8- من حديث (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة)

1324- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1325- وَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَان: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو: عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْر سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.

1326- وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ، وَفِيهِ: أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقَالُوا: أَتَكْتُبُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.

1327- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في باب الجزية والهدنة:

الحديث الأول حديث أبي هريرة : يقول النبيُّ ﷺ: لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتُم أحدَهم في طريقٍ فاضطروه إلى أضيقه، فهذا يدل على أنَّ اليهود والنصارى لا يُبدؤون بالسلام، ولو أخذنا منهم الجزية، ولو هادناهم، ولو أعطوا الجزية لا نبدأهم بالسلام؛ وذلك ترغيبًا لهم في الدخول في الإسلام إذا رأوا من المسلمين الجفوة وعدم البداءة بالسلام، وكونهم يُضطرون إلى أضيقه، كان هذا من أسباب دخولهم في الإسلام؛ لأنَّ بقاءهم على الكفر مُصيبة كبيرة عليهم، ووجودهم بين المسلمين كذلك مُصيبة، قد يغترّ بهم غيرُهم، فمن رحمة الله جلَّ وعلا أن أباح لنا الجزية؛ لعلهم ينتبهون، لعلهم يدرسون وضعهم، لعلهم يتأمَّلون ما وقع منهم فيرجعون إلى أنفسهم فيدخلون في الإسلام؛ لأنَّ الجزية نوعٌ من الصَّغار، تُؤخذ منهم عن صغارٍ، وعن ذُلٍّ، فلعلهم بهذا ينتبهون ويتوبون إلى الله، ويدخلون في الإسلام، حتى يسلموا من هذا الذلِّ والهوان، وهذا المال الذي يبذلونه.

والحديث الثاني: حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الأموي -والد عبدالملك بن مروان الخليفة- يُخبر كلٌّ منهما عن صُلح الحديبية، والصلح ثابتٌ في البخاري ومسلم، والرسول ﷺ جاء إلى مكة لا يقصد قتالًا، وإنما جاء للعمرة -لأخذ العمرة- في ألفٍ وأكثر من أربعمئة، فصدّته قريش، قالوا: لا تدخل علينا ضغطةً، قال: إنا ما جئنا للحرب، إنما جاء للعمرة، قالوا: ولو، ما نسمح لك، فدار بينه وبينهم بحثٌ في الحرب والصلح، ثم تمَّ الأمرُ بينهم بعد مُراجعات كثيرة، وإرسال الرسل بينهم، أرسلوا عدَّة رسل بينهم وبين النبي ﷺ، حتى جاء الرسولُ الأخير سهيل بن عمرو، فلما رآه النبيُّ ﷺ قال: قد سهل لكم من أمركم تفاؤلًا باسم سهيل.

ثم صالحهم على وضع الحرب عشر سنين بين قريش وأبي سفيان وغيره من كُبراء قريش، يأمن فيها الناس، ويكفُّ بعضُهم عن بعضٍ، فتمَّ الصلحُ على هذا، وعلى أنه لا يأخذ العمرة في هذا العام الذي جاء فيه -عام ستّ- ولكن يأخذ العمرة في العام القادم -عام سبع- تنفيذًا لما أرادوا من زعمهم أن دخوله فيه ضغط عليهم، قالوا: من الصلح أنَّك ترجع عامك هذا، وتأخذ عمرةً في العام القادم، فرضي النبيُّ ﷺ بهذا.

ولما قال: هذا ما عاهد عليه محمدٌ رسول الله، سهيل بن عمرو قالوا: لا، لو نعلم أنَّك رسول الله ما صددناك، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبدالله، فقال: اكتب: محمد بن عبدالله، فلما قال: بسم الله الرحمن الرحيم قال: لا، ما نعرف الرحمن، اكتب: باسمك اللهم كما كنا نكتب، فقال: اكتب: باسمك اللهم، هذا يدل على أنَّ الصلح إذا كانت فيه مصلحة للمسلمين ولو فيه بعض الغضاضة لا بأس به.

