين أصابعه، ومع هذا توضؤوا وشربوا وحملوا إلى أوعيتهم، فكونه مبارك لا يمنع من كونه يتوضأ به، ويُستنجى به، ويُغتسل به، لا مانع من ذلك، وهو مبارك.

س: قول رسول الله ﷺ لعمر: هنا تُسكب العبرات يا عمر؟

ج: جاء هذا، لكن ما أعرف حال سنده، ولا شكَّ أنها مواضع خشوع، ومواضع تقرب إلى الله، ومواضع بكاء عند الحجر، والصلاة في الكعبة، وفي الحجر، مواضع فيها الخشية، وفيها البكاء، وفيها الضراعة إلى الله جلَّ وعلا، أعظم موضع، وأفضل موضع، وأفضل بقعةٍ.

س: حديث: آية ما بيننا وبين المنافقين؟

ج: في سنده نظر، لكن لا شكَّ أن السنة شرب ماء زمزم مثلما فعله النبيُّ ﷺ.

س: شفاء سقم، وطعام طعم هذه مسلم أو لا؟

ج: طعام طعم في مسلم، و شفاء سقم في أبي داود بإسنادٍ جيدٍ.

س: أبو داود الطيالسي؟

ج: أبو داود صاحب "السنن".

س: مَن كره الاستنجاء والغسل من الجنابة وإزالة النَّجاسة بماء زمزم؟

ج: لا وجه له، لا يُكره، والحمد لله، ماء مبارك والحمد لله، من نعم الله، توضأ منه واستنجى وتروش لا بأس، ما قال ﷺ: لا تروشوا، ولا توضؤوا.

س: وحمل زمزم؟

ج: وحمل زمزم كما قالت عائشة لا بأس.

س: حديث ابن عباس: آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلَّعون من ماء زمزم؟

ج: في سنده نظر، يحتاج إلى مزيد تحقيقٍ، تابعته البارحة، في سنده نظر، لكن على كل حالٍ المنافقون مُتَّهمون بعدم قبول الشرع؛ لأنهم ضد الشرع، فالمسلمون هم الذين يتحرون ما جاءت به الشريعة، فلا شكَّ أن الشرب من زمزم واعتقاد ما فيها من البركة أمر مشروع كما فعله النبيُّ ﷺ، وكما فعله الصحابةُ ، وكما قال ﷺ: إنها مباركة.

س: لكن تقييده بالتَّضلع؟

ج: يعني الري، يُروى منها.

س: يعني كونه لا يتضلع أنَّ هذا من علامات المنافقين؟

ج: هذا محل نظر، يحتاج إلى جمع طرقه.

س: بيع ماء زمزم؟

ج: لا حرج، إذا قبضه لا حرج.

س: تفسير: ماء زمزم إذا شربته تستشفي به شفاك الله ..؟

ج: هذا إذا صحَّ الحديث: ماء زمزم لما شُرِبَ له، لكن يكفي العموم: أنها مباركة، وأنها طعام طعم، وشفاء سقم، يُرجى أن الله ينفعه بهذا الشيء بإذنه سبحانه، إذا شربه لمرض الحمى أو مرض بطنه أو غير ذلك يُرجى أن يكون دواءً للجميع؛ لقوله ﷺ: طعام طعم، وشفاء سقم عام، يرجو من الله ذلك، فهي لا تملك شيئًا، إنما يرجى من الله جعلها مباركة، مثلما تبرَّك الصحابةُ بوضوئه ﷺ وعرقه وشعره بما جعل الله فيه من البركة، والبركة من الله جلَّ وعلا.

س: الاغتسال من ماء زمزم لأنها ماء مبارك؟

ج: ما فيه بأس، الاغتسال منه والوضوء ما فيه بأس؛ أخذًا بالعموم: أنها مباركة.

بَابُ طَوَافِ الْوَدَاعِ

2061- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

وَفِي رِوَايَةٍ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَن الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2062- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَصْدُرَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ إذَا كَانَتْ قَدْ طَافَتْ فِي الْإِفَاضَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

2063- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، قَالَ: فَلْتَنْفِرْ إذَنْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على أنه يجب طواف الوداع إذا فرغ الحاجُّ من أعمال الحجِّ وأراد السفر، سواء كان أيام الحج أو بعدها، متى أراد السفر طاف الوداع سبعة أشواطٍ من دون سعيٍ عند الوداع، والنبي ﷺ لما فرغ من حجِّه وصلَّى الفجر في اليوم الرابع عشر لما فرغ من أعمال الحج دخل مكة آخر الليل، ليلة أربع عشرة، وطاف للوداع، ثم صلَّى الفجر، ثم سافر.

وقال ﷺ: لا ينفر أحدٌ منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت رواه مسلم.

وفي "الصحيحين" عن ابن عباسٍ قال: "أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض".

