02 من قوله: (فإن خف الضبط فالحسن لذاته)

فإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ؛ أي: قلَّ - يُقالُ: خَفَّ القومُ خُفوفًا: قَلُّوا -، والمُرادُ معَ بقيَّةِ الشُّروطِ  المُتقدِّمَةِ في حَدِّ الصَّحيحِ؛ فهُو الحَسَنُ لذاتِهِ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله.

يقول المؤلف - رحمه الله - الحافظ ابن حجر: إذا خف الضبط في بعض رواه الحديث؛ فإنه يسمى الحسن لذاته، وتقدم ... الحديث الصحيح سنده: خبر العدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ فهو الصحيح لذاته، هذا هو الصحيح لذاته نقل العدول، عدل عن عدل، متصل السند، غير معلل ولا شاذ، مع تمام الضبط لكل واحد، هذا هو الصحيح لذاته، كحديث عمر بن الخطاب: الأعمال بالنيات، وحديث عبدالله بن عمر: نهى عن بيع الولاء، وعن هبته بإسناد صحيح تام الشروط، وهو فرد، هذا يقال له الصحيح لذاته إذا كان الرواة عدولًا، ضبطهم تام معروفون بالضبط، والاتصال موجود، وليس له علة، ولا شذوذ يقال له الصحيح لذاته.

فإن خف الضبط يعني الشروط موجودة، متصل السند غير معلل، ولا شاذ، وعدول لكن ضبطهم دون الرواة في الحالة الأولى، فهذا يقال له الحسن لذاته، بدل الصحيح لذاته، ومثل لهذا مثل عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده، ومحمد بن إسحاق إذا صرح بالسماع ضبطه دون ضبط هؤلاء، دون غيرهم، دون ضبط الأعمش، وسفيان، ونافع، وأشباههم فيكون هؤلاء حديثهم من باب الحسن لذاته، مثل محمد بن سلمة عن ثابت عن أنس، وأشباه ذلك.

فهُو الحَسَنُ لذاتِهِ لا لِشيءٍ خارِجٍ، وهُو الَّذي يكونُ حُسْنُهُ بسببِ الاعْتِضادِ نحوُ حديثِ المَسْتُورِ إِذا تعَدَّدَتْ طُرُقُه.

وخَرَجَ باشْتِراطِ باقي الأوْصافِ الضَّعيفُ.

الشيخ: هذا يكون الحسن لغيره، إذا كان أحد الرواة مستورًا، وهو الذي مجهول الحال لكن تعددت طرقه، يقال له حسن لغيره، وإذا تعدد الحسن لذاته صار صحيحًا لغيره، فالأقسام أربعة:

صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره.

والصحيح لذاته ما تمت فيه الشروط المتقدمة من رواية العدل عن العدل، مع تمام الضبط، مع اتصال السند، غير معلل ولا شاذ، هذا هو الصحيح لذاته، فإن خف الضبط صار الحسن لذاته، فإن تعددت طرقه الحسن لذاته صار صحيحًا لغيره، فإن كان ليس بضابط بل مستور ليس معروفًا بالعدالة والضبط، لكن تعددت الطرق فهذا يقال له الحسن لغيره، المستورون لكن مع الاتصال، وعدم العلة فإذا كان طريقين فأكثر فيقال الحسن لغيره، ومثل بعضهم لهذا كالحافظ ابن حجر مثل بحديث مد اليدين في الدعاء أنك ترفع يديك في الدعاء، لما دعا مد يديه، وقال هذا من باب الحسن لغيره، ومثل ابن كثير - رحمه الله - بحديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه قال: إن له طرق فهو من باب الحسن لغيره.

س: .....؟

الشيخ: يكون الحسن لغيره إذا كان فيه مدلسا ولم يصرح بالسماع، وجاء من طريقين فأكثر يأتي في آخر البحث.

وهذا القِسْمُ مِنَ الحَسَنِ مُشارِكٌ للصَّحيحِ في الاحتِجاجِ بهِ، وإِنْ كانَ دُونَه، ومشابِهٌ لهُ في انْقِسامِه إِلى مراتِبَ بعضُها فوقَ بعضٍ.

الشيخ: نعم، مشارك للصحيح في الاحتجاج، وأنه درجات حسب قوة الضبط.

وبِكثْرَةِ طُرُقِهِ يُصَحَّحُ؛ وإِنَّما يُحْكَمُ لهُ بالصِّحَّةِ عندَ تعدُّدِ الطُّرُقِ.

 

الشيخ: هذا الصحيح لغيره، إذا كان من طريقين في رواته الحسن لذاته، في رواته من هو غير تام الضبط يكون صحيحًا لغيره مع وجود بقية الشروط من كونه عدلًا، متصل السند، غير معلل، ولا شاذ، يكون من باب الصحيح لغيره، إذا كان من طريقين في رواتهما من هو موصوف بأنه من رواه الحسن لذاته يعني غير تام الضبط.

لأنَّ للصُّورةِ المجموعةِ قُوَّةً تَجْبُرُ القَدْرَ الَّذي قَصَّرَ بهِ ضَبْطُ راوِي الحَسَنِ عن راوي الصَّحيحِ، ومِن ثم تُطلَقُ الصِّحَّةُ على الإِسنادِ الَّذي يكونُ حسنًا لذاتِه لو تفرَّدَ إِذا تَعَدَّدَ.

وهذا حيثُ ينفردُ الوصفُ.

فإِنْ جُمِعا؛ أي: الصَّحيحُ والحسنُ في وصفِ حديثٍ واحدٍ؛ كقولِ التِّرمذيِّ وغيرِه: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ؛ فللتَّرَدُّدِ الحاصلِ مِن المُجتهدِ في النَّاقِلِ؛ هل اجتَمَعَتْ فيهِ شُروطُ الصِّحَّةِ، أو قَصَّرَ عَنْها!

ومن حَيْثُ يَحْصُلُ منهُ التَّفرُّدُ بتلكَ الرِّوايةِ.

وعُرِف بهذا جوابُ مَن اسْتَشْكَلَ الجَمْعَ بينَ الوصفينِ، فقالَ: الحسنُ قاصرٌ عنِ الصَّحيحِ، ففي الجمعِ بينَ الوَصفَيْنِ إِثباتٌ لذلك القُصورِ، ونَفْيُه!

ومُحَصّلُ الجوابِ أَنَّ تردُّدَ أَئمَّةِ الحديثِ في حالِ ناقلِه اقْتَضى للمُجتهدِ أَنْ لا يصِفَهُ بأَحدِ الوَصفَينِ، فيُقالُ فيهِ: حسنٌ؛ باعتبارِ وصْفِه عندَ قومٍ، صحيحٌ باعتبارِ وصفِهِ عندَ قومٍ.

وغايةُ ما فيهِ أَنَّه حَذَفَ منهُ حرفَ التردُّدِ؛ لأنَّ حقَّهُ أَنْ يقولَ: حَسَنٌ، أو صحيحُ.

وهذا كما حَذَفَ حَرْفَ العَطفِ مِن الَّذي بَعْدَهُ.

الشيخ: وهذا يقوله الترمذي كثيرًا: حسن صحيح، هو يحمل على هذا أنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر، أو شك منه ... معنى أو، قال: حسن صحيح، حسن أو صحيح؛ لأنه شك هل تام الضبط أما ما تام الضبط؛ لأنه يقول في بعض الأحاديث ما له إلا طريق واحد، فيكون معناه الشك حسن، أو صحيح، أو إذا كان لها طرق فالمعنى أنه حسن لتعدد طرقه، صحيح لاشتماله على الشروط فهو حسن من جهة تعدد الطرق، صحيح من جهة لزوم الشروط.

وغايةُ ما فيهِ أَنَّه حَذَفَ منهُ حرفَ التردُّدِ؛ لأنَّ حقَّهُ أَنْ يقولَ: حَسَنٌ، أو صحيحُ.

وهذا كما حَذَفَ حَرْفَ العَطفِ مِن الَّذي بَعْدَهُ.

وعلى هذا؛ فما قيلَ فيهِ حَسَنٌ صحيحٌ؛ دونَ ما قيلَ فيهِ: صَحيحٌ؛ لأنَّ الجزمَ أَقوى مِن التَّردُّدِ، وهذا حيثُ التفرُّدُ.

وإِلاَّ؛ أَي: إِذا لم يَحْصُلِ التَّفرُّدُ؛ فإِطلاقُ الوَصفَيْنِ معًا على الحديثِ يكونُ باعْتِبارِ إِسنَادَيْنِ، أحدُهُما صحيحٌ، والآخرُ حسنٌ.

وعلى هذا؛ فما قيلَ فيهِ: حسنٌ صحيحٌ؛ فوقَ ما قيلَ فيهِ: صحيحٌ فقطْ إذا كانَ فَرْدًا؛ لأنَّ كثرةَ الطُّرقِ تُقَوِّي.

الشيخ: وهذا واضح، إذا كان له طريقان، قال: حسن صحيح، يعني حسن من طريق، وصحيح من طريق آخر، أقوى مما يقال فيه صحيح فقط، لأن الصحيح فقط هو الذي جاء بإسناد واحد، وما جاء بسندين أحدهما صحيح والآخر حسن يكون أقوى لأجل كثرة الطرق.

فإِنْ قيلَ: قدْ صَرَّحَ التِّرمِذيُّ بأَنَّ شَرْطَ الحَسَنِ أَنْ يُرْوى مِن غيرِ وجْهٍ، فكيفَ يقولُ في بعضِ الأحاديثِ: حسنٌ غَريبٌ لا نعرِفُه إِلاَّ مِن هذا الوجهِ؟

فالجوابُ: أَنَّ التِّرمذيَّ لم يُعَرِّفِ الحَسَنَ المُطْلَقَ، وإِنَّما عَرَّفَ بنوع خاصٍّ منهُ وقعَ في كتابِه، وهُو ما يقولُ فيهِ: «حسن» من غيرِ صفةٍ أُخرى، وذلك أَنَّهُ يقولُ في بعضِ الأحاديثِ: «حسنٌ»، وفي بعضِها: «صحيحٌ»، وفي بعضِها: «غريبٌ»، وفي بعضِها: «حسنٌ صحيحٌ»، وفي بعضِها: «حسنٌ غَريبٌ»، وفي بعضِها: «صحيحٌ غريبٌ»، وفي بعضِها: «حسنٌ صحيحٌ غريبٌ».

الشيخ: كل هذا واقع للترمذي رحمه الله، ولا يبين مراده بذلك، وإنما عرف شيئًا واحدًا، وهو ما رواه من طريقين فأكثر من غير وجه، وليس في رواته متهم بالكذب، وليس شاذًا فيسمى حسنًا.

س: .....؟

ج: هذا يكون تسامح من بعض الناس.

وتعريفُه إِنَّما وقعَ على الأوَّلِ فقطْ، وعبارتُه تُرشِدُ إِلى ذلك، حيثُ قال في آخِرِ كتابِه: وما قُلْنا في كتابِنا: «حديثٌ حسنٌ»؛ فإِنَّما أَرَدْنا بهِ حَسَنٌ إِسنادِهِ عندَنا، إِذْ كُلُّ حديثٍ يُرْوي لا يكونُ راويهِ مُتَّهَمًا بكَذِبٍ، ويُروي مِن غيرِ وجْهٍ نحو ذلك، ولا يكونُ شاذًّا؛ فهو عندَنا حديثٌ حسنٌ.

الشيخ: يعني هذه الشروط الثلاثة من غير وجه، ولا يكون الراوي متهمًا بالكذب، ولا شاذًا هذا يسمى حسنًا، ما هو معناه الحسن لغيره، الذي هو القسم الرابع، هذا الذي عرفه، أما ما يقوله: حسن صحيح، أو حسن غريب، أو صحيح غريب هذا ما عرفه، يعرف من أدلة أخرى.