ثم دار البحثُ بينهم وبين النبي ﷺ فيمَن يأتي مسلمًا، فقالوا: مَن جاءك منا مُسلمًا تردّه علينا، ومَن جاء منكم مُرتدًّا لن نردّه إليك، فقال: اكتب، فقالوا: يا رسول الله، كيف نكتب؟ كيف نردّ عليهم مَن جاء مسلمًا، فقال ﷺ: أما مَن ذهب منَّا إليهم –مرتدًّا- فأبعده الله، وأما مَن جاءنا منهم مُسلمًا فسوف يجعل الله له فرجًا ومخرجًا.

والمقصود من هذا أنه تنازل عليه الصلاة والسلام عن أشياء كثيرةٍ من أجل الصلح، وما ذاك إلا لما يترتب على الصلح من الخير العظيم، ومن المصلحة العامَّة والفتح للمسلمين والأمن، حتى يتوجَّه الناس إلى المدينة مُهاجرين، وحتى يأمن الناسُ في طُرقاتهم من صدِّ قريش وحُلفائها، فالنبي خضع لهذا الصلح على ما فيه من الغضاضة على المسلمين للمصلحة العامَّة الكبيرة، تنازل عن اسم "الرحمن الرحيم" إلى "باسمك اللهم"، وتنازل عن "محمد رسول الله" إلى "محمد بن عبدالله"، وتنازل عمَّن جاءهم من المسلمين مُرتدًّا لا يُردّ، ومَن جاء منهم مُسلمًا يردّ، كل هذا التنازل لرغبتهم في المصلحة العظيمة العامَّة، وهي وضع الحرب عشر سنين حتى يأمن الناسُ، فتمَّ الصلح على هذا، وأنزل الله فيه: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا سمَّاه الله فتحًا، إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ۝ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1- 2]، فصار فتحًا دخل بعده الناسُ في دين الله أفواجًا، وتوجَّهوا إلى المدينة، وأمن الناس في طُرقاتهم، ثم جاء في العام القادم فاتحًا، ونصره الله عليهم، ودخل عنوة في العام الثامن -عام ثمانٍ من الهجرة- دخلها عنوةً فاتحًا، ووافقت قريش، ودخلت في دين الله أفواجًا، بعدما اعتمر عمرة القضاء في سنة سبعٍ، جاء في عام ثمانٍ فاتحًا منصورًا مُؤيَّدًا ببركة هذا الفتح العظيم الذي هو الصلح.

فهذا يدل على أنَّ لولي الأمر الصلح، ولو كانت فيه غضاضة على المسلمين، إذا رأى المصلحةَ في ذلك، كما فعله النبيُّ ﷺ مع قريشٍ يوم الحديبية سنة ستٍّ من الهجرة.

كذلك حديث: مَن قتل مُعاهدًا لم يرح رائحة الجنة، هذا فيه تحذيرٌ من قتل المعاهدين، وأنه لا يجوز قتل المعاهد؛ مَن تم له العهد لا يجوز قتله، إذا عاهده وليُّ الأمر ودخل في الأمان، أو أُعطي عهدًا، أو وافق على أخذ الجزية منه لا يُقتل، بل يجب أن يمضى له العهد، فالمسلمون على شروطهم، والواجب عدم إخفار العهد، ولهذا قال: مَن قتل مُعاهدًا لم يرح رائحةَ الجنة، هذا وعيدٌ عظيمٌ، فالواجب على مَن أعطاه وليُّ الأمر العهدَ والذِّمة -سواء بجزيةٍ أو بغير جزيةٍ- ألا يخفر، وأن يبقى له عهده وذمَّته حتى يخفر هو، فلا يجب على ولي الأمر أن يتم العهود وألا يخفرها حتى تمضي المدة التي عاهد عليها، نعم.

