11- من حديث (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه)

1093- وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، ولَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وهُوَ مَعْلُولٌ.

1094- وأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ: عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِثْلَهُ، وإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ أَيْضًا.

1095- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، ولَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، ولَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ.

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ، ونُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا ورَدَ فِيهِ.

1096- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أو يَفِيقَ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ، والْأَرْبَعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وأخرجه ابن حبان.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالطلاق، والنكاح، والنذر، وهي تدل على أنه ليس للإنسان طلاقٌ فيما لا يملك، ولا عتقٌ فيما لا يملك، ولا نذرٌ فيما لا يملك، وهي مُجتمعة يشدّ بعضُها بعضًا، يدل على أنَّ عتق الإنسان ما لا يملك باطلٌ، يقول لعبد فلان: حر، وهو ما ملكه، كلام، هذا كلام لعب، أو يقول: فلانة طالق، وهو ما بعد تزوَّجها كذلك، أو: إن تزوَّجتُها فهي طالق؛ لأنه ما يملكها الآن.

كذلك النذر: كونه ينذر أنَّ عبد فلانٍ حرٌّ، أو أنَّ مال فلانٍ صدقة، وليست في ملكه، أو بيت فلانٍ صدقة، فكل هذا لا يثبت؛ لأنه لا يملكه.

وإنما ينفذ نذره فيما يملك، أو في الذمة، فإذا قال: لله عليَّ أن أعتق عبدًا، لله عليَّ أن أتصدق بكذا .....: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، أما أن ينذر: عبد فلان، أو: مال فلان، ليس له نذرٌ في هذا، وليس له عتقٌ عن فلان، ولا يصحّ له طلاق امرأةٍ إلا بعد أن يتزوَّجها، لا مُنَجَّزًا، ولا مُعلَّقًا، إنما يملك طلاقَ مَن كانت في عصمته، وانتفت الموانع.

وحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي ﷺ أنه قال: رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق.

هذا محل إجماعٍ بين أهل العلم، الحديث صحيح، فالإنسان لو تكلم وهو نائم بطلاق امرأته، أو عتق عبيده، أو سبٍّ، أو كذبٍ، ما يُؤاخذ بذلك؛ لأنه لا عقلَ عنده، والصغير حتى يبلغ غير مُكلَّف، لا إثم عليه، فلو ترك الصلاة لا إثم عليه، ترك الصيام لا إثم عليه؛ لأنه لم يبلغ، وما يحتسب عليه الإثمُ إلا بعد البلوغ، أما الثواب فيُثاب ولو كان صغيرًا، إذا صلَّى وهو ابن سبعٍ يُؤجر، حجَّ يُؤجَر، كما قال للمرأة التي معها الصبي لما قالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولك أجرٌ، فالصبي له أجرٌ بالعمل الطيب، لكن ليس عليه وزرٌ في الأعمال الأخرى، يعني: لو شرب مُسْكِرًا، أو سبَّ، أو تكلَّم بغيبةٍ أو نميمةٍ، فما عليه إثمٌ حتى يبلغ، لكن يُمْنَع من هذا، على وليِّه أن يمنعه من الغيبة، يمنعه من النَّميمة، يمنعه من التَّدخين، من شرب الخمر، يمنعه مما حرَّم الله.

ولهذا لما أخذ الحسنُ تمرةً من الصدقة قال له النبيُّ ﷺ: كخ، كخ، وطرحها من يده، أما علمتَ أنها لا تحلّ لنا الصدقة، وهو صغيرٌ، مات النبيُّ ﷺ وهو في السابعة، فالولي يمنع الطفل مما حرَّم الله، لكن لو فعل فلا إثمَ عليه، لكن الإثم على وليِّه إذا تساهل معه، يمنعه من المعاصي، يمنعه من سبِّ الوالدين، يمنعه من العقوق، يمنعه من المسكرات، يمنعه من التدخين، يمنعه من الغيبة، يمنعه من كلِّ ما حرَّم الله، فالإثم على وليِّه إذا تساهل.