فعُرِف بهذا أَنَّهُ إِنَّما عَرَّفَ الَّذي يقولُ فيه: «حَسنٌ» فقطْ، أَمَّا ما يقولُ فيهِ: «حسنٌ صحيحٌ»، أو: «حسنٌ غريبٌ»، أو: «حسنٌ صحيحٌ غريبٌ»؛ فلم يُعَرِّجْ على تعريفِه؛ كما لم يُعَرِّجْ على تعريفِ ما يقولُ فيهِ: «صحيحٌ» فقط، أو: «غريبٌ» فقط.

وكأنَّهُ تَرَكَ ذلك اسْتِغناءً بشُهرَتِه عندَ أَهلِ الفنِّ، واقْتصرَ على تعريفِ ما يقولُ فيهِ في كتابهِ: «حسنٌ» فقط؛ إِمَّا لغُموضِهِ، وإِمَّا لأنَّهُ اصطِلاحٌ جديدٌ، ولذلك قيَّدَهُ بقولِه: «عندنا»، ولم ينْسِبْهُ إِلى أَهلِ الحديثِ كما فعل الخَطَّابيُّ.

وبهذا التَّقريرِ يندفعُ كثيرٌ مِن الإِيراداتِ التي طالَ البحثُ فيها، ولمْ يُسْفِرْ وجْهُ توجيهِها، فللهِ الحمدُ على ما أَلهَم، وعَلَّمَ.

وزِيادةُ راويهِما؛ أي: الصَّحيحِ، والحَسنِ؛ مقبولةٌ؛ مَا لمْ تَقَعْ مُنافِيَةً لِروايةِ مَنْ هُو أَوْثَقُ ممَّن لم يَذْكُرْ تلك الزِّيادةِ.

لأنَّ الزِّيادةَ: إِمَّا أَنْ تكونَ لا تَنافِيَ بينَها وبينَ روايةِ مَن لم يَذْكُرْها؛ فهذه تُقْبَلُ مُطْلقًا؛ لأنَّها في حُكْمِ الحديثِ المُستقلِّ الذي ينفرِدُ بهِ الثِّقةُ، ولا يَرويه عن شيخِهِ غيرُه.

الشيخ: زيادة راويهما يعني راوي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، منافية يعني لا .... معه، أما إذا كانت لا تنافي فهي مقبولة، فإذا روى الثقة عن النبي ﷺ حديثًا، ثم رواه آخر وزاد عليه جملة أمره الله بها، أو نهى عنها فلا بأس، ما تكون منافية، فمن روى عن النبي ﷺ أنه نهى عن صيام يوم العيدين، عيد الفطر، وعيد الأضحى، وآخر روى مع ذلك كأبي سعيد النهي عن جلستين، وعن بيعتين، لا ينافي هذا، فهذا شيء وهذا شيء، كذلك ... كأن يروي أحدهما: أن الرسول ﷺ لعن شارب الخمر، ويروي الثاني: لعن شارب الخمر وآكل الربا، يجمعهم لا منافاة، والآخر يروي أن الرسول ﷺ أذن في لحوم الخيل، والآخر روى أذن في لحوم الخيل وحرم لحوم الحمر، لا منافاة، هذا شيء وهذا شيء، المقصود أن الزيادة التي لا تنافي تقبل ...

أما إذا نافت، ولم تجتمع مع من هو أوثق فإنها تكون شاذة ما تقبل، كأن يروي الثقة مثل نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ أمر بكذا، أو فعل كذا، ويأتي آخر أضعف من نافع كعطاء يروي عن النبي ﷺ نهى عن الذي روى نافع أنه أمر به، فهذه لا تقبل، هذه تكون رواية شاذة مخالفة للأوثق، لأنه ما يجتمعان هذا أمر، وهذا نهي.

.....

س: الإسناد، زيادة إسناد واحد، أم بأسانيد مختلفة؟

ج: بإسناد واحد، أو بإسنادين كله واحد.

س: دخلت عشرة، أو ثمانية، أو ستة؟

ج: المقصود إذا كانوا أوثق منه، إذا كان مجموع الرواية ...

س: إذا خالف الثقة الثقات، وليسوا أوثق؟

ج: يطلب الترجيح من طرق أخرى، إما الأوثق، أو هذا صرح بالسماع، وهذا ما صرح بالسماع، أو هذا له شواهد، وهذا ما له شواهد، يرجح من طريق آخر.

س: حديث ابن عباس لا يرقون هل ؟

ج: إيه لأن الرسول ﷺ رقى ...، ولهذا قال شيخ ... أنها باطلة، الرسول ﷺ رقى أصحابه، يفعل المكروه؟ النبي ﷺ رقى أصحابه ... الرقية، وقال: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا ...

وإِمَّا أَنْ تكونَ مُنافِيةً بحيثُ يلزمُ مِن قبولِها رَدُّ الرِّوايةِ الأخرى، فهذه التي يَقَعُ التَّرجيحُ بينها، وبينَ معارِضِها فيُقْبَلُ الرَّاجحُ ويُرَدُّ المرجوحُ.

واشْتُهِرَ عَنْ جَمْعٍ مِن العُلماءِ القَوْلُ بقَبولِ الزِّيادةِ مُطْلقًا مِن غيرِ تفصيلٍ، ولا يَتَأَتَّى ذلك على طريقِ المُحَدِّثينَ الَّذينَ يشتَرِطونَ في الصَّحيحِ أَنْ لا يكونَ شاذًّا، ثم يفسِّرونَ الشُّذوذَ بمُخالَفةِ الثِّقةِ مَن هو أَوثقُ منهُ.

الشيخ: وهذا تساهل، إطلاق الزيادة المقبولة تساهل، لا بدّ من تقييد زيادة مقبولة ما لم تكن منافية لمن هو أوثق، وما لم تكن أيضًا مخالفة لمن هو أوثق، فإن كانت منافية ردت، وإن كانت مخالفة ردت.

سؤال: إذا سكت الأكثر، وزاد هذا؟

الشيخ: هذه زيادة، ما تسمى مخالفة، المقصود ما يجتمعان.

س: .....؟

الشيخ: لأنها مخالفة لحديث عائشة، وحديث أبي حميد كلهم ذكروا أنه يتورك في الأخيرة، ويفترش في الوسطى، ما يجعل رجله الكعب بينهما، بل يفترش، وهذا مخالف ما رواه ... عن ابن الزبير غلط من بعض الرواة.

س: .....؟

ج: لا، لا مؤدية، ما هي مستقيمة ... تأتوا لي تبرع ... تؤذيه.

والعَجَبُ مِمَّنْ أَغفلَ ذلك منهُم معَ اعْتِرافِه باشْتِراطِ انْتفاءِ الشُّذوذِ في حدِّ الحديثِ الصَّحيحِ، وكذا الحَسنِ.

الشيخ: وبعض الناس قد يتكلم، ويجهل عن بعض الشروط، وقد تقدم أن من شرط الصحيح أن لا يكون شاذًا، وأن لا يكون معلولًا فإذا شذ خرج عن مرتبة الصحيح.

والمَنقولُ عن أَئمَّةِ الحَديثِ المُتَقَدِّمينَ كعبدالرحمنِ بنِ مَهْدي، ويحيى القَطَّانِ، وأَحمدَ بنِ حنبلٍ، ويحيى بنِ مَعينٍ، وعليِّ بنِ المَدينيِّ، والبُخاريِّ، وأَبي زُرْعةَ، وأَبي حاتمٍ، والنَّسائيِّ، والدَّارقطنيِّ، وغيرِهم - رحمهم الله - اعتبارُ التَّرجيحِ فيما يتعلَّقُ بالزِّيادةِ وغيرها، ولا يُعْرَفُ عن أَحدٍ منهُم إِطلاقُ قَبولِ الزِّيادةِ.

وأَعْجَبُ مِن ذلك إِطلاقُ كثيرٍ مِن الشَّافعيَّةِ القَوْلَ بقَبولِ زِيادةِ الثِّقةِ، معَ أَنَّ نصَّ الشافعيِّ يدلُّ على غيرِ ذلك؛ فإِنَّهُ قالَ في أَثناءِ كلامِه على ما يُعْتَبَرُ بهِ حالُ الرَّاوي في الضَّبْطِ ما نَصُّهُ: «ويكونُ إِذا أشْرَك أَحدًا مِن الحُفَّاظِ لم يُخالِفْهُ، فإِنْ خالَفَهُ فوُجِدَ حديثُهُ أَنْقَصَ كانَ في ذلك دليلٌ على صحَّةِ مَخْرَجِ حديثِهِ، ومتى خالَفَ ما وصَفْتُ أَضرَّ ذلك بحديثِهِ» انتهى كلامه.

ومُقتَضاهُ أَنَّهُ إِذا خَالَفَ فوُجِدَ حديثُهُ أَزْيَدَ أَضرَّ ذلك بحديثِه، فدلَّ على أَنَّ زيادةَ العَدْلِ عندَه لا يلزَمُ قَبولُها مُطْلقًا، وإِنَّما تُقْبَلُ مِن الحافِظِ؛ فإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يكونَ حديثُ هذا المُخالِفِ أَنْقَصَ مِن حديثِ مَن خالَفَهُ مِن الحُفَّاظِ، وجَعَلَ نُقصانَ هذا الرَّاوي مِن الحديثِ دليلًا على صحَّتِه؛ لأنَّه لا يَدُلُّ على تَحَرِّيهِ، وجَعَلَ ما عَدا ذلك مُضِرًّا بحديثِه، فدَخَلَتْ فيهِ الزِّيادةُ، فلو كانتْ عندَه مقبولةً مُطْلقًا؛ لم تكنْ مُضِرَّةً بحديثِ صاحِبِها، واللهُ أَعلمُ.

فإِنْ خُولِفَ - أي الراوي - بأرْجَحَ منهُ؛ لمزيدِ ضَبْطٍ أَوْ كثرةِ عدَدٍ، أو غيرِ ذلك مِن، وجوهِ التَّرجيحاتِ؛ فالرَّاجِحُ يقالُ لهُ: المَحْفوظُ، ومُقابِلُهُ - وهو المرجوحُ - يُقالُ لهُ: الشَّاذُّ.

مثالُ ذلك: ما رواهُ التِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ وابنُ ماجه مِن طريقِ ابنِ عُيَيْنَةَ عن عَمْرو بنِ دينارٍ عن عَوْسَجة، عن ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما -: «أَنَّ رجُلًا تُوُفِّي في عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، ولم يَدَعْ وارِثًا إِلاَّ مولىً هو أَعتقَهُ ...» الحديثَ.

وتابَعَ ابنَ عُيَيْنَةَ على وصْلِهِ ابنُ جُريجٍ، وغيرُه.

وخالفَهُم حمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فرواهُ عَنْ عَمْرو بنِ دينارٍ عَن عَوْسَجَةَ، ولم يَذْكُرِ ابنَ عباسٍ.

قال أبو حاتمٍ: المَحفوظُ حديثُ ابنِ عُيَيْنَةَ. انتهى كلامُه.

فحمَّادُ بنُ زيدٍ مِن أَهلِ العدالةِ والضَّبطِ، ومعَ ذلك رجَّحَ أبو حاتمٍ روايةَ مَن هُم أَكثرُ عددًا منهُ.

وعُرِفَ مِن هذا التَّقريرِ أَنَّ الشَّاذَّ: ما رواهُ المقْبولُ مُخالِفًا لِمَنْ هُو أَوْلَى مِنهُ.

وهذا هُو المُعْتَمَدُ في تعريفِ الشاذِّ بحَسَبِ الاصْطِلاحِ.