ولما قيل: إنَّ صفية قد حاضت، قال: أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: انفروا، فدل على سقوطه على الحائض والنُّفساء، وأنه يجب على الحاج أن يُودع البيت قبل أن يُسافر عند نهاية أعماله، إذا فرغ من كل شيءٍ يطوف للوداع سبعة أشواطٍ فقط، ويُصلي ركعتين، ثم يرتحل، وإن أخَّر طواف الإفاضة وطاف عند الخروج كفى عن الوداع، المقصود أن يكون آخر عهده بالبيت، هذا هو المشروع، وإذا أقام بعد طواف الوداع لصلاةٍ أو طعامٍ أو جمع زاد السفر أو ما أشبه ذلك فلا حرج، أو انتظار الرفقة، كل ذلك لا حرج فيه.

واختلف العلماء في العمرة: هل يجب لها الوداع أم لا؟

على قولين، والأظهر أنه لا يجب لها الوداع، ولكن إذا تيسر فحسن، وإلا لا يجب؛ لأنَّ الرسول ما أمر العُمَّار أن يُودِّعوا، والعمرة مشروعة في جميع الزمان، فقد يأتي الإنسان ويطوف ويسعى ويقصر ثم يخرج، فالمقصود أنَّ طواف الوداع واجب للحج، أما العمرة إن فعل فلا بأس، وإن ترك فلا بأس.

س: النوم بعده؟

ج: لا حرج، لو وقع ما يضرُّ، قد ينام الإنسانُ، قد يحتاج النوم.

س: ما يُسمَّى: "إقامة" النوم؟

ج: إقامة خفيفة، ودَّعه في أول الليل، والصباح سافر لا حرج إن شاء الله.

س: من كان مريضًا يُقاس على الحائض؟

ج: لا، ما في قياس، المريض يُطاف به، يُطاف بعربةٍ؛ لأنَّ الحائض ليست من أهل الصلاة، ولا من أهل الطواف، أما المريض فهو من أهل الصلاة، يُصلي قاعدًا أو قائمًا، ويطاف به كذلك.

س: لو خشي عليه ينفر به ما يستطيع، لا بحملٍ؟

ج: عليه فدية لترك الواجب، ومحتمل أن يسقط، لكن الأقرب والله أعلم أنه إذا شقَّ عليه أن يفدي عنه.

س: التَّسوق بعد الوداع؟

ج: لا حرج، إذا اشترى حاجات من السوق لا حرج إن شاء الله، الناس يُوادعون أهلهم ويشترون حاجاتهم وقد ودَّعوا أهليهم.

س: إذا طاف بعد الفجر ونام وصلَّى الظهر بمكة يصحُّ ذلك؟

ج: لا حرج إن شاء الله، كل هذا يُعتبر خفيفًا.

س: ما فعل بعضُ الناس من الذهاب إلى جدة والطائف في أثناء أيام منى، ثم الرجوع بالليل إلى البيت ما يضرُّ؟

ج: ما يضرُّ للحاجة، إذا كان للحاجة ما بعد جاء وقتُ الوداع كونه يسافر من منى إلى جدة أو الطائف لحاجات، حتى الرمي يكمل أعمال الحج لا بأس، ما عليه وداع في هذه الحالة، الوداع بعد انتهائه من أعمال الحجِّ.

س: ............؟

ج: حسن إن شاء الله، إذا فعله حسن، فيه خروج من الخلاف وزيادة خير، أفضل إذا تيسر.

بَابُ مَا يَقُولُ إذَا قَدِمَ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ

2064- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذا يدل على شرعية الذكر عند القفول من الغزو أو الحج أو العمرة، وهكذا غيرها من تجارةٍ أو غير ذلك، والسنة للقافل أن يُكثر من ذكر الله والتَّكبير عند صعود المرتفعات، ويُسبح عند انخفاضه بالأودية، وأن يقول: آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، كان النبيُّ ﷺ والصحابة يفعلون هذا، وكانوا إذا علوا رابيةً كبَّروا، وإذا نزلوا واديًا سبَّحوا، وكانوا يرفعون أصواتهم، فقال: اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.

فيُستحب للمُسافر في أي سفرٍ الإكثار من ذكر الله بالتكبير والتَّهليل عند صعود المرتفعات، والتسبيح عند نزول بطون الأودية، ويُكرر التكبير، ويُكرر الذكر، منها: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، وفي الرجوع يقول زيادة: "آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، فالإكثار من ذكر الله في جميع الأسفار، لكن عند الصعود يُكبر، يذكر الله، وعند النزول يُسبح تنزيهًا لله عن السفول؛ لأنَّ العلي القدير فوق خلقه ، فناسب عند النزول التَّسبيح، وعند الارتفاع التكبير؛ لأنه سبحانه فوق الجميع، فوق جميع الخلق، فوق العرش، فهو المستحق لأن يُكبر ويُعظم: الله أكبر الله أكبر، وعند النزول يُسبح ويُقدس؛ لتقدسه وتنزهه عن النزول في الأرض، وأن يكون في أسفل، والله سبحانه العالي فوق الخلق، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، إلى غير هذا من النصوص.

س: هل هو خاص بهذه الأسفار الثلاثة؟

ج: ما هو بخاصٍّ، لكن مثَّل بها لأنَّ هذه أسفار النبي ﷺ: إما حج، وإما عمرة، وإما جهاد، ما له أسفار أخرى.