 

الأسئلة:

س: هل لابد من توقيت الصلح والهُدنة؟

ج: ظاهر السنة التوقيت؛ لأنَّ الوقت المطلق يطول، لكن إذا دعت الحاجةُ إلى مصلحةٍ ولم يتيسر إلى المطلق جاز، ولولي الأمر إذا رأى المصلحة نبذ العهد إليهم.

س: هل يجوز لأي دولةٍ من دول العالم الإسلامي الآن توقيع اتفاقية مع اليهود؛ بناءً على مصالحها الخاصَّة الاقتصادية والسياسية وما أشبه ذلك دون بقية بلاد المُسلمين؟

ج: نعم، نعم، لهم، البقية لسوريا والأردن أن تصطلح معهم، أو للفلسطينيين أن يصطلحوا معهم على وضع الحرب إذا دعت الحاجةُ إلى هذا.

س: قول الشارح: "في هذا دليلٌ على أنَّ المسلم إذا قتل المُعاهد أو الذّمي لا يُقتص منه"؟

ج: لأنه قال: .....، ما قال: بعد قصاص، هذا مقصوده، والحديث الصحيح الآخر: لا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ، لكن يغرم الدِّية، ولولي الأمر أن يُؤدبه إذا قتل مُعاهدًا، عليه الدِّية فقط.

س: ويصل التَّأديب إلى القتل؟

ج: لا، التأديب بغير القتل، لا يُقتل به، الرسول ﷺ قال: لا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ.

س: إذا كلَّم مسلمٌ كافرًا بالتليفون ماذا يقول له؟

ج: ما فيه بأس.

س: ماذا يقول له، يُسلِّم عليه؟

ج: يُكلِّمه في حاجته: كيف حالك يا فلان؟ ماذا عندك؟ هات كذا، وإلا أعطنا كذا، وإلا رأيت فلانًا؟ ما يقول: السلام عليكم، لا.

س: يقول: كيف الحال؟

ج: ما في بأس، كيف أولادك؟ ما يُسمَّى سلامًا هذا.

س: كثيرٌ من العرب الكفَّار يعرفون العبارة: السلام عليكم ورحمة الله؟

ج: إذا بدأوك تقول: وعليكم السلام: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، هذا مع المسلمين، أما مع الكفَّار فيُقال: وعليكم.

س: قصة الصحابي محلم بن جثامة، حيث لفظته الأرضُ هذه صحيحة؟

ج: ما أتذكر حالها الآن.

س: ما هناك فرقٌ بين الصلح؟

ج: ماذا؟

س: ما هناك فرقٌ بين الهدنة المُطلقة والهُدنة الدائمة المنصوص على دوامها؟

ج: ما أعلم مانعًا إذا ما دعت الحاجةُ إليها، إذا لم يتيسر صلح إلا مطلقًا، ثم بعد ذلك مَن أراد نقضه ينبذ العهد لصاحبه.

س: ألا يترتب عليه ترك الجهاد؟

ج: إذا قوي على الجهاد ينبذون العهد؛ لأنه مُطلق، ما هو مقيد، يقول: ترى الصلح الذي بيننا نقضناه، إما أن تُسلموا، وإما أن نُقاتلكم.

س: ما نصَّ بعضُ الفقهاء على عدم جواز الصلح المُطلق؟

ج: ما عليه دليلٌ، الله جلَّ وعلا يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]، وأطلق جلَّ وعلا.

س: ما عمَّت به البلوى الآن: صور الملابس على الأطفال، هل يجوز بيعها وشراؤها؟

ج: لا، ما يجوز، إن فيها صور حيوانات.

س: نعم، وبني آدم وما أشبه ذلك.

ج: ولو، ما يصلح، لكن إذا جُعلت مخدّات يُتكأ عليها أو تُوطأ ما في بأس.

س: لا شراؤها ولا بيعها؟

ج: إلا إذا جعلها شيئًا: وسائد، ما تُلبس، ما تصير ملابس.

س: إذا كانت في الشراب صور؟

ج: ممتهنة، الشراب ممتهن، منداسة.