الشيخ: إذا خالف الثقة من هو أوثق منه فهذا هو الشاذ، ولهذا لما روى ابن عيينة ومن معه وصل الحديث - حديث ابن عباس - قدمه الأئمة على إرسال حماد؛ لأن العدد إذا كانوا ثقات أوثق من الواحد، وعندهم زيادة فتقبل.

وَإِنْ وقَعَتِ المُخالفةُ لهُ معَ الضَّعْفِ؛ فالرَّاجِحُ يُقالُ لهُ: المَعْروفُ، ومُقابِلُهُ يُقالُ لهُ: المُنْكَرُ.

مثالُه: ما رواهُ ابنُ أَبي حاتمٍ مِن طريقِ حُبَيِّبِ بنِ حَبيبٍ - وهو أَخو حَمزَةَ بنِ حَبيبٍ الزَّيَّاتِ المُقرئِ - عن أَبي إِسحاقَ عن العَيْزارِ بنِ حُريثٍ عن ابنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ قالَ: مَن أَقامَ الصَّلاةَ، وآتى الزَّكاةَ، وحَجَّ البيتَ، وصامَ، وقَرَى الضَّيْفَ؛ دَخَلَ الجنَّةَ.

قالَ أَبو حاتمٍ: هُو مُنْكَرٌ؛ لأَنَّ غيرَه مِن الثِّقاتِ رواهُ عن أَبي إِسحاقَ مَوقوفًا، وهُو المَعروفُ.

وعُرِفَ بهذا أَنَّ بينَ الشَّاذِّ والمُنْكَرِ عُمومًا، وخُصوصًا مِن وجْهٍ؛ لأنَّ بينَهُما اجْتِماعًا في اشْتِراطِ المُخالفَةِ، وافْتراقًا في أَنَّ الشَّاذَّ راويهِ ثقةٌ، أو صدوقٌ، والمُنْكَرَ رَاويهِ ضعيفٌ.

وقد غَفَلَ مَن سَوَّى بينَهُما، واللهُ أَعلمُ.

الشيخ: يعني ما كان المخالف ضعيفًا تسمى روايته منكرة، وإذا كان المخالف ثقة لمن هو أوثق يسمى شاذًا، فاجتمعا في المخالفة، وافترقا في التسمية، إذا كان المخالف ثقة لمن هو أوثق يسمى شاذًا، وإذا كان المخالف ضعيفًا سميت روايته منكرة، ورواية من وصل أو زاد هي المعروفة، ولهذا قال: ومع الضعف فالراجح المعروف، ومقابله المنكر.

أما إذا كان السند جيدًا، والراوي ثقة، ولكنه خالفه منه هو أوثق؛ فيسمى المخالف شاذًا، والعمدة على المخالف.

والْفَرْدُ النِّسْبِيُّ: إِنْ وافَقَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ الْمُتَابِعُ.

وَإِنْ وجِدَ مَتْنٌ يُشْبِهُهُ فَهُوَ الشَّاهِدُ.

وَتَتَبُّعُ الطُّرُقِ لِذَلِكَ هُوَ الِاعْتِبَارُ.

ثم الْمَقْبُولُ: إِنْ سَلِمَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ فَهُوَ الْمُحْكَمُ، وإِنْ عُورِضَ بِمِثْلِهِ: فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَمُخْتَلِفُ الْحَدِيثِ.

أَوْ لَا، وثَبَتَ الْمُتَأَخِّرُ فَهُوَ النَّاسِخُ، والْآخَرُ الْمَنْسُوخُ.

وَإِلَّا فَالتَّرْجِيحُ، ثم التَّوَقُّفُ.

الشيخ: هذه بحث في الفرد النسبي والمقبول، هذا بحث مهم عظيم يشرحه المؤلف، الفرد النسبي الذي يكون فردًا بالنسبة إلى شيخ من الشيوخ كمالك، أو شعبة، أو ما أشبه ذلك، فإذا وافقه غيره يسمى متابعًا، فإذا كان من طريق صحابي آخر يسمى شاهدًا، فالحديث الذي مثلًا يرويه عمر عن النبي ﷺ، ويكون له طرق ترجع إلى مالك، ثم يأتي آخر فيرويه عن غير مالك يكون هذا متابع، فإن جاء آخر يروي متن الحديث عن غير عمر عن ابن عمر، أو عن أبي سعيد، أو غيره فهذا يسمى شاهدًا شاهدًا للحديث.

وَما تقدَّم ذِكرُه مِن الفَرْدِ النِّسْبِيِّ؛ إِنْ وجِدَ - بعدَ ظَنِّ كونِه فَرْدًا - قد وافَقَهُ غيرُهُ؛ فهُو المُتابِعُ؛ بكسرِ الباءِ الموحَّدةِ.

والمُتابَعَةُ على مراتِبَ: لأنَّها إِنْ حَصَلَتْ للرَّاوي نفسِهِ؛ فهِي التَّامَّةُ.

وإِنْ حَصَلَتْ لشيخِهِ فمَنْ فوقَهُ؛ فهِيَ القاصِرةُ.

ويُستفادُ منها التَّقويةُ.

مِثالُ المُتابعةِ: ما رواهُ الشَّافعيُّ في «الأمِّ» عن مالِكٍ عن عبداللهِ بنِ دينارٍ عن ابنِ عُمرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رسولَ الله ﷺ قالَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشرون، فلا تَصوموا حتَّى تَروُا الهِلالَ، ولا تُفْطِروا حتَّى تَرَوْهُ، فإِنْ غُمَّ عليكم؛ فأَكْمِلوا العِدَّةَ ثلاثينَ.

فهذا الحديثُ بهذا اللَّفظِ ظَنَّ قومٌ أَنَّ الشافعيَّ تفرَّدَ بهِ عن مالِكٍ، فعَدُّوهُ في غرائِبِه؛ لأنَّ أَصحابَ مالِكٍ روَوْهُ عنهُ بهذا الإِسنادِ، وبلفظِ: فإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ فاقْدُروا لهُ.

لكِنْ وجَدْنا للشَّافعيَّ مُتابِعًا، وهو عبداللهِ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، كذلك أَخرجَهُ البُخاريُّ عنهُ عن مالكٍ.

فهَذهِ متابَعةٌ تامَّةٌ.

الشيخ: لأن عبدالله بن مسلمة رواه عن مالك نفسه كما رواه عنه الشافعي، فصارت متابعة تامة، وقويت رواية الشافعي، وأنه لم ينفرد بها.

ووَجَدْنا لهُ أَيضًا مُتابَعَةً قاصرةً في «صحيحِ ابنِ خُزَيْمةَ» مِن روايةِ عاصمِ بنِ محمَّدٍ عن أبيهِ محمَّدِ بنِ زيدٍ عن جدِّهِ عبداللهِ بنِ عُمرَ - رضي الله عنهما - بلفظِ: فكَمِّلوا ثلاثينَ.

وفي «صحيحِ مسلمٍ» من روايةِ عُبيدِاللهِ بنِ عُمرَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ - رضي الله عنهما - بلفظ: فاقْدُروا ثلاثينَ.

الشيخ: يعني متابعة قاصرة؛ لأنها ليست متابعة للشافعي، وإنما متابعة لشيخه مالك، والمهم في هذا هو المتابع ثقة، هذا هو أهم شيء حتى يقوى السند وتقوى الرواية، أما متابعة الضعيف فهذه أمرها سهل، لكن يستفيد العلماء من هذا إذا كان المتابع ثقة صار الحديث له طريقان، طريق من طريق فلان، وطريق فلان، فيكون ذلك أقوى وأثبت، وقد يكون له ثلاثة طرق متابعان آخران، قد يكون له متابع ثلاث، والطرق أربعة، وهكذا.

س: .....؟

ج: القاصرة، تقوي الحديث نفسه، تقوي الحديث لا لشيخ معين، بل لقوة الحديث نفسه.

ولا اقْتِصارَ في هذه المُتابعةِ - سواءٌ كانتْ تامَّةً أَم قاصرةً - على اللَّفْظِ، بل لو جاءَتْ بالمعنى؛ لكَفَتْ لكنَّها مختَصَّةٌ بكونِها مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ.

الشيخ: يعني المتابعة تارة تكون باللفظ، وتارة بالمعنى، المتابعة إذا جاءت - ولو بالمعنى - قوت الرواية، فمثلًا حديث: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، ثم يأتي رواية أخرى فيها التفصيل وزيادة: فإن غم عليكم فأكملوا العدة فهذه زيادة تكمل المعنى، وتدل على المعنى، وأن الواجب إكمال العدد، أو رواية يقول: البيعان بالخيار، وتأتي رواية تدل على المعنى لكن ليس بلفظ الخيار، وهكذا إذا جاء المعنى فقط تكون متابعة للمعنى، والعمدة على المعنى.

سؤال إذا كانت الزيادة بالمعنى تكون مقبولة؟

الشيخ: نعم على حسب الرواة، إذا كان من طريق الثقات قبلت.

وإِنْ وجِدَ مَتْنٌ يُروى مِن حديثِ صحابيٍّ آخَرَ يُشْبِهُهُ في اللَّفظِ والمعنى، أو في المعنى فقطْ؛ فهُو الشَّاهِدُ.

ومثالُه في الحديثِ الَّذي قدَّمناهُ، ما رواهُ النَّسائيُّ مِن روايةِ محمَّدِ بنِ حُنَينٍ عن ابن عبَّاسِ - رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ، فذَكَرَ مثلَ حديثِ عبداللهِ بنِ دينارٍ عنِ ابنِ عُمرَ - رضي الله عنهما - سواءً.

فهذا باللَّفظِ.

الشيخ: وهذا يسمى شاهدًا؛ لأنه قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فصار شاهدًا من طريق صحابي آخر، وهو ابن عباس، وذاك الأول من طريق ابن عمر فسمى شاهدًا.

وأَمَّا بالمَعْنى؛ فهو ما رواهُ البُخاريُّ مِن روايةِ محمَّدِ بنِ زيادٍ عن أَبي هُريرةَ بلفظ: فإِنْ غُمَّ عليكُمْ فأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثلاثينَ.

الشيخ: لأن هذا صريح، عدة شعبان، قال: فأكملوا العدة فأطلق ... فصرح بالمعنى، وأنه أمر بالعدة يعني عدة شعبان، وهكذا في رمضان، إن صاموا ثم غم عليهم ليلة ثلاثين من رمضان، وجب عليهم الإكمال، أن يكمل رمضان ثلاثين إلا أن يرى الهلال.

وخَصَّ قومٌ المُتابعةَ بما حَصَلَ باللَّفظِ، سواءً كانَ مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ أَم لا، والشاهدَ بما حصلَ بالمَعنى كذلك.

الشيخ: والصواب الأول، المتابع ما كان في حديث واحد، والشاهد ما كان من طريق صحابي آخر.

وقد تُطْلَقُ المُتابعةُ على الشَّاهدِ، وبالعكسِ، والأمرُ فيهِ سَهْلٌ.

الشيخ: يعني قد يتسامحون، فيقال في الشاهد: متابع، ويقال في المتابع: شاهد، قد يتسامح الراوي، والشيخ في هذا، لكن عند التحقيق المتابع هو الذي يتابع الراوي في حديث واحد، والشاهد هو الذي يتابعه في المعنى من طريق صحابي آخر.

وَاعْلمْ أَنَّ تَتَبُّعَ الطُّرُقِ مِن الجوامعِ، والمسانيدِ، والأجزاءِ لذلك الحديثِ الذي يُظنُّ أَنَّه فردٌ لِيُعْلَمَ هلْ لهُ متابِعٌ أَم لا هُو: الاعتبارُ.