وهكذا مَن أراد أن يفعل المنكر يُنْكر عليه، ولو غير وليه، يعلمه المسلم، يعلم الأولاد، ويُوجِّههم إلى الخير، أولاده، وأولاد أخيه، وأولاد بنته، ومَن كان عنده في البيت أو في غير البيت يُوجِّههم إلى الخير، لكن الولي يلزمه لزومًا أن يأخذ على أيديهم ويمنعهم مما حرَّم الله، وعليه أن يدلهم على الخير، ويأمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا، ويضربهم إذا بلغوا عشرًا، كما أمره النبيُّ ﷺ في ذلك.

وفَّق الله الجميع.

 

بَابُ الرَّجْعَةِ

1097- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ، ثم يُرَاجِعُ ولَا يُشْهِدُ، فَقَالَ: "أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وعَلَى رَجْعَتِهَا".

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا مَوْقُوفًا، وسَنَدُهُ صَحِيحٌ.

وأخرجه البيهقيُّ بلفظ: أنَّ عمران بن حُصين سُئل عمَّن راجع امرأتَه ولم يُشهد، فقال: "في غير سنةٍ، فليُشهد الآن".

وزاد الطبرانيُّ في روايةٍ: "ويستغفر الله".

1098- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَرَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلق بصفة الطلاق والإشهاد عليه:

ففي الحديث الأول -حديث عمران- أنه سُئل عمَّن طلَّق، فقال: "أشهد على طلاقها، وعلى رجعتها".

وفي رواية أبي داود: فقال: "طلَّق في غير سنةٍ، ورجع في غير سنةٍ، فليُشهد على طلاقها، وعلى رجعتها"، والمؤلف اختصره هنا، ولم يذكر لفظ أبي داود كاملًا .....، بيَّن رحمه الله أنَّ عمران أجاب بأنه طلَّق في غير سنةٍ، وراجع في غير سنةٍ، وأمره أن يُشْهِد على طلاقها، وعلى رجعتها، هذه هي السنة، إذا طلَّق يُشهد؛ لأنه قد ينزغه الشيطانُ فيجحد، فالطلاق فيه احتياط، وفيه حفظ الواقع، وإلا فالعمدة على الإقرار، ولهذا جاء في أحاديث كثيرة أنَّ الرسول ﷺ أخذ بإقرارهم، ولم يسألهم عن الشهود، لكن إذا طلَّق وأشهد يكون أحوط وأولى، وهو السنة؛ حتى لا يجحد بعد ذلك، أو ينسى، فإن لم يُشْهِد وقع الطلاقُ، مع كونه خالف السنة.

وهكذا الرجعة: إذا راجعها وقعت الرجعة ولم يُشهد، تكون الرجعةُ واقعةً؛ لأنَّ الله قال: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228]، لكن إذا أشهد فهو السنة، كما قال تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2]، فهذا يعمُّ الطلاق، ويعمُّ الرجعة، فالسنة أن يُشهد على الطلاق، ويُشهد على الرَّجعة.

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما طلَّق امرأته وهي حائض، غضب النبيُّ ﷺ عليه، وقال: مُرْهُ فليُراجعها، ثم ليُمْسِكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم يُطلِّق إن شاء قبل أن يمسَّ، فتلك العدَّة التي أمر الله أن تُطلَّق عليها النساء.

فدلَّ على أنَّ مَن طلَّق في الحيض فإنه لا يقع طلاقه، وتبقى الزوجة في عصمته حتى يُطلِّقها بعد الطُّهر، وقبل المسيس، والسنة أن يُمسكها حتى تطهر، ثم تحيض حيضةً أخرى، ثم تطهر، ثم يُمسك، ثم يُطلِّق قبل أن يمسَّ، هكذا السنة التي أرشد إليها النبيُّ ﷺ ابن عمر.

واختلف العلماء في هذا الصنف؛ فأكثر أهل يقولون: إنه يقع الطلاق في الحيض مع الإثم، يأثم ويقع الطلاق، ويستدلُّون بظاهر قوله: فليُراجعها، فإنَّ ظاهرها أنَّ الطلاق وقع، ولكن كونه قال بعد ذلك: ثم ليُمْسِك، فإذا طهرت فليُطلِّق دليلٌ على أنَّ الطلاق الأول لم يقع ...، ودلَّ ذلك على أن الأول لم يقع، وأن معنى فليُراجعها أي: فليردها ويُمْسِكها كما في اللفظ الآخر: حتى تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ، وتلك العدَّة التي أمر الله أن تُطلَّق عليها النساء، وفي الرواية الأخرى: "فردَّها عليه، ولم يرها شيئًا"، وقال: إذا طهرت فليُطلِّق، أو ليُمْسِك.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: ما يُعتبر رضا الزوجة في الرَّجعة؟

ج: لا، ما يُعتبر: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228]، من دون إذنها.