 

بَاب السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

1328- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "سَابَقَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْخَيْلِ الَّتِي قَدْ ضَمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّة الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ: مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَالٍ، أَوْ سِتَّة، وَمِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيل.

1329– وَعَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سابقَ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَفَضَّلَ الْقُرَّحَ فِي الْغَايَةِ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1330- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا سَبْقَ إِلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

1331– وَعَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَمِنَ فَهُوَ قِمَارٌ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

1332- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقْرَأُ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ الآية [الأنفال:60]، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا الباب أورده المؤلفُ لبيان حكم السبق والرمي، والمقصود من هذا بيان شرعية المسابقة وتعلم الرماية؛ لما في ذلك من إعدادٍ للجهاد، وتمرُّنٍ على آلات الجهاد، وطرق الجهاد، فتُستحبّ المسابقة ليتمرَّن المؤمنُ على ركوب الخيل، وأيضًا تمرن الخيل على السبق في مُطاردة الأعداء، وهكذا ما يتعلَّق بأنواع الرمي، المجاهد في حاجةٍ إلى ذلك؛ حتى يعرف أنواع الرمي، كيف يرمي، ويتمرَّن على ذلك؛ حتى إذا قابل العدو أمكنه أن يرميه، وأمكنه أن يتحرز من شرِّه.

كل هذا داخلٌ في قوله: وَأَعِدُّوا، كل هذا الكلام داخلٌ في قوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ، فالمسابقة والعناية بالرمي والتَّجارب كلها داخلةٌ في قوله: {وَأَعِدُّوا}، فالمسابقة كونه يُسابق على الإبل، أو الخيل، أو يُسابق بالرمي، أو يُسابق بالأقدام، أو يُسابق بغير ذلك، فالمسابقة مطلوبة، وقد يحتاج للمُسابقة على الأقدام، وقد يحتاج مسابقة في البغال أو الحمير، يمرّنها عند الحاجة إليها.

وهكذا الرمي: قد يكون بالمدفع، وقد يكون بآلاتٍ أخرى: بالنبل، قد يكون بالبندق المعروفة، قد يكون بغير ذلك.

فالمقصود من هذا أن المؤمن يتمرّن على هذه الأشياء حسب وقته، حسب عصره، كل وقتٍ له ما يُناسبه، وقت النبي صلى الله عليه سلم شيء، وفي الأوقات التي بعده شيء آخر، كان ذاك الوقت عندهم النبل والرماح والخيل، واليوم عند الناس غير ذلك، عند الناس الرمي بالمدافع، عند الناس الطائرات، والسيارات، وغير ذلك، والبواخر في البحار، وغير ذلك.

فالمقصود التَّمرن على الأشياء التي تُعين على جهاد الأعداء، وتُعين أيضًا على التَّخلص من مكائدهم وشرِّهم.

الحديث الأول: أنه ﷺ سابق بين الخيل، وفضل المضمرة على غيرها، المضمرة التي قد أُعدت للمُسابقة، قد ضمرت يعني: أعدت للسباق؛ لأنَّ أهل الخيل لهم عادات يعرفونها في تضمير الخيل وتهيئتها للمُسابقة بطريقةٍ يفعلونها، تُضمر وتُعدّ حتى يكون جريُها أقوى، وحتى تكون أسرع في الجري، وهناك خيلٌ لم تُضمر، يُسابق بها وهي ما أُعدت لهذا الشيء، فالمضمرة يكون أمدها طويلًا، وغير المضمرة دون ذلك، ولهذا جعل للمُضمرة خمسة أميال أو ستة، وجعل لغير المضمرة ميلًا واحدًا.

فهذا يدل على فضل المسابقة بين الخيل، وأنه تُستحب المسابقة بينها، والتفضيل بين التي قد أُعدت وضمرت، والقرح التي قد سبق لها العمل، سبق لها العدو، وسبق لها التَّجارب، القرحة يعني: كبيرة السن التي قد مضى شبابها، وكان لها تمرن في العدو، ولهذا فضل القرحة كما في الحديث الثاني .....، القرحة التي لها سبق في ميدان العمل، ومضى بعضُ سنِّها، وصارت كبيرةً؛ كالبازي في الإبل ونحو ذلك.