الشيخ: يعني كون الراوي يتتبع الحديث، هذا يسمى الاعتبار، كونه يفتش عن ... أو للشواهد يسمى الاعتبار تتبع الطرق، ينظر البخاري، ينظر مسلم، ينظر الإسناد، ينظر ابن خزيمة، ينظر المسند، يلتمس هل له شاهد عن صحابي آخر، فهذا يسمى التتبع، ويسمى الاعتبار.

وقولُ ابنِ الصَّلاحِ: «معرفةُ الاعتبارِ، والمتابعاتِ، والشَّواهِدِ» قد يوهِمُ أَنَّ الاعتبارَ قَسيمٌ لهُما، وليسَ كذلك، بل هُو هيئةُ التوصُّلِ إِليهِما.

الشيخ: مثل ما قال المؤلف، تسامح في المصطلح، حيث الاعتبار متابعة الشواهد ... قد يوهم أنه غيرهما، فالتحقيق أن المراد بالاعتبار هو التتبع، وليس قسمًا مستقلًا، وهو الهيئة، والطريق إلى معرفة الشواهد والمتابعات يسمى اعتبارًا، ويسمى تتبعًا للطرق، ويسمى اعتبارًا لهذا الحديث هل له شاهد أم لا.

سؤال: إذا قيل فلان يعتبر الحديث، يعني يصلح للشواهد؟

الشيخ: على المعنى الآخر، هذا معنى آخر، أهل للاحتجاج أم الذي يعتبر يعني ما يكون عمدة، ولكن يعتبر بالشواهد والمقويات، ولا يكون عمدة، في بعض الناس إذا أخبر الثقة تطمئن، وبعض الناس تكون شاكك، ينظر في أمره، هل يوجد من يقويه، هل يوجد ما يشهد بكلامه، يكون العمدة، لأن ما ... يتساهل.

وَجَميعُ ما تقدَّمَ مِن أَقسامِ المَقبولِ تَحْصُلُ فائدةُ تقسيمِهِ باعتبارِ مَراتِبِهِ عندَ المُعارضةِ، واللهُ أَعلمُ.

الشيخ: نعم إنما يحتاج إلى هذا عند المعارضة حتى يعرف أيهما أقوى، وأيهما أثبت، عند التعارض ينظر في هذا حتى يعرف الصحيح من الضعيف، والمحفوظ من الشاذ، والمنسوخ من الناسخ، حتى يتميز لطالب العلم منزلة الحديث عند المعارضات.

ثمَّ المَقبولُ ينقسِمُ أَيضًا إلى مَعمولٍ بهِ، وغيرِ مَعْمولٍ بهِ؛ لأنَّهُ إِنْ سَلِمَ مِنَ المُعارَضَةِ؛ أَي: لم يَأْتِ خبرٌ يُضادُّهُ، فهُوَ المُحْكَمُ، وأَمثلتُه كثيرةٌ.

وإِنْ عُورِضَ؛ فلا يَخْلو إِمَّا أَنْ يكونَ مُعارِضُةُ مقبولًا مثلَه، أو يكونَ مَردودًا، فالثَّاني لا أَثرَ لهُ؛ لأنَّ القويَّ لا تُؤثِّرُ فيهِ مُخالفةُ الضَّعيفِ.

وإِنْ كانتِ المُعارضةُ بِمِثْلِهِ فلا يخلو إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ الجَمْعُ بين مدلولَيْهِما بغيرِ تَعَسُّفٍ، أو لاَ، فإِنْ أَمْكَنَ الجَمْعُ؛ فهو النَّوعُ المُسمَّى مُخْتَلِفَ الحَديثِ، ومثَّلَ لهُ ابنُ الصَّلاحِ بحديثِ: لا عَدْوى، ولا طِيَرَةَ، ولا هامَّةَ، ولا صَفَر، ولا غُول مع حديث: فِرَّ مِنَ المَجذومِ فِرارَكَ مِن الأسَدِ.

وكلاهُما في الصَّحيحِ، وظاهِرُهما التَّعارُضُ‍!

ووجْهُ الجمعِ بينَهُما أَنَّ هذهِ الأمراضَ لا تُعْدي بطبْعِها، لكنَّ الله جَعَلَ مُخالطةَ المريضِ بها للصَّحيحِ سببًا لإعدائِهِ مَرَضَه.

ثمَّ قد يتخلَّفُ ذلك عن سبَبِه كما في غيرِهِ من الأسبابِ، كذا جَمَعَ بينَهما ابنُ الصَّلاحِ تَبعًا لغيرِه.

والأَوْلى في الجَمْعِ بينَهُما أَنْ يُقالَ: إِنَّ نَفْيَهُ ﷺ للعَدوى باقٍ على عُمومِهِ، وقد صحَّ قوله ﷺ: لا يُعْدِى شيءٌ شيئًا، وقولُه ﷺ لِمَن عارَضَهُ بأَنَّ البَعيرَ الأجْرَبَ يكونُ في الإِبلِ الصَّحيحةِ، فيُخالِطُها، فتَجْرَبُ، حيثُ ردَّ عليهِ بقولِه: فمَنْ أَعْدى الأوَّلَ؟؛ يعني: أَنَّ الله ابتَدَأَ ذلك في الثَّاني كما ابْتَدَأَ في الأوَّلِ.

وأَمَّا الأمرُ بالفِرارِ مِن المَجْذومِ فمِن بابِ سدِّ الذَّرائعِ؛ لئلاَّ يَتَّفِقَ للشَّخْصِ الذي يخُالِطُه شيءٌ مِن ذلك بتقديرِ اللهِ تعالى ابتداءً لا بالعَدْوى المَنْفِيَّة، فيَظُنَّ أَنَّ ذلك بسببِ مُخالطتِه فيعتقدَ صِحَّةَ العَدْوى، فيقعَ في الحَرَجِ، فأَمَرَ بتجنُّبِه حسْمًا للمادَّةِ، والله أعلم.

وقد صنَّفَ في هذا النَّوعِ الإِمامُ الشافعيُّ كتابَ «اختِلافِ الحديثِ»، لكنَّهُ لم يَقْصِدِ استيعابَه.

وقد صنَّفَ فيهِ بعدَهُ ابنُ قُتيبةَ، والطَّحاويُّ، وغيرُهما.

الشيخ: وهذا البحث بحث مهم، المقبول من الأحاديث يعني الذي ثبت سنده فهو مقبول يحتج به، له أقسام: تارة يكون محكمًا، وتارة يكون غير ذلك، وتارة يكون منسوخًا، وتارة يكون ناسخًا، وتارة يحصل التوقف على حسب أحوال المتون، والأسانيد.

فالمقبول الذي ثبت سنده يحتج به من سلم من المعارضة، ولا مشكلة، ولو كان المعارض ضعيفًا فلا يلتفت إليه يطرح الضعيف، ويسمى الحديث محكمًا إذا لم يعرف بشيء يؤثر عليه مثل: الأعمال بالنيات، وحديث: البيعان بالخيار، وأحاديث كثيرة كلها محكمة، وتارة يعارض بمثله، تارة يعارض بسند قوي، فهذا فيه تفصيل: إن كان أمكن الجمع ... مختلف الحديث، ويجمع بينهما بما يراه أهل العلم كأن يحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص ... وهذا كثير، فإذا وجد حديثان متعارضان مثل حديث: لا عدوى، ولا طيرة، وحديث: فر من المجذوم ... كما مثل المؤلف، فالجمع بينهما ممكن، وليس هناك نفي بأن يحمل العدوى والطيرة، يعني لا ...، ولكن الله قد يجعل للخلطة سببًا كما قال ابن الصلاح وغيره، وهذا أرجح، قد يكون سببًا، فإنه قال: لا عدوى لا تعدي بطبعها، وقال: فر من المجذوم يعني لا تعطى الأسباب، قال ﷺ: لا يورد ممرض على مصح يعني لا يورد صاحب الأمراض على الصحاح؛ لئلا تكون سببًا، وقوله: من أعدى الأول؟ هذا يدل على أنها لا تعدي بطبعها، بل الله قد يجعل ذلك سببًا، قد يكون اختلاط الإبل الصحيحة مع الجرباء سببًا، قد يكون اختلاط الإنسان السليم مع المجذوم سببًا، ولكن ليس بذاتها؛ ولهذا في بعض الروايات أنه ﷺ أخذ بيد المجذوم، وقال: كل بسم الله ثقة بالله فالعدوى ليست لازمة، ولكن أمر الرسول ﷺ بالأسباب، والبعد عن مخالطة الأشياء التي جرت العادة بأنها قد تعدي، فيبتعد الإنسان عنها أخذًا بالأسباب، وبعدًا عن الخطر، هذا هو الجمع بينهما إبطال العدوى لأنها لا تؤذي بطبعها لا عدوى، ولا طيرة، وفر من المجذوم، ولا يورد ممرض على مصح من باب توقي الأسباب الضارة والأخذ بالأسباب النافعة، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة في الجمع بين النصوص، فما أطلقه المقيد، ... الخاص، هذا كثير من النصوص يقع كأحاديث النهي عن المرور بين يدي المصلي، وبيان أنه لا يقطع الصلاة إلا المرأة، والحمار، والكلب الأسود، وأما سواها فلا يقطع، وأحاديث كثيرة فيها الإطلاق مثل: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة القرآن، ومن لم يدرك إلا الركوع حديث أبي بكرة قال: زادك الله حرصًا، ولا تعد ولم يأمره بالقضاء، دل على أنه لا صلاة إلا لمن أدرك الركعة، أمكنه، أما المأموم إذا ما أمكنه صحت صلاته جمعًا بين النصين.

والحاصل من هذا أن الأحاديث المتعارضة ينظر فيها، فإن كان المعارض ضعيفًا أخذ بالصحيح وانتهى الأمر، وإن كان كلاهما صحيح فلا بدّ من الجمع بينهما، إما بحمل العام على الخاص، أو المطلق على المقيد، أو ببيان علة تقتضي الجمع، فإن لم يتيسر ذلك نظر في أمر ثالث وهو النسخ، يكون المتأخر نسخ المتقدم إذا لم يتيسر الجمع، وكلاهما صحيح ما بقي إلا النسخ، فينسخ أحدهما بالآخر، ينسخ المتقدم بالمتأخر، ويكون هذا الجواب عن الحديثين.

وإِنْ لم يُمْكِنِ الجمعُ؛ فلا يخْلو إِمَّا أَنْ يُعْرَفَ التَّاريخُ، أو لاَ:

فإِنْ عُرِفَ، وثَبَتَ المُتَأَخِّرُ بهِ أو بأَصرحَ منهُ؛ فهو النَّاسِخُ، والآخَرُ المَنْسُوخُ.

والنَّسْخُ: رفْعُ تعلُّقِ حُكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأَخِّرٍ عنهُ.

والنَّاسخُ: ما يدلُّ على الرَّفعِ المذكورِ.

وتسميتُهُ ناسِخًا مجازٌ؛ لأنَّ النَّاسخَ في الحقيقةِ هو اللهُ تعالى.

ويُعْرَفُ النَّسخُ بأُمورٍ:

أَصرحُها: ما ورَدَ في النَّصِّ كحديثِ بُريدَةَ في صحيحِ مسلمٍ: كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن زِيارةِ القُبورِ فزُوروها؛ فإِنَّها تُذَكِّرُ الآخِرَةَ.

ومِنها ما يجزِمُ الصَّحابيُّ بأَنَّه متأَخِّرٌ كقولِ جابرٍ : كانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِن رسولِ الله ﷺ تَرْكُ الوُضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ أَخرَجَهُ أَصحابُ السُّننِ.