س: والإشهاد أحسن الله إليك؟

ج: سنة مُؤكَّدة على الطلاق والرجعة جميعًا.

 

بَابُ الْإِيلَاءِ والظِّهَارِ والْكَفَّارَةِ

1099- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "آلَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ نِسَائِهِ، وحَرَّمَ، فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا، وجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً".

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، ورُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.

1100- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وُقِفَ الْمُولِي حَتَّى يُطَلِّقَ، ولَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

1101- وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: "أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رجلًا من أَصْحَابِ رسول الله ﷺ كُلُّهُمْ يَقِفُونَ الْمُولِي". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.

1102- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ إِيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ، والسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ". أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة -الآثار الأربعة- كلها في الإيلاء: الله جلَّ وعلا قال في كتابه العظيم: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226- 227]، فالإيلاء معناه: أن يحلف أنه لا يطأها، والله أني ما أطأها، أو عليه الطلاق لا يطأها، ويستمر، هذا يُسمَّى: المولي، فإذا كانت المدة أربعة أشهر فأقلّ فلا حاجة إلى إيقاته، يُوفِّي بيمينه، ولا حرج، وإن كانت المدة تزيد على أربعة أشهر فإنه يوقت، كما أوقته الصحابةُ، فيقال: إما أن تُطلق، وإما أن تُجامعها؛ لأنَّ طول المدة قد يُفضي إلى فسادٍ منه، أو منها.

فالواجب على مَن كانت عنده زوجة أن يتَّقي الله فيها، وأن يحرص على إعطائها حقَّها، ومُعاشرتها بالمعروف، وألا يتأخَّر في جماعها في الأوقات المناسبة حتى لا تقع في شرٍّ، ولا يقع في شرٍّ؛ لأنَّ الجماع -قضاء الوطر- من أسباب العفَّة له ولها، فإذا تساهل في الأمر فقد يقع في الشرِّ، أو تقع هي في الشرِّ.

فالأربعة أشهر مدة متوسطة، فإذا آلى مدة أربعة أشهر فلا حرج إذا دعت المصلحةُ إلى ذلك، وصار هناك مُوجبٌ لذلك، ولكن لا يزيد، يُوقَف، إلا أن ترضى، قالت: لا تُوقفه، أنا راضية، فلا بأس، لكن إذا طلبت يُوقَف: إما أن يُطلِّق، وإما أن يُجامع بنصِّ الآية؛ لأنَّ الله قال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أباح لهم التربص أربعة أشهر، فَإِنْ فَاءُوا يعني: رجعوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226- 227].

المقصود أنه يُخيَّر: إن شاء رفع، جامع، وإن شاء طلَّق، قد تكون مصلحةُ الطلاق له ولها، قد تكون المصلحة في الفيء، فينظر في المصلحة، ويعمل بالمصلحة التي يجتهد فيها، والحمد لله.

أما إذا كانت دون ذلك: ثلاثة أشهر، أو شهرين، أو أربعة أشهر إلا قليلًا، فهذا لا يوقت، له أن يلزم بمدته، ثم يُجامع.

وهذا كله عند المطالبة، أما لو سمحت على أكثر من أربعة أشهر، واتَّفقا فيما بينهما فلا حرج، فهذا الشيء الحقُّ فيه لهما، فإذا تسامحا في ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر فلا حرج، إلا أن يخافا على أنفسهما، فالواجب عليهما قضاء الوطر، وعدم التَّساهل في هذا الأمر؛ لأنَّ التساهل قد يُفضي بهما أو بأحدهما إلى الشرِّ، فالواجب على كلِّ واحدٍ منهما أن يحذر ما يجرُّه إلى الفاحشة: من ترك الوطء، ومن إطلاق البصر، أو من غيرها من أسباب الشرِّ.