والمقصود من هذا أن المسابقات تكون فيها عناية، يكون فيها تفضيل القرح التي قد سبقت تجاربها وعدوها واستعمالها، ما هي مثل التي ما بعد مُرّنت ولا جُرّبت، يكون لهذه شيء، ولهذه شيء.

والحديث الثالث: حديث مَن أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس، فإن أمن فهو قمار، هذا حديثٌ ضعيفٌ، ولا حرج في المسابقة بين شخصين كل واحدٍ قد قدم سبقًا –يعني: مالًا- وكان بعضُ أهل العلم يرى أنه لا بدّ أن يكون أحدُهم لم يُقدم مالًا؛ حتى لا يكون إما غارمًا، وإما غانمًا، حتى يخرج من مُشابهة القمار، والصواب أنه لا حاجةَ للتحريم، ولا حاجة إلى فرسٍ تسبق أو ما تسبق، إذا تقدَّم اثنان أو ثلاثة أو أربعة، وقدَّموا سَبَقًا –يعني: عوضًا- فلا بأس أن يُقدِّموا جميعًا، أو يُقدم بعضُهم، ومَن سبق أخذ ذلك، هذا هو الصواب، ولا حاجة إلى محلل، فالحديث هذا ضعيفٌ.

ويقول ﷺ: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ معناه: أن المسابقة التي فيها عوض لا بدّ أن تكون في الرمي، أو في الإبل -وهي صاحبة الخفِّ- أو الحافر -وهي الخيل- إذا كان فيه عوض، لا سبقَ يعني: لا عوض، إلا في نصلٍ وهو الرمي، أو خُفٍّ وهو الإبل، أو حافرٍ وهو الخيل، معناها: أن المسابقة بالبغال أو الحمير لا يكون فيها عوضٌ، مسابقة بدون عوضٍ، وإنما العوض يكون في الخيل والإبل والرمي خاصَّةً.

أما حديث عقبة: فيقول ﷺ: ألا إنَّ القوة الرمي، ألا إنَّ القوة الرمي في تفسير قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فهي الرمي، سواء بالبنادق، أو بالمنجنيق، أو بالمدافع، أو بغير ذلك من أنواع الرمي، هي قوة، وإن كان السيف قوة، والرمح قوة، لكن الرمي هو الأساس؛ لأنه ينتقم من العدو عن بعدٍ، أما السيف والرمح فيحتاج إلى مُقابلةٍ ومخالطةٍ، فلا يحصل القتال بالرمح والسيف إلا عند المخالطة والاتِّصال، أما الرمي فمن بعيدٍ، ولهذا قال: ألا إنَّ القوة الرمي، فيمكن أن يغلب العدو ويقهر العدو بالرمي من بعيدٍ، والناس مُتباعدون، ما بينهم خلطة، غير محتاجين للسيف، ولا للرمح، لكن عند المخالطة بين الجيشين، أو بين الحزبين، أو بين الصّفين يحتاج الناسُ إلى السيف، ويحتاجون إلى الرمح ونحوه، أما عند البُعد فالرمي، فالرمي أعمّ وأنفع، إذا وُجد الرمي، ووُجد العالمُ به، والمتمرن عليه يكون أنفع؛ لأنه يُقاتل به العدو من بعدٍ، وهكذا بقية الأشياء التي يحتاج إليها من الدّروع وغيرها، والبيضة على الرأس يحتاج إليها، ولو من بعدٍ، ولو كان بعيدًا؛ لأنها تقي الرمي، ولهذا كانت العربُ تستعمل الدروع والبيضة على الرأس لاتِّقاء السِّهام.