الشيخ: أما الأول فهو نسخ، واضح كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها نسخ للنهي، أما الأخير ترك الوضوء مما مست النار فليس صريحًا في النسخ، ولهذا قال المحققون من أهل العلم: إنه يدل على عدم الوجوب، وأن قول الرسول ﷺ: توضؤوا مما مست النار ليس على الوجوب بل على الاستحباب، ولهذا ثبت عنه ﷺ أنه أكل لحمًا، ثم صلى ولم يتوضأ، فدل على أنه لا يجب الوضوء، ولكن يستحب، وقال آخر ربما قد نسخ لقول جابر: «آخر الأمرين»، وهذا القول ليس دالًا على النسخ لكن يدل على الجواز، إن توضأ فهو أفضل، وإن ترك فلا حرج، لأن الرسول ﷺ فعل هذا، وفعل هذا.

سؤال: من قال الوجوب هو المنسوخ، وأما الاستحباب فباقٍ؟

الشيخ: لا، ما في دلالة على الوجوب، يدل على أن الأمر ليس للوجوب ... ليس صراحة في الوجوب فيه، ترك الوضوء يدل على أن الأمر ليس للوجوب، ولكنه للاستحباب.

س: فقال: توضؤوا مما مست النار؟

الشيخ: نعم هذا الأمر يكون للاستحباب بدليل أنه لم يتوضأ في بعض الأحيان، مثل قول النبي ﷺ: إذا رأيتم الجنازة فقوموا، وفي بعض الأحيان لم يقم، فدل على أنه ليس للوجوب.

ومِنْها ما يُعْرَفُ بالتَّاريخِ، وهُو كَثيرٌ.

وليسَ مِنْها مَا يَرويهِ الصَّحابيُّ المُتأَخِّرُ الإِسلامِ مُعارِضًا للمُتَقَدِّمِ عليهِ؛ لاحْتمالِ أَنْ يكونَ سَمِعَهُ مِن صَحابيٍّ آخَرَ أَقدمَ مِنَ المُتَقَدِّمِ المذكورِ، أو مثلِهِ فأَرْسَلَهُ.

لكنْ إِنْ وقَعَ التَّصريحُ بسماعِه لهُ مِن النبيِّ ﷺ فيَتَّجِهُ أَنْ يكونَ ناسِخًا؛ بشَرْطِ أَنْ يكونَ المُتَأَخِّرُ لمْ يَتحمَّلْ مِنَ النبيِّ ﷺ شَيْئًا قبلَ إِسلامِهِ.

الشيخ: وهذا إذا لم يكن الجمع، إذا صرح بالسماع، ولم يمكن الجمع، فالنسخ، وإلا فالجمع مقدم.

وأَمَّا الإِجماعُ؛ فليسَ بناسِخٍ، بل يدُلُّ على ذلكَ.

الشيخ: يعني يدل على النسخ.

وإِنْ لمْ يُعْرَفِ التَّاريخُ؛ فلا يخلو إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ ترجيحُ أَحدِهِما على الآخَرِ بوجْهٍ مِن وجوهِ التَّرجيحِ المُتعلِّقَةِ بالمتْنِ، أو بالإِسنادِ، أو لاَ.

فإِنْ أَمْكَنَ التَّرجيحُ؛ تعيَّنَ المصيرُ إِليهِ، وإِلاَّ فلا.

فصارَ ما ظاهِرُهُ التَّعارُضُ، واقِعًا على هذا التَّرتيبِ:

الجمعُ إِنْ أَمكَنَ.

فاعْتبارُ النَّاسِخِ والمَنْسوخِ.

فالتَّرْجيحُ إِنْ تَعيَّنَ.

ثمَّ التوقُّفُ عنِ العَمَلِ بأَحدِ الحَديثينِ.

والتَّعبيرُ بالتوقُّفِ أَولى مِن التَّعبيرِ بالتَّساقُطِ؛ لأَنَّ خفاءَ ترجيحِ أَحدِهِما على الآخَرِ إِنَّما هُو بالنِّسبةِ للمُعْتَبِرِ في الحالةِ الرَّاهنةِ، معَ احتِمالِ أَنْ يظهَرَ لغيرِهِ ما خَفِيَ عليهِ، واللهُ أعلمُ.

الشيخ: وهذا تحقيق عظيم مفيد، فإذا أشكل على العالم الجمع، ولم يتيسر له علم التاريخ فإنه ينظر في المرجحات، فيأخذ بالأرجح الذي ثقة في أسانيده، أو لقوة إسناده، ويعتبر الآخر شاذًا، ويكون إذا أخذ أخذ بالمحكم عند تعذر الجمع، وعند عدم علم التاريخ للقول بالنسخ فحينئذ يبقى الترجيح، فالأول الأخذ بمحكمها السالم من المعارض، ثم الجمع بين النصين، ثم النسخ، ثم الترجيح المرتبة الرابعة.

الأول الأخذ بالصحيح، وطرح الأحاديث الضعيفة عند التعارض، فإن تعارضا، وأمكن الجمع فيجمع بينهما، الثالث: تعارضا ولم يمكن الجمع فيصار للنسخ، والرابع: تعذر الجمع، والنسخ فيؤخذ بالترجيح ...

هذا أيهما كان أرجح من جهة الإسناد عند تعدد الطرق، أو بغيرها أخذ به، فإن أشكل على العالم، ولم يتضح الترجيح فيتوقف حتى يتبين له أمر من الأمور، العالم قد يتوقف، لكن يظهر له بعد حين، أو عالم آخر يظهر ما لم يظهر لهذا المتوقف فهو ينظر، ويتأمل، ويدرس الواقع، ويتتبع الطرق، فمتى ظهر له وجه من الترجيح رجح، ومتى لم يظهر له توقف حتى يتبين له الأمر الشرعي، وهذا بالنسبة إلى العلم، وقد يتوقف زيد، ولا يتوقف عمرو، لأن عمرو اتضح له الأمر مثل ما وقع بين الأئمة مالك توقف، وأحمد لم يتوقف، والشافعي توقف، ومالك لم يتوقف، والبخاري توقف، والشافعي لم يتوقف على حسب ما ظهر له من العلم، وهكذا الثوري والأوزاعي وغيرهم من أهل العلم تجد هذا له رواية جازمة، وهذا متوقف، وهذا مخالف لما رواه الآخر حسب الأدلة، وهذا يفهمه أهل العلم بالأدلة الشرعية.

ثُمَّ الْمَرْدُودُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَقْطٍ، أو طَعْنٍ.

فَالسَّقْطُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَبَادِئِ السَّنَدِ مِنْ مصنف، أو مِنْ آخِرِهِ بَعْدَ التَّابِعِيِّ، أو غَيْرِ ذَلِكَ.

فَالْأَوَّلُ: الْمُعَلَّقُ.

وَالثَّانِي: هُوَ الْمُرْسَلُ.

وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مَعَ التَّوَالِي فَهُوَ الْمُعْضَلُ، وإِلَّا فَالْمُنْقَطِعُ. ثم قَدْ يَكُونُ، واضِحًا، أو خَفِيًّا.

فَالْأَوَّلُ: يُدْرَكُ بِعَدَمِ التَّلَاقِي، ومِنْ ثم احْتِيجَ إِلَى التَّأْرِيخِ.

والثاني: المدلس، ويرد بصيغة تحتمل اللقي: كعن، وقال، وكذا المرسل الخفي، من معاصر لم يلق من حدث عنه.

الشيخ: يقول المؤلف - رحمه الله -: ثم المردود، المردود من الأحاديث، تقدم المقبول وهو أربعة أقسام: المتواتر، والمشهور، والعزيز، والغريب إذا استقام سند الغريب، والعزيز، والمشهور كلها مقبولة.

أما المردود فهو الذي لا يحتج به، بل هو مرود يعني ساقط، إما أن يكون الرجل هو الذي سقط، أو طعن.

والسقط يكون من أول الحديث، أو من آخره، إذا كان من أوله فهذا هو المعلق، مثل قول البخاري - رحمه الله -: وقال قتادة كذا، وقال الزهري كذا، وقال الأوزاعي كذا، يسمى معلقًا، وهو ما حذف أوله، فهذا إن كان المعلق التزم بأن لا يعلق إلا الصحيح فهذا مثل البخاري - رحمه الله - يحتج بتعليقه إذا علقه ... مثله، ...، وإن كان المعلق مما لا يلتزم الصحيح فهو ضعيف، يكون المعلق ضعيفًا كما لو قال أبو داود، أو الترمذي: وقال الزهري، وقال فلان، هذا الشيء يعتبر ضعيفًا.

أما من آخره فهذا السند مرسل، إذا سقط الصحابي من آخر السند فهذا يسمى مرسلًا، والمراسيل ضعيفة لا يحتج بها إلا ما جاء في مراسيل سعيد بن المسيب.

أما إذا كان في أثنائه فهذا إذا كان اثنين فصاعدًا فهو المعضل، وإن كان واحدًا فهو المنقطع، فإذا قال مثلًا أبو داود، أو غيره: حدثنا فلان عن فلان، ثم قال عن الزهري عن الصديق، أو عن الزهري عن عمر هذا هو المنقطع؛ لأن الزهري ما أدرك عمر، ولا أدرك الصديق، فيكون منقطعًا ضعيفًا لأجل الواسطة بين الزهري، وبين عمر، ونحوه غير مذكور فيكون ضعيفًا، لأنه قد يكون ضعيفًا هذا الواسطة فلا يحتج به المنقطع.

أما إذا كان معضلًا فهو أشد؛ كأن يقول الأوزاعي عن عمر، الأوزاعي بينه وبين عمر اثنان في الغالب، وهكذا بينه وبين الصديق، فهذا يسمى معضلًا، وهو أشد ضعفًا.

ثم قد يكون الانقطاع واضحًا، وقد يكون خفيًا، فالواضح إذا اتضح كون الراوي عن الصحابي، أو عن شيخه، أو عن الشخص ... هذا انقطاع واضح، كأن يقول الزهري عن عمر، أو عن الصديق فهذا انقطاع واضح. أو يقول الأوزاعي: قال عمر، أو قال الصديق، أو قال ابن عباس فهذا منقطع لأن الأوزاعي ما أدرك الصحابة، فهذا انقطاع واضح.

وقد يكون خفي، وهو المدلس، الذي يروي عمن أدركهم، لكن شيء ما سمعه منهم، فهذا يمسى مدلسًا، وهذا مثل قول ابن إسحاق عن فلان، ومثل قول قتادة عن فلان، ولا يقول حدثني، ولا سمعت، فهذا يسمى مدلسًا، يكون العلة في السند حتى يصرح بالسماع إذا كان الراوي مدلسًا، أما إذا كان الراوي ما هو مدلس فعنعنته تحمل على السماع، لكن إذا كان مدلسًا إذا قال قتادة عن فلان، أو قال الزهري، أو قال ابن إسحاق عن فلان، أو الأعمش عن فلان فهذا يسمى مدلس، لا بدّ من التصريح.

وهكذا المرسل الخفي، ... يسمى مرسلًا خفيًا، إذا روى عن معاصره، ولم يصرح بالسماع هذا مرسل، يسمى مرسلًا خفيًا؛ لأنه قد يمكنه السماع لكن ما صرح بالسماع، وليس بمدلس، هذا مرسل خفي حتى يوجد ما يدل على اتصاله ... يعلم أنه لا يرسل، وأنه لا يروي إلا عن سماع، أو في بعض الروايات يصرح بالسماع فيزول الإشكال، يعني نتتبع الطرق، فأما يوجد طريق صرح فيه بالسماع، أو معروف عنه أنه قد صرح أنه لا يروي إلا عن سماع.