 نسأل الله للجميع التَّوفيق.

 

الأسئلة:

س: صورة الإيلاء؟

ج: والله ما أطأ زوجتي.

س: يحلف بالله أنه حرم؟

ج: نعم، أو يُطلِّق، وقصده الامتناع، الصحيح أنَّ الطلاق بقصد الامتناع حكمه حكم اليمين، حتى ولو ظاهر باسم الإيلاء، قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي لا أُجامعها سنةً، يُقال له: إما أن تفي، وإما أن تُطلِّق، وإذا وفى كفَّر كفَّارة الظهار؛ لأنَّ هذا حكم يمين، يُقال عليه: الظِّهار، أو كظهر أمي لا أطأها ستة أشهر، أو سبعة أشهر، أو عليَّ الطلاق –قصدي إيقاع الطلاق- أني ما أُجامعها إلا بعد ستة أشهر، يُقال له: إما أن تفي بعد أربعة أشهر، والطلاق يُنظر فيه: إن كان الطلاق الرجعي، وإن كان طلاقًا بائنًا، إلا إذا سمحت.

 

1103- وعَن ابن عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ وقَعَ عَلَيْهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي وقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ به.

رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، ورَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ.

وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما، وزَادَ فِيهِ: كَفِّرْ ولَا تَعُدْ.

1104- وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَخِفْتُ أَنْ أُصِيبَ امْرَأَتِي، فَظَاهَرْتُ مِنْهَا، فَانْكَشَفَ لِي شَيْءٌ مِنْهَا لَيْلَةً، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: حَرِّرْ رَقَبَةً، فقُلْتُ: مَا أَمْلِكُ إِلَّا رَقَبَتِي، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قُلْتُ: وهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَّا مِن الصِّيَامِ؟! قَالَ: أَطْعِمْ عرْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، والْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الْجَارُودِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذان الحديثان يتعلَّقان بالظِّهار، والظِّهار محرَّم كما قال الله جلَّ وعلا: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2]، ومن المنكر والزور، وليست زوجته محرمةً عليه، وليست زوجته كأمِّه، بل ذلك منكرٌ من القول.

فالواجب على المسلم أن يتوب إلى الله إذا ظاهر، وأن يُكفِّر الكفَّارة الشرعية؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا حذَّره من ذلك، وبيَّن أنَّ تحريم الزوجة كالأم من المنكر، ومن الزور، فالواجب التوبة من ذلك، والحذر من العودة إلى مثله، كما في الحديث الصحيح لما ذكر الرجلُ أنه ظاهر من امرأته، ثم أتاها، أمره أن يُخرج الكفَّارة، وقال: لا تَعُدْ، فمَن أتاها قبل أن يُكفِّر فقد ظلم نفسه، وعليه التوبة إلى الله؛ لأنَّ الله قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3]، فلا بدّ من الامتناع حتى يُخرج الكفَّارة، وهي: عتق رقبةٍ، مع التوبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينًا قبل أن يمسَّ، فلو وقع في ذلك -إذا جامع- فإنَّ الكفَّارة تستقر عليه، وعليه التوبة، ولا يعود حتى يُوفي الكفَّارة؛ تنفيذًا لقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا.

وهكذا حديث سلمة بن صخر: كان إذا دخل رمضانُ ظاهر امرأته، إذا دخل رمضانُ ظاهر منها؛ خشي أن يقع في جماعها في رمضان، فقدر أنه بدا له شيءٌ في بعض الأيام فوقع، فأمره النبي ﷺ أن يعتق رقبةً، قال: لا أملك إلا رقبتي، قال: صم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيام؟! يعني: ما أملك نفسي، ما أقدر أن أصوم، يعني: أنه شديد الشَّهوة، لا يستطيع صوم شهرين متتابعين قبل أن يمسَّ، فقال: أطعم عرقًا من تمرٍ، والعرق: الزنبيل الذي يُصنع من الصوف ونحوه، يقال له: زنبيل، ويقال له: عرق، وفي لفظٍ قال له: أطعم وسقًا من تمرٍ ستين مسكينًا، فالواجب على مَن عجز عن الرقبة وعن الصيام أن يُطعم ستين مسكينًا.