فالحاصل أنَّ المجاهدين الواجب عليهم أن يتمرَّنوا في كل ما يقع في زمانهم، كل زمانٍ له سلاحه، وله قوته، فالواجب على المجاهدين من المسلمين أن يتعلَّموا القوة التي تُستعمل في وقتهم، وفي زمانهم: من رمي، ومن دروع، ومن بيضةٍ، ومن غير ذلك على الرأس، ومن غير هذا، يستعملون الشيء الذي تقع به الحروب في زمانهم، ولا يقتصرون على ما كان في زمن النبي ﷺ، فكل زمنٍ له سلاحه، وله قوته، وله جهاده، وله استعداده، ولهذا عمَّ سبحانه فقال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]، يعمّ الرمي، ويعم غيره من أنواع القوى التي يُقاتل بها الأعداء.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: حديث أبي هريرة: لا سبقَ إلا في نصلٍ، أو خُفٍّ، أو حافرٍ درجة الحديث؟

ج: صحيح.

س: هل العوض يصلح لغيرها؟

ج: نعم؟

س: ..... ما في معناها؟

ج: العوض خاصٌّ بهذا نعم.

س: على أنه على الاستحباب أو الإباحة؟

ج: ما هو؟

س: الرمي والسبق على أنه للاستحباب؟

ج: هذا من القوة المعدّة، يجب على ولي الأمر أن يمرن الناس على هذا، يُعلم الجنود والذين يعملون ..... ويُمرنهم على كلِّ ما يُعينهم على الجهاد.

س: مَن اشترى خيلًا للاستمتاع، وقال في نيَّته أنه إذا جاء الجهادُ أدخل الجهاد، والذي يصرف عليها وروثها في ميزان حسناته؟

ج: يُرجى له الخير، يُرجى له الخير، ما دام يعدّها للخير يُرجى له، ولهذا قال: وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60].

س: كذلك ركوبها للنّزهة؟

ج: ما فيه بأس، لكن مَن أعدَّها للجهاد يُؤجر، أما مَن أعدَّها لحاجته فلا أجر ولا وزر، أما إذا أعدّها للجهاد يُؤجر.

س: في أماكن اللَّهو يضعون ميادين للخيل، لو الإنسان راح إلى البحر؟

ج: إذا كان التَّمرن عليها لقصد وجه الله يُؤجر عليها، أما إذا كان لسعة البال ولم يقصد الجهادَ لا له ولا عليه.

س: إلى قيام السَّاعة؟

ج: إلى قيام الساعة.

س: ولو جاءت سيارات وطائرات؟

ج: ولو، ولو، ما دام قصده أنه إذا احتيج إليها يُعلمه ولي الأمر الطيران، ويعلم الناس السلاح الآخر من أنواع السيارات، أنواع الرمي بالمنجنيقات، بالمدافع -أنواع السلاح- بالطائرات، المراكب البحرية، كذلك إلى غيرها.

س: النَّهي عن الصلاة في الأوقات المنهي عنها هل يدخل فيها الحرم؟

ج: الصواب أنه ..... مكة ما تدخل؛ لأنَّ الناس يحتاجون إلى هذا ..... يعني: في الطواف والسعي ما له وقت نهي؛ لأنه من ذوات الأسباب.

س: لكن لو أراد أن يتنفَّل؟

ج: لا، التَّنفل لا، بعد العصر والصبح لا، لكن الطواف فقط، ولهذا قال ﷺ: لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى أيَّة ساعة شاء من ليلٍ أو نهارٍ؛ لأنَّ ركعتي الطواف تُعتبر من ذوات الأسباب.

س: ما وجه التَّخصيص في حديث أبي هريرة: لا سبق إلا في خفٍّ، أو نصلٍ، أو حافرٍ؟

ج: ماذا؟

س: وجه تخصيصه بالعوض في حديث الرسول؟

ج: لأنها هي المستعملة: الخف، والحافر، والرمي، هذا هو محل العوض، وأما البغال والحمير فلا؛ الرسول خصَّها بهذا لأنها هي محل الجهاد: الإبل، والخيل، والرمي، أما البغال والحمير ما هي.