ثمَّ المردودُ: وموجِبُ الرَّدِّ إِمَّا أَنْ يكونَ لِسَقْطٍ مِن إِسنادٍ، أو طَعْنٍ في رَاوٍ على اخْتِلافِ وجوهِ الطَّعْنِ، أَعَمُّ مِن أَنْ يكونَ لأمْرٍ يرجِعُ إِلى دِيانةِ الرَّاوي، أو إِلى ضبْطِهِ.

والسَّقْطُ إِمَّا أَنْ يَكونَ مِنْ مَبادئ السَّنَدِ مِن تصرُّفِ مُصَنِّفٍ، أو من آخِرِهِ؛ أي: الإِسنادِ بعدَ التَّابعيِّ، أو غير ذلك، فالأوَّلُ: المُعَلَّقُ سواءٌ كانَ السَّاقِطُ واحدًا، أو أَكثرَ.

وبينَهُ وبينَ المُعْضَلِ الآتي ذِكْرُهُ عمومٌ وخُصوصٌ مِن وجْهٍ.

فمِنْ حيثُ تعريفُ المُعْضَلِ بأَنَّهُ سقَطَ منهُ اثنانِ فصاعِدًا يجتَمِعُ معَ بعضِ صُورِ المُعَلَّقِ.

ومِن حيثُ تقييدُ المُعَلَّقِ بأَنَّه مِن تصرُّفِ مُصَنِّفٍ مِن مبادئِ السَّنَدِ يفتَرِقُ منهُ، إِذْ هُو أَعَمُّ مِن ذلك.

ومِن صُوَرِ المُعَلَّقِ: أَنْ يُحْذَفَ جميعُ السَّندِ، ويُقالَ مثلًا: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ.

ومنها: أَنْ يُحْذَفَ إِلاَّ الصَّحابيَّ، أو إِلاَّ الصَّحابيَّ والتَّابعيَّ معًا.

الشيخ: وهذا يكون ضعيفًا إذا قال: وقال رسول الله، أو وقال عمر، أو وقال سعيد بن المسيب عن عمر يكون ضعيفًا إلا أن يكون المعلق ممن عرف بأنه لا يعلق إلا عن سند صحيح مثل البخاري - رحمه الله - معلقاته الجازمة ثابتة.

ومنها: أَنْ يَحْذِفَ مَن حَدَّثَهُ، ويُضيفَهُ إِلى مَنْ فوقَهُ، فإِنْ كانَ مَن فوقَه شيخًا لذلك المصنِّفِ؛ فقد اخْتُلِفَ فيه: هل يُسمَّى تعليقًا، أو لاَ؟

والصَّحيحُ في هذا التَّفصيلُ؛ فإِنْ عُرِفَ بالنَّصِّ أو الاستِقْراءِ أَنَّ فاعِلَ ذلك مُدَلِّسٌ قضي بهِ، وإِلاَّ فتعليقٌ.

وإِنَّما ذُكِرَ التَّعليقُ في قسمِ المردودِ للجَهْلِ بحالِ المحذوفِ.

وقد يُحْكَمُ بصحَّتِهِ إِنْ عُرِفَ بأَنْ يجيءَ مسمَّىً مِن وجهٍ آخَرَ، فإِنْ قالَ: جميعُ مَن أَحْذِفُهُ ثقاتٌ؛ جاءتْ مسأَلةُ التَّعديلِ على الإِبهامِ.

وعندَ الجُمهورِ لا يُقْبَلُ حتَّى يُسمَّى.

لكنْ قالَ ابنُ الصَّلاحِ هنا: إِنْ وقَعَ الحَذْفُ في كتابٍ التُزِمَتْ صحَّتُه كالبُخاريِّ؛ فما أَتى بالجَزْمِ دلَّ على أَنَّه ثَبَتَ إِسنادُهُ عِندَه، وإِنَّما حُذِفَ لغَرَضٍ مِنَ الأَغْراضِ.

ومَا أَتى فيهِ بغيرِ الجَزْمِ ففيهِ مقالٌ.

وقد أَوْضَحْتُ أَمثلةَ ذلك في «النُّكتِ على ابنِ الصَّلاحِ».

الشيخ: وهذا إذا قال: وروي يكون ضعيفًا، إلا أن يأتي بسند آخر، أما إذا جزم قال البخاري: وقال كذا، فيكون صحيحًا عنده إلى من جزم عنه، أما إذا لم يجزم، وقال: ويذكر، أو: وروي فهو عنده ضعيف إلا أن يثبت أن رواه في محل آخر بالجزم.

والثَّاني: وهو ما سَقَطَ مِن آخِرِهِ مَن بعدَ التَّابعيِّ هو المُرْسَلُ.

وصورَتُه أَنْ يقولَ التابعيُّ سواءٌ كانَ كبيرًا أو صغيرًا قالَ رسولُ الله ﷺ كذا، أو: فعَلَ كذا، أو: فُعِلَ بحضرتِه كذا، أو نحوُ ذلك.

وإِنَّما ذُكِرَ في قسمِ المَردودِ للجَهْلِ بحالِ المحذوفِ؛ لأَنَّه يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ صحابيًّا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ تابعيًّا، وعلى الثَّاني يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ ضَعيفًا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ ثقةً.

الشيخ: يعني المحذوف، ولهذا ضعف.

وعلى الثَّاني: يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ حَمَلَ عن صحابيٍّ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ حَمَلَ عن تابعيٍّ آخَرَ، وعلى الثَّاني فيعودُ الاحتمالُ السَّابقُ، ويتعدَّدُ إمَّا بالتَّجويزِ العقليِّ فإِلى ما لا نهايةَ لهُ، وإمَّا بالاستقراءِ؛ فإِلى ستَّةٍ، أو سبعةٍ، وهو أَكثرُ ما وجِدَ مِن روايةِ بعضِ التَّابعينَ عن بعضٍ.

فإِنْ عُرِفَ مِن عادةِ التَّابعيِّ أَنَّه لا يُرسِلُ إِلاَّ عن ثِقةٍ؛ فذهَبَ جُمهورُ المحُدِّثينَ إِلى التوقُّفِ لبقاءِ الاحتمالِ، وهُو أَحدُ قولَيْ أَحمدَ.

وثانيهِما: وهُو قولُ المالِكيِّينَ، والكوفيِّينَ يُقْبَلُ مُطْلقًا.

وقالَ الشَّافِعيُّ : يُقْبَلُ إِنِ اعْتَضَدَ بمجيئِهِ مِن وجْهٍ آخَرَ يُبايِنُ الطُّرُقَ الأولى مُسْنَدًا كانَ، أو مُرْسَلًا؛ ليترجَّحَ احتمالُ كونِ المحذوفِ ثقةً في نفسِ الأمرِ.

الشيخ: الصواب أنه لا يقبل ... لأنه قد ينسى، وقد يعلق عن غير ثقة، فلا يقبل إلا إذا صرح.

 

ونقلَ أَبو بكرٍ الرَّازيُّ مِن الحنفيَّةِ، وأبو الوليدِ الباجِيُّ مِن المالِكيَّةِ أَنَّ الرَّاويَ إِذا كانَ يُرْسِلُ عنِ الثِّقاتِ وغيرِهم لا يُقْبَل مُرسَلُه اتِّفاقًا.

الشيخ: وهذا صحيح، إذا كان معروفًا بالتساهل لا يقبل اتفاقًا، قد يروي عن الثقة وعن غير الثقة، إنما الخلاف إذا كان معروفًا.

وَالقسمُ الثَّالِثُ مِن أَقسامِ السَّقْطِ مِن الإِسنادِ: إِنْ كانَ باثنَيْنِ فصاعِدًا مَعَ التَّوالي؛ فهو المُعْضَلُ، وإِلاَّ فإِنْ كانَ السَّقْطُ باثنينِ غيرِ متوالِيَيْنِ في مَوضِعَيْنِ مثلًا؛ فهُو المُنْقَطِعُ، وكذا إِنْ سَقَطَ واحد فقط، أو أَكثرُ مِن اثنينِ، لكنَّه بشرطِ عدمِ التَّوالي.

ثمَّ إِنَّ السَّقطَ مِن الإِسنادِ قدْ يَكونُ واضِحًا يحصُلُ الاشْتِراكُ في معرفَتِه ككَوْنِ الرَّاوي مثلًا لم يُعْاصِرْ مَن روى عنهُ، أو يكونُ خَفِيًّا فلا يُدْرِكُهُ إِلاَّ الأئمَّةُ الحُذَّاقُ المُطَّلِعونَ على طُرُقِ الحديثِ وعِلَلِ الأسانيدِ.

فالأَوَّلُ، وهُو الواضحُ يُدْرَكُ بعَدمِ التَّلاقي بينَ الرَّاوِي وشيخِهِ بكونِه لمْ يُدْرِكْ عصْرَهُ، أو أَدْرَكَهُ لكنَّهما لم يجْتَمِعا، وليستْ لهُ منهُ إِجازةٌ، ولا وجَادَةٌ.

ومِنْ ثم احْتِيجَ إِلى التَّاريخِ لتضمُّنِهِ تحريرَ مواليدِ الرُّواةِ، ووَفياتِهِم وأَوقاتِ طَلَبِهِم، وارْتِحالِهم.

وقد افْتُضِحَ أَقوامٌ ادَّعَوا الرِّوايةَ عن شيوخٍ ظهرَ بالتَّاريخِ كَذِبُ دعْواهُم.

والثاني: المدلس، ويرد بصيغة تحتمل اللقى: كعن، وقال، وكذا المرسل الخفي: من معاصر لم يلق من حدث عنه.

الشيخ: يقول - رحمه الله -: المدلس هو الذي يرويه الراوي بصيغة تحتمل اللقى، ما في تصريح، ما قال: سمعت، ولا حدثني، بل يقول: عن فلان، أو قال فلان؛ ولذلك فهم المدلسون، فالواجب حينئذ التثبت في هذا الأمر، فلا يكون الحديث متصلًا إلا بالتصريح إذا كان المدلس قد عرف، فإذا قال: عن أو قال فهو لم يسمع فيكون منقطعًا، ثم قد يكون واضحًا إذا عرف أن التلميذ لم يلق الشيخ وليس في عصره، فهذا واضح انقطاعه، قد يكون خفي إذا كان معاصرًا له لكنه لم يلقاه فهذا يكون تدليسًا خفيًا يعرف بأنه لم يلق، أو بإخبار غيره من الثقات أنه لم يلقه، فإذا قال: عن أو قال فهو مدلس، أما إذا كان الراوي قد لقى الشيخ وأخذ عنه فقوله: عن أو قال يحمل على السماع ما لم يعرف أنه مدلس، أو صرح بذلك، وإلا فالأصل السماع سواء قال: عن، أو قال، أو حدثني، أو سمعت؛ الأصل فيه السماع ما دام قد ثبت لقاؤه، ولم يثبت أنه يدلس.

ثم الطَّعْنُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِكَذِبِ الرَّاوِي، أو تُهْمَتِهِ بِذَلِكَ، أو فُحْشِ غَلَطِهِ، أو غَفْلَتِهِ، أو فِسْقِهِ، أَوْ وهْمِهِ، أو مُخَالَفَتِهِ، أو جَهَالَتِهِ، أو بِدْعَتِهِ، أو سُوءِ حِفْظِهِ.

فَالْأَوَّلُ: الْمَوْضُوعُ.

وَالثَّانِي: الْمَتْرُوكُ.

وَالثَّالِثُ: الْمُنْكَرُ عَلَى رَأْيٍ.

وَكَذَا الرَّابِعُ، والْخَامِسُ.

الشيخ: هذا الطعن له أسباب عشرة، الطعن في رواة الأحاديث له أسباب عشرة بينها المؤلف إما: لكذب الراوي، أو تهمته بذلك، أو غفلته، أو فسقه أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه. ويبين رحمه الله شرحها.