واختلف العلماء في الإطعام: فقال جماعةٌ: مدّ من البر، ونصف صاع من غيره، كما قاله أحمد وجماعة، ورُوي عن جماعةٍ من الصحابة.

وقال آخرون: نصف صاع من كل شيءٍ، وهذا هو الصواب، أن الواجب نصف صاع من كل شيءٍ؛ لأنه ثبت في "الصحيحين" من حديث كعب بن عُجرة: أن النبي ﷺ أمره أن يُطعم كل مسكينٍ نصف صاع من تمرٍ، وفي لفظٍ: "نصف صاع"، فدلَّ على أنَّ الواجب نصف صاع من بُرٍّ، أو غيره.

وقال آخرون: نصف صاع من البُرِّ، وصاع من غيره: كالشعير، والتمر، ونحو ذلك؛ لحديث سلمة في بعض الروايات: وأطعم وسقًا من تمرٍ، فإذا أطعم صاعًا من غير البُرِّ احتياطًا فحسنٌ، وإلا فنصف صاع يُجزئ من جميع الأنواع: من تمر، أو بُرٍّ، أو شعير، أو زبيب، أو أقط، أو قوت البلد، إن كان قوتهم الذرة أو غيرها يُخرج نصف صاع من قوت بلده قبل أن يمسَّ، هذا هو الأرجح، من جميع الأنواع، وإن أخرج صاعًا من غير البُرِّ، ونصف صاع من البُرِّ خروجًا من الخلاف فلا بأس؛ لحديث سلمة، ولكن حديث كعب أصح، وأثبت في "الصحيحين": أن النبي ﷺ أمره أن يُطعم نصف صاع من التمر، فدلَّ على أن الواجب نصف صاعٍ في جميع الكفَّارات.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: ..... بعد أن يُجامع بعد مضي شهر، هل يبدأ من جديدٍ أم يُتمّها وعليه التوبة؟

ج: بعد الشهرين، قبل أن يمسَّها، مع التوبة.

س: بعد شهر؟

ج: تبطل الكفَّارة حتى يأتي بشهرين متتابعين قبل أن يمسَّ.

س: ويبطل ما صامه في السَّابق؟

ج: نعم، لا بدّ أن يُكمل شهرين قبل أن يمسَّ.

س: مَن جامع قبل الكفَّارة ما عليه إلا التوبة فقط؟

ج: التوبة، والكفَّارة، الكفَّارة لا بدّ منها إذا أرادها، أما إذا ما أرادها وأراد أن يُطلِّقها، ولا يُريدها، فلا تلزمه الكفَّارة، لكن إذا جامع لزمته الكفَّارة مطلقًا، ولو أراد الطلاقَ استقرَّت بالجماع.

س: إذا جمع بين الظهار والطلاق، ليس عليه كفَّارة؟

ج: ولم يمسَّها ما عليه كفَّارة، إلا إذا جامعها.

س: ثم أمذى؟

ج: ما عليه شيء إلا إذا جامع.

س: لكن وقع عليها؟

ج: إذا جامع فقط، أما كونه أنزل منيًّا أو مذيًا ما يلزم كفَّارة.

س: هو يقول: إنه يفهم أنه فسد الصوم، ثم وقع على زوجته؟

ج: هذا ما يجوز، هو مظاهر أو أفطر رمضان؟

س: رمضان.

ج: عليه كفَّارة -نسأل الله العافية.

س: إذا قال: "أنت عليَّ حرام كأمي" للتخويف..؟

ج: ما يُقبل قوله، متى قال: أنتِ عليَّ كظهر أمه، أو عليَّ حرام كأمه، أو ما أشبه، فهو بحقٍّ، سواء قالها للتخويف أو لغير التخويف.

س: إذا كرر الجماعَ أكثر من مرةٍ؟

ج: ولو كرره، تستقر الكفَّارة، وعليه التوبة، يكون عاصيًا لله في كلِّ جماعٍ حتى يُكفِّر.

س: وإذا لم يستطع أن يفعل الكفَّارة؟

ج: تبقى دَينًا في ذمته حتى يجدها، ويمتنع من الزوجة حتى يجد الكفَّارة.