وَالقسمُ الثَّانِي: وهو الخَفِيُّ المُدَلَّسُ؛ بفتحِ اللاَّمِ، سُمِّي بذلك لكونِ الرَّاوي لم يُسَمِّ مَن حَدَّثَهُ، وأَوهَمَ سماعَهُ للحَديثِ مِمَّن لم يُحَدِّثْهُ بهِ.

واشْتِقاقُهُ مِن الدَّلَسِ - بالتَّحريكِ -، وهو اختلاطُ الظَّلامِ بالنُّورِ، سُمِّيَ بذلك لاشتراكِهِما في الخَفاءِ.

ويَرِدُ المُدَلَّسُ بِصيغَةٍ مِن صيغِ الأداءِ تَحْتَمِلُ وقوعَ اللُّقِيَّ بينَ المُدَلِّسِ ومَن أَسنَدَ عنهُ كَعَن، وكذا قَاَلَ.

ومتى وقَعَ بصيغةٍ صريحةٍ لا تَجَوُّزَ فيها كانَ كذِبًا.

وحُكْمُ مَن ثبتَ عنهُ التَّدليسُ إِذا كانَ عَدْلًا أَنْ لا يُقْبَلَ منهُ إِلاَّ ما صرَّحَ فيهِ بالتَّحديثِ على الأصحِّ.

الشيخ: وهذا هو الصواب، إذا ثبت التدليس وهو ثقة فلا يقبل من حديثه إلا ما صرح بالسماع مثل الأعمش، ومثل ابن إسحاق، وجماعة آخرين مثل أبي الزبير، وأشباههم نعم.

س: لو اجتمع عن هذا الشيخ بالأكثر؟

الشيخ: نعم.

الطالب: كما أظهر عن شيخه ما هو معروف ...؟

الشيخ: ولو، حتى يصرح بالسماع.

وكَذا المُرْسَلُ الخَفِيُّ إِذا صَدَرَ مِنْ مُعاصِرٍ لَمْ يَلْقَ مَن حَدَّثَ عنهُ، بل بينَه وبينَه واسِطةٌ.

والفَرْقُ بينَ المُدَلَّسِ، والمُرْسَلِ الخفيِّ دقيقٌ حَصَلَ تحريرُه بما ذُكِرَ هنا:

وهو أَنَّ التَّدليسَ يختصُّ بمَن روى عمَّن عُرِفَ لقاؤهُ إِيَّاهُ، فأَمَّا إِن عاصَرَهُ، ولم يُعْرَفْ أَنَّه لقِيَهُ؛ فَهُو المُرْسَلُ الخَفِيُّ.

ومَن أَدْخَلَ في تعريفِ التَّدليسِ المُعاصَرَةَ ولو بغيرِ لُقي؛ لزِمَهُ دُخولُ المُرْسَلِ الخَفِيِّ في تعريفِهِ.

والصَّوابُ التَّفرقةُ بينَهُما.

ويدلُّ على أَنَّ اعتبارَ اللُّقى في التَّدليسِ دونَ المُعاصرةِ وحْدَها لابُدَّ منهُ إِطْباقُ أَهلِ العلمِ بالحديثِ على أَنَّ روايةَ المُخَضْرَمينَ كأَبي عُثمانَ النَّهْديِّ، وقيسِ بنِ أَبي حازِمٍ عن النبيِّ ﷺ مِن قبيلِ الإِرسالِ لا مِن قَبيلِ التَّدليسِ.

ولو كانَ مجرَّدُ المُعاصرةِ يُكْتَفى بهِ في التَّدليسِ؛ لكانَ هؤلاءِ مُدلِّسينَ لأنَّهْم عاصَروا النبيَّ ﷺ قطعًا، ولكنْ لمْ يُعْرَفْ هل لَقُوهُ أَمْ لا؟

وممَّن قالَ باشْتِراطِ اللِّقاءِ في التَّدليسِ الإِمامُ الشافعيُّ، وأَبو بكرٍ البزَّارُ، وكلامُ الخطيبِ في «الكِفايةِ» يقتَضيهِ، وهُو المُعْتَمَدُ.

ويُعْرَفُ عدمُ المُلاقاةِ بإِخبارِهِ عنْ نفسِهِ بذلك، أو بجَزْمِ إِمامٍ مُطَّلعٍ.

ولا يَكْفي أَنْ يَقَعَ في بعض الطُّرُقِ زيادةُ راوٍ أَو أَكثرَ بينَهُما؛ لاحتمال أَنْ يكونَ مِن المزيدِ، ولا يُحْكَمُ في هذه الصُّورةِ بحُكْمٍ كُلِّيٍّ؛ لتَعارُضِ احتمالِ الاتِّصالِ، والانْقِطاعِ.

الشيخ: المقصود يعرف هذا، الصواب مثل ما قال المؤلف أن التدليس غير المعاصرة، المدلس الذي لقي ولكن بعض الأحيان يصرح وبعض الأحيان ما يصرح، هذا يقال له مدلس، أما الذي عاصر ولم يلق فهذا يقال له مرسل خفي، ويسمى مرسلًا مطلقًا مثل رواية المخضرمين كقيس بن أبي حازم، وغيره من المخضرمين يقال له روايته مرسلة، روايته عن النبي ﷺ تسمى مرسلة، كما تسمى رواية التابعين عن النبي ﷺ مرسلة؛ لأن هذا المخضرم لم يلق النبي ﷺ، ولكنه كان في زمانه، ومثل كعب الأحبار، ومثل الصنابحي، وأشباههم فهؤلاء يقال لروايتهم عن النبي ﷺ مرسلة، وهكذا كل معاصر روى عمن عاصره ولم يلقه يسمى منقطعًا في اصطلاح العلماء في الرواة، وإذا كان روى عن النبي ﷺ يسمى مرسلًا.

وقد صنَّفَ فيهِ الخَطيبُ كتابَ «التَّفصيلِ لمُبْهَمِ المراسيلِ»، وكتاب «المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ».

الشيخ: يعني إذا روى عن شيخه بواسطة لا يقال أن هذا دليل على أنه مدلسه لأنه قد يسمع من شيخه، وقد يسمع من شيخه بواسطة، فهذا يقال له المزيد في متصل الأسانيد، مثلا إنسان يروي عن ابن عباس - وهو شيخه ابن عباس - في بعض الأحيان يروي عن بعض تلاميذ ابن عباس عن ابن عباس شيئًا ما سمعه من ابن عباس يرويه عن تلاميذ ابن عباس؛ فيكون واسطة من باب المزيد، يكون متصل الأسانيد، مثل: عكرمة وعمرو بن دينار أو غيرهما روى عن ابن عباس بواسطة تابعي آخر، يقال هذا من باب المزيد في متصل الأسانيد.

وقد انْتَهَتْ هُنا أَقسامُ حُكمِ السَّاقِطِ مِن الإِسنادِ.

ثمَّ الطَّعْنُ يكونُ بعشرةِ أَشياءَ، بعضُها أَشدُّ في القَدْحِ مِن بعضٍ خمسةٌ منها تتعلَّقُ بالعدالَةِ، وخمسةٌ تتعلَّقُ بالضَّبْطِ.

الشيخ: العدالة لكذب الراوي، أو تهمته في ذلك، أو غفلته، أو فسقه أو وهمه هذه تتعلق بالعدالة، والبقية تتعلق بالضبط المخالفة، والجهالة، والبدعة إلى آخره.

ولم يَحْصُلِ الاعتناءُ بتمييزِ أَحدِ القِسمينِ مِن الآخَرِ لمصلحةٍ اقْتَضَتْ ذلك، وهي ترتيبُها على الأشدِّ فالأشدِّ في موجَبِ الرَّدِّ على سَبيلِ التَّدلِّي؛ لأنَّ الطَّعْنَ إِمَّا أَنْ يكونَ:

لِكَذِبِ الرَّاوِي في الحديثِ النبويِّ بأَنْ يرويَ عنهُ ﷺ ما لمْ يَقُلْهُ معتمِّدًا لذلك.

أو تُهْمَتِهِ بذلكَ؛ بأَنْ لا يُرْوى ذلك الحديثُ إِلاَّ مِن جِهتِهِ ويكونَ مُخالِفًا للقواعِدِ المعلومةِ، وكذا مَنْ عُرِفَ بالكذبِ في كلامِهِ، وإِنْ لم يَظْهَرْ منهُ وقوعُ ذلك في الحَديثِ النبويِّ، وهذا دُونَ الأوَّلِ.

الشيخ: من تعمد هذا كذب الراوي يعرف بكذبه، وتساهله، وفسقه، هذا يسمى حديثه الموضوع، أما من اتهم بذلك لقلة علمه، ومخالفته للروايات الصحيحة، أو غفلته، كونه ما عنده بصيرة يقع في روايته الكذب، فهذا يسمى المتروك لأنه تقع روايته الكذب لا عن تعمد بل لأسباب أخرى؛ إما لغفلة، أو لحسن ظنه فيمن يروي عنه كأن يأخذ عمن هب ودب.

أَو فُحْشِ غَلَطِهِ؛ أي: كَثْرَتِه.

أَو غَفْلَتِهِ عن الإِتْقانِ.

أَو فِسْقِهِ؛ أي: بالفعلِ والقَوْلِ ممَّا لا يبلُغُ الكُفْرَ.

وبينَهُ وبينَ الأوَّلِ عُمومٌ، وإِنَّما أُفْرِدَ الأوَّلُ لكونِ القَدْحِ بهِ أَشدَّ في هذا الفنِّ.

وأَمَّا الفِسقُ بالمُعْتَقَدِ؛ فسيأْتي بيانُه.

أَو وهَمِهِ بأَنْ يَرْوِيَ على سبيلِ التوهُّمِ.

أَو مُخالَفَتِه؛ أَي: للثِّقاتِ.

أو جَهالَتِهِ؛ بأَنْ لا يُعْرَفَ فيهِ تعديلٌ، ولا تَجريحٌ مُعيَّنٌ.

أَو بِدْعتِهِ، وهي اعتقادُ ما أُحْدِثَ على خِلافِ المَعروفِ عن النبيِّ ﷺ، لا بِمعانَدَةٍ، بل بنَوْعِ شبهةٍ. أو سوءِ حِفْظهِ، وهِيَ عبارةٌ عن أَنْ لا يكونَ غَلَطُهُ أَقلَّ مِن إِصابتِه.

فالقسمُ الأوَّلُ، وهُو الطَّعْنُ بكَذِبِ الرَّاوي في الحَديثِ النبويِّ هو المَوضوعُ، والحُكْمُ عليهِ بالوَضْعِ إِنَّما هُو بطريقِ الظَّنِّ الغالِبِ لا بالقَطْعِ، إِذ قَدْ يَصْدُقُ الكَذوبُ، لكنَّ لأهلِ العلمِ بالحديثِ مَلَكَةً قويَّةً يميِّزون بها ذلك، وإِنَّما يقومُ بذلك منهُم مَن يكونُ إِطِّلاعُهُ تامًّا، وذهْنُهُ ثاقِبًا، وفهمُهُ قويًّا، ومعرِفتُهُ بالقرائنِ الدَّالَّةِ على ذلك متمَكِّنَةً.

الشيخ: وهذا واضح، الكذاب يعرف كذبه بأشياء كثيرة، من هذا أنه قد يصرح ويقول كذبته، ومنها أن يعرف الناس مخالفًا لقواعد الشرع من جهة السنة فيعرف أنه كذب، وأنه موضوع، ومنها أن ينبه عليه العلماء المختصون على وضعه؛ لأنه مخالف للقرآن والسنة، فيبين العلماء أنه موضوع يعني مكذوب، فلهم في هذا دربة وعناية، ووفقهم الله بهذا الحكم على الأحاديث الموضوعة بأنها موضوعة لظهور كذبها، وعدم تمشيها مع القواعد الشرعية.

وقد يُعْرَفُ الوضعُ بإِقرارِ واضِعِه، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: لكنْ لا يُقْطَعُ بذلك لاحتمالِ أَنْ يكونَ كَذَبَ في ذلك الإِقرارِ أ. هـ.

الشيخ: نعم، وقد يعرف الوضع بإقراره أنه وضع الأحاديث، وقد يكون أيضًا كذابًا باعترافه، ولكن ما دام اعترف يحكم بأنه موضوع، ولا يحتج به.

وفهِمَ منهُ بعضُهم أَنَّهُ لا يُعْمَلُ بذلك الإِقرارِ أَصلًا، وليسَ ذلكَ مرادَهُ، وإِنَّما نفى القَطْعَ بذلك، ولا يلزَمُ مِن نفيِ القَطْعِ نفيُ الحُكْمِ؛ لأنَّ الحُكْمَ يقعُ بالظَّنِّ الغالِبِ، وهُو هُنا كذلك، ولولا ذلك لَما ساغَ قتْلُ المُقرِّ بالقتلِ، ولا رَجْمُ المُعْتَرِفِ بالزِّنى؛ لاحتمالِ أَنْ يكونا كاذِبَيْن فيما اعْتَرَفا به.

الشيخ: هو موآخذ بإقراره وإن اتهم، الإنسان موآخذ بإقراره في الحق والباطل مادام عاقلًا فهو موآخذ بإقراره، ولهذا يقتل إن أقر بقتل العمد، ويرجم من أقر بالزنا، ويجلد إذا كان بكرًا، فهو موآخذ بإقراره، وإن كان قد يكذب.

س: إذا أقر ثم رجع عن إقراره؟

الشيخ: هذا بحث معروف، المعروف أنه إذا رجع يقبل رجوعه، إذا كان الحق لله ما هو حق للمخلوقين كما فعل النبي ﷺ مع ماعز فأشار بيده لعله يرجع، لكن في حق المخلوق لا، من أقر بحق المخلوق يقتل، لا يقبل منه رجوعه، لو قال: قتلت فلانًا فرجع ما يقبل منه رجوعه، لأن هذا حق مخلوق.

فَالْأَوَّلُ: الْمَوْضُوعُ.

وَالثَّانِي: الْمَتْرُوكُ.

وَالثَّالِثُ: الْمُنْكَرُ عَلَى رَأْيٍ.

وَكَذَا الرَّابِعُ، والْخَامِسُ.

ثم الْوَهْمُ: إِنِ اطُّلِعَ عَلَيْهِ بِالْقَرَائِنِ، وجَمْعِ الطُّرُقِ: فالمعلل.

ثُمَّ الْمُخَالَفَةُ: إِنْ كَانَتْ بِتَغْيِيرِ السِّيَاقِ: فَمُدْرَجُ الْإِسْنَادِ.

أَوْ بِدَمْجِ مَوْقُوفٍ بِمَرْفُوعٍ: فَمُدْرَجُ الْمَتْنِ.

أَوْ بِتَقْدِيمٍ، أو تَأْخِيرٍ: فَالْمَقْلُوبُ.

أَوْ بِزِيَادَةِ رَاوٍ: فَالْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ.

أَوْ بِإِبْدَالِهِ، ولَا مُرَجِّحَ: فَالْمُضْطَّرِبُ، وقَدْ يَقَعُ الْإِبْدَالُ عَمْدًا امْتِحَانًا.

أَوْ بِتَغْيِيرٍ مَعَ بَقَاءِ السِّيَاقِ: فَالْمُصَحَّفُ، والْمُحَرَّفُ.

وَلَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْيِيرِ الْمَتْنِ بِالنَّقْصِ والْمُرَادِفِ إِلَّا لِعَالِمٍ بِمَا يُحِيلُ الْمَعَانِي؛ فَإِنْ خَفِيَ الْمَعْنَى احْتِيجَ إِلَى شَرْحِ الْغَرِيبِ، وبَيَانِ الْمُشْكِلِ.

ومِن القَرائنِ الَّتي يُدْرَكُ بها الوَضْعُ ما يؤخَذُ مِن حالِ الرَّاوي؛ كما وقَعَ لمأْمونِ بنِ أَحمدَ أَنَّه ذُكِرَ بحضرَتِه الخلافُ في كونِ الحسنِ سَمِعَ مِن أَبي هُريرةَ، أو لاَ؟ فساقَ في الحالِ إِسنادًا إِلى النبيِّ ﷺ أَنَّهُ قالَ: سمِعَ الحسنُ مِن أَبي هُريرة.

الشيخ: وهذا واضح فيه الكذب؛ فإن الحسن وجد بعد النبي ﷺ بمدة، وهو كونه يروي أن الحسن سمع من أبي هريرة عن النبي ﷺ فهذا من دلائل الكذب.

وكما وقعَ لِغياثِ بنِ إِبراهيمَ حيثُ دخَلَ على المَهْدي فوجَدَهُ يلعبُ بالحَمَام، فساقَ في الحالِ إِسنادًا إِلى النبيِّ ﷺ: أَنَّه قالَ: لا سَبَقَ إِلاَّ في نَصْلٍ، أو خُفٍّ، أو حافِرٍ، أو جَناحٍ.

الشيخ: هذه فضائح، من الفضائح التي افتضح بها الوضاعون، يعني يتضح الكذب في الحال، فإنه أراد أن يبرر عمل الخليفة فساق له زيادة (أو جناح)، والحديث: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر فهو زاد (جناح) ليرضي بها الخليفة.

المقصود أن الوضاعون أقسام: منهم من يعرف بوضعه بتصريحه وإقراره أنه وضع الحديث، ومنهم من يظهر وضعه بالقرائن القائمة بحاله حين تحدث بالحديث، ومنهم من يعرف وضعه بأن يكون مخالفًا للأحاديث الصحيحة التي لا غبار عليها ولا شبهة فيها، ومنهم من يعرف وضعه بتنبيه الأئمة - أئمة هذا الشأن - أنهم درسوا رواياته واتضح لهم من رواياته أنه وضاع، ولهذا ملئت كتب الرجال بهذا التهذيب، وتهذيب التهذيب، والميزان، وغيرها، وضحوا كابن أبي حاتم من هؤلاء الوضاعين الجم الغفير.

فزادَ في الحديثِ: أَو جَناحٍ، فَعَرَفَ المهديُّ أَنَّه كذبَ لأجلِهِ، فأَمرَ بذَبْحِ الحَمَامِ.

ومِنها ما يُؤخَذُ مِن حالِ المَرويِّ كأَنْ يكونَ مُناقِضًا لنَصِّ القُرآنِ، أو السُّنَّةِ المُتواتِرَةِ، أو الإِجماعِ القطعيِّ، أو صَريحِ العَقْلِ، حيثُ لا يَقْبَلُ شيءٌ مِن ذلك التَّأْويلَ.

ثمَّ المَرويُّ تارةً يختَرِعُهُ الواضِعُ، وتارةً يأْخُذُ مِن كلامِ غيرِهِ كبَعْضِ السَّلفِ الصَّالحِ، أو قُدماءِ الحُكماءِ، أو الإِسرائيليَّاتِ، أو يأْخُذُ حَديثًا ضَعيفَ الإِسنادِ فيُرَكِّبُ لَهُ إِسنادًا صحيحًا ليَرُوجَ.

الشيخ: وهذه حال الوضاعين فتارة من كيسه، يضع كلمات من كيسه، وتارة من كلام بعض السلف يأخذه ويجعله مرفوعًا إلى النبي ﷺ، وتارة يكون الحديث ضعيفًا فيركب له إسنادًا جيدًا يضعه، وتارة يكون من كلام القدماء من بني إسرائيل وغير ذلك، يعني كلمات الوضاعين وما يخترعونه ويكذبونه أنواع.

والحامِلُ للواضِعِ على الوَضْعِ:

إِمَّا عَدَمُ الدِّينِ؛ كالزَّنادقةِ.

أَو غَلَبَةُ الجَهلِ؛ كبعضِ المتعبِّدينَ.

أَو فَرْطُ العَصبيَّةِ؛ كبعضِ المُقلِّدينَ.

الشيخ: هذا يقع الحامل على الوضع أقسام، تارة عدم الدين وقصد الكيد للمسلمين، كالزنادقة والشيوعيين وسائر الكفرة، قد يضعون أحاديث يكذبونها ليسبوا بها الإسلام، ويعيبوا بها الإسلام، وتارة للجهل؛ كبعض العباد الجهلة يضعون أحاديث لا أساس لها، وتارة لطمع في مال، أو لإرضاء بعض الأمراء، أو لأسباب أخرى، نسأل الله العافية.

أَو اتِّباعُ هوى بعضِ الرُّؤساءِ.

أَو الإِغرابُ لقصدِ الاشتِهارِ!

الشيخ: أو ليشتهر بين الناس، هذا غرض ثالث، الحديث ما رواه إلا فلان حتى يشتهر أو يعظم، وهذا يقع في هذا الباب وغيره، الكذب والتزوير يقع في باب الوضع، وفي أبواب أخرى للاشتهار، أو لطمع في المال، أو وظيفة، أو غير هذا، نسأل الله العافية.

وكُلُّ ذلك حَرامٌ بإِجماعِ مَن يُعْتَدُّ بهِ، إِلاَّ أَنَّ بعضَ الكَرَّاميَّةِ وبعضَ المُتصوِّفةِ نُقِلَ عنهُم إِباحَةُ الوَضْعِ في التَّرغيبِ والتَّرهيبِ، وهو خطأ مِن فاعلِهِ نشَأَ عَن جَهْلٍ.

الشيخ: هذا لا يعول عليه، أجمع العلماء على تحريم الوضع والكذب، والنبي ﷺ قال: من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، وقال ﷺ: من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار يعني بإجماع المسلمين، بل قال بعضهم بكفر من وضع كأبي محمد الجويني، المقصود أن الوضع من الكبائر العظيمة، ولا عبرة بقول الكرامية وغيرهم ممن يجوز الوضع للترغيب والترهيب، هذا كلام منكر باطل، لكن مثل ما قال الحافظ العراقي: ... قول الكرامية الترغيب والترهيب هذا قول بهت، والكرامية من المرجئة الخبثاء.

والحاصل أن الوضع والكذب على الرسول ﷺ من المنكرات العظيمة بإجماع المسلمين، بإجماع أهل السنة والجماعة.

لأنَّ التَّرغيبَ والتَّرهيبَ مِن جُملةِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ.

واتَّفقوا على أَنَّ تَعَمُّدَ الكذبِ على النبيِّ ﷺ مِن الكَبائِرِ.

وبالَغَ أَبو مُحمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ فكَفَّرَ مَن تعمَّدَ الكَذِبَ على النبيِّ ﷺ.

واتَّفَقوا على تَحْريمِ روايةِ الموضوعِ إِلاَّ مقرونًا ببيانِه؛ لقولِه ﷺ: مَن حَدَّثَ عَنِّي بحديثٍ يُرى أَنَّهُ كذبٌ؛ فهُو أَحدُ الكاذِبَيْنِ أَخرجَهُ مسلمٌ.

الشيخ: هذا أمر متفق عليه، لا يجوز ذكره إلا لبيانه والتحذير منه، واتفق العلماء على تحريم الكذب على النبي ﷺ، ومن حدث بحديث يرى أنه كذب، أو يظن أنه كذب فهو أحد الكاذبَين، يروى كاذبَين، ويروى بالجمع كاذبِين، وأبلغ من هذا قوله ﷺ: من